ارتفاع الاستثمارات الأجنبية المباشرة    السجن 7 سنوات لوزير جزائري سابق    فصل الخريف ينعش السياحة الجبلية ويرفع نسب الحجوزات بشكل قياسي    الشيرا يورط أربعة أشخاص بتنغير    حقيقة الجزء الخامس من "بابا علي"    بنكيران مخاطبا شباب جيل Z: ما قمتم به سيكون له نتائج جيدة إذا توقفتم الآن عن الاحتجاجات        مصادر من السلطة تنفي وفاة متظاهر في وجدة    لاعبو المنتخب يعلنون تضامنهم مع مطالب جيل زاد    بينهم شابة تعاني من إعاقة ذهنية.. بدء محاكمة أول معتقلي احتجاجات "جيل زد" في الرباط وتأجيل الجلسة إلى 7 أكتوبر    دوري أبطال أوروبا.. هاتريك مبابي وتألق دياز يقودان ريال مدريد لاكتساح كايرات بخماسية    أبطال أوروبا.. دياز يسهم في إكتساح الريال لكايرات ألماتي بخماسية نظيفة    صادرات الفوسفاط ومشتقاته تناهز 65 مليار درهم عند متم غشت    عائدات السياحة بالمغرب تقفز إلى 87,6 مليار درهم حتى غشت 2025    الشرقاوي: الحكومة لم تكتف بالتفهم لمطالب "جيل زيد" بل وضعت خطوات قابلة للتنزيل        اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يواصل التألق بفوز عريض على سهل مارتيل    اعتقال إبنة الرئيس التونسي السابق بن علي في فرنسا            جريمة اغتصاب وقتل تهز القصر الكبير: طفلة في عمر الزهور ضحية وحشية وإهمال    مشروعية احتجاجات شباب جيل Z/ الجيل الأخير في المغرب    الجزائر على صفيح ساخن: شباب غاضب يتحدى قبضة النظام العسكري    تقرير يتوقع تحقيق الاقتصاد الوطني معدل نمو بنسبة 4,5% سنة 2026    بورصة البيضاء تنهي التداولات بالأخضر    الحركة الاجتماعية في المغرب: رسائل الشارع وأسئلة الدولة    بنعلي: 45% من كهرباء المغرب مصدرها متجدد ونستهدف 52%    "مراسيم الصحة" تقدم بمجلس الحكومة    المغاربة المشاركون في أسطول الصمود العالمي يقتربون من ساحل غزة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس افتتاح الدورة ال 16 لمعرض الفرس للجديدة    ترامب يمهل "حماس" أربعة أيام للرد    حول الدورة 18 للمهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا    تشكيليون عرب يعرضون لوحاتهم بأصيلة    عندما يتحول القانون رقم 272 إلى سيفٍ مُسلَّط على رقاب المرضى المزمنين    السلطات تعلن إيقاف 24 شخصا من جيل "Z" وتحيل 18 منهم على التحقيق بتهم جنائية        اليوم في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية: رحلة محمد بن عيسى مع التنوير الفكري والتحديث الثقافي        الرجاء والوداد يوقعان على الصحوة على حساب الدفاع الجديدي ونهضة الزمامرة    تجميد مشروع شعبة الإعلام والاتصال بجامعة ابن طفيل يثير خيبة أمل الطلبة والأساتذة    نيكول كيدمان وكيث أوربان يصلان إلى الانفصال    كأس العالم لأقل من 20 سنة.. النرويج تفوز على نيجيريا وفرنسا تهزم جنوب إفريقيا    أطباء يحذرون من أخطار بسبب اتساع محيط العنق    ممثلة مطورة بالذكاء الاصطناعي تغضب هوليوود    الصحراء المغربية.. هلال يرد "دون جدال أو عدائية" على تصريح وزير الخارجية الجزائري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة    مباراة المغرب والبحرين.. بيع أزيد من 42 ألف تذكرة إلى غاية السادسة مساء    فريال الزياري: العيون.. مدينة الكرم والجمال الصحراوي الأصيل    طنجة.. السلطة تُنهي جدل تسعيرة "الطاكسي الصغير" وتُحدد الحد الأدنى في 7 دراهم            القانون 272 