ارتفاع مخزون سد عبد الكريم الخطابي بإقليم الحسيمة بعد التساقطات المطرية الأخيرة    المعارضة بمجلس المستشارين تنسحب من الجلسة العامة وتطلب من رئيسه إحالة مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة على المحكمة الدستورية    مسؤولية الجزائر لا غبار عليها في قضية طرد 45 ألف أسرة مغربية    نشرة إنذارية.. زخات رعدية قوية وتساقطات ثلجية وطقس بارد من الأربعاء إلى السبت بعدد من مناطق المملكة    أمطار وثلوج تنعش منطقة الريف وتبعث آمال موسم فلاحي واعد بعد سنوات من الجفاف    السلطة القضائية تنضم إلى PNDAI    "كان المغرب".. المنتخب الجزائري يتغلب على السودان (3-0) في أولى مبارياته في دور المجموعات    وهبي: الحكومة امتثلت لملاحظات القضاء الدستوري في "المسطرة المدنية"    مخطط التخفيف من آثار موجة البرد يستهدف حوالي 833 ألف نسمة    كأس إفريقيا للأمم 2025.. الملاعب المغربية تتغلب على تقلبات أحوال الطقس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    توقيف شخص بحوزته أقراص مهلوسة وكوكايين بنقطة المراقبة المرورية بطنجة    "ريدوان": أحمل المغرب في قلبي أينما حللت وارتحلت    كأس إفريقيا للأمم 2025 .. منتخب بوركينا فاسو يحقق فوزا مثيرا على غينيا الاستوائية    قضية البرلماني بولعيش بين الحكم القضائي وتسريب المعطيات الشخصية .. أسئلة مشروعة حول الخلفيات وحدود النشر    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأحمر    توفيق الحماني: بين الفن والفلسفة... تحقيق في تجربة مؤثرة    المخرج عبد الكريم الدرقاوي يفجر قنبلة بمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي ويكشف عن «مفارقة مؤلمة في السينما المغربية»        وفاة رئيس أركان وعدد من قادة الجيش الليبي في حادث سقوط طائرة في تركيا    شخص يزهق روح زوجته خنقا بطنجة‬    نص: عصافير محتجزة    وزير الصحة يترأس الدورة الثانية للمجلس الإداري للوكالة المغربية للدم ومشتقاته    رباط النغم بين موسكو والرباط.. أكثر من 5 قارات تعزف على وتر واحد ختام يليق بمدينة تتنفس فنا    أطروحة دكتوراة عن أدب سناء الشعلان في جامعة الأزهر المصريّة    الكشف عن مشاريع الأفلام المستفيدة من الدعم    بنسعيد: الحكومة لا تخدم أي أجندة بطرح الصيغة الحالية لقانون مجلس الصحافة    روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر خلال عقد    المغرب في المرتبة الثامنة إفريقيا ضمن فئة "الازدهار المنخفض"    رهبة الكون تسحق غرور البشر    الاقتصاد المغربي في 2025 عنوان مرونة هيكلية وطموحات نحو نمو مستدام    الحكومة تصادق على مرسوم إعانة الأطفال اليتامى والمهملين    الأمطار لم توقّف الكرة .. مدرب تونس يُثني على ملاعب المغرب    بول بوت: العناصر الأوغندية افتقدت للروح القتالية    انفجار دموي يهز العاصمة الروسية    زلزال بقوة 6.1 درجات يضرب تايوان    كأس إفريقيا بالمغرب .. مباريات الأربعاء    فرنسا تندد بحظر واشنطن منح تأشيرة دخول لمفوض أوروبي سابق على خلفية قانون الخدمات الرقمية    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    مواجهات قوية للمجموعتين الخامسة والسادسة في كأس إفريقيا    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    بلاغ بحمّى الكلام    فجيج في عيون وثائقها        الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسة السياحية بالمغرب : إشكالات وتداعيات وبدائل ( خاتمة الكتاب )
نشر في تطوان بلوس يوم 09 - 12 - 2019

نشر موقع tetouanplus.com مشكورا مقالات حول جوانب من السياسة السياحية بالمغرب منذ الاستقلال إلى يومنا هذا [1] ، هذه السياسة السياحية كانت في مجملها غير موفقة وكانت لها بعض الانعكاسات الإيجابية إلا أن تداعياتها كانت أهم وأعمق ليس فقