توقيف المنح الجامعية عن طلبة الطب يثير غضبا في سياق خوضهم الإضراب    عن اللغة الأمازيغية في البطاقة الوطنية والوثائق الإدارية    قطاع الطيران.. صادرات بأزيد من 5.8 مليار درهم عند متم مارس 2024    الضمان الاجتماعي الإسباني يتحاوز عتبة 21 مليون منتسب    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء سلبي    "أطفالي خائفون، بينما تفتش الكلاب عن طعامها في المقابر القريبة في رفح"    إسرائيل تغلق مكتب الجزيرة وألمانيا تنتقد القرار    حصيلة منجزات وكالة بيت مال القدس فاقت 13,8 مليون دولار خلال الخمس سنوات الأخيرة    الزمالك يشد الرحال إلى بركان الخميس المقبل    قفزة تاريخية للمنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة في تصنيف الفيفا    القضاء الإداري يعزل بودريقة من رئاسة مقاطعة مرس السلطان بالدار البيضاء    تطوان: إطلاق طلب عروض لإنجاز منطقة الأنشطة الاقتصادية والحرفية "كويلمة"    حكيمي يتبرع لأطفال الحوز بمدرسة متنقلة    "حماس" تواصل المفاوضات مع إسرائيل    اختتام القمة ال15 لمنظمة التعاون الإسلامي باعتماد إعلان بانجول    هذه تفاصيل موجة الحرارة المرتقبة في المغرب ابتداء من يوم غد الثلاثاء    وثائقي فريد من وزارة الثقافة والتواصل يبرز 6 ألوان فنية شعبية على ضفاف وادي درعة    مرصد: انفراد الحكومة بصياغة قانون الإضراب وإصلاح التقاعد قد يعصف بالاتفاق الاجتماعي ويزيد من منسوب الاحتقان    البوليساريو كتلمح لعدم رضاها على دي ميستورا و كتبرر عدم انخراطها فالعملية السياسية بعامل الوقت    اللي كيمشي لطريفة وعزيز عليه الطون والسربيسة والسينما: ها مهرجان وها الافلام المغربية المعروضة فيه    إضراب جديد يشل محاكم المملكة    تسجيل بقوة 2.5 درجات على سلم ريشتر بإقليم تاونات    مبادرة التنمية البشرية تمول 4174 مشروعا بأكثر من ملياري درهم بجهة طنجة    رحلة شحنة كوكايين قادمة من البرازيل تنتهي بميناء طنجة    بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله    لأول مرة.. تاعرابت يحكي قصة خلافه مع البرازيلي "كاكا"    فيلم "أبي الثاني" يحصد جل جوائز مسابقة إبداعات سينما التلميذ بالدار البيضاء    حماة المال العام: "حفظ طلبات التبليغ عن الجرائم من شأنه أن يوفر الحصانة لمتهمين متورطين في مخالفات جنائية خطيرة"    المغرب يحتضن الدورة 16 للبطولة الإفريقية للدراجات الجبلية    منيب: المجال الفلاحي بالمغرب بحاجة لمراجعة شاملة ودعم "الكسابة" الكبار غير مقبول    بعشرات الصواريخ.. حزب الله يستهدف قاعدة إسرائيلية في الجولان    وفاة مدرب الأرجنتين السابق لويس مينوتي بطل مونديال 1978    الدوري الإسباني .. النصيري يواصل تألقه    تفاصيل جديدة حول عملية نقل "درب عمر" إلى مديونة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    أسعار النفط العالمية تعود إلى الارتفاع    الذهب يصعد وسط توترات الشرق الأوسط وآمال خفض الفائدة في أمريكا    الدورة الأولى من مهرجان مشرع بلقصيري للسينما    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التسجيل للدورة السابعة من "منصة الجونة السينمائية"    "الثّلث الخالي" في القاعات السينمائية المغربية إبتداء من 15 ماي الجاري    دراسة: السجائر الإلكترونية قد تسبب ضررا في نمو الدماغ    المشاهد الجنسية في أفلام هوليوود تراجعات بنسبة 40% وها علاش    فيدرالية ارباب المقاهي تنفي الاتفاق على زيادة اثمان المشروبات وتشكو ارتفاع الأسعار    عنف المستوطنين يضيق الخناق على الفلسطينيين في الضفة الغربية، و دول غربية تتصدى بالعقوبات    باحثة: الضحك يقدر يكون وسيلة واعرة لعلاج الناس    دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين التجريد الصارخ من الإنسانية    الأرشيف المستدام    رأي حداثي في تيار الحداثة    سيدات مجد طنجة لكرة السلة يتأهلن لنهائي كأس العرش.. وإقصاء مخيب لسيدات اتحاد طنجة    اعتصامات طلاب أمريكا...جيل أمريكي جديد مساند لفلسطين    دراسة حديثة تحذر المراهقين من تأثير السجائر الإلكترونية على أدمغتهم    السفه العقدي بين البواعث النفسية والمؤثرات الشيطانية    جواد مبروكي: الحمل والدور الحاسم للأب    منظمة تدعو لفتح تحقيق في مصرع عامل بمعمل تصبير السمك بآسفي    الأمثال العامية بتطوان... (589)    الأمثال العامية بتطوان... (588)    جامعيون ومتخصصون يحتفون بشخصية أبي يعزى في ملتقى علمي بمولاي بوعزة        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبابي عيشة....