يدفع المصابين بألأمراض المزمنة إلى الهشاشة الاجتماعية    علماء روس يبتكرون أدوية "ذكية" يتحول شكلها داخل الجسم    "طريقة الكنغر" تعزز نمو أدمغة الأطفال المبتسرين        بوريطة: تخليد ذكرى 15 قرنا على ميلاد الرسول الأكرم في العالم الإسلامي له وقع خاص بالنسبة للمملكة المغربية        الجدل حول الإرث في المغرب: بين مطالب المجتمع المدني بالمساواة وتمسك المؤسسة الدينية ب"الثوابت"    الرسالة الملكية في المولد النبوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طنجة.. رؤية فيلمية ألمانية لمدينة أسطورية
نشر في طنجة 24 يوم 14 - 08 - 2014

محمد اشويكة *: منذ أن بدأت "أسطورة" السينما، أثار المكان المغربي بجمالياته وخصوصياته المتنوعة والمتعددة، فضول السينمائيين العالميين، خصوصا الأوروبيين والأمريكيين منهم، وذلك بدءا بالأخوين لوميير اللذين سرعان ما ستستشري عدواهم إلى كافة الأوروبيين من صناع الصورة كالإيطاليين والألمانيين لتنتقل إلى الهوليوديين وغيرهم قصد الاحتفاء بتوهجات الفضاءات المغربية من البحر إلى السهل فالصحراء.. هكذا، كان للمدن المغربية حضورها البراق في الفيلموغرافيا العالمية كالدار البيضاء ومراكش وطنجة وورزازات وأرفود وزاگورة والصويرة.. حيث شَكَّلَ المناخ والطبيعة والمعمار والإنسان.. أسسا مساعدة لإنجاز أضخم الأعمال السينمائية التي وسمت تاريخ السينما العالمية الثري بالرؤى والمدارس والاتجاهات الفنية...
من بين المدن المغربية التي أثارت شغف الكثير من الفنانين والكتاب، مدينة طنجة التي شكلت محطة بارزة ضمن مختلف السياقات التاريخية، المغربية والعالمية، نظرا للأهمية الدولية التي كانت تحظى بها قبل وأثناء وبعد الاستعمار، خاصة وأنها ظلت بقعة دولية ذاع صيتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، فضلا عن ضوئها ولمعانها الخاص، وشفافية هوائها، وتنوع مناظرها الطبيعية، وخصوصيتها المعمارية التي تمزج بين ما هو غربي وإسلامي أندلسي، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة فنيا وتقنيا، الرخيصة مقارنة بأوروبا وأمريكا.. وهي محفزات حَوَّلَتْهَا إلى محج لمجموعة من الأغنياء والسياسيين وغيرهم ممن شاع بريق أخبارهم في أنحاء المعمور...
من أشهر المخرجين المغاربة الذين صوروا أفلامهم جزئيا أو كليا بمدينة طنجة نشير إلى مومن السميحي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد ومحمد عبد الرحمان التازي وحسن لگزولي ونبيل عيوش وليلى المراكشي.. ومن بين الأفلام المغاربية نشير إلى فيلم "الخبز الحافي" للمخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي استوحى أحداثه من الرواية - السيرة الذاتية التي ألفها الكاتب الطنجي الشهير محمد شكري الذي لم تخل حياته من قهر ومغامرة وجرأة من شأنها أن تسعفنا، اليوم، في فهم الشخصية المغربية المركبة وإماطة الوهم عن أبعادها الإنسانية العميقة.. ومن بين المخرجين الأجانب نذكر الفرنسيين: (جون بينشون) "Jean Pinchon" و(دانييل كوينتان) "Daniel Quintin" اللذان أنجزا فيلمهما "مكتوب" سنة 1919، و(فيليب دو بروكا) "Philippe de Broca"، و(نيكولا كلوتز) "Nicolas Klotz"، و"ألكسندر أركادي" (Alexandre Arcady).. ومن الأمريكيين: (جورج واگنر) "Georges Waggner"، و(فيليب دين) "Philippe Dunne"، و(بوب سوايم) "Bob Swaim".. هذا، وغيرهم كثير من الإيطاليين والسويسريين والألمان والإسبان...
