توقعات أحوال الطقس في العديد من مناطق المملكة اليوم الجمعة    طاقم الإسعاف بتعاونية الجرف SST... جندي الخفاء بموسم مولاي عبد الله    بن غفير يقتحم زنزانة القيادي الفلسطيني البارز مروان البرغوثي ويهدده.. ومخاوف من إعدامه "فيديو"    خبير إسباني: المغرب شريك أساسي في تأمين الطريق الأطلسية ضد تهريب المخدرات    حرارة مرتفعة وزخات رعدية.. توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    نهاية نجم حاول ابتلاع ثقب أسود    الكونغو الديمقراطية تهزم أنغولا بالشان    الصحافة الفرنسية تبخس حق حكيمي    حريمات يشيد بذكاء "أسود البطولة"    تهديدات ترامب ترفع أسعار النفط    الإمارات تدين تصريحات "إسرائيل الكبرى"    بيانات أمريكية تخفض أسعار الذهب    تطويق حريق في دردارة بشفشاون    غرامة تصل إلى 30 ألف درهم وحبس حتى سنة.. عقوبات صارمة ضد الدراجات غير المطابقة        قراءة في قرار المحكمة الدستورية عدد 25/255 بشأن قانون المسطرة المدنية رقم 02-23    غزة... 61 ألفا و776 شهيدا فلسطينيا منذ بدء الحرب في غزة    خلاف حول دراجة "سانية" ينتهي بجريمة قتل مروعة في حي السعادة بطنجة    باطمة تحيي لأول مرة بالجوهرة الزرقاء سهرة غنائية وتسدل الستار عن فعاليات "صيف شفشاون"    المستثمر المغربي بمدريد.. محمد النقاش عريس سهرة الجالية بمسرح محمد الخامس        عملية "قَدَر" 1979... عندما حسم المغرب مصير وادي الذهب في ساعات    اللجنة الوطنية لتحرير سبتة ومليلية تحتفي بذكرى استرجاع وادي الذهب وتدعو للاصطياف تحت الراية المغربية    أمن أكادير يوضح حقيقة فيديو التراشق بالحجارة في تارودانت    السكتيوي يكشف عن تشكيلة المنتخب الوطني المحلي أمام زامبيا    تسجيل 3 وفيات جراء الحرائق في إسبانيا    موسكو وكييف تتبادلان 84 أسير حرب من كل طرف    اعتراض سفينة محملة بثلاثة أطنان من الكوكايين غرب جزر الكناري بتعاون مع المغرب    عروض التبوريدة النسوية تجذب أنظار عشاق الفروسية بموسم مولاي عبد الله        ظاهرة السخرية من الأديان، الأسباب والأبعاد        العطلة الصيفية…هكذا غيّر تراجع القدرة الشرائية عادات المغاربة في السفر وقضاء العطل            سعر "بيتكوين" يبلغ 124 ألف دولار    تحقيق أممي يعلن انتهاكات ترقى إلى "جرائم حرب" في الساحل السوري    سعر عملة بيتكوين يبلغ مستوى قياسيا جديدا يتجاوز 124 ألف دولار    النقيب الجامعي يتهم الرميد بارتداء عمامة المتطرف ضد ابتسام لشكر ويدعوه لعدم التأثير على القضاء    المغرب يعزز موقعه في صناعة السيارات بمشروع توسعة ضخم لمصنع ستيلانتيس    ألفيس بيريز: البطل الذي فتح... صخرة    عادل شهير يطرح كليب أغنيته الجديدة سيري باي باي -فيديو-    القضاء الكوري يرفض تعويض ملحن أمريكي    دراسة: ألم "فصال الركبة" يخف بتدريب المشي    نصائح ذهبية لتجنب حوادث الآلات الكهربائية    بورنموث يضم دياكيتي لاعب تولوز    الدورة الثانية لمهرجان "سيني بلاج" من 15 إلى 30 غشت الجاري بعدد من مدن المملكة    الاتحاد الألماني يرفع قيمة جوائز كأس ألمانيا    ديرها غا زوينة.. مفكر كبير كيكشف مصايبنا/ لائحة بأسماء اللي على باب الحبس/ ابتسام لشكر والعدل والإحسان (فيديو)    سلطان يلهب الجمهور ب"الركادة"        الدكتور بوحاجب: غياب مراقبة الجودة أحيانا يفتح المجال أمام التلاعب بصحة الناس..!!    تفشي بكتيريا مرتبطة بالجبن في فرنسا يودي بحياة شخصين ويصيب 21 آخرين    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طنجة.. رؤية فيلمية ألمانية لمدينة أسطورية
