طقس ممطر في توقعات اليوم الإثنين    أحكام ثقيلة في الحسيمة ضد متهمين بالاتجار في المخدرات القوية والاعتداء على موظفين عموميين    "جمهورية نفيديا".. سباق التسلّح التكنولوجي يبدّد وهم السيادة الرقمية    تفاصيل جديدة في قضية سرقة "مجوهرات التاج" من متحف "اللوفر"    لقد ونمَ الذبابُ عليه..    التدريس الصريح    تشكيلنا المغربي..    التواصل في الفضاء العمومي    العرب في معرض فرانكفورت    حقيقة الديمقراطية الإسرائيلية    منظمة حقوقية تنبه إلى جريمة جنسية    الكونغو الديمقراطية في ملحق المونديال    مندوبية المقاومة تخلد عيد الاستقلال    الرياض تستضيف الدورة ال21 للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية    وزير الخارجية الفرنسي يرجح عودة بوعلام صنصال إلى فرنسا "في الأيام المقبلة"    أزيد من 3 مليار دولار حجم الإنفاق على أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    ألعاب التضامن الإسلامي.. المغرب يحصد ذهبية وبرونزية في منافسات التايكواندو    حكيمي وصلاح وأوسيمين يتنافسون على لقب أفضل لاعب إفريقي 2025    ارتفاع الفائض التجاري لمنطقة اليورو بدعم من الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة    ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    تقرير إخباري: كلميم على حافة التهميش والاحتقان الاجتماعي.. ودور السلطة الترابية في تعثر التنمية المجالية    كلية أيت ملول تستضيف محاضرة حول التصوف ودوره في بناء الجسور الدبلوماسية بإفريقيا    أربعاء أيت أحمد : حملة طبية بتينكطوف تعيد الدفء الصحي إلى منطقة جبلية وتخفف عبء التنقل عن الساكنة.    نقاش ساعات العمل بالتعليم الابتدائي يتجدد على إثر فهم الوزير لدراسة "طاليس".    سفيرة الصين بالرباط تلتقي محمد أوجار وأعضاء بارزين في حزب الأحرار    جامعة الكرة تكرم الدوليين السابقين المنتمين للعصبة الجهوية طنجة تطوان الحسيمة    بنكيران: المغاربة يلتقون بي و يخاطبونني "أيامك كانت زينة آسي بنكيران"    التمويلات المبتكرة: خدمة جيدة أم ديون مقنعة؟ نقاش هادئ مع لقجع    الركراكي يفاجئ مشجعا طنجاويا بترت قدمه إثر مرض عُضال بزيارة إنسانية في منزل أسرته    "الحرارة وشح المياه وارتفاع منسوب البحر".. مخاطر المناخ في المغرب تفوق ما تسمح به قدرات التكيف الحالية    عكاشة: "الأحرار" يستعد لانتخابات 2026 بطموح المحافظة على الصدارة    الوزير مزور يترأس بتطوان أشغال المجلس الإقليمي لحزب الاستقلال ويشرف على تنصيب مفتش جديد للحزب بعمالة المضيق    3.3 مليار دولار حجم الإنفاق على أمن المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    جمعية بتيفلت تستنكر طمس جدارية فنية وتطالب بتوضيح رسمي ومحاسبة المسؤولين    يشارك في هذه الدورة 410 فنانا وفنانة من 72 دولة .. أكادير تحتضن الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للكاريكاتير بإفريقيا    صالون "الشاي يوحّد العالم" يجمع المغرب والصين في لقاء ثقافي بالبيضاء    باحث ياباني يطور تقنية تحول الصور الذهنية إلى نصوص بالاستعانة بالذكاء الاصطناعي    هلال يخرج عن صمته بشأن حجب العلم الجزائري ويؤكد احترامه لرمزيته    أشرف حكيمي يطمئن جماهيره بصور جديدة خلال مرحلة التعافي    أكرد يغادر معسكر المنتخب المغربي    "إعادة" النهائي الإفريقي.. المغرب في مواجهة مصيرية مع مالي بدور ال16 لكأس العالم    دراسة أمريكية: الشيخوخة قد توفر للجسم حماية غير متوقعة ضد السرطان    النسخة الثانية من الندوة الدولية المنعقدة بوجدة تصدر اعلانها حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    مهرجان الدوحة السينمائي يعرض 20 فيلماً قصيراً في المسابقة الدولية للأفلام القصيرة    الإنعاش الميداني يجمع أطباء عسكريين‬    طقس الأحد.. أجواء غائمة مع نزول أمطار بعدد من مناطق المملكة    لبنان سيقدم شكوى ضد إسرائيل لبنائها جدارا على حدوده الجنوبية تجاوز "الخط الأزرق"    هل تمت تصفية قائد الدعم السريع في السودان فعلا؟    