واللافت أن عدة أفلام تحمل عناوينها اسم المدينة ك: "أشباح طنجة"، و"عقارب طنجة"، و"أسرار طنجة" (Los Misterios de Tanger)، و"مهمة في طنجة"، و"سارق طنجة"، و"رحلة إلى طنجة"، و"كمين في طنجة"، و"دافي: ثعلب طنجة"، و"الصيف الأخير بطنجة".. ومن المغرب: "خوانيطا بنت طنجة"، و"طينجا"...
لهذه المدينة سحرها الخاص، وجمالها الفريد، وبريقها النادر والأخَّاذ.. فقد ألهمت عدة سينمائيين منهم المخرج الألماني "بيتر گودل" (Peter Goedel) الذي أغرته عوالمها، وأسطورتها الضاربة في القِدَم مما حَرَّضَهُ على الانخراط في إنجاز فيلمه الطويل "طنجة - أسطورة مدينة" (Tanger - Legende einer Stadt) [2000] الذي يجمع بين الطابعين الوثائقي والروائي رغم أن صاحبه يصنفه ضمن الصنف الأول.. إن هذه الرؤية البرانية (رؤية الآخر) لمدينة طنجة، قد استطاعت بالفعل أن تكشف خبايا المدينة في قالب فني مختلف يسترجع خلاله الممثل "Armim Muller-Stahl" (بطل الفيلم) ذكرياته القديمة حين كان مخبرا سياسيا بالمدينة؛ إذ يعود به الحنين، بعد أربعين سنة، إلى طنجة ليتجول من جديد بين دروبها وأزقتها.. ويتنقل بين فضاءات مقاهيها وفنادقها وحاناتها.. مستعيدا قصة حبه القديم رفقة عشيقته (ماري) "Lisa Martino" التي يرافقه صوتها وطيفها أينما حل وارتحل وكأنه يبحث عن فردوس أحلام مفقود عبر دروب طنجة!
يوظف المخرج تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" كي يستعرض عبرها قصة الحبيبين، ويستنطق بعض أسرار المدينة الثاوية في ثنايا التاريخ. فقد تعايش بالمدينة أقوام مختلفون، وأجناسٌ تَنَوَّعَت عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ضمن سياقات يسودها السلام والاحترام والانفتاح والمغايرة...
سلك المخرج طريقة سردية تجعل كل متدخل يروي هامشا من تاريخ المدينة وفق طريقته الخاصة، وانطلاقا من "ورطة/تجربة" كل واحد في الحياة: يتكلم رجل السياسة والمهرب والعاهرة ورجل الدين والرياضي والكاتب والفنان والعامل... هكذا، انبرى الأفراد يعبرون، فيما يشبه التداعي الحر، عما يروج بداخلهم محاولين استنهاض الذاكرة واستجماعها كي تجود بفكرة تسعف في رسم بورتريه جماعي للمدينة...
ضدا على كل التوظيفات التي جعلت من طنجة مكانا غرائبيا يعبره التجار والشواذ والمهاجرون السريون والعابرون إلى الضفة الأخرى.. انصهرت في هذا الفيلم تداخلات ورؤى متباينة لتتآلف عبر مونتاج ذكي موسوم باحترافية بالغة هَدَفُهُ تشكيل ذاكرة مغايرة لطنجة الأخرى: المدينة بعين مختلفة عن أعين أبنائها...
اشتغل بعض المخرجين المغاربة والأجانب على سينما تحاول رفض الاستشراق ذي الحمولات المبتسرة المُكَرِّسَة للتخلف والكليشيهات الجلية من عناوين الأفلام المشار إليها أعلاه، وذلك عن طريق طرح القضايا العميقة التي تنطلق من واقع البلاد، وهو ما انتبه إليه، أيضا، بعض المخرجين المبدعين كالفرنسي "أندري تيشيني" (André Téchiné) في فيلمه "الأزمنة المتغيرة" (Les temps qui changent) [2004] الذي يختلف عن فيلم الإيطالي "برناردو بيرتولوتشي" (Bernardo Bertolucci) الشهير "شاي في الصحراء" (Un Thé Au Sahara) [1990] من حيث زاوية المعالجة، وطرائق التصوير...
استثمر المخرج تنقلات البطل، وطريقة رؤيته للأشياء من خلال حركات الكاميرا، وهو الأمر الذي خلق أسلوبا إخراجيا متميزا استطاع أن يقدم لنا جمال مدينة طنجة عبر لقطات بانورامية وثابتة، وسلسلة من الإطارات التي تفوح جمالا ودلالة... فقد سلط الفيلم الضوء على المدينة ومغاراتها الشهيرة، وأهازيجها، وطقوس خليطها السكاني المنسجم... كما مزج المخرج بين الصورة الحية والصورة الميتة "الأرشيف" ليمزجها بالمناظر الطبيعية والتاريخية لمدينة طنجة وكذا بشهاداتِ رجالٍ عشقوا طنجة وعاشوا أجواءها المخضرمة، كما اعتمد تقنية المونتاج المزجي "Fondu" كمؤثر بصري لجمع الصور التي حصل عليها من بنوك الأرشيف، وتلك عملية أعطت، في حد ذاتها، للفيلم قيمة وثائقية كبرى...
جاءت بنية الفيلم السردية متماسكة ومتسلسلة بشكل يخضع لمنطق بصري معقول، فالمتفرج يتابع قصة الحب وهو يكتشف جمال طنجة، ويتعرف على شخصيات اقترنت بأحداث واقعية... فقد اشتغل مؤلفو السيناريو على وثائق تاريخية تنم عن بحث عميق دَعَّمَ الكتابة البصرية للفيلم، وذلك ما ساهم في تلافي الهفوات التي تعترض مثل هذا النوع من الأفلام... فأماكن التصوير التاريخية التي صور بها المخرج ما تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ما أراد المخرج إبرازه، وهو ما أضفى على الأحداث نوعا من الواقعية والمصداقية... فالأمكنة تشهد على أقوال الساردين والرواة وتدعم شهاداتهم.. والصور حاضرة عند الذكرى: محمد شكري، پول بولز، خوان غويتيسولو وآخرون.. يحكون ويشهدون.. يختلط الحكي بالسيرة، والواقع بالخيال، والشهادة الحية بالوثيقة التاريخية... فتكتمل الرؤية: تتمازج نظرةُ الأنا بالآخر لِتُسْهِم في بلورة وصياغة تلك النظرة - الاقتراح...
*الجزيرةوثائقية
محمد اشويكة
منذ أن بدأت "أسطورة" السينما، أثار المكان المغربي بجمالياته وخصوصياته المتنوعة والمتعددة، فضول السينمائيين العالميين، خصوصا الأوروبيين والأمريكيين منهم، وذلك بدءا بالأخوين لوميير اللذين سرعان ما ستستشري عدواهم إلى كافة الأوروبيين من صناع الصورة كالإيطاليين والألمانيين لتنتقل إلى الهوليوديين وغيرهم قصد الاحتفاء بتوهجات الفضاءات المغربية من البحر إلى السهل فالصحراء.. هكذا، كان للمدن المغربية حضورها البراق في الفيلموغرافيا العالمية كالدار البيضاء ومراكش وطنجة وورزازات وأرفود وزاگورة والصويرة.. حيث شَكَّلَ المناخ والطبيعة والمعمار والإنسان.. أسسا مساعدة لإنجاز أضخم الأعمال السينمائية التي وسمت تاريخ السينما العالمية الثري بالرؤى والمدارس والاتجاهات الفنية...

من بين المدن المغربية التي أثارت شغف الكثير من الفنانين والكتاب، مدينة طنجة التي شكلت محطة بارزة ضمن مختلف السياقات التاريخية، المغربية والعالمية، نظرا للأهمية الدولية التي كانت تحظى بها قبل وأثناء وبعد الاستعمار، خاصة وأنها ظلت بقعة دولية ذاع صيتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، فضلا عن ضوئها ولمعانها الخاص، وشفافية هوائها، وتنوع مناظرها الطبيعية، وخصوصيتها المعمارية التي تمزج بين ما هو غربي وإسلامي أندلسي، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة فنيا وتقنيا، الرخيصة مقارنة بأوروبا وأمريكا.. وهي محفزات حَوَّلَتْهَا إلى محج لمجموعة من الأغنياء والسياسيين وغيرهم ممن شاع بريق أخبارهم في أنحاء المعمور...