نشر في طنجة 24 يوم 14 - 08 - 2014

محمد اشويكة *: منذ أن بدأت "أسطورة" السينما، أثار المكان المغربي بجمالياته وخصوصياته المتنوعة والمتعددة، فضول السينمائيين العالميين، خصوصا الأوروبيين والأمريكيين منهم، وذلك بدءا بالأخوين لوميير اللذين سرعان ما ستستشري عدواهم إلى كافة الأوروبيين من صناع الصورة كالإيطاليين والألمانيين لتنتقل إلى الهوليوديين وغيرهم قصد الاحتفاء بتوهجات الفضاءات المغربية من البحر إلى السهل فالصحراء.. هكذا، كان للمدن المغربية حضورها البراق في الفيلموغرافيا العالمية كالدار البيضاء ومراكش وطنجة وورزازات وأرفود وزاگورة والصويرة.. حيث شَكَّلَ المناخ والطبيعة والمعمار والإنسان.. أسسا مساعدة لإنجاز أضخم الأعمال السينمائية التي وسمت تاريخ السينما العالمية الثري بالرؤى والمدارس والاتجاهات الفنية...
من بين المدن المغربية التي أثارت شغف الكثير من الفنانين والكتاب، مدينة طنجة التي شكلت محطة بارزة ضمن مختلف السياقات التاريخية، المغربية والعالمية، نظرا للأهمية الدولية التي كانت تحظى بها قبل وأثناء وبعد الاستعمار، خاصة وأنها ظلت بقعة دولية ذاع صيتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، فضلا عن ضوئها ولمعانها الخاص، وشفافية هوائها، وتنوع مناظرها الطبيعية، وخصوصيتها المعمارية التي تمزج بين ما هو غربي وإسلامي أندلسي، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة فنيا وتقنيا، الرخيصة مقارنة بأوروبا وأمريكا.. وهي محفزات حَوَّلَتْهَا إلى محج لمجموعة من الأغنياء والسياسيين وغيرهم ممن شاع بريق أخبارهم في أنحاء المعمور...
من أشهر المخرجين المغاربة الذين صوروا أفلامهم جزئيا أو كليا بمدينة طنجة نشير إلى مومن السميحي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد ومحمد عبد الرحمان التازي وحسن لگزولي ونبيل عيوش وليلى المراكشي.. ومن بين الأفلام المغاربية نشير إلى فيلم "الخبز الحافي" للمخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي استوحى أحداثه من الرواية - السيرة الذاتية التي ألفها الكاتب الطنجي الشهير محمد شكري الذي لم تخل حياته من قهر ومغامرة وجرأة من شأنها أن تسعفنا، اليوم، في فهم الشخصية المغربية المركبة وإماطة الوهم عن أبعادها الإنسانية العميقة.. ومن بين المخرجين الأجانب نذكر الفرنسيين: (جون بينشون) "Jean Pinchon" و(دانييل كوينتان) "Daniel Quintin" اللذان أنجزا فيلمهما "مكتوب" سنة 1919، و(فيليب دو بروكا) "Philippe de Broca"، و(نيكولا كلوتز) "Nicolas Klotz"، و"ألكسندر أركادي" (Alexandre Arcady).. ومن الأمريكيين: (جورج واگنر) "Georges Waggner"، و(فيليب دين) "Philippe Dunne"، و(بوب سوايم) "Bob Swaim".. هذا، وغيرهم كثير من الإيطاليين والسويسريين والألمان والإسبان...
واللافت أن عدة أفلام تحمل عناوينها اسم المدينة ك: "أشباح طنجة"، و"عقارب طنجة"، و"أسرار طنجة" (Los Misterios de Tanger)، و"مهمة في طنجة"، و"سارق طنجة"، و"رحلة إلى طنجة"، و"كمين في طنجة"، و"دافي: ثعلب طنجة"، و"الصيف الأخير بطنجة".. ومن المغرب: "خوانيطا بنت طنجة"، و"طينجا"...
لهذه المدينة سحرها الخاص، وجمالها الفريد، وبريقها النادر والأخَّاذ.. فقد ألهمت عدة سينمائيين منهم المخرج الألماني "بيتر گودل" (Peter Goedel) الذي أغرته عوالمها، وأسطورتها الضاربة في القِدَم مما حَرَّضَهُ على الانخراط في إنجاز فيلمه الطويل "طنجة - أسطورة مدينة" (Tanger - Legende einer Stadt) [2000] الذي يجمع بين الطابعين الوثائقي والروائي رغم أن صاحبه يصنفه ضمن الصنف الأول.. إن هذه الرؤية البرانية (رؤية الآخر) لمدينة طنجة، قد استطاعت بالفعل أن تكشف خبايا المدينة في قالب فني مختلف يسترجع خلاله الممثل "Armim Muller-Stahl" (بطل الفيلم) ذكرياته القديمة حين كان مخبرا سياسيا بالمدينة؛ إذ يعود به الحنين، بعد أربعين سنة، إلى طنجة ليتجول من جديد بين دروبها وأزقتها.. ويتنقل بين فضاءات مقاهيها وفنادقها وحاناتها.. مستعيدا قصة حبه القديم رفقة عشيقته (ماري) "Lisa Martino" التي يرافقه صوتها وطيفها أينما حل وارتحل وكأنه يبحث عن فردوس أحلام مفقود عبر دروب طنجة!
يوظف المخرج تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" كي يستعرض عبرها قصة الحبيبين، ويستنطق بعض أسرار المدينة الثاوية في ثنايا التاريخ. فقد تعايش بالمدينة أقوام مختلفون، وأجناسٌ تَنَوَّعَت عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ضمن سياقات يسودها السلام والاحترام والانفتاح والمغايرة...
سلك المخرج طريقة سردية تجعل كل متدخل يروي هامشا من تاريخ المدينة وفق طريقته الخاصة، وانطلاقا من "ورطة/تجربة" كل واحد في الحياة: يتكلم رجل السياسة والمهرب والعاهرة ورجل الدين والرياضي والكاتب والفنان والعامل... هكذا، انبرى الأفراد يعبرون، فيما يشبه التداعي الحر، عما يروج بداخلهم محاولين استنهاض الذاكرة واستجماعها كي تجود بفكرة تسعف في رسم بورتريه جماعي للمدينة...
ضدا على كل التوظيفات التي جعلت من طنجة مكانا غرائبيا يعبره التجار والشواذ والمهاجرون السريون والعابرون إلى الضفة الأخرى.. انصهرت في هذا الفيلم تداخلات ورؤى متباينة لتتآلف عبر مونتاج ذكي موسوم باحترافية بالغة هَدَفُهُ تشكيل ذاكرة مغايرة لطنجة الأخرى: المدينة بعين مختلفة عن أعين أبنائها...
اشتغل بعض المخرجين المغاربة والأجانب على سينما تحاول رفض الاستشراق ذي الحمولات المبتسرة المُكَرِّسَة للتخلف والكليشيهات الجلية من عناوين الأفلام المشار إليها أعلاه، وذلك عن طريق طرح القضايا العميقة التي تنطلق من واقع البلاد، وهو ما انتبه إليه، أيضا، بعض المخرجين المبدعين كالفرنسي "أندري تيشيني" (André Téchiné) في فيلمه "الأزمنة المتغيرة" (Les temps qui changent) [2004] الذي يختلف عن فيلم الإيطالي "برناردو بيرتولوتشي" (Bernardo Bertolucci) الشهير "شاي في الصحراء" (Un Thé Au Sahara) [1990] من حيث زاوية المعالجة، وطرائق التصوير...
