قيوح: المؤتمر 18 لحزب الاستقلال انتهى.. وأعضاء المجلس الوطني مطالبين بالتصويت على الأمين العام المقبل    وزان ..تحديد أفق إطلاق مشروع دار الاقتصاد الأخضر    بعد تلويحه بالاستقالة.. مظاهرات حاشدة بإسبانيا دعما لرئيس الوزراء    إندونيسيا.. زلزال بقوة 5ر6 درجات قبالة جزيرة جاوا    تعزية في وفاة خال الدكتورة إسلام أخياظ    توقيف مواطنين صينيين يشتبه تورطهما في قرصنة المكالمات الهاتفية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    أيت الطالب وأمزازي يعطيان انطلاقة خدمات 34 مؤسسة صحية بجهة سوس    صافرة كونغولية لمباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    اتحاد العاصمة يواصل تداريبه رغم تهديده بالانسحاب.. ومراقب المباراة يرفض تسجيل اعتراضهم    "حماس" تعلن ارتفاع عدد القتلى في غزة    الملك: علاقات المغرب والطوغو متميزة    وزير الصحة يدشن مستوصفات جديدة    إسبانيا تعترض 25 طنا من المخدرات    إسدال الستار على فعاليات "ليالي الفيلم السعودي" في الرباط    انتخابات الرئاسة الأمريكية تؤجل قرار حظر "سجائر المنثول"    الأمور مضبوطة: بركان لاعبين بالتوني اللي فيه خريطة المغرب ضد اتحاد العاصمة الجزائري    بدء أشغال المؤتمر السادس للبرلمان العربي بالقاهرة بمشاركة المغرب    التلميذة فاطمة الزهراء ضحية مدير ثانوية "التقدم" فمولاي يعقوب فتصريح ل"كود": هادي 3 سنين والمدير كيتحرش بيا وكيدير هادشي مع بزاف دالبنات    نادية فتاح: المغرب يتيح الولوج إلى سوق تضم حوالي مليار مستهلك بإفريقيا    تتويج شعري في ملتقى الشعر والفلسفة    منتوج العسل المغربي يطرق أبواب السوق الأوروبية    العلماء يعثرون على قبر أفلاطون بفضل الذكاء الاصطناعي "صورة"    جاري القروض الصغرى المستحقة يصل إلى 8,4 مليار درهم في متم 2022    وفد ألماني يطلع بتطوان على العرض البيداغوجي للمعهد المتوسطي للتدبير    مظاهرة حاشدة في مدريد لدعم رئيس الوزراء وحثه على البقاء    رحلة الجاز بطنجة .. عودة للجذور الإفريقية واندماج مع موسيقى كناوة    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    هيئة كبار العلماء بالسعودية: لا يجوز الذهاب إلى الحج دون أخذ تصريح وآثم من فعل ذلك    بلغت تذاكره 1500 درهم.. حفل مراون خوري بالبيضاء يتحول إلى فوضى عارمة    الخارجية البريطانية: ملتازمين بتعزيز وحماية حقوق الإنسان فالصحرا وكنشجعو الأطراف باش يواصلوا جهودهم فهاد الصدد    المغرب يواجه واحدا من أكثر المواسم الفلاحية كارثية في تاريخه    مجلس الأمن .. حركة عدم الانحياز تشيد بجهود جلالة الملك لفائدة القضية الفلسطينية    تفاصيل وكواليس عمل فني بين لمجرد وعمور    ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء بالمغرب    مؤتمر الاستقلال يمرر تعديلات النظام الأساسي ويتجنب "تصدع" انتخاب القيادة    قناة عبرية: استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي قريبا وجميع الضباط المسؤولين عن كارثة 7 أكتوبر سيعودون إلى ديارهم    تواصل حراك التضامن مع الشعب الفلسطيني في المغرب.. مظاهرات في 56 مدينة دعما لغزة    السعيدية.. افتتاح النسخة الثامنة من تظاهرة "أوريونتا منتجعات السعيدية – حكايات فنية"    خمسة فرق تشعل الصراع على بطاقة الصعود الثانية وأولمبيك خريبكة يهدد حلم "الكوديم"    مجلس أمناء الاتحاد العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    سيناريوهات الكاف الثلاث لتنظيم كأس إفريقيا 2025 بالمغرب!    مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة    زفاف العائلات الكبيرة.. زواج ابنة أخنوش من نجل الملياردير الصفريوي    هجوم روسي استهدف السكك بأوكرانيا لتعطيل الإمدادات د مريكان    سامسونغ تزيح آبل عن عرش صناعة الهواتف و شاومي تتقدم إلى المركز الثالث    تطوير مبادرة "المثمر" ل6 نماذج تجريبية يَضمن مَكننة مستدامة لأنشطة فلاحين    الأكاديمية تغوص في الهندسة العمرانية المغربية الإسبانية عبر "قصر الحمراء"    الرابطة الرياضية البيضاوية يؤكد ان الوحدة الترابية قضيتنا الاولى    جمارك الجزائر تجهل قانون الجمارك    اكتشف أضرار الإفراط في تناول البطيخ    كورونا يظهر مجدداً في جهة الشرق.. هذا عدد الاصابات لهذا الأسبوع    الأمثال العامية بتطوان... (583)    دراسة: التمارين منخفضة إلى متوسطة الشدة تحارب الاكتئاب    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    الأمثال العامية بتطوان... (582)    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجلسة سرية : قصة مدينة منكوبة
نشر في تطوان نيوز يوم 24 - 06 - 2013

هذه القصة وإن كانت بعض وقائعها حقيقية، فإن شخصياتها خيالية لا تمت إلى الواقع بصلة، أحداثها جرت في إحدى المدن المغربية النائية، عانت من التهميش، وابتليت بصراع شرس بين سياسييها، كل مسير يأتي يعمق جراحها، ويطمس معالمها، ويخرب اقتصادها، حتى أقفلت المعامل، وبنيت الحدائق، وأفلست المتاجر، وانهارت القيم، فلم يبق بها سوى المعطلون والباعة الجائلون، والساسة المتربصون. هذه هي قصة مدينتنا. ولكن آفة مدينتنا النسيان.