نشر في تطوان نيوز يوم 28 - 05 - 2017

في حارتنا "الطالعة" تتعايش كل المتناقضات بسلام ووئام،رغم العنف الذي لا يخلو منه يوم من الأيام المتعاقبة على حينا.لكنه عنف يدور غالبا بين الفتية والشباب وبين الأطفال أيضا،هؤلاء لا يمر "الاعتبار الاجتماعي" داخل جماعتهم إلا عبر بوابة العنف،حتى الجبان يدعي أنه عنيف،يلبس الجبان قناع العنف ليتقي عنف الآخرين ضده.لكن أحيانا تكون ردة فعله القوية الخائفة قاتلة.حتى شاعت بيننا قولة "الله ينجيك من ضربة الخواف".وكثيرا ما انفلتت ضربة من جبان بحجر أو بسكين وأصابت أحد العتاة وأسقطته قتيلا.ويتحول بسبب ذلك الجبان إلى فتوة يخشى جانبه.لا أظن أن باقي حارات "تطوان" تخرج عن هذا التوصيف للعنف ووظيفته.كنت أكره الأعياد ولا أزال أكرهها،بسبب كمية العنف التي تنتشر في دروب حارتنا وفي ساحة "السوق الفوقي"أيضا،وارتبط ذلك عندي بكره شديد للثياب الجديدة المرتبطة هي الأخرى بأجواء العيد.أصبحت أكره العنف،ولا يصدر عني إلا في حالة الدفاع عن النفس أو حالة الإحساس بالإهانة المستفزة الشديدة،لا أحب الأعياد،لا أحب ملابسي الجديدة إلا بعد أن تعركها في شبابي يد أمي في "فراكة التصبين" أو تعركها "الغسالة الآلية" حين كبرت وأصبحت لي أسرة..
رغم ذلك كله،كنا نحن الأطفال والشباب نكن احتراما خالصا لأمهات الحي،لا يمكن لأي شاب أو طفل إلا أن يحيي ويقبل يد أم من أمهات الحارة مهما بعدت المسافة عن منزله،وإذا كانت تحمل قفة أو كيسا لا بد أن يعرض عليها يد المساعدة.كان هذا تقليد لا يمكن تجاوزه.وهو تقليد اتسع حتى شمل كل نساء الحي ،حتى العاهرات منهن.كنا ننادي نساء حارتنا المتقدمات في السن ب"حبابي".وهن كن ينسبننا إلى أمنا وليس إلى أبينا،ينادين علينا ب"العايل د فلانة".كان الاحترام سائدا بين الكبار نساء ورجالا،وكان احترام الصغار للكبار واجبا.كان في حارتنا "مبغى" يضم عددا كبيرا من العاهرات،وهو عبارة عن دار كبيرة في وسطها باحة مستطيلة تحيط بها غرف كثيرة صغيرة،صففت في طابقين سفلي وعلوي.كان الرجال يتوافدون على هذا المبغى،خاصة في المساء وفي الهزيع الأول من الليل.تدير "المبغى" امرأة تسمى "فطومة"،كنا نلقبها ب"فطومة بوزُك"،"الزك" هو المؤخرة،كانت امرأة فارعة الطول،نحيفة جدا في طرفيها وجذعها العلويين،رغم أن ثدييها كبيران. بارزة عظام وجهها.لكن ما تحت الخصر شديد الاتساع خاصة المؤخرة والفخدين.نظراتها حادة وصارمة.لم تكن عاهرة كانت "قوادة" فقط.عندما كانت تأتي إلى سقاية الحارة لتسقي الماء،تبسط سلطتها على نساء الحي المتواجدات،وتفرض النظام على عملية التزود بالماء،عبر تصفيف السطول حسب الأسبقية.ترفض التزاحم واستعمال القوة.كان الجميع يهابها لصرامتها،لا تبسم إلا نادرا،لا يتجرأ أحد على الإشارة إلى طبيعة عملها أمامها.لم أرها تشاجرت مع أحد امرأة كانت أو رجلا.لكننا نحن الصغار والشباب لا نكلمها أبدا،ولا نطلق عليها لقب "حبابي"،كنا نسميها في غيبتها طبعا "فطومة بوزك"،لا أدري لماذا اسثنيناها من ذلك اللقب الذي كنا نطلقه على جميع نساء حارتنا اللواتي كنا نحترمهن،أما هي فكنا نخشاها.لهذا لم نكن نحترمها في غيابها،استبحنا الحديث عن مؤخرتها،ربما بسبب ذلك المبغى الذي كانت تديره،والذي كان تنشب داخله وعند بابه أحيانا مواجهات عنيفة دامية بين الزبائن حين يتعاركون للظفر بإحدى العاهرات الجميلات،اللواتي يقضين النهار والليل في "المبغى"،ولا يخرجن منه إلا متسللات.
