الملك يبارك تنصيب الوزير الأول للهند    شغيلة الصحة تواصل التصعيد أمام "صمت الحكومة" على الاتفاق الموقع    استطلاع: ثلثا المغاربة لا يثقون في أخنوش وحكومته    مطار الحسيمة يستقبل رحلات جوية سياحية من لشبونة البرتغالية    كتائب القسام لأهالي أسرى الاحتلال: حكومتكم تقتل عددا من أسراكم لإنقاذ آخرين    لاعبي منتخب الكونغو برازافيل يرفضون مواجهة المغرب    ضبط أكثر من 500 كلغ من مادة المعسل المحظورة بباب سبتة    منظمة الصحة العالمية تحذر من احتمال تفشي وباء جديد    افتتاح مهرجان الفيلم الوثائقي (فيدادوك) بأكادير    سوق الصرف: الدرهم شبه مستقر مقابل الأورو (بنك المغرب)    تقرير.. تراجع ملحوظ في دعم التطبيع واهتمام متزايد بالقضايا الاقتصادية والفساد بالمغرب    وزير الفلاحة يطلق مشاريع للتنمية الفلاحية والقروية بإقليم الحسيمة    اليوم الأخير من انتخابات الاتحاد الاوروبي مع توقع صعود اليمين المتطرف    فيدرالية اليسار تقود ائتلافا لدعم "حراك فكيك"        مزراوي مرشح لمغادرة نادي بايرن ميونيخ    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    جازابلانكا.. حفل اختتام رائع للدورة 17 يمزج بين إيقاعات الكناوي وموسيقى الفوزين    أعمال كبار الفنانين المغاربة تزين أروقة متحف الفن الحديث المرموق في باريس    وزارة الحج والعمرة السعودية: إلغاء تصاريح بعض حجاج الداخل لعدم تلقي اللقاحات    الدفاع‮ ‬والصحراء والتبادل التجاري: ‬البرازيل في‮ ‬استراتيجية المغرب الدولية... ‬والعكس‮!‬    تطوير مدرسة Suptech Santé.. مؤسسة البحث والتطوير والابتكار في العلوم والهندسة تتجاوز عتبة مهمة بين سنتي 2023 و2024 ( أزولاي)    المقالع بالمغرب تتعرض للاستغلال المفرط و تعاني من ممارسات الغش وعدم التصريح الكامل بالمداخيل ( المجلس الاقتصادي والاجتماعي)    تواصل ارتفاع أسعارها يصعب على المغاربة اقتناء أضاحي العيد..    هكذا عرفت الصين.. محمد خليل يروي قصة الفرق بين الصين في الثمانينيات واليوم    انطلاق بيع تذاكر مباراة المغرب والكونغو    المغرب يسجل حالة وفاة جديدة بفيروس كورونا    جمعية سلا تُحرز كأس العرش لكرة السلة    مهرجان صفرو يستعرض موكب ملكة حب الملوك    هذه تفاصيل أطروحة جامعية لفقيد فلسطيني خطفه الموت قبل مناقشة بحثه    استطلاع رأي.. أزمة تدبير الغذاء تعصف بثلثي المغاربة    البلجيكيون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع برسم الانتخابات التشريعية الجهوية والأوروبية    بحضور أمزازي وأشنكلي .. النادي الملكي للتنس بأكادير ينظم، لأول مرة بأكادير، البطولة الدولية للتنس لفئة الشباب أقل من 18 سنة، بمشاركة 24 دولة.    زيارة "رجاوية" تتفقد نوري في أمستردام    تواصل المطالب بالإرجاع الفوري للأساتذة الموقوفين وزملاؤهم يحملون الشارة الحمراء ويلوحون بالتصعيد    كولومبيا توقف بيع الفحم لإسرائيل بسبب الحرب في غزة    زينب قيوح تترأس أشغال لقاء تواصلي حول برنامج التنمية الجهوي 2022-2027 لجهة سوس ماسة    طلبة الطب والصيدلة مدعون إلى اقتراع وطني للحسم في وساطة حكومية تمهد لحل أزمتهم    عبد السلام بوطيب يكتب : في رثاء نفسي .. وداعا "ليلاه"    بليونش .. جنة ساحرة تجاور سبتة المحتلة وتشهد على مغربيتها منذ الأزل    انطلاق المرحلة الأخيرة لطواف المغرب للدراجات من الرباط    تشوهات الأسنان لدى الأطفال .. أكثر من مجرد مشكلة جمالية    حقيقة وفاة سجين بالمستشفى الجامعي محمد السادس بمراكش..    نقابة تدخل على خط منع مرور الشاحنات المغربية المحملة بالخضر إلى أوروبا    نتنياهو: لن نهدأ حتى نكمل المهمة ونعيد جميع الرهائن    هذه تدابير مهمة للحماية من هجمات القرصنة الإلكترونية    إعفاء مفاجئ لمدير ديوان الوالي أمزازي    رحلات أبولو: من هم رواد الفضاء الذين مشوا على سطح القمر ولا يزالوا على قيد الحياة؟    العلامة التجارية الرائعة في تسويق السيارات المستعملة Auto 24 تفتتح فرعا لها بمدينة الجديدة    ندوة بالناظور تدرس ميزانيات الجماعات    هؤلاء أهم النجوم الذين يُتوقع اعتزالهم بعد يورو 2024    ماذا يحدث لجسم الإنسان حال الإفراط في تناول الكافيين؟    موسم الحج 1445: السلطات السعودية اتخذت جميع التدابير لضمان سلامة وأمن ضيوف الرحمان    وزارة الصحة تعلن حالة وفاة ب"كوفيد"    الحج 2024: خمسة آلاف طبيب يقدمون الرعاية الصحية للحجاج عبر 183 منشأة    الأمثال العامية بتطوان... (619)    فيتامين لا    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاخطاء الاقتصادية لحكومة بنكيران الاولى - د.عبد الرحمن الصديقي
نشر في طنجة 24 يوم 04 - 10 - 2013

على بعد ايام قليلة من عمر حكومة بنكيران الاولى, الحكومة السياسية التي يتزعمها حزب العدالة والتنمية, والتي كان يعول عليها المغاربة أن تكون الجسد الذي يعطي لروح دستور 2011 كل افاقه وتطلعاته, لا زال المغرب الاقتصادي يتعثر ولم يجد لنفسه ذلك التوجه الذي من شأنه أن يعطيه المكانة التي بدأ يفقدها بين الامم (اقتصاديا طبعا). فبعد أن تم الاستغناء على اعتبار المغرب بلدا صاعدا Emergent في تصنيف Morgan Stanley Country Index (MSCI) وهي المكانة الي استطاع الوصول اليها بعد جهد وتضحيات كبيرة في الميدان المالي والاقتصادي, ها هو اليوم يخسر كذلك سبع نقط في التصنيف العالمي للتنافسية الاقتصادية (الذي يصدره World Economic Forum محتلا الصف 77 بعد أن كان يحتل الصف 70, سنة قبل ذلك). هذا في وقت لا يستطيع اقتصاده تحقيق التنمية المطلوبة للوصول الى الرفاهية المجتمعية المنشودة, عبر خلق فرص العمل الضرورية, مفتاح التنمية. فلولا السنة الفلاحية الجيدة وتحويلات العمال المغاربة بالخارج (الرقمين الايجابيين الوحيدين في اقتصاد هذه السنة, وهم رقمين خارجين عن ارادة وقرارات الحكومة)لكانت الوضعية اسوء مما هي عليه الآن.
لماذا فقد اقتصادنا بريقه ؟ ما هي الاخطاء التي ارتكبتها الحكومة في هذا الزمن الطويل اقتصاديا (القصير سياسيا) ؟ الم تكن حكومتنا ضحية كلامها الكثير (بما في ذلك القوانين ومشاريع القوانين والتصاريح والجدال السياسي العقيم) وعملها القليل لبلورة روح المقاولة وخلق الدينامية المفقودة ؟ لماذا تم التركيز كثيرا عن اقتسام الثروة (المفقودة اصلا) عوض العمل على بناء محيط انسب لخلقها؟
عدم ادراك مسألة الزمن
الكل يعرف أن زمن الاقتصاد هو قصير جدا مقارنة بالزمن السياسي او الزمن البيولوجي أو غيره من الازمنة. فبعد ما يقرب من السنتين من "تقرقاب الناب" في الاصلاح والفساد والعفاريت والريع وغيرها من المواضيع, من دون أن نعرف "راس الخيط" (كما يقال في الدارج المغربي). هجرت الاستثمارات المغرب في اتجاه دول اخرى بما فيها الرساميل المغربي الذي اتجه نحو دول غرب افريقيا كالكوت ديفوار والكونكو وغيرها, وهي الدول التي أعطته امتيازات أكثر وظروف خلق للثروة أحسن.