أحمد البقالي.
1
كل المؤشرات كانت تدل على أن رئيس المجلس، كان يتجه نحو جعل جمعه العام السنوي في جلسة سرية، هذا ما كان يتردد على لسان كل متتبعي شؤون المجلس بالمدينة.
هذا اليوم لم يكن يوما عاديا كباقي الأيام، فقد استفاق الرئيس على جرس الهاتف بخبر يبعث على التشاؤم، حيث قال له محدثه أن الصحفي الشهير حميد رزقي صاحب عمود "عيش نهار تسمع خبار" قد رمى سهامه عليه بالصورة والقلم، وأن الصور المنشورة تبينه في حالة انشراح واستمتاع بإيقاع راقصة الفلامينكو الإسبانية. بينما القلم الناري نصح رئيس المجلس بتقديم استقالته بعدما خالف تعليمات رئيس الحكومة بعدم إسناد مناصب الشغل عن طريق المحسوبية والزبونية ومختلف أنواع الوساطات، أو عن طريق "باك صاحبي".
كان الرئيس منذ بضعة أيام قد أفرغ جميع شعارات العهد "الإسلامي" الجديد، الذي ستسود فيه العدالة وتكافؤ الفرص، والنزاهة، والاستحقاق، من محتواها، حينما استعمل سلطته بتوجيه رسالة يزكي فيها ابنة المدير قصد تشغيلها بشركة توزيع الماء والكهرباء.
ثم ما لبثت المكالمات الهاتفية تنهال عليه ممطرة إياه أخبارا غير سارة، كان أحدها من الكاتب الجهوي للحزب الذي يشغل في نفس الوقت منصبا وزاريا، وتم الاستشهاد بكلامه المشهور، عن "باب ما جاء في الحكامة الرشيدة" التي تبشر بها الحكومة الملتحية في نفس مقال حميد رزقي. قال له إن الزعيم غاضب مما نشر، وأنه خيب ظنه فيه، ولا سيما حينما قبل أخذ صور له إلى جانب الراقصات، فماذا سيقول عموم المواطنين، والحزب إلى عهد قريب أعلن أنه لا يقبل حضور سهرات "موازين"، بل حتى المرشد الديني، زعيم حركة "الإصلاح والتوحيد" ، قالها صراحة، إن نفور "الإخوان" من سهرات "موازين" ليست لأنها هدر للمال العام في عز الأزمة، ولكن لأنها تفسد أخلاق الشعب، وتبعدهم عن دينهم الحنيف. فهذا الدين هو رأسمال "الجماعة" الذي يجب أن تحافظ عليه، لأنه الزاد الذي تكسب به ثقة المواطنين، وبدونه سيصبح تواجدها في الساحة السياسية بدون مغزى.
لقد بعثت كل هذه المكالمات في نفس الرئيس شعورا بالضآلة والضياع، ولعن في نفسه المدير الذي كان سبب كل هذه البلاوي، لكن المصائب لا تأتي فرادى، فما لبث أن تلقى مكالمة هاتفية أخرى من مدير ديوانه يخبره أن تجار سوق "الإمام أبي حنيفة" يتظاهرون أمام المقر الرئيس للمقاطعة، ويرددون شعارات مناوئة له.
كان إلى حدود تلك اللحظة ما يزال في منزله يوقع بعض الرخص، ولا حظ أن كلها مستوفية للشروط القانونية، سبب له ذلك حسرة في نفسه، وأرسل، في نفسه، سيلا من اللعنات على المسؤول الذي وشى به لوزارة الداخلية، التي أوفدت له لجنة تفتيش، لتحقق في الرخص التي سلمت بدون تأشيرة الجهات الوصية، ومن يومها امتنع عن توقيع أية رخصة لا تحمل التأشيرة المطلوبة، حتى ولو كانت بتوصية من "الإخوان" الذين لا يرد لهم طلب، وكان يتوسل إليهم أن يستعينوا "بالصبر والصلاة"، فما أن يعلن عن موعد الانتخابات الجماعية، حتى يوقع لهم ما يطلبون بدون خوف من استفسار أو إنذار.
نظر إلى ساعته، وجد أنها تقترب من الساعة الحادية عشرة قبل الزوال، لبس بذلته الحريرية ذات اللون الرمادي الفاتح التي تحمل توقيع أرقى شركات الملابس الجاهزة بإسبانيا، وحرص على اختيار ربطة عنق حمراء زاهية، لا بد أن يبدو اليوم في كامل أناقته، فهي تزيد من حنق أعدائه السياسيين، الذين يتربصون به، ويحيكون له المؤامرة تلو الأخرى.
نادى على سائقه الذين كان رابضا أمام مبنى إقامته، منتظرا إشارة الانطلاق، وأمره بحمل محفظة التوقيعات، ثم أمره بعد ذلك بالتوجه إلى مبنى المقاطعة الجديد، هذا المبنى الذي يفخر دائما بأنه أول من دشنه، وحرص على تأثيث مكتبه بالغالي والنفيس، من طنافس جلدية ذات لون بني فاتح، وسجادات فارسية بيضاء تتوسطها زخارف من التراث الإسلامي، بينما تحتل وسط المكتب طاولة للاجتماعات ذات لون بني غامق، يحاكي لون مكتبه الذي كانت خلفه أريكة جلدية فاخرة ذات لون أسود غامق، وتتقدمه أريكتان مشابهتان للزوار، وتعلوه صورة أمير المؤمنين بلباسه التقليدي الناصع البياض، وهو يؤدي فريضة الصلاة. إذ لا بد أن يعطي الانطباع لمن يزور مكتبه، أن "الإخوان" هم رجال دعوة ودين في المقام الأول، وليسوا بطالبي دنيا. لأن "متاع الدنيا قليل".
2
دخل إلى مكتبه مارا بالباب الرئيس للمبنى محاطا بالحرس الخاص، لحمايته من المتطفلين، ومنع تجار سوق "الإمام أبي حنيفة" من الاقتراب منه، هؤلاء ما أن لمحوا سيارته السوداء، حتى ازدادت هتافاتهم حماسا. دلف إلى مكتبه بسرعة، طالبا في نفس الوقت من كاتبته الخاصة، أن تبعث في طلب المدير ليحضر إلى مكتبه في الحال.
ما أن سمع المدير نداء السكرتيرة تدعوه لموافاة الرئيس على جناح السرعة، حتى ازداد لونه امتقاعا. كان بدوره قد وصله نبأ "السلخة" التي تلقاها الرئيس بقلم الصحفي حميد رزقي، ودعا الله أن يمر هذا اليوم بخير. إنه معتاد على غضبات الرئيس، وتوبيخه المستمر له، ولكن على العموم هانت، فما هي إلا أيام معدودات، ويدخل عالم المتقاعدين، إنه مرتاح "الضمير"، لقد أكمل خدمته، وقد حقق معظم أمانيه، فهو الآن يمتلك العديد من العقارات، من بينها تجزئة سكنية، وتمكن من إيجاد فرص شغل لكل أبنائه، بقيت "آخر العنقود" التي كان يود أن توظف بشركة توزيع الماء والكهرباء، ولكن ما باليد حيلة. إلا أنه ليس قلقا عليها، فالشهادة التي حصلت عليها من المعهد الوطني للتجارة والتدبير يخولها أن تجد منصب شغل بسهولة في أحد الأبناك، أو أحد مكاتب الدراسات.
دلف المدير إلى مكتب الرئيس، وتعمد أن يطأطئ رأسه، ويلقي عليه التحية بانحناءة بسيطة. كان يعرف بحكم تجربته الطويلة في التعامل مع رجال السياسة، أنهم يرتاحون للموظف الخنوع، كان يتأبط في يده ملفا يحتوي على الوثائق الخاصة بالنقط المدرجة في جدول أعمال الجمع العام الذي سيعقده مجلس المقاطعة مساء هذا اليوم. كان يعرف أن الرئيس لا بد وأن يناقشه في بعض تفاصيلها. بادره الرئيس.
هل أنت راض عن المصائب التي تسببت لي فيها؟ لا أدري لماذا لم أقبل استقالتك حينما تقدمت بها؟ ولحد الآن أنا مستغرب أنني وقعت لك تزكية لتشغيل ابنتك ! شبيبة الحزب أولى بمثل هذه المناصب. على العموم ما حدث قد حدث. هل جميع الترتيبات الخاصة بالدورة قد اتخذت؟ لا أريد أية مفاجأة، فأنا لا أطيق سماع صوت المعارضة وهم ينتقدون مشاريع القرارات التي نعرضها عليهم.
ثق سيدي الرئيس أن كل الترتيبات قد اتخذت بكامل العناية. وقد حرصت بنفسي على مراجعة جميع الوثائق التي قدمت للأعضاء. وكلها قد تم التأكد من إعدادها بأقصى درجات الدقة والمهنية.
كل مرة تقول لي مثل هذا الكلام، لأفاجأ بالانتقادات من كل حدب وصوب. عموما لم أبعث لك لأناقش معك هذا الموضوع. أنا استدعيتك لأخبرك أن دورك قد انتهى. لا أريد أن أراك اليوم حاضرا خلال الدورة. انصرف وابعث لي برئيس المصلحة الإدارية لأناقش معه ملف الدورة.
انصرف المدير فمر عبر مكتب السكرتيرة، فالتمس منها أن تبعث في طلب رئيس المصلحة الإدارية، لأن الرئيس يريده.
كان رئيس المصلحة الإدارية حينما جاءه هاتف الكاتبة الخاصة في مكتبه غارقا وسط ركام من الملفات التي يحرص أن تبقى أمامه، ولا تصل إلى يد أي موظف آخر، نظرا لحساسيتها السياسية. وخاصة ملف الأسواق الجماعية الذي أثار خلال الآونة الأخيرة زوبعة بين الأطراف المشكلة للمكتب المسير بعد عملية سحب استفادة بعض المستحقين ومنحها لأشخاص آخرين. هذا التخبط في اتخاذ القرارات، جعله يقدم مرارا طلب إعفاءه من مهام رئاسة المصلحة. إلا أن هذا الطلب كان دائما يواجه بالرفض.