استثمر المخرج تنقلات البطل، وطريقة رؤيته للأشياء من خلال حركات الكاميرا، وهو الأمر الذي خلق أسلوبا إخراجيا متميزا استطاع أن يقدم لنا جمال مدينة طنجة عبر لقطات بانورامية وثابتة، وسلسلة من الإطارات التي تفوح جمالا ودلالة... فقد سلط الفيلم الضوء على المدينة ومغاراتها الشهيرة، وأهازيجها، وطقوس خليطها السكاني المنسجم... كما مزج المخرج بين الصورة الحية والصورة الميتة "الأرشيف" ليمزجها بالمناظر الطبيعية والتاريخية لمدينة طنجة وكذا بشهاداتِ رجالٍ عشقوا طنجة وعاشوا أجواءها المخضرمة، كما اعتمد تقنية المونتاج المزجي "Fondu" كمؤثر بصري لجمع الصور التي حصل عليها من بنوك الأرشيف، وتلك عملية أعطت، في حد ذاتها، للفيلم قيمة وثائقية كبرى...
جاءت بنية الفيلم السردية متماسكة ومتسلسلة بشكل يخضع لمنطق بصري معقول، فالمتفرج يتابع قصة الحب وهو يكتشف جمال طنجة، ويتعرف على شخصيات اقترنت بأحداث واقعية... فقد اشتغل مؤلفو السيناريو على وثائق تاريخية تنم عن بحث عميق دَعَّمَ الكتابة البصرية للفيلم، وذلك ما ساهم في تلافي الهفوات التي تعترض مثل هذا النوع من الأفلام... فأماكن التصوير التاريخية التي صور بها المخرج ما تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ما أراد المخرج إبرازه، وهو ما أضفى على الأحداث نوعا من الواقعية والمصداقية... فالأمكنة تشهد على أقوال الساردين والرواة وتدعم شهاداتهم.. والصور حاضرة عند الذكرى: محمد شكري، پول بولز، خوان غويتيسولو وآخرون.. يحكون ويشهدون.. يختلط الحكي بالسيرة، والواقع بالخيال، والشهادة الحية بالوثيقة التاريخية... فتكتمل الرؤية: تتمازج نظرةُ الأنا بالآخر لِتُسْهِم في بلورة وصياغة تلك النظرة - الاقتراح...
*الجزيرةوثائقية
محمد اشويكة
منذ أن بدأت "أسطورة" السينما، أثار المكان المغربي بجمالياته وخصوصياته المتنوعة والمتعددة، فضول السينمائيين العالميين، خصوصا الأوروبيين والأمريكيين منهم، وذلك بدءا بالأخوين لوميير اللذين سرعان ما ستستشري عدواهم إلى كافة الأوروبيين من صناع الصورة كالإيطاليين والألمانيين لتنتقل إلى الهوليوديين وغيرهم قصد الاحتفاء بتوهجات الفضاءات المغربية من البحر إلى السهل فالصحراء.. هكذا، كان للمدن المغربية حضورها البراق في الفيلموغرافيا العالمية كالدار البيضاء ومراكش وطنجة وورزازات وأرفود وزاگورة والصويرة.. حيث شَكَّلَ المناخ والطبيعة والمعمار والإنسان.. أسسا مساعدة لإنجاز أضخم الأعمال السينمائية التي وسمت تاريخ السينما العالمية الثري بالرؤى والمدارس والاتجاهات الفنية...

من بين المدن المغربية التي أثارت شغف الكثير من الفنانين والكتاب، مدينة طنجة التي شكلت محطة بارزة ضمن مختلف السياقات التاريخية، المغربية والعالمية، نظرا للأهمية الدولية التي كانت تحظى بها قبل وأثناء وبعد الاستعمار، خاصة وأنها ظلت بقعة دولية ذاع صيتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، فضلا عن ضوئها ولمعانها الخاص، وشفافية هوائها، وتنوع مناظرها الطبيعية، وخصوصيتها المعمارية التي تمزج بين ما هو غربي وإسلامي أندلسي، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة فنيا وتقنيا، الرخيصة مقارنة بأوروبا وأمريكا.. وهي محفزات حَوَّلَتْهَا إلى محج لمجموعة من الأغنياء والسياسيين وغيرهم ممن شاع بريق أخبارهم في أنحاء المعمور...
من أشهر المخرجين المغاربة الذين صوروا أفلامهم جزئيا أو كليا بمدينة طنجة نشير إلى مومن السميحي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد ومحمد عبد الرحمان التازي وحسن لگزولي ونبيل عيوش وليلى المراكشي.. ومن بين الأفلام المغاربية نشير إلى فيلم "الخبز الحافي" للمخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي استوحى أحداثه من الرواية - السيرة الذاتية التي ألفها الكاتب الطنجي الشهير محمد شكري الذي لم تخل حياته من قهر ومغامرة وجرأة من شأنها أن تسعفنا، اليوم، في فهم الشخصية المغربية المركبة وإماطة الوهم عن أبعادها الإنسانية العميقة.. ومن بين المخرجين الأجانب نذكر الفرنسيين: (جون بينشون) "Jean Pinchon" و(دانييل كوينتان) "Daniel Quintin" اللذان أنجزا فيلمهما "مكتوب" سنة 1919، و(فيليب دو بروكا) "Philippe de Broca"، و(نيكولا كلوتز) "Nicolas Klotz"، و"ألكسندر أركادي" (Alexandre Arcady).. ومن الأمريكيين: (جورج واگنر) "Georges Waggner"، و(فيليب دين) "Philippe Dunne"، و(بوب سوايم) "Bob Swaim".. هذا، وغيرهم كثير من الإيطاليين والسويسريين والألمان والإسبان...
واللافت أن عدة أفلام تحمل عناوينها اسم المدينة ك: "أشباح طنجة"، و"عقارب طنجة"، و"أسرار طنجة" (Los Misterios de Tanger)، و"مهمة في طنجة"، و"سارق طنجة"، و"رحلة إلى طنجة"، و"كمين في طنجة"، و"دافي: ثعلب طنجة"، و"الصيف الأخير بطنجة".. ومن المغرب: "خوانيطا بنت طنجة"، و"طينجا"...
لهذه المدينة سحرها الخاص، وجمالها الفريد، وبريقها النادر والأخَّاذ.. فقد ألهمت عدة سينمائيين منهم المخرج الألماني "بيتر گودل" (Peter Goedel) الذي أغرته عوالمها، وأسطورتها الضاربة في القِدَم مما حَرَّضَهُ على الانخراط في إنجاز فيلمه الطويل "طنجة - أسطورة مدينة" (Tanger - Legende einer Stadt) [2000] الذي يجمع بين الطابعين الوثائقي والروائي رغم أن صاحبه يصنفه ضمن الصنف الأول.. إن هذه الرؤية البرانية (رؤية الآخر) لمدينة طنجة، قد استطاعت بالفعل أن تكشف خبايا المدينة في قالب فني مختلف يسترجع خلاله الممثل "Armim Muller-Stahl" (بطل الفيلم) ذكرياته القديمة حين كان مخبرا سياسيا بالمدينة؛ إذ يعود به الحنين، بعد أربعين سنة، إلى طنجة ليتجول من جديد بين دروبها وأزقتها.. ويتنقل بين فضاءات مقاهيها وفنادقها وحاناتها.. مستعيدا قصة حبه القديم رفقة عشيقته (ماري) "Lisa Martino" التي يرافقه صوتها وطيفها أينما حل وارتحل وكأنه يبحث عن فردوس أحلام مفقود عبر دروب طنجة!

يوظف المخرج تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" كي يستعرض عبرها قصة الحبيبين، ويستنطق بعض أسرار المدينة الثاوية في ثنايا التاريخ. فقد تعايش بالمدينة أقوام مختلفون، وأجناسٌ تَنَوَّعَت عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ضمن سياقات يسودها السلام والاحترام والانفتاح والمغايرة...