ثمان أشهر منذ تفجير الازمة السياسية بالبلد جعلت الفاعلين الاقتصاديين يترقبون وينتظرون قبل تقرير مصيرهم. وكل هذا الزمن الضائع يعتبر هدر للثروة ولمناصب عمل والأجور ووو. ثمان أشهر من الجمود الاقتصادي الذي عبرت عنه ارقام معاملة ضعيفة جدا في سوق البورصة بالدار البيضاء. لأن حكومات نصريف أعمال وحكومات الاقلية (كما هو الشأن بالنسبة للحكومة الحالية) غالبا ما لا تطمئن المستثمرين.
ماذا بعد نشر لوائح المستفيدين من "لاكريمات" وامتيازات المقالع ؟ لا شيء. وماذا عن التشهير بمن نهبوا البلاد والعباد؟ لا شيء طبعا, غير تبردير الزمن وفرار مبالغ مهمة من الراسميل الغير مهيكل من البلد مساهما في خنق الاقتصاد الوطني أكثر من خلال تغييب السيولة.
جدال خلق الثروة واقتسامها
ان جدال خلق الثروة واقتسامها هو جدال قديم متجدد. واغلب الاديان والاقتصاديين يؤكدون على ضرورة خلقها اولا لإمكانية اقتسامها ثانيا. والا فان القسمة لن تشمل الا الفتات الذي لا "يطعم ولا يغني من جوع". الم يمجد الاسلام العمل في قوله تعالى " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" وألم يوصينا رسول الله (ص) بأن نقضي أمورنا في الكتمان. اما أروبا الكاثوليكية فإنها لم تستطع ان تنهض وتتقدم إلا من خلال تمجيد العمل بعد الإصلاحات البروتستانتية والكالفينية القائمة عى تقديس العمل (وليس عبثا ان تقسم اوروبا في بداية القرن الماضي بين اوروبا البروتستانتية الصناعية المتقدمة القائمة على تمجيد العمل في الشمال وأوروبا الكاثوليكية الغائية اللاتينية المتخلفية في الجنوب). نفس الامر تنبه اليه آدم سميت في وقته حين ابتدأ كتابه الشهير "اسباب ثروة الامم" بمقدمة تبتدأ بكلمة "إن العمل–بوقع التأكيد طبعا-" وليس " الكلام". أما لينين لما طرح سؤاله في مؤلفه الشهير "ما العمل؟", فانه اجاب بان في سؤاله نصف الجواب. وكان يعني ايضا "العمل".
كينز بدوره ركز على تدخل الدولة (ليس فقط كمحفز) بل كفاعل (عامل) في الاقتصاد الوطني حتى يستطيع توفير افضل الشروط للاقتصاد ويصل بذلك الى مستويات قادرة على تحقيق الرفاهية المجتمعية من خلال الاستثمار العام (ولا حاجة للتذكير هنا بقرار سحب الحكومة الحالية 15 مليار كاستثمار عام من ميزانية 2013 وهي النقطة التي افاضت الكأس مع الاستقلاليين بحكم طبيعة هؤلاء الطبقية –البرجوازية الوطنية والمستفيد الاول من الطلب الداخلي الناتج عن ارتفاع الطلب بفعل توزيع الاجور-).
أمام عدم القدرة على خلق دينامية في الاقتصاد لم تجد الحكومة الحالية اذن فائض –لغياب الثروة- تغذي به عملية اقتسام الثروة, رغم تواضعها ببلدنا. فكانت النتيجة التي نعرفها جميعا: تزايد عجز الميزانية من 5.5 % سنة 2011 الى اكثر من 7% هذه السنة.
اما القرار الاخير بالزيادة في اثمان المحروقات فلن ولن يزيد الامر الا تفاقما وتعقيدا, لكون الحكومة اعتمدت المنطق المحاسباتي ونسيت تنافسية منتوجات اقتصادنا (كما بينت ذلك في مقال سابق) وما سيكون له من أثر سلبي على خلق الثروة بالبلد. خير دليل على ما اقول, تراجع تزايد الطلب الداخلي, الذي يعتبر المحرك الاساسي للنمو بالمغرب خلال السنوات المنصرمة, ب 2.7 نقطة من تزايد قدر ب 5.7 % سنة 2011 الى تزايد قدر ب 3% فقط هذه السنة (حسب احصاءات بنك المغرب). أما سوق الشغل فتزايده كان سالبا لأول مرة في تاريخ البلد منذ 1999 (اسوء من سنة 2005 حيث لم يخلق الاقتصاد الوطني سوى 42000 منصب عمل في السنة – دائما حسب نفس المصدر). ولولا تراجع نسبة النشيطين (الذين جمدوا طلباتهم وانسحبوا من احصاءات طالبي الشغل, بفعل قلة فرص العمل) لأرتفع معدل البطالة الى درجات قياسية.