توجه فورا إلى مكتب الرئيس، دخل بعد أن استأذن بالدق على باب المكتب دقات ثلاثة. وجد الرئيس يجري مكالمة هاتفية، يبدو أنها كانت في غاية الأهمية، حيث كانت ملامح التفكير بادية عليه، وهو يرد على مخاطبه منهيا مكالمته بأن طلب منه استدعاء "الإخوان" الحزبيين، أعضاء المقاطعة لحضور اجتماع طارئ في غاية الأهمية بعد ساعة من الآن، وأن لا ينسى أن يؤكد على حضور رئيس النقابة التابعة للحزب. أنهى الرئيس المكالمة وتوجه إلى موظفه قائلا:
أنت تعلم أنني أثق فيك، لأنك دائما تعطيني رأيك الإداري والقانوني بدون مجاملة، وبدون نفاق. أريد أن أعرف ملاحظاتك بخصوص النقط المدرجة في جدول أعمال الجمع العام، لا شك أنك قد اطلعت عليها.
نعم سيدي الرئيس، لقد اطلعت على ملف الدورة، وللأسف هناك مجموعة من الثغرات التي يمكن أن ينتبه إليها أعضاء المعارضة.
مثل ماذا؟
مثلا النقطة المتعلقة باقتناء عقار لبناء مركز صحي. لا زلنا لحد الآن لا نتوفر على سند ملكيته. ثم إننا لا زلنا لم نرتب أمورنا لما بعد الاقتناء، حيث ليس لدينا موافقة كتابية من مندوبية وزارة الصحة على موقع العقار، كما كان من المفروض أن نبرم اتفاقية شراكة مع نفس المندوبية، نحدد فيها التزامات هذه الأخيرة لبناء وتجهيز وتسيير هذا المركز الصحي.
هذه مسألة بسيطة، قم باستدعاء ممثل عن مندوبية وزارة الصحة، ليؤكد موافقته على العقار الذي تم اختياره، أما سند الملكية، فيجب ألا يعلم الأعضاء بهذه المسألة.
بخصوص النقطة الثانية المتعلقة بتحويل مجرى الوادي، هذه المسألة منظمة بقانون، ويعود فيها الاختصاص لوكالة الحوض المائي. وبالنسبة للنقطة المتعلقة بطلب عروض لاختيار الجمعية التي ستتكفل بعملية التحسيس والوقاية من حوادث السير، فهذه المسألة بدورها من اختصاص وزارة النقل والتجهيز، وقد سبق للمجلس أن رفضها لنفس السبب. أما النقطة الأخيرة المتعلقة بمعايير إعطاء منح الجمعيات، فللأسف لاحظت أن الأمر لا يتعلق بمعايير حقيقية. وإنما هناك مجرد طلب للمعلومات الإحصائية من طرف الجمعيات، ولا توجد أية معايير للتنقيط والاستحقاق.
شكرا بإمكانك الانصراف.
بعدها طلب الرئيس نائبه الأول على الهاتف المحمول وخاطبه قائلا:
كيف حالك، وكيف حال باقي الإخوة الاتحاديين، أرجو ألا يؤثر تموقع حزبكم في المعارضة الحكومية على العلاقة الجيدة التي تربط ما بيننا.
إننا عندما نعطي عهدا، لا نخلفه. ولكنكم للأسف انفردتم باتخاذ القرارات، ومع ذلك تحملوننا تبعات القرارات السلبية.
ثق بأننا نعتبركم حليفا أساسيا. وأنا بالفعل أعطيت أوامري لكي تكون نائبا حقيقيا لي في التسيير اليومي، وقررت أن أطلعك على جميع القرارات. وستتواجد بمكتبي أثناء غيابي. وبإمكانك اختيار أي نوع التفويض الذي تريد ممارسته، وسترى أنني سأمنحه لكي عن طيب خاطر.
هل ستعطيني التفويض في الوقت الميت من عمر المجلس؟ ! على العموم نحن دائما نبين حسن نيتنا، إلى أن يثبت العكس، وبما أنك طلبت مني أن أتردد يوميا على مقر الجماعة للاطلاع على ما يجري، فسوف أنفذ رغتبك.
حسنا، إننا لن نخلف وعدنا بالشراكة الحقيقية في التسيير ما بين حزبينا. ولكن يجب أن تكونوا سندا قويا لنا في مواجهة المعارضة، حيث إنها تريد استغلال بعض سوء الفهم الذي يكون أحيانا بيننا لنسف التجربة برمتها، رغم أنها تجربة ناجحة بامتياز.
نحن لن ندخل في خصومات حزبكم، ويجب أن تعرف أن أعضاء المعارضة كنا شركاء لهم في التسيير خلال المجلس السابق. قبل أن نتحالف معكم. ومع ذلك فإنهم يتعاملون معنا معاملة طيبة، ويحضرون أنشطتنا الحزبية بخلافكم. لذلك يجب أن تديروا المعركة داخل الدورة بأنفسكم. ونحن كحلفاء لكم في التسيير، واجبنا هو أن نصادق على جميع القرارات المعروضة علينا في المجلس.
على العموم، كنت أرجو أن يكون تحالفنا أعمق من هذا، هذا التحالف يجب أن يستمر لأن فيه خير لهذه المدينة.
أنهى الرئيس مكالمته الهاتفية، على صوت طارق يطرق باب مكتبه، ثم فتح الباب. لقد بدأ أعضاء الحزب المستدعين يصلون تباعا لحضور الاجتماع الذي دعوا إليه.