كانت في حارتنا أيضا امرأة عاهرة هي الأخرى،تعمل لحسابها الخص.امرأة قصيرة القامة،في عقدها الأربعين أو أشرفت عليه،تلبس لباسا محتشما،تلبس جلبابا نسائيا،تغطي رأسها بقِبِّه،وتغطي نصف وجهها بالمنديل الأبيض،كانت امرأة هشة ضعيفة تعيش وحدها في دار صغيرة وسط حارتنا،نسميها "دويرية"،كانت توزع ابتسامتها علينا حين تلتقينا،ربما لأنها كانت تهابنا وتخاف أن نؤذيها.لعلمها أننا نعرف أنها تجلب الرجال لمنزلها،رغم تكتمها الشديد.عندما نراها قاصدة منزلها،ونحن منهمكين في اللعب،نعرف أن رجلا ما سيأتي بعد قليل.حين يأتي،يدفع الباب ويدخل،لأنها تتركه مواربا.لكننا كنا نناديها ب"حبابي عيشة" وكنا نحترمها،ونتركها وشأنها،وكذلك ساكنة الحي،لا أحد يهتم بأمرها.
ذات يوم،وكنت في بداية العنفوان،ابن السابعة أو الثامنة عشر،وأنا قاصد المنزل،كنت أهم بالمرور بجانب منزل "حبابي عيشة"،وإذا بها تخرج صارخة:"النار!..النار!..النار!.."،نظرت داخل البيت،فوجدت قنينة الغاز الصغيرة تشتعل لهبا،دخلت بسرعة،أخذت القنينة الملتهبة،وأخرجتها باسطا ذراعي إلى الأمام،حتى أبعد لهب النار عن وجهي وثيابي،في نفس اللحظة،خرج الجيران،أمدتني جارتنا "حبابي حليمة" بقطعة ثوب من النوع الذي نجفف به أرضية المنزل بعد تنظيفها بالماء،لففتها على النار المنبثقة من القنينة بقوة،لكي أقطع عنها الأكسجين،انطفأت النار،تبين لي أن "حبابي عايشة" لم تحكم إغلاقها،عندما أرادت أن تشرك بها الرأس الذي يتسرب من ثقوبه الغاز للطبخ.أحكمت إغلاقه إحكاما،وأشعلته بولاعتي،فاشتعل بصورة عادية،سلمتها القنينة،وانصرفت.ضاعت مني ساعة اليد في ذلك اليوم،لا شك أثناء عراكي مع القنينة الملتهبة،بعد يوم نادت على "حبابي حليمة" وسلمتني الساعة وهي تبتسم لي.مرت بضعة أيام،وتصادفت مع "حبابي عيشة" العاهرة في الطريق،أنا نازل إلى المدينة،وهي صاعدة إلى منزلها،اقتربت مني،والتصقت بي، وقالت مبتسمة،فيما يشبه مراودتي عن نفسي:"لو لم أكن في سن أمك،لاصطحبتك..."،قبل أن تتم كلامها،دفعتها بقوة عني،لإبعادها عني،وجريت نازلا معرضا عنها،وقد استبد بي الخجل والهلع الشديدان،لأني كنت أعتبرها فعلا مثل أمي،ولا يهمني وضعها الأخلاقي وما تفعل بحياتها.منذ ذلك اليوم،صارت "حبابي عيشة" تتحاشى النظر إلي كلما التقينا،وأنا كذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.