الخلط بين اللعبة الاقتصادية واللعبة السياسية
الخلط بين المسؤوليات المؤسساتية والالتزامات والقناعات الشخصية, والتي بدأت منذ وصول بنكيران الى رئاسة الحكومة. فكلنا يتذكره وهو يخطب في اقتصاديي العالم في دافوس (اكبر ملتقى اقتصادي عالمي يعقد كل سنة ببلدة دافوس السويسرية) وهو يقول لهم "أنا لن اجالس شارب الخمر". واذا كان هذا الخبر قد مر في وقته من دون أن يسيل كثير من المداد, فان هذه الفعلة والقولة وفي ذاك المكان بالذات غالبا ما تكون لها تداعيات وانعكاسات سلبية وخطيرة على اقتصاد رئيس وزراء دولة تحدث على رأي شخصي في مكان رسمي ونسي أنه يمثل اقتصاد أمة بكاملها. وكانت الحكمة تكمن في الاحتفاظ بالرأي الشخصي للمقامات الشخصية والتفرغ كليا لتحقيق الهدف الذي ذهب اليه الى ذلك المقام.
نسي رئيس الحكومة بان عالم الاقتصاد يتأثر كثيرا بإشاعة صغيرة وعسى تصريح من هذا النوع في زمن يرتجف فيه الغرب والشرق من كلمة "التطرف". نفس الخطأ ارتكبه الوزير في الخارجية مؤخرا بنيويورك الذي "انصرف قبل أن يتم عشاءه" حتى لا يصافح ... في "موسم حج الامم المتحدة" والذي تتابعه بكثير من الاهتمام وسائل الاعلام وصانعي القرار الاقتصادي والسياسي في العالم.
غريب كذلك أن يتم التضحية بالاقتصاد لأهداف سياسية. وأن يتم (في مغرب 2013 ودستور 2011 الذي ينص صراحة على الحق في الاعلام وحق تساوي الفرص) تبرير تغييب اكبر نقابة للباطرونات في البلد من لقاء قوة اقتصادية وازنة بالسبب المادي (اغفال ارسال الدعوات), عند زيارة اردوكان الاخيرة للبلد في حين لم يتم اغفال ارسالها للباطرونات الآخرين المقربين من الحزب. والكل يعلم بقية الخبر : فشل الزيارة وفقدان عدة صفقات مع قوة اقتصادية مهمة هي تركيا التي تشبه بصين البحر الأبيض المتوسط والتي فظلت الجزائر على المغرب في توجيه استثماراتها.
نفهم ونتفهم (كاقتصاديين وليس كسياسيين) لماذا ظلت الاستثمارات المهيكلة الكبرى وكذا جانب التنمية الاجتماعية بالبلد تحت رعاية صاحب الجلالة حتى لا تسيس بدورها وتفقد كل مصداقية أمام الشركاء الاقتصاديين.
غياب التجربة والخبرة
حكومة تشكي حالها وهي في مركز القرار وكأنها لا تزال في كرسي المعارضة, يعطي صورة متواضعة عن القائمين على امور البلد ويسيئ بالصورة الماركتينية للبلد ومن الكاريزما التي يجب ان يتحلى بها الزعماء وتخل بالمؤشرات الكيفية المحددة لتوجيه الاستثمارات.
أما الناطق الرسمي باسم الحكومة فان تسرعه وقلة خبرته كلفا خزينة الدولة أكثر من 100 مليون دولار في ظرف 3 دقائق (حسب ما أكده الوزير محمد نجيب بوليف أمام احدى لجن البرلمان) في تصريح لا يعلم تفاصيله ولا حيثياته وما كان له أصلا أن يقربه.
أما قضية "الساعة الزايدة-ناقصة" فلم تتعامل معها الحكومة كذلك بحكمة وتبصر. صحيح اننا كنا جميعا ضحية الساعة التي تأخرت يوم الاحد الاخير من شتنبر بشكل اوتوماتيكي في هواتفنا الذكية وفي حواسيبنا. ولكن من دون خسارة كبيرة اللهما موعد تم التأخر عنه بسبب عدم اشتغال المنبه في الوقت. أما في لغة الاقتصاد فيجب أن تكون هناك دراسة علمية لتبين كم رحلة الغيت وكم رصيف للطائرات وللبواخر تم حجزه لمدة معينة (لأن العملية تتم قبل عدة ايام من الموعد المحدد) وزادت المدة لساعة من الزمن والزمن في الاقتصاد يعني تكلفة « Time is money » . وكم رجل اعمال فقد صفقة عمره لأنه وصل متأخرا عن موعد رحلة الطائرة لان منبهه خانه. وكم عامل فقد عمله لأن رب عمله لم يفز بتلك الصفقة و...