3
كانت اجتماع الدائرة المغلقة مقتصرا فقط على الرئيس، والسيد عبد الحميد زاهر الذي يعتبر أحد المقربين من الرئيس، يشغل رئاسة لجنة جماعية، وكان قد انضم إلى الحزب عبر البوابة النقابية. وحضره الشقيقان "طه وياسين العمراني". يعتبر "طه" من المؤسسين التاريخيين "لجماعة الإخوان"، معروف بمواقفه الصلبة، حتى صنف ضمن "الصقور"، إلا أنه اشتهر أكثر بخطبه الرنانة التي يجلد فيها خصومه السياسيين بدون رحمة. أما أخوه "ياسين"، فلقد ولج العمل السياسي في كنف كاريزمية أخيه. إلا أن طموحه كان جامحا أكثر من أخيه، وحبه للسلطة لا حدود له. وحضر إلى جانبيهما أحد أكثر المريدين إخلاصا "لآل العمراني"، إنه علي النجار، الذي لا يتوفر إلا على تكوين بسيط لا يزيد عن حفظ القرآن وبضع عشرات من الأحاديث النبوية، التي يحب أن يستشهد بها في مداخلاته، حتى يبدو بمظهر "العالم الفقيه"، ومن خارج أعضاء المجلس، حضر عبد القادر بوزرهون، الكاتب النقابي، الذي سلطت عليه الأضواء، منذ أن انفجر ملف المرفق العمومي المراد تفويت تدبيره لشركة جديدة واستقطب جميع عماله الذين وعدهم أن فرج محنتهم سيكون على يد "جماعة الإخوان" كان قد تم اختياره بعناية لشغل هذا المنصب الخطير، حيث كانت ميزته الأساسية هي تنفيذ التعليمات بدون مناقشة، فضلا عن كونه لا يبدي أية طموحات لتولي أي منصب سياسي، خلافا لسلفه الذي كان طموحه جارفا، فجرفه خارج "الجماعة".
كان الجميع تبدو عليهم أمارات الاهتمام والانشغال الفكري من خلال نظراتهم الواجمة، ووجوههم المكفهرة. فجميعهم كانوا قد قرأوا المقال "الشهير" الذي انهال بالانتقادات الحادة على الرئيس. وكلهم شنفوا آذانهم، حين ولوجهم للمبنى الإداري، بالشعارات التي كان يرددها التجار.
كانوا يعرفون أن الحزب بالإضافة إلى صعوباته المحلية، يجتاز اختبارا عسيرا، سواء على مستوى التدبير الحكومي، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، اضطرتهم للاقتراض من صناديق النقد الدولية، ثلاث مرات متتالية في مدة قياسية لا تتجاوز السنة الواحدة، كما ستضطرهم للرفع من أسعار المواد الأساسية تنفيذا لتوصيات المؤسسات المقرضة. أو بتوالى الضربات عليه من طرف أحزاب المعارضة، التي انضاف إليها أهم حليف له في الحكومة، الذي أعلن انسحابه من الحكومة، وأصبح يدعو إلى إسقاطها.
افتتح الاجتماع الزعيم الروحي للجماعة بالمدينة. الأستاذ "طه العمراني"، الذي بعد أن تلا البسملة وحمد الله وأثنى عليه، ودعا بالصلاة والسلام والتبريك على إمام الأنبياء وخاتم المرسلين. بتوجيه نظرة حادة للرئيس، موجها كلامه له:
لا تستنجد بي إلا عندما تكون في ورطة. لقد حذرتك مرارا، "ألا تغرنك الحياة الدنيا" وألا تندفع متهورا في تصرفاتك، وتنفرد في اتخاذ قراراتك، معتقدا أن خصومنا قد استكانوا، بعدما وجهنا لهم من الضربات فقسمتهم إلى ثلاث طوائف. كنت دائما أقول لكم أن قوتنا تكمن في إيمان الناس بنا، في كوننا نتقي الله في أفعالنا وأقوالنا، وأننا فئة سخرها الله للدفاع عن الحق ومحاربة الفساد. عندما نفشل يجب أن نظهر للناس بمظهر الضحية التي تكالب عليها أعداء الإسلام، وحالوا بينها وبين تحقيق أهدافها. فإذا سقطنا في نفس أخطاء من سبقونا، لن نتميز عن الأحزاب الأخرى، وعندها سيقول الناس "أولاد عبد الواحد كلهم واحد" و "ليس في القنافذ أملس". عليك أيها الرئيس أن تراجع استراتيجية عملك. لقد أحطت نفسك بالمتزلفين، وأصبحوا يسقطونك في المصائب الواحدة بعد الأخرى، إلى أن استدرجك "مديرك" لتوقع له تزكية توظيف ابنته. ألم يكفه أنك شغلت أخاه في شركة أخرى.
قلت لك مرارا أن تتجنب الحضور في الحفلات والسهرات التي يمكن أن يوزع فيها الخمر، أو تظهر فيها النساء كاسيات عاريات، ولكنك لم تستمع لنصحي، حتى التقطت لك صورة بجانب راقصة إسبانية. على العموم لا راد لقضاء الله. أعرف أنه مساء هذا اليوم سينعقد الجمع العام للمجلس، ولا بد أن تبدو بمظهر متماسك، أعرف أن الناس ذاكرتهم ضعيفة، وسينسون بسرعة ذلك المقال المشؤوم الذي نشر صباح هذا اليوم، ولكنهم لا ينسون بسرعة الملاسنات والمشاحنات التي تحدث أثناء الدورات. إنهم يجدون فيها نوعا من التسلية والترفيه عن النفس. وكل من يخرج من معارك الدورات مهزوما لا يرحمه الشعب. لأن الناس بفطرتهم لا ينحازون إلا للأقوياء. فدبرنا الآن يا حكيم زمانك ! ماذا أنت فاعل بنا اليوم؟ !.
كان وجه الرئيس واجما، لماذا يصر الجميع على تأنيبه، ألا يرون حجم الأعباء الملقاة عليه، لماذا لا يرحمونه، ألا يكفيه ما سمعه اليوم من تأنيب، حتى القيادة السياسية لم تشفق عليه. حاول أن يهدى أعصابه التي تكاد أن تنهار، بأن رسم بسمة مصطنعة على وجهه قبل أن يوجه كلامه للحاضرين:
أستاذنا الجليل، أنا لن أدخل معك في جدال عقيم. أنت قائدنا ومرشدنا، وطبعا الرجال يكونون في الشدائد حاضرين. أنا أتفق معك في كل ما قلته. وسأدخل مباشرة في صلب الموضوع. لقد وصلني من مصدر موثوق أن المعارضة قد اجتمعت مساء أمس بفندق "الزيتونة" تدارست فيه كيفية توحيد صفوفها خلال اجتماع اليوم، كما ناقشت نوعية الانتقادات التي ستكيلها لنا، بالإضافة إلى الأدوار التي سيضطلع بها كل واحد منهم. كما علمت أن المعارضة كانت مجتمعة قبل قبيل بأحد مقاهي وسط المدينة، تتندر على ما كتبه ذلك الصحفي اللعين، وفتح ذلك شهيتها كي تزداد شراسة في تدخلاتها. وفي نفس الوقت وصلتني معلومات مؤكدة، أن جمعية المعطلين ستحضر هي الأخرى اجتماع المجلس هذا اليوم، حيث ستبدأ بترديد شعاراتها مع انطلاق أشغال الاجتماع. كما أنه من المحتمل حضور الباعة الجائلين الذين وعدناهم بتمكينهم من محلات تجارية. ويمكن أن تحصل مفاجآت أخرى. إذن كما ترون، ستكون الأجواء مشحونة، والأعصاب مشدودة، ونحن اليوم نريد أن نحسم في مسألة الدعم الذي يجب أن نقدمه لأنصارنا، الذين كاد صبرهم أن ينفذ. أعتقد أنه لا بد من إعداد خطة لجعل الدورة سرية. عندها سيكون بإمكاننا التحكم في المعارضة، حيث سيخف حماسهما، وستفتر شراستها.
تدخل ياسين العمراني قائلا:
أقترح أن نطلب حضور أنصارنا ليشوشوا على تدخلات المعارضة بصفيرهم، كما فعلنا في المرة السابقة.
عقب عليه الرئيس ممتعضا من الفكرة المطروحة:
هذه الخطة أبانت عن فشلها، وفضحتها الصحافة في إبانها. وستكون صورتنا رديئة، إذا طبقنا هذه الخطة مرة أخرى. لذلك خطتي تنحصر هذه المرة في تجنيد عمال المرفق الجماعي الذي سيتم تغيير الشركة التي تديره. كي يحضروا الاجتماع، وبعد افتتاح الجلسة بدقائق معدودات، يجب أن يشرعوا في ترديد الشعارات، حينها سيكون ذلك مبررا كافيا للإعلان عن عدم توافر الشروط الأمنية، والدعوة إلى عقد جلسة سرية. هذه مهمتك أخ عبد الرحمن.
فأجابه هذا الأخير:
أنا لها سيدي الرئيس. ولكن ما هي الحجة التي سأقنع بها هؤلاء، فهم لحد الآن لا يعرفون رأسهم من رجلهم. وبدأت ثقتهم فينا تقل بعد فشل الاعتصام الذي خاضوه منذ بضعة أشهر بدون طائل. بل إن بعضهم كان مهددا بدخول السجن، ولولا تدخلنا لسحب الشكايات التي كانت موجهة ضدهم، لحدث ما لا يحمد عقباه. على فكرة هل الصفقة الجديدة تمت المصادقة عليها؟
أجابه الرئيس قائلا:
للأسف ملف الصفقة بأكمله ما زال في مكتب رئيس السلطة الوصية. وما زال لحد الآن مترددا في التوقيع عليه. رغم التدخلات العديدة التي أجريت لحثه على التوقيع من أعلى مستوى. لذلك أعتقد أن تظاهر العمال اليوم سيكون هو الآخر مبررا لممارسة المزيد من الضغوط عليه للتسريع بعملية المصادقة على الصفقة. يجب أن تقول للعمال إن الرئيس يبذل قصارى جهده لإدماجهم في الشركة الجديدة. ولكن لا بد لهم بقليل من النضال لينالوا مرادهم. أعتقد أن هذا مفهوم.
هنا تدخل علي النجار الذي كانت تعبيرات وجهه تدل على أنه كان مثل "الأطرش في الزفة" لا يدري ما موقعه من هذا الكلام الدائر الذي لا يفقه معظمه:
ونحن ما دورنا في هذا الاجتماع؟
كان الرئيس يعرف أن "علي" يحب الاستشهاد بالآيات القرآنية وبالأحاديث النبوية، لذلك أجابه بنفس أسلوبه:
دوركم أساسي، أخ علي، نحن يجب أن نظهر متماسكين، متراصين، موحدي الصفوف، يجب ألا تسمحوا بمرور أي كلمة جارحة في حقي أو في حق جماعتنا مرور الكرام فلقد قال رسول الله (ص): "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد…" يجب أن تقفوا صفا واحدا للمطالبة بسحب أي كلمة خارجة عن السياق، يجب أن تظهروا قوتكم" فلقد أوصانا عز من قائل: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" صدق الله العظيم. إذا لم تظهروا لهم "العين الحمراء"، و"الناب الأزرق" فسيتمادون في غيهم وجسارتهم.
وكما افتتح الأستاذ طه الاجتماع اختتمه قائلا:
أظن أن الإخوان، قد عرف كل واحد منهم الدور الذي يجب أن يقوم به، فلا يتقاعس أحد منكم عن أداء مهمته. وخصوصا أنت أخ عبد الرحمن، يجب أن تعلم أن النقابة أسسناها لخدمة "الجماعة" وفي سبيل نشر دعوتنا في صفوف الطبقة العاملة. أما أنت الأخ الرئيس، فيجب أن تغير من أسلوبك في العمل، وألا تقدم على قرار، إلا بعد الرجوع إلينا لأخذ مشورتنا. كما يجب أن تعمل على محو الصورة السيئة التي يقدمها الإعلام عنا. لذلك أنصحك أن تتصل بالأخ "يوسف" الذي ينشط في الحقل الإعلامي، وأن تجري معه حوارا، تكذب فيه ما يروجه الحاقدون علينا. ولا تنسى، كما قلت لك سابقا؛ يجب أن تظهر "الجماعة" بمظهر الضحية، التي تريد الإصلاح، ولكن أعداء الإسلام، يحولون دون ذلك بنفوذهم. ذلك أن شوكة الفساد ما زالت قوية. "ربنا لا تواخذنا بما فعل السفهاء منا" "ربنا ظلما أنفسنا، وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" صدق الله العظيم. أظن أن وقت صلاة الظهر قد أزف، فهلم بنا لنتوضأ، ثم نصلي بعدها جماعة.
4
كان مساء ذلك اليوم مشهودا في تاريخ المدينة، فلقد بدأ يتقاطر على القاعة المخصصة لاجتماعات "أعيان المدينة" العشرات من الأفراد. فقبل بداية الاجتماع بحوالي ساعة من الزمن. كان ما يزيد عن عشرين صحفيا قد حجزوا مقاعدهم استعدادا لنقل أطوار هذه الدورة المثيرة، فقد كانت أصداء الصراع المرتقب الذي سيحتدم فيها قد وصلت إلى مسامعهم. كان كل واحد منهم يمني النفس بسبق صحفي يظهر فيه براعته في الكتابة، ويبرز فيه أهم اللحظات الحرجة التي تسبب فيه أحد الطرفين للآخر.
وبعدهم بدقائق وصل أفراد جمعية الشهادات المعطلين، كانوا يحملون في أيديهم لافتات تطالب بإدماجهم الفوري في سلك الوظيفة العمومية. وكان أحدهم يحمل في يده مكبر صوت صغير، فيما انتحى ثلاثة منهم جانبا يراجعون ما كتب في ورقات صغيرة من الشعارات التي عليهم ترديدها.
وما هي إلا لحظات، حتى حضر عبد الرحمن بوزرهون كاتب النقابة، متبوعا بعشرة من مستخدمي شركة النقل، كان كل واحد منهم يحمل في يده لوحة خشبية صغيرة ملصق عليها شعار يطالب بحقهم المشروع في إدماجهم في الشركة الجديدة.
كانت القاعة قد امتلأت كذلك عن آخرها بالجمهور المتطفل الذي حضر متلهفا ليشهد فصلا جديدا من فصول التناحر بين الفصائل السياسية بالمدينة. ظهر بين جنبات القاعة أيضا عدد لا يستهان به من أفراد الأمن السريين، الذين كانوا جميعا يتكلمون في هواتفهم النقالة، يعطون إحصائيات عن عدد الحاضرين وخلفياتهم السياسية أو النقابية أو الجمعوية.
كان بهو القاعة بدوره قد امتلأ عن آخره بالجمهور الذي لم يجد له مكانا داخل القاعة، حتى إن أعضاء المجلس وجدوا صعوبة في ولوج قاعة اجتماعهم. كانوا يصلون الواحد تلو الآخر، ويجلسون في المقاعد المخصصة لهم بعد توقيعهم على لائحة الحضور. أما الموظفون الإداريون فقد جلسوا في الجناح المخصص لهم، وكانت تدور بينهم همسات عن تخلف مديرهم عن الحضور وتعويضه بنائبه.
أخيرا وصل الرئيس مرفوقا بممثل السلطة الوصية. جلس في المكان المخصص له معطيا إشارة افتتاح الجلسة. قام الكاتب بتلاوة جدول الأعمال، ثم أعلن الرئيس عن فتح باب المداخلات لمناقشة النقطة الأولى المتعلقة باقتناء عقار لبناء مستوصف.
كانت المعارضة متحفزة لنسف إيجابيات هذه النقطة، التي كان يبدو من عنوانها أنها ستغطي خصاصا اجتماعيا، يعاني منه حي شعبي فقير. ولكن المعارضة اعتبرت النقطة غير مستوفية لكافة شروطها القانونية، فأين هو أصل الملكية؟ وأين هي موافقة مندوبية وزارة الصحة؟ وأين هي موافقة لجنة اختيار البقع الأرضية المخصصة لبناء المرافق العمومية؟ وما هو الغلاف المالي المخصص لهذا المشروع ؟ ومن هي الجهة التي المكلفة بالبناء والتجهيز؟ وهل ثمن العقار داخل حي شعبي غير مهيكل، يصل إلى هذا المبلغ الخرافي؟ إلى غيرها من الأسئلة والملاحظات التي كانت تنسف المشروع من أساسه.
مع كل ملاحظة كان الرئيس يزداد لونه امتقاعا. لم يكن يملك جوابا مقنعا لكل هذه الاستفسارات. فأصلا هذه النقطة فرضت عليه من طرف السلطة الوصية. وتساءل مع نفسه لماذا تأخر الكاتب النقابي في تنفيذ الخطة المتفق عليها؟ وفجأة ترآى له محشورا في زاوية خلف الجمهور. كان ينتظر منه إشارة البدء، صوب الرئيس عينيه مباشرة إليه، وهزة رأسه هزة خفيفة، كانت كافية ليفهم مخاطبه مغزاها.
انطلقت للتو عشر حناجر تردد شعارات تطالب بحق العمال المشروع في الإدماج وفي التغطية الصحية وفي التقاعد… كان هدير الهاتفين مفاجئا للمعارضة التي توقف ممثلها عن مواصلة تدخله.
تظاهر الرئيس بالتضايق، راجيا العمال باحترام حرمة المجلس والتزام الصمت. ومخافة أن يستجيبوا لطلبه أعلن في الحال توقيف الجلسة، وبمتابعة باقي أشغالها في أجواء مغلقة، وطلب من ممثل السلطة الوصية إخلاء القاعة من الجمهور.
أربك هذا التصرف حسابات المعارضة، فطالبت بنقطة نظام في الموضوع بدون جدوى، فتحولت القاعة إلى حلبة للتصارع بين طرفي الأغلبية والمعارضة كل يتهم الطرف الآخر بما يشاء من النعوت المقذعة، كان أقلها اتهام المعارضة للأغلبية بالجهل، ونعت هذه الأخيرة للمعارضة بقلة التربية لعدم طاعة ولي الأمر.
كان المشهد يبدو سرياليا، كل يخبط خبط عشواء. ولكن إرادة الرئيس انتصرت. حيث بادر ممثل السلطة الوصية إلى إخلاء القاعة، راجيا من الجمهور تفهم الموقف. وأنه ملزم بتطبيق القانون. بينما اضطر أعضاء المعارضة أمام هذا التعتيم المفروض عليهم لكي لا يصل خطابهم إلى العموم، حافزا لهم لكي يعلنوا انسحابهم.
بدأت القاعة تهدأ تدريجيا. عاد الرئيس إلى منصة التسيير، مرفوقا بممثل السلطة، الذي كان قد فرغ من مهمته. وكان الرئيس بعد عودته تبدو على ملامحه مشروع ابتسامة، لم يرد أن يظهرها. كما أن عينيه كانتا تلمعان ببريق خفيف، تعبر عن مشاعر الحبور التي حلت محل الخوف والترقب. لقد كان نجاح خطته هذه المرة باهرا، فلقد أسدته المعارضة هدية أخرى بانسحابها. وأصبح بالتالي، في حل من الرد على ملاحظاتها المزعجة. وما هي إلا دقائق معدودة حتى ينفض الجمع بمباركة جميع المشاريع المقترحة على المجلس.
كان لا بد أن يبدي أسفه لما حدث، ويعبر عن مشاعر التضامن مع العمال ومع المعطلين، والتنويه بالجو الديمقراطي المبني على الشفافية في اتخاذ قرارات المجلس. هذه القرارات التي سيكون لها اثر إيجابي في التنمية المستدامة التي تنشدها الساكنة العزيزة. أنهى مداخلته ليفسح المجال لبعض "الإخوة" كي يكملوا لحن سمفونية التنويه بالقرارات المعروضة عليهم.
في غمرة هذا الانتشاء بالنصر الذي حققه، لمح إشارة ضوئية تنبعث من هاتفه النقال تدل على تلقيه مكالمة هاتفية، كان مصدرها مخبره السري، الذي كان مكلفا بإبلاغه بجميع تحركات خصومه السياسيين. حيث استطاع أن يخترق صفوفهم بانتمائه إلى الحقل الصحفي. رد على الهاتف، فأبلغه مخاطبه أن هناك تظاهرة ضخة تندد بالمجلس اشترك فيها سوية المعطلون والعمال والتجار. وأن عناصر الأمن قد حضرت لتطويق المبنى. وأن المعارضة قد انتحت جانبا لتدلي بتصريحاتها لإحدى القنوات التلفزيونية التي حضرت إلى عين المكان لتغطية هذا الحدث، وأنهم كانوا يكيلون له سيلا من الاتهامات. كما أخبره أن الصحفيين قد اجتمعوا لتحرير بيان يندد بحرمانهم من حقهم في الوصول إلى المعلومة.
امتقع لون الرئيس من جديد، وازداد خفقان قلبه، وتقلصت عضلات وجهه. لماذا يعانده القدر مرة أخرى، ويأبى عليه أن تكتمل فرحته، ستكون فضيحة ما بعدها فضيحة ستبثها على الهواء القناة التلفزية التي أجرت الاستجوابات والتقطت صور المظاهرات. ومرة آخرى ستنهال عليه القيادة السياسية بالتأنيب. رفع يده إلى جبينه لمسح العرق البارد الذي علا فجأة ناصية رأسه. وقبل أن يقفل سماعة الهاتف كان يسمع صياح عشرات الحناجر مرددة شعارها الأزلي: "المجالس مشات وجات، والحالة هي هي، عييتونا بالشعارات، المواطن الضحية"
انتهت بتاريخ 22 يونيو 2013.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.