بلباو تُهدي فلسطين أمسية تاريخية.. مدرجات تهتف والقلب ينبض    أكنول: افتتاح الدورة التاسعة لمهرجان اللوز    الناظور .. افتتاح فعاليات الدورة 14 للمهرجان الدولي لسنيما الذاكرة    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طنجة.. رؤية فيلمية ألمانية لمدينة أسطورية
نشر في طنجة 24 يوم 14 - 08 - 2014

محمد اشويكة *: منذ أن بدأت "أسطورة" السينما، أثار المكان المغربي بجمالياته وخصوصياته المتنوعة والمتعددة، فضول السينمائيين العالميين، خصوصا الأوروبيين والأمريكيين منهم، وذلك بدءا بالأخوين لوميير اللذين سرعان ما ستستشري عدواهم إلى كافة الأوروبيين من صناع الصورة كالإيطاليين والألمانيين لتنتقل إلى الهوليوديين وغيرهم قصد الاحتفاء بتوهجات الفضاءات المغربية من البحر إلى السهل فالصحراء.. هكذا، كان للمدن المغربية حضورها البراق في الفيلموغرافيا العالمية كالدار البيضاء ومراكش وطنجة وورزازات وأرفود وزاگورة والصويرة.. حيث شَكَّلَ المناخ والطبيعة والمعمار والإنسان.. أسسا مساعدة لإنجاز أضخم الأعمال السينمائية التي وسمت تاريخ السينما العالمية الثري بالرؤى والمدارس والاتجاهات الفنية...
من بين المدن المغربية التي أثارت شغف الكثير من الفنانين والكتاب، مدينة طنجة التي شكلت محطة بارزة ضمن مختلف السياقات التاريخية، المغربية والعالمية، نظرا للأهمية الدولية التي كانت تحظى بها قبل وأثناء وبعد الاستعمار، خاصة وأنها ظلت بقعة دولية ذاع صيتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، فضلا عن ضوئها ولمعانها الخاص، وشفافية هوائها، وتنوع مناظرها الطبيعية، وخصوصيتها المعمارية التي تمزج بين ما هو غربي وإسلامي أندلسي، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة فنيا وتقنيا، الرخيصة مقارنة بأوروبا وأمريكا.. وهي محفزات حَوَّلَتْهَا إلى محج لمجموعة من الأغنياء والسياسيين وغيرهم ممن شاع بريق أخبارهم في أنحاء المعمور...
من أشهر المخرجين المغاربة الذين صوروا أفلامهم جزئيا أو كليا بمدينة طنجة نشير إلى مومن السميحي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد ومحمد عبد الرحمان التازي وحسن لگزولي ونبيل عيوش وليلى المراكشي.. ومن بين الأفلام المغاربية نشير إلى فيلم "الخبز الحافي" للمخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي استوحى أحداثه من الرواية - السيرة الذاتية التي ألفها الكاتب الطنجي الشهير محمد شكري الذي لم تخل حياته من قهر ومغامرة وجرأة من شأنها أن تسعفنا، اليوم، في فهم الشخصية المغربية المركبة وإماطة الوهم عن أبعادها الإنسانية العميقة.. ومن بين المخرجين الأجانب نذكر الفرنسيين: (جون بينشون) "Jean Pinchon" و(دانييل كوينتان) "Daniel Quintin" اللذان أنجزا فيلمهما "مكتوب" سنة 1919، و(فيليب دو بروكا) "Philippe de Broca"، و(نيكولا كلوتز) "Nicolas Klotz"، و"ألكسندر أركادي" (Alexandre Arcady).. ومن الأمريكيين: (جورج واگنر) "Georges Waggner"، و(فيليب دين) "Philippe Dunne"، و(بوب سوايم) "Bob Swaim".. هذا، وغيرهم كثير من الإيطاليين والسويسريين والألمان والإسبان...
واللافت أن عدة أفلام تحمل عناوينها اسم المدينة ك: "أشباح طنجة"، و"عقارب طنجة"، و"أسرار طنجة" (Los Misterios de Tanger)، و"مهمة في طنجة"، و"سارق طنجة"، و"رحلة إلى طنجة"، و"كمين في طنجة"، و"دافي: ثعلب طنجة"، و"الصيف الأخير بطنجة".. ومن المغرب: "خوانيطا بنت طنجة"، و"طينجا"...
لهذه المدينة سحرها الخاص، وجمالها الفريد، وبريقها النادر والأخَّاذ.. فقد ألهمت عدة سينمائيين منهم المخرج الألماني "بيتر گودل" (Peter Goedel) الذي أغرته عوالمها، وأسطورتها الضاربة في القِدَم مما حَرَّضَهُ على الانخراط في إنجاز فيلمه الطويل "طنجة - أسطورة مدينة" (Tanger - Legende einer Stadt) [2000] الذي يجمع بين الطابعين الوثائقي والروائي رغم أن صاحبه يصنفه ضمن الصنف الأول.. إن هذه الرؤية البرانية (رؤية الآخر) لمدينة طنجة، قد استطاعت بالفعل أن تكشف خبايا المدينة في قالب فني مختلف يسترجع خلاله الممثل "Armim Muller-Stahl" (بطل الفيلم) ذكرياته القديمة حين كان مخبرا سياسيا بالمدينة؛ إذ يعود به الحنين، بعد أربعين سنة، إلى طنجة ليتجول من جديد بين دروبها وأزقتها.. ويتنقل بين فضاءات مقاهيها وفنادقها وحاناتها.. مستعيدا قصة حبه القديم رفقة عشيقته (ماري) "Lisa Martino" التي يرافقه صوتها وطيفها أينما حل وارتحل وكأنه يبحث عن فردوس أحلام مفقود عبر دروب طنجة!
يوظف المخرج تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" كي يستعرض عبرها قصة الحبيبين، ويستنطق بعض أسرار المدينة الثاوية في ثنايا التاريخ. فقد تعايش بالمدينة أقوام مختلفون، وأجناسٌ تَنَوَّعَت عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ضمن سياقات يسودها السلام والاحترام والانفتاح والمغايرة...
سلك المخرج طريقة سردية تجعل كل متدخل يروي هامشا من تاريخ المدينة وفق طريقته الخاصة، وانطلاقا من "ورطة/تجربة" كل واحد في الحياة: يتكلم رجل السياسة والمهرب والعاهرة ورجل الدين والرياضي والكاتب والفنان والعامل... هكذا، انبرى الأفراد يعبرون، فيما يشبه التداعي الحر، عما يروج بداخلهم محاولين استنهاض الذاكرة واستجماعها كي تجود بفكرة تسعف في رسم بورتريه جماعي للمدينة...
ضدا على كل التوظيفات التي جعلت من طنجة مكانا غرائبيا يعبره التجار والشواذ والمهاجرون السريون والعابرون إلى الضفة الأخرى.. انصهرت في هذا الفيلم تداخلات ورؤى متباينة لتتآلف عبر مونتاج ذكي موسوم باحترافية بالغة هَدَفُهُ تشكيل ذاكرة مغايرة لطنجة الأخرى: المدينة بعين مختلفة عن أعين أبنائها...
اشتغل بعض المخرجين المغاربة والأجانب على سينما تحاول رفض الاستشراق ذي الحمولات المبتسرة المُكَرِّسَة للتخلف والكليشيهات الجلية من عناوين الأفلام المشار إليها أعلاه، وذلك عن طريق طرح القضايا العميقة التي تنطلق من واقع البلاد، وهو ما انتبه إليه، أيضا، بعض المخرجين المبدعين كالفرنسي "أندري تيشيني" (André Téchiné) في فيلمه "الأزمنة المتغيرة" (Les temps qui changent) [2004] الذي يختلف عن فيلم الإيطالي "برناردو بيرتولوتشي" (Bernardo Bertolucci) الشهير "شاي في الصحراء" (Un Thé Au Sahara) [1990] من حيث زاوية المعالجة، وطرائق التصوير...
استثمر المخرج تنقلات البطل، وطريقة رؤيته للأشياء من خلال حركات الكاميرا، وهو الأمر الذي خلق أسلوبا إخراجيا متميزا استطاع أن يقدم لنا جمال مدينة طنجة عبر لقطات بانورامية وثابتة، وسلسلة من الإطارات التي تفوح جمالا ودلالة... فقد سلط الفيلم الضوء على المدينة ومغاراتها الشهيرة، وأهازيجها، وطقوس خليطها السكاني المنسجم... كما مزج المخرج بين الصورة الحية والصورة الميتة "الأرشيف" ليمزجها بالمناظر الطبيعية والتاريخية لمدينة طنجة وكذا بشهاداتِ رجالٍ عشقوا طنجة وعاشوا أجواءها المخضرمة، كما اعتمد تقنية المونتاج المزجي "Fondu" كمؤثر بصري لجمع الصور التي حصل عليها من بنوك الأرشيف، وتلك عملية أعطت، في حد ذاتها، للفيلم قيمة وثائقية كبرى...
جاءت بنية الفيلم السردية متماسكة ومتسلسلة بشكل يخضع لمنطق بصري معقول، فالمتفرج يتابع قصة الحب وهو يكتشف جمال طنجة، ويتعرف على شخصيات اقترنت بأحداث واقعية... فقد اشتغل مؤلفو السيناريو على وثائق تاريخية تنم عن بحث عميق دَعَّمَ الكتابة البصرية للفيلم، وذلك ما ساهم في تلافي الهفوات التي تعترض مثل هذا النوع من الأفلام... فأماكن التصوير التاريخية التي صور بها المخرج ما تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ما أراد المخرج إبرازه، وهو ما أضفى على الأحداث نوعا من الواقعية والمصداقية... فالأمكنة تشهد على أقوال الساردين والرواة وتدعم شهاداتهم.. والصور حاضرة عند الذكرى: محمد شكري، پول بولز، خوان غويتيسولو وآخرون.. يحكون ويشهدون.. يختلط الحكي بالسيرة، والواقع بالخيال، والشهادة الحية بالوثيقة التاريخية... فتكتمل الرؤية: تتمازج نظرةُ الأنا بالآخر لِتُسْهِم في بلورة وصياغة تلك النظرة - الاقتراح...
*الجزيرةوثائقية
محمد اشويكة
منذ أن بدأت "أسطورة" السينما، أثار المكان المغربي بجمالياته وخصوصياته المتنوعة والمتعددة، فضول السينمائيين العالميين، خصوصا الأوروبيين والأمريكيين منهم، وذلك بدءا بالأخوين لوميير اللذين سرعان ما ستستشري عدواهم إلى كافة الأوروبيين من صناع الصورة كالإيطاليين والألمانيين لتنتقل إلى الهوليوديين وغيرهم قصد الاحتفاء بتوهجات الفضاءات المغربية من البحر إلى السهل فالصحراء.. هكذا، كان للمدن المغربية حضورها البراق في الفيلموغرافيا العالمية كالدار البيضاء ومراكش وطنجة وورزازات وأرفود وزاگورة والصويرة.. حيث شَكَّلَ المناخ والطبيعة والمعمار والإنسان.. أسسا مساعدة لإنجاز أضخم الأعمال السينمائية التي وسمت تاريخ السينما العالمية الثري بالرؤى والمدارس والاتجاهات الفنية...

من بين المدن المغربية التي أثارت شغف الكثير من الفنانين والكتاب، مدينة طنجة التي شكلت محطة بارزة ضمن مختلف السياقات التاريخية، المغربية والعالمية، نظرا للأهمية الدولية التي كانت تحظى بها قبل وأثناء وبعد الاستعمار، خاصة وأنها ظلت بقعة دولية ذاع صيتها خلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، فضلا عن ضوئها ولمعانها الخاص، وشفافية هوائها، وتنوع مناظرها الطبيعية، وخصوصيتها المعمارية التي تمزج بين ما هو غربي وإسلامي أندلسي، وتوفر الموارد البشرية المؤهلة فنيا وتقنيا، الرخيصة مقارنة بأوروبا وأمريكا.. وهي محفزات حَوَّلَتْهَا إلى محج لمجموعة من الأغنياء والسياسيين وغيرهم ممن شاع بريق أخبارهم في أنحاء المعمور...