في نفس السياق لم يكن تصارعها مع مؤسسات الدولة التي تديرها كالمندوبية السامية للتخطيط (اكبر جهاز تقني يرصد الحركة الاقتصادية والاجتماعية بالبلد كما هو الشأن في الدول المتقدمة على غرار INSEE بفرنسا مثلا) ليخدم المسألة الاقتصادية بالبلد خاصة من حيث مصداقية معطياته الاحصائية أمام الدائنين والمنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وغيرها.
أما خرجة الجواهري الاخير فقد كانت خرجة الحكيم « le sage » المجرب والمدرك لوقع التصاريح السياسوية على السوق الاقتصادي والمالي فحاول أن يعيد مصداقية (اقتصادية ومالية) اصبحت مهزوزة وينقذ ما يستطيع انقاذه. فحتى وان تبرأ من عمل الحكومة لكونه لم يتم استشارته في مسألة المقايسة, رغم كون بنك المغرب يعتبر مؤسساتيا مسؤولا مع الحكومة على تطبيق جزء من السياسة الاقتصادية للبلد, وأقصد السياسة المالية, من خلال السهر على ضمان تمويله والعمل على سن سياسة مالية مترجمة للسياسات الاقتصادية الاخرى التي تدخل في اختصاصات الحكومة. حاول الجواهري إذن أن يطمئن الاسواق خدمة لمصلحة البلد, فحرس على أن لا يقدم الامر بشكل مأساوي (في ندوته الصحفية, الندوة الصحافية فقط أما التقرير فيقول غير ذلك في إحصاءاته).
الكلام الكثير
فهمنا مما سبق بأن كثرة الكلام تتنافى ومبدأ العمل رمز الثروة. أما الوعد والوعيد فإنهما جعلا السيولة تختفي من السوق المغربي. غريب كيف اختفت السيولة من الابناك المغربية في سرعة البرق متجهتا نحو اوروبا في اكبر عمليات تهريب في تاريخ المغرب وفي اتجاه افريقيا وكذلك في اتجاه الصناديق الفولاذية بالمنازل والمحلات الشخصية لغياب الثقة, معطلة بذلك الاقتصاد الوطني. لأن الحكومة هددت (ولم تفعل) بفرض ضريبة على الثروة. لم تستفد في ذلك من التجربة الفرنسية : ففي الوقت الذي كانت فرنسا تفرض فيه الضريبة على الثروة كان رئيس الوزراء البريطاني يصرح (ردا على الرئيس الفرنسي) "سأقوم بنفسي ببسط الزرابي الحمراء لأصحاب الثروة الفرنسيين اذا قدموا عندنا". ان ذلك ممكنا في ظل حالة العولمة الحالية. كما لم يستفد الرئيس الفرنسي هولاند من خلفه الاشتراكي ميتران الذي كان قد طبق سياسة مثيلة في 1981 (في نشوة وصوله الى الحكم) فكانت الكارثة التي لم يستطع الاقتصاد الفرنسي أن يخرج منها الا بعد عقد ونيف من الزمن.
يجب على حكوماتنا أن تعي جيدا بأن زمن الدولة-الوطنية Etat-Nation قد ولى وأن عمر الكلام قصير أما عمر العمل فطويل وأننا لسنا لوحدنا في الحلبة وأننا نعيش اليوم زمن العولمة وزمن المعلومة hypertexte (حسب تعبير ادكار موران) وزمن السرعة وزمن موت السياسة والإيديولوجيا. ما أحد يستطيع لوحده أن يسير ضد التيار وما أحد يستطيع أن يستفيد الا اذا استفاد معه الجميع. بل أكثر من ذلك (وهنا تكمن الحكمة الاجتماعية لأب الاقتصاد السياسي آدم سميت) الكل يستفيد أكثر باستفادة الجميع (l'égoïsme à la base d'altruisme) أكثر عكس المنطق المركنتيلي الذي كان يقول بأنه لن يربح فلان الا ما خسره علان.
(*) نائب عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية بطنجة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.