من أشهر المخرجين المغاربة الذين صوروا أفلامهم جزئيا أو كليا بمدينة طنجة نشير إلى مومن السميحي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد ومحمد عبد الرحمان التازي وحسن لگزولي ونبيل عيوش وليلى المراكشي.. ومن بين الأفلام المغاربية نشير إلى فيلم "الخبز الحافي" للمخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي استوحى أحداثه من الرواية - السيرة الذاتية التي ألفها الكاتب الطنجي الشهير محمد شكري الذي لم تخل حياته من قهر ومغامرة وجرأة من شأنها أن تسعفنا، اليوم، في فهم الشخصية المغربية المركبة وإماطة الوهم عن أبعادها الإنسانية العميقة.. ومن بين المخرجين الأجانب نذكر الفرنسيين: (جون بينشون) "Jean Pinchon" و(دانييل كوينتان) "Daniel Quintin" اللذان أنجزا فيلمهما "مكتوب" سنة 1919، و(فيليب دو بروكا) "Philippe de Broca"، و(نيكولا كلوتز) "Nicolas Klotz"، و"ألكسندر أركادي" (Alexandre Arcady).. ومن الأمريكيين: (جورج واگنر) "Georges Waggner"، و(فيليب دين) "Philippe Dunne"، و(بوب سوايم) "Bob Swaim".. هذا، وغيرهم كثير من الإيطاليين والسويسريين والألمان والإسبان...
واللافت أن عدة أفلام تحمل عناوينها اسم المدينة ك: "أشباح طنجة"، و"عقارب طنجة"، و"أسرار طنجة" (Los Misterios de Tanger)، و"مهمة في طنجة"، و"سارق طنجة"، و"رحلة إلى طنجة"، و"كمين في طنجة"، و"دافي: ثعلب طنجة"، و"الصيف الأخير بطنجة".. ومن المغرب: "خوانيطا بنت طنجة"، و"طينجا"...
لهذه المدينة سحرها الخاص، وجمالها الفريد، وبريقها النادر والأخَّاذ.. فقد ألهمت عدة سينمائيين منهم المخرج الألماني "بيتر گودل" (Peter Goedel) الذي أغرته عوالمها، وأسطورتها الضاربة في القِدَم مما حَرَّضَهُ على الانخراط في إنجاز فيلمه الطويل "طنجة - أسطورة مدينة" (Tanger - Legende einer Stadt) [2000] الذي يجمع بين الطابعين الوثائقي والروائي رغم أن صاحبه يصنفه ضمن الصنف الأول.. إن هذه الرؤية البرانية (رؤية الآخر) لمدينة طنجة، قد استطاعت بالفعل أن تكشف خبايا المدينة في قالب فني مختلف يسترجع خلاله الممثل "Armim Muller-Stahl" (بطل الفيلم) ذكرياته القديمة حين كان مخبرا سياسيا بالمدينة؛ إذ يعود به الحنين، بعد أربعين سنة، إلى طنجة ليتجول من جديد بين دروبها وأزقتها.. ويتنقل بين فضاءات مقاهيها وفنادقها وحاناتها.. مستعيدا قصة حبه القديم رفقة عشيقته (ماري) "Lisa Martino" التي يرافقه صوتها وطيفها أينما حل وارتحل وكأنه يبحث عن فردوس أحلام مفقود عبر دروب طنجة!

يوظف المخرج تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" كي يستعرض عبرها قصة الحبيبين، ويستنطق بعض أسرار المدينة الثاوية في ثنايا التاريخ. فقد تعايش بالمدينة أقوام مختلفون، وأجناسٌ تَنَوَّعَت عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ضمن سياقات يسودها السلام والاحترام والانفتاح والمغايرة...
سلك المخرج طريقة سردية تجعل كل متدخل يروي هامشا من تاريخ المدينة وفق طريقته الخاصة، وانطلاقا من "ورطة/تجربة" كل واحد في الحياة: يتكلم رجل السياسة والمهرب والعاهرة ورجل الدين والرياضي والكاتب والفنان والعامل... هكذا، انبرى الأفراد يعبرون، فيما يشبه التداعي الحر، عما يروج بداخلهم محاولين استنهاض الذاكرة واستجماعها كي تجود بفكرة تسعف في رسم بورتريه جماعي للمدينة...
ضدا على كل التوظيفات التي جعلت من طنجة مكانا غرائبيا يعبره التجار والشواذ والمهاجرون السريون والعابرون إلى الضفة الأخرى.. انصهرت في هذا الفيلم تداخلات ورؤى متباينة لتتآلف عبر مونتاج ذكي موسوم باحترافية بالغة هَدَفُهُ تشكيل ذاكرة مغايرة لطنجة الأخرى: المدينة بعين مختلفة عن أعين أبنائها...
اشتغل بعض المخرجين المغاربة والأجانب على سينما تحاول رفض الاستشراق ذي الحمولات المبتسرة المُكَرِّسَة للتخلف والكليشيهات الجلية من عناوين الأفلام المشار إليها أعلاه، وذلك عن طريق طرح القضايا العميقة التي تنطلق من واقع البلاد، وهو ما انتبه إليه، أيضا، بعض المخرجين المبدعين كالفرنسي "أندري تيشيني" (André Téchiné) في فيلمه "الأزمنة المتغيرة" (Les temps qui changent) [2004] الذي يختلف عن فيلم الإيطالي "برناردو بيرتولوتشي" (Bernardo Bertolucci) الشهير "شاي في الصحراء" (Un Thé Au Sahara) [1990] من حيث زاوية المعالجة، وطرائق التصوير...
استثمر المخرج تنقلات البطل، وطريقة رؤيته للأشياء من خلال حركات الكاميرا، وهو الأمر الذي خلق أسلوبا إخراجيا متميزا استطاع أن يقدم لنا جمال مدينة طنجة عبر لقطات بانورامية وثابتة، وسلسلة من الإطارات التي تفوح جمالا ودلالة... فقد سلط الفيلم الضوء على المدينة ومغاراتها الشهيرة، وأهازيجها، وطقوس خليطها السكاني المنسجم... كما مزج المخرج بين الصورة الحية والصورة الميتة "الأرشيف" ليمزجها بالمناظر الطبيعية والتاريخية لمدينة طنجة وكذا بشهاداتِ رجالٍ عشقوا طنجة وعاشوا أجواءها المخضرمة، كما اعتمد تقنية المونتاج المزجي "Fondu" كمؤثر بصري لجمع الصور التي حصل عليها من بنوك الأرشيف، وتلك عملية أعطت، في حد ذاتها، للفيلم قيمة وثائقية كبرى...
جاءت بنية الفيلم السردية متماسكة ومتسلسلة بشكل يخضع لمنطق بصري معقول، فالمتفرج يتابع قصة الحب وهو يكتشف جمال طنجة، ويتعرف على شخصيات اقترنت بأحداث واقعية... فقد اشتغل مؤلفو السيناريو على وثائق تاريخية تنم عن بحث عميق دَعَّمَ الكتابة البصرية للفيلم، وذلك ما ساهم في تلافي الهفوات التي تعترض مثل هذا النوع من الأفلام... فأماكن التصوير التاريخية التي صور بها المخرج ما تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ما أراد المخرج إبرازه، وهو ما أضفى على الأحداث نوعا من الواقعية والمصداقية... فالأمكنة تشهد على أقوال الساردين والرواة وتدعم شهاداتهم.. والصور حاضرة عند الذكرى: محمد شكري، پول بولز، خوان غويتيسولو وآخرون.. يحكون ويشهدون.. يختلط الحكي بالسيرة، والواقع بالخيال، والشهادة الحية بالوثيقة التاريخية... فتكتمل الرؤية: تتمازج نظرةُ الأنا بالآخر لِتُسْهِم في بلورة وصياغة تلك النظرة - الاقتراح...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.