من أشهر المخرجين المغاربة الذين صوروا أفلامهم جزئيا أو كليا بمدينة طنجة نشير إلى مومن السميحي والجيلالي فرحاتي وفريدة بليزيد ومحمد عبد الرحمان التازي وحسن لگزولي ونبيل عيوش وليلى المراكشي.. ومن بين الأفلام المغاربية نشير إلى فيلم "الخبز الحافي" للمخرج الجزائري رشيد بلحاج الذي استوحى أحداثه من الرواية - السيرة الذاتية التي ألفها الكاتب الطنجي الشهير محمد شكري الذي لم تخل حياته من قهر ومغامرة وجرأة من شأنها أن تسعفنا، اليوم، في فهم الشخصية المغربية المركبة وإماطة الوهم عن أبعادها الإنسانية العميقة.. ومن بين المخرجين الأجانب نذكر الفرنسيين: (جون بينشون) "Jean Pinchon" و(دانييل كوينتان) "Daniel Quintin" اللذان أنجزا فيلمهما "مكتوب" سنة 1919، و(فيليب دو بروكا) "Philippe de Broca"، و(نيكولا كلوتز) "Nicolas Klotz"، و"ألكسندر أركادي" (Alexandre Arcady).. ومن الأمريكيين: (جورج واگنر) "Georges Waggner"، و(فيليب دين) "Philippe Dunne"، و(بوب سوايم) "Bob Swaim".. هذا، وغيرهم كثير من الإيطاليين والسويسريين والألمان والإسبان...
واللافت أن عدة أفلام تحمل عناوينها اسم المدينة ك: "أشباح طنجة"، و"عقارب طنجة"، و"أسرار طنجة" (Los Misterios de Tanger)، و"مهمة في طنجة"، و"سارق طنجة"، و"رحلة إلى طنجة"، و"كمين في طنجة"، و"دافي: ثعلب طنجة"، و"الصيف الأخير بطنجة".. ومن المغرب: "خوانيطا بنت طنجة"، و"طينجا"...
لهذه المدينة سحرها الخاص، وجمالها الفريد، وبريقها النادر والأخَّاذ.. فقد ألهمت عدة سينمائيين منهم المخرج الألماني "بيتر گودل" (Peter Goedel) الذي أغرته عوالمها، وأسطورتها الضاربة في القِدَم مما حَرَّضَهُ على الانخراط في إنجاز فيلمه الطويل "طنجة - أسطورة مدينة" (Tanger - Legende einer Stadt) [2000] الذي يجمع بين الطابعين الوثائقي والروائي رغم أن صاحبه يصنفه ضمن الصنف الأول.. إن هذه الرؤية البرانية (رؤية الآخر) لمدينة طنجة، قد استطاعت بالفعل أن تكشف خبايا المدينة في قالب فني مختلف يسترجع خلاله الممثل "Armim Muller-Stahl" (بطل الفيلم) ذكرياته القديمة حين كان مخبرا سياسيا بالمدينة؛ إذ يعود به الحنين، بعد أربعين سنة، إلى طنجة ليتجول من جديد بين دروبها وأزقتها.. ويتنقل بين فضاءات مقاهيها وفنادقها وحاناتها.. مستعيدا قصة حبه القديم رفقة عشيقته (ماري) "Lisa Martino" التي يرافقه صوتها وطيفها أينما حل وارتحل وكأنه يبحث عن فردوس أحلام مفقود عبر دروب طنجة!

يوظف المخرج تقنية الاسترجاع "الفلاش باك" كي يستعرض عبرها قصة الحبيبين، ويستنطق بعض أسرار المدينة الثاوية في ثنايا التاريخ. فقد تعايش بالمدينة أقوام مختلفون، وأجناسٌ تَنَوَّعَت عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم ضمن سياقات يسودها السلام والاحترام والانفتاح والمغايرة...
سلك المخرج طريقة سردية تجعل كل متدخل يروي هامشا من تاريخ المدينة وفق طريقته الخاصة، وانطلاقا من "ورطة/تجربة" كل واحد في الحياة: يتكلم رجل السياسة والمهرب والعاهرة ورجل الدين والرياضي والكاتب والفنان والعامل... هكذا، انبرى الأفراد يعبرون، فيما يشبه التداعي الحر، عما يروج بداخلهم محاولين استنهاض الذاكرة واستجماعها كي تجود بفكرة تسعف في رسم بورتريه جماعي للمدينة...
ضدا على كل التوظيفات التي جعلت من طنجة مكانا غرائبيا يعبره التجار والشواذ والمهاجرون السريون والعابرون إلى الضفة الأخرى.. انصهرت في هذا الفيلم تداخلات ورؤى متباينة لتتآلف عبر مونتاج ذكي موسوم باحترافية بالغة هَدَفُهُ تشكيل ذاكرة مغايرة لطنجة الأخرى: المدينة بعين مختلفة عن أعين أبنائها...
اشتغل بعض المخرجين المغاربة والأجانب على سينما تحاول رفض الاستشراق ذي الحمولات المبتسرة المُكَرِّسَة للتخلف والكليشيهات الجلية من عناوين الأفلام المشار إليها أعلاه، وذلك عن طريق طرح القضايا العميقة التي تنطلق من واقع البلاد، وهو ما انتبه إليه، أيضا، بعض المخرجين المبدعين كالفرنسي "أندري تيشيني" (André Téchiné) في فيلمه "الأزمنة المتغيرة" (Les temps qui changent) [2004] الذي يختلف عن فيلم الإيطالي "برناردو بيرتولوتشي" (Bernardo Bertolucci) الشهير "شاي في الصحراء" (Un Thé Au Sahara) [1990] من حيث زاوية المعالجة، وطرائق التصوير...
استثمر المخرج تنقلات البطل، وطريقة رؤيته للأشياء من خلال حركات الكاميرا، وهو الأمر الذي خلق أسلوبا إخراجيا متميزا استطاع أن يقدم لنا جمال مدينة طنجة عبر لقطات بانورامية وثابتة، وسلسلة من الإطارات التي تفوح جمالا ودلالة... فقد سلط الفيلم الضوء على المدينة ومغاراتها الشهيرة، وأهازيجها، وطقوس خليطها السكاني المنسجم... كما مزج المخرج بين الصورة الحية والصورة الميتة "الأرشيف" ليمزجها بالمناظر الطبيعية والتاريخية لمدينة طنجة وكذا بشهاداتِ رجالٍ عشقوا طنجة وعاشوا أجواءها المخضرمة، كما اعتمد تقنية المونتاج المزجي "Fondu" كمؤثر بصري لجمع الصور التي حصل عليها من بنوك الأرشيف، وتلك عملية أعطت، في حد ذاتها، للفيلم قيمة وثائقية كبرى...
جاءت بنية الفيلم السردية متماسكة ومتسلسلة بشكل يخضع لمنطق بصري معقول، فالمتفرج يتابع قصة الحب وهو يكتشف جمال طنجة، ويتعرف على شخصيات اقترنت بأحداث واقعية... فقد اشتغل مؤلفو السيناريو على وثائق تاريخية تنم عن بحث عميق دَعَّمَ الكتابة البصرية للفيلم، وذلك ما ساهم في تلافي الهفوات التي تعترض مثل هذا النوع من الأفلام... فأماكن التصوير التاريخية التي صور بها المخرج ما تزال شاهدة إلى يومنا هذا على ما أراد المخرج إبرازه، وهو ما أضفى على الأحداث نوعا من الواقعية والمصداقية... فالأمكنة تشهد على أقوال الساردين والرواة وتدعم شهاداتهم.. والصور حاضرة عند الذكرى: محمد شكري، پول بولز، خوان غويتيسولو وآخرون.. يحكون ويشهدون.. يختلط الحكي بالسيرة، والواقع بالخيال، والشهادة الحية بالوثيقة التاريخية... فتكتمل الرؤية: تتمازج نظرةُ الأنا بالآخر لِتُسْهِم في بلورة وصياغة تلك النظرة - الاقتراح...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.