قدمت رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش مساء أمس الأحد بالرباط، مضامين تقرير المجلس حول "احتجاجات الحسيمة"، الذي تمت المصادقة عليه قبل من الجمعية العامة للمجلس في دورتها الثانية مع توصية بنشره. وقالت بوعياش خلال لقاء صحفي عقدته بمقر المجلس، إن التقرير، الذي يضم 400 صفحة، تمت صياغته خلال الفترة ما بين نونبر 2019 ومارس 2020، مشيرة إلى أنه يهدف إلى تقديم قراءة حقوقية لما جرى خلال ال12 شهرا من الاحتجاجات التي عرفها إقليمالحسيمة، ويركز في إطار مقاربة مفتوحة وشفافة، على الممارسات المتعارضة مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تمكن المجلس من إحصائها سواء من طرف السلطات العمومية أو من جانب المواطنين. وأكد المجلس الوطني أن اقتحام ناصر الزفزافي لمسجد اثناء خطبة الجمعة، يعد مسا بحرية العقيدة والعبادة، معتبرا أن الأمر لا يتعلق بنقاش عمومي وبفضاء من الفضاءات العمومية، حيث تتواجه الآراء والمواقف محتكمه إلى الحجة والبرهان. بل نحن أمام شعيرة تعبدية، لها دلالتها القدسية، يمارسها المؤمنون بها... وجاء في التقرير انه لو اكتفى ناصر الزفزافي بانتقاد الخطبة خارج المسجد، لكان يمارس حقه المشروع في حرية التعبير، لكنه باقتحامه للمسجد، يكون قد اعتدى على حق الذين كانوا بالمسجد في ممارسة حرية تعبدهم وحريتهم الدينية. ولذلك فإنه قد خرق حقهم في ممارسة شعائرهم. واستند تقرير المجلس في تجريم المس بحريات العبادة على مختلف النصوص ذات الصلة، والتي تنص على أن حرية العبادة مكون أساسي من مكونات الحريات الدينية، وهو ما قررته المحاكم الفرنسية بمختلف درجاتها، في قضايا اقتحا كنائس سنيت 2012و2013، وكذا المحكمة الأوروبية في قرارها سنة 2015 الذي أكد على ضمان حق المتظاهرين في التعبير وكذلك حق المصلين في أداء شعائرهم وصلاتهم وذلك بأخذ المسافة الكافية ما بين الفضائين (فضاء الصلاة وفضاء التظاهر). وفيما يلي مقتطف من التقرير حول المس بحرية العقيدة والعبادة اقتحام مسجد اثناء خطبة الجمعة تعتبر أماكن العبادة في كل الأديان، فضاءات تتمتع بتقدير ومعاملة خاصتين. ولذلك يعتبر المسجد مكانا للعبادة والتعبد. كما أن صلاة الجمعة لها خصوصياتها وطقوسها الخاصة والمتمثلة في الخطبتين، والتي لا يجوز بدونهما. فالحقوق الدينية تتضمن حرية العقيدة والعبادة، وهما يحيلان إلى حق الإنسان في أن يختار العقيدة التي يريدها دون إكراه من الغير. كما يحيلان على حقه في أن يمارس العبادة والشعائر الخاصة بدينه، بمأمن من الاستفزاز أو التحرش. في سياق تواتر احتجاجات الحسيمة، وبتاريخ 26 ماي 2017، اقتحم ناصر الزفزافي المسجد أثناء خطبة الجمعة مقاطعا الإمام ومخاطبا المصلين داخل المسجد. وترتب عن ذلك حرمان المصلين من ممارسة حقهم في صلاة الجمعة، حيث أم بهم الإمام في نهاية المطاف صلاة الظهر (أربع ركعات) عوض صلاة الجمعة، وبالتالي تم حرمانهم من إتمام شعائر خطبة وصلاة الجمعة. مبررات ناصر الزفزافي لقد اعتبر أن “الإمام يطبل للفساد من أجل “إركاع الريف ومن أجل أن تأتي بطاريق الخليج وتغتصب نسائنا وتغتصب أطفالنا”! كما اعتبر أن “من واجبه” تقويم “اعوجاج” الإمام، سيرا على نهج عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه). .. ما ترتب عن الاقتحام إثر هذه الواقعة، وفي نفس اليوم، أمر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة بإيقاف السيد ناصر الزفزافي بداعي “عرقلة حرية العبادات داخل مسجد وتعطيلها أثناء صلاة الجمعة. واعتبرت النيابة العامة، في بيان لها عقب ذلك، أن “المعني” أقدم على منع الإمام من إكمال خطبته، وألقى داخل المسجد خطابا تحريضيا أهان فيه الإمام” وأنه “أحدث اضطرابا أخل بهدوء العبادة ووقارها وقدسيتها”. ومن جهتها استنكرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية “الإخلال بالتقدير والوقار الواجبين لبيوت الله أثناء صلاة الجمعة”، ” مما أفسد صلاة الجمعة وأساء إلى الجماعة”. واعتبرت أن ذلك “فتنة كبيرة” وأن الحدث يمثل “تصرفا منكرا” في بلد يحيط العبادات وطقوسها بأكبر قدر من الإجلال والتعظيم والوقار. المرتكزات الحقوقية بخصوص هذه الواقعة، فإن الأمر لا يتعلق بنقاش عمومي وبفضاء من الفضاءات العمومية، حيث تتواجه الآراء والمواقف محتكمه إلى الحجة والبرهان. بل نحن أمام شعيرة تعبدية، لها دلالتها القدسية، يمارسها المؤمنون بها. وإذا حدث وكان خلاف أو اختلاف حولها، فمكان التعبير عنه في الفضاء العمومي، إذ لو اكتفى السيد ناصر الزفزافي بانتقاد الخطبة خارج المسجد، لكان يمارس حقه المشروع في حرية التعبير. لكنه باقتحامه للمسجد، يكون قد اعتدى على حق الذين كانوا بالمسجد في ممارسة حرية تعبدهم وحريتهم الدينية. ولذلك فإنه قد خرق حقهم في ممارسة شعائرهم. وقد أناطت النصوص الدولية بالسلطات العمومية، مسؤولية حماية أماكن العبادة، من كل فعل من شأنه أن يعرقل سيرها، ويؤثر على طمأنينة المتعبدين. ونظرا للترابط بين الحق في حرية الاعتقاد وحرية ممارسة العبادة، فقد اعتبرت حماية أماكن العبادة، ضمانة لحماية الحق في الاعتقاد والعبادة. تجريم المس بحريات العبادة يمثل فعل اقتحام المسجد وتوقيف خطبة الإمام خرقا لحرية العبادة وحماية فضائها. وقد اعتبرت مختلف النصوص ذات الصلة، أن حرية العبادة مكون أساسي من مكونات الحريات الدينية. واطلعنا على العديد من الحالات المماثلة وكيف تفاعل معها القضاء، مثل حالة 3 نشطاء اقتحموا كنيسة كولون بألمانيا، في غشت 2012 تضامنا مع المعتقلات من حركة ” بوسي ريوت ” بروسيا، فتمت متابعتهم وإدانتهم. وحالة إليوزبوتون – Elois Bouton، و هي ناشطة من حركة ” فيمن ” النسائية، التي اقتحمت كنسية المادلين بباريس في دجنبر 2013. ورغم أن مبرر الاقتحام هو التعبير عن رأي متعلق بانتقاد موقف الكنيسة من حرية الإجهاض، فقد أدانتها المحاكم الفرنسية بمختلف درجاتها. وأكدت المحكمة الأوروبية في قرارها سنة 2015 على ضمان حق المتظاهرين في التعبير وكذلك حق المصلين في أداء شعائرهم وصلاتهم وذلك بأخذ المسافة الكافية ما بين الفضائين (فضاء الصلاة وفضاء التظاهر). فالواضح هنا أن السلطات القضائية لم تعتبر اقتحام الكنائس تعبيرا عن رأي هي ملزمة بنص قوانينها بضمانه، بل رأت الأمر مسا بحرمة مكان للعبادة ولحرية المتعبدين داخله، وهي ملزمة بضمان أمنه.