سلك المخرج طريقة سردية تجعل كل متدخل يروي هامشا من تاريخ المدينة وفق طريقته الخاصة، وانطلاقا من "ورطة/تجربة" كل واحد في الحياة: يتكلم رجل السياسة والمهرب والعاهرة ورجل الدين والرياضي والكاتب والفنان والعامل... هكذا، انبرى الأفراد يعبرون، فيما يشبه التداعي الحر، عما يروج بداخلهم محاولين استنهاض الذاكرة واستجماعها كي تجود بفكرة تسعف في رسم بورتريه جماعي للمدينة...
ضدا على كل التوظيفات التي جعلت من طنجة مكانا غرائبيا يعبره التجار والشواذ والمهاجرون السريون والعابرون إلى الضفة الأخرى.. انصهرت في هذا الفيلم تداخلات ورؤى متباينة لتتآلف عبر مونتاج ذكي موسوم باحترافية بالغة هَدَفُهُ تشكيل ذاكرة مغايرة لطنجة الأخرى: المدينة بعين مختلفة عن أعين أبنائها...
اشتغل بعض المخرجين المغاربة والأجانب على سينما تحاول رفض الاستشراق ذي الحمولات المبتسرة المُكَرِّسَة للتخلف والكليشيهات الجلية من عناوين الأفلام المشار إليها أعلاه، وذلك عن طريق طرح القضايا العميقة التي تنطلق من واقع البلاد، وهو ما انتبه إليه، أيضا، بعض المخرجين المبدعين كالفرنسي "أندري تيشيني" (André Téchiné) في فيلمه "الأزمنة المتغيرة" (Les temps qui changent) [2004] الذي يختلف عن فيلم الإيطالي "برناردو بيرتولوتشي" (Bernardo Bertolucci) الشهير "شاي في الصحراء" (Un Thé Au Sahara) [1990] من حيث زاوية المعالجة، وطرائق التصوير...
استثمر المخرج تنقلات البطل، وطريقة رؤيته للأشياء من خلال حركات الكاميرا، وهو الأمر الذي خلق أسلوبا إخراجيا متميزا استطاع أن يقدم لنا جمال مدينة طنجة عبر لقطات بانورامية وثابتة، وسلسلة من الإطارات التي تفوح جمالا ودلالة... فقد سلط الفيلم الضوء على المدينة ومغاراتها الشهيرة، وأهازيجها، وطقوس خليطها السكاني المنسجم... كما مزج المخرج بين الصورة الحية والصورة الميتة "الأرشيف" ليمزجها بالمناظر الطبيعية والتاريخية لمدينة طنجة وكذا بشهاداتِ رجالٍ عشقوا طنجة وعاشوا أجواءها المخضرمة، كما اعتمد تقنية المونتاج المزجي "Fondu" كمؤثر بصري لجمع الصور التي حصل عليها من بنوك الأرشيف، وتلك عملية أعطت، في حد ذاتها، للفيلم قيمة وثائقية كبرى...
جاءت بنية الفيلم السردية متماسكة ومتسلسلة بشكل يخضع لمنطق بصري معقول، فالمتفرج يتابع قصة الحب وهو يكتشف جمال طنجة، ويتعرف على شخصيات اقترنت بأحداث واقعية... فقد اشتغل مؤلفو السيناريو على وثائق تاريخية تنم عن بحث عميق دَعَّمَ الكتابة البصرية للفيلم، وذلك ما ساهم في تلافي الهفوات التي تعترض مثل هذا النوع من الأفلام... فأماكن التصوير التاريخية التي صور بها المخرج ما تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ما أراد المخرج إبرازه، وهو ما أضفى على الأحداث نوعا من الواقعية والمصداقية... فالأمكنة تشهد على أقوال الساردين والرواة وتدعم شهاداتهم.. والصور حاضرة عند الذكرى: محمد شكري، پول بولز، خوان غويتيسولو وآخرون.. يحكون ويشهدون.. يختلط الحكي بالسيرة، والواقع بالخيال، والشهادة الحية بالوثيقة التاريخية... فتكتمل الرؤية: تتمازج نظرةُ الأنا بالآخر لِتُسْهِم في بلورة وصياغة تلك النظرة - الاقتراح...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.