تحل هذه الأيام الذكرى 83 لصدور ظهير 16 ماي 1930، الشهير ب "الظهير البربري"، حسب أدبيات الحركة "الوطنية"، والذي يعد بمثابة شهادة ميلادها وشرعية نضالها "التحرري"، كما هو البداية الرسمية لشيطنة وتبليس الأمازيغية والتخويف من مطالبها العادلة. وعلى الرغم من طول المدة الزمنية، ما زال هذا الظهير يحتفظ لنفسه بقوة الحضور والأهمية، وإن كان من المستهلكات الموضوعاتية المفضلة لدى الحركة "الوطنية"، التي لم تقصر في الاجتهاد لتأويل النص وترسيخ التأويل، بما يخدم سياسات العائلات المنحدرة منها والمتحكمة في المغرب. وسأتوقف عند بعض المعطيات ذات الصلة بهذا الظهير، الذي تم استثماره أيما استثمار من طرف "الأمازيغفوبيون".. فما حقيقة هذا الظهير؟. بتاريخ 30 مارس 1912، وقع السلطان عبد الحفيظ، نص "عقد الحماية" الفرنسية، الذي من بين ما تضمنته بنودها، كون سلطات الحماية الفرنسية، وبتعاون مع المخزن الشريف، ستسعى لإدخال مجموعة من الإصلاحات العصرية الضرورية لتطوير المغرب وتحديثه، في مختلف المجالات، خاصة النظام القضائي، فقامت بإعداد نصوص لتنزيل هذه الإصلاحات، وأصدرت سلسلة من القوانين التنظيمية، التي تم تتويجها بالظهير الشريف بمثابة قانون الصادر بتاريخ 16 ماي 1930... بعد صدور الظهير، الذي تصادف مع بداية انتعاش حرارة فصل الربيع المنذر بصيف حار، قام عبد اللطيف الصبيحي، الذي كان مترجما رسميا للجنرال اليوطي بالرباط، بعد اطلاعه على نص الظهير قبل الإعلان الرسمي عنه، باستدراج مجموعة من الأطفال بدروب فاس وسلا والرباط وأقنعهم بالتخلص من الملل الذي ينتابهم كل صيف قائظ بين جدران "المسيد القرآني"، والمشاركة في عملية تهيئة الرأي العام لتبني ميلاد الحركة "الوطنية" فكان "خبر" صدور الظهير بمثابة المتنفس الذي اعتمدوه للتخلص من رتابة المسيد.. وكانت حجة الدفاع عن"الدين والوطن" كافية لتبرير مقاطعة "الدراسة" والخروج للشارع لتهييج مشاعر الشعب والتأثير على الرأي العام، باستغلال مشين وفاضح للدين، لتحقيق غاية سياسوية والتمكين لإيديولوجية القومية العربية بالمغرب، ، ولو اقتضى الأمر القفز على حقائق التاريخ، وتضاريس الجغرافيا، ونكران وجود الأمازيغ.. إذ يعترف القيادي البارز في الحركة "الوطنية" أبو بكر القادري(*)، بأنه لما فشلوا في إقناع تلاميذ المدارس ورواد الأسواق الشعبية من المغاربة بخطورة ما ادعوه، فكروا في العزف على الوتر الحساس لدى العوام من الشعب.. الدين، بادعاء أن الظهير جاء لتنصير وتمسيح "البربر"، وتقسيم المغرب إلى قسم "للبربر" وقسم ل"العرب"، عندئذ وجد هؤلاء بعض التجاوب مع مزاعمهم من طرف صغار التلاميذ والشباب، فشحنوهم بخطاب الكراهية والإقصاء وألا وطنية، وابتدعوا بدعة اللطيف، وأقحموا بيوت العبادة في لعبتهم الاديولوجية هذه، ومن هنا تولد ذلك الحذر من كل ما له صلة بالأمازيغية، بعدما نجحت محاولتهم، في شيطنة الأمازيغية ابتداء من المساجد، التي يفترض أن تكون دور عبادة لا منابر دعاية. في محاولة لفهم سوء النية التي كان دافع الحركة "الوطنية" لتسمية هذا النص القانوني، ب "الظهير البربري" سأطرح مجموعة من الأسئلة، التي ربما سبق وان طرحت من قبل غيري، انطلاقا من مجموعة من المعطيات، أولاها يتعلق بالاسم الذي ابتدع بشكل مدروس، ضمن له استثمارا وتسويقا ناجحين، بما حال دون أدنى محاولة للتشكيك في قدسيته ووجوده.. فأتسائل: لماذا لم تتم تسميته ب"الظهير الشريف" كما جرت العادة في المغرب، مادام الظهير كان من توقيع الملك؟ لماذا لم تتم تسميته ب"الظهير الاستعماري"، نسبة للجهة التي أصدرته، أو أوعزت للملك بتوقيعه؟ أو تأكيدا على الخلفية الاستعمارية التي كانت الدافع لاستصداره؟ أو لكون فترة صدوره هي فترة استعمار؟ لماذا لم تتم تسميته ب"الظهير العربي"، مادام الملك الذي وقعه "عربي"، أو لكون الطرف الآخر في الظهير هم العرب المرغوب فصل البربر عنهم؟ لماذا لم تتم تسميته ب "ظهير 16 ماي 1930"؟ كتسمية محايدة، وأكثر منطقية، وذلك بنسبة الظهير لتاريخ صدوره، لكان الأمر أكثر منطقية وأكثر دقة وعلمية وأمانة.. المعطى الثاني هو كتاب مادة التاريخ في المدرسة العمومية، أثناء تناوله للظهير، يحشو ذاكرة التلميذ/ المواطن بتأويلات الحركة "الوطنية" للظهير فقط، مع تغييب كلي لنص الوثيقة التاريخية، محل الدرس، وفي هذا استهتار بأحد أهم المبادئ البيداغوجية الأساسية، استحضار نص الوثيقة التاريخية، كما هو، أيضا، استصغار لدور التلميذ في القيام بقراءة ذاتية مستقلة، والمشاركة في بلورة فكرة محايدة، مما ينم عن سياسة تربوية توجيهية لرأي الناشئة، بما يجعلهم رهائن قراءة أحادية لتاريخ المغرب)تعميما للفائدة تجدون رفقته نص الظهير كاملا، لإفساح المجال للمتلقي ليدلي بدلوه دون توجيه أو وصاية كما فعل المقرر الرسمي(. المعطى الثالث عبارة عن مفارقة تضمنها نص اللطيف: (اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير، لا تفرق بيننا وبين إخواننا البرابر). في تحليل بسيط لتركيبة ومفردات النص، نجده يتحدث عن طرفين في المعادلة.. يدل عليهما ضمير الجمع المتكلم "نحن" في "بيننا"، وضمير الجمع المخاطب، أو المتحدث عنه، في "إخواننا البرابر"، الطرف الساخط على الظهير، القارئ للطيف وهم "نحن"، أي عناصر الحركة "الوطنية"، والطرف الثاني إخوانهم "البرابر" الذين يدعون الله ألا يفرقهم عنهم، هذا إقرار بوجود جماعتين من المغاربة هم "البربر" المراد فصلهم وتمسيحهم و"نحن" العرب مبدعي اللطيف.. وهنا أتسائل لماذا لم يجسد أصحاب اللطيف هذه الأخوة مع إخوانهم "البرابر" عندما مرت سحابة صيف 1930؟ لماذا لم يجد "البرابر" من "إخوانهم العرب" ما يدل على ادني إقرار بوجودهم؟ عندما عمد الإخوة في الحركة "الوطنية" لقيادة المغرب لوحدهم دون إشراك "إخوانهم" البرابر، وهندسوا دولتهم بما يخدم مصالحهم، وبما يكفل لها أن تكون دولة عربية، لغتها الرسمية الوحيدة العربية؟ بعضوية كاملة في جامعة الدول العربية؟ لا مجال فيه لإخوانهم "البرابر" ولا لغتهم ولا ثقافتهم ولا تاريخهم، ولا أعرافهم ولا حتى آدميتهم وإنسانيتهم؟ المعطى الرابع الزعم بكون الظهير استهداف لوحدة المغرب الترابية بالسعي لتقسيمه بالظهير مجرد وهم، إذ لا يمكن الحديث في المغرب عن رغبة الأمازيغ في الانفصال، بكل بساطة لأن المغرب كله ارض أمازيغية، والمغاربة كلهم أمازيغ، من سينفصل عن من؟ وماذا سيفصل بالضبط؟ في المغرب لا يوجد غير الأمازيغ، مسلمين ويهودا ومسيحيين، متديين وعلمانيين ولا دينيين.. أما من يتحدث بالعربية او الدارجة المغربية، فهم أمازيغ تم تعريبهم في المدرسة والإدارة والمساجد والإعلام الرسمي.. ثم أن هذه "الوحدة الوطنية أو الترابية" التي يتباكى عليها ورثة الحركة "الوطنية" ليس الأمازيغ من يهددها، بل السياسات العمومية للدولة، ملكية وحكومة وأحزابا، عندما جعلت لغة السعودية لغة رسمية وحيدة للمغرب لأزيد من 60 سنة، عندما احتكروا السلطة والثروة، وعندما حجزوا الوثيقة الدستورية لعرق واحد وملة واحدة وفكر واحد، أما الأمازيغ فلا يطالبون إلا برد الاعتبار لآدميتهم.. كمواطنين لا كأهل ذمة وعبيد.. يناضلون من اجل دولة مغربية مستقلة عن باريس ومشيخات الخليج وجامعة الدول العربية.. من اجل دولة المؤسسات الديمقراطية والعدل الذي هو أساس الملك، والمساواة في الحقوق والواجبات التي هي عماد المواطنة. (*)يقول القادري لجريدة "الأحداث المغربية" عدد 04/12/2000: ولان الظهير البربري صدر في ماي، أي كان الفصل حارا واغلب الشباب قصد الشاطئ، توجه الصبيحي إلى الشاطئ واخذ يؤنبهم لأنهم يلهون ويسبحون في حين أن المغرب مهدد في كيانه، كان عبد اللطيف الصبيحي، شابا فصيحا، التف حوله بعض الشباب ممن تمكن من إقناعهم بخطورة الظهير البربري.. اخذوا يفكرون في كيفية مواجهته.. طرحت فكرة التركيز على أن الاستعمار يريد إزالة النفوذ للملك، فتم الاعتراض على هذه الفكرة، لأن أغلبية الناس سوف لن تتصدى للظهير..لهذا السبب..وبعد اخذ ورد اتفق الشباب على القول بان الغاية من الظهير هي تحويل المغاربة إلى نصارى.. "ونجحت الفكرة". * للاطلاع أكثر على حيثيات هذا الظهير يراجع كتابي: "الظهير البربري اكبر أكذوبة سياسية في المغرب المعاصر" للأستاذ محمد منيب، وكتاب "أوهام الظهير البربري، السياق والتداعيات" للأستاذ عبد المطلب الزيزاوي، كتاب "الظهير البربري حقيقة أم أسطورة" للأستاذ محمد بودهان. محمد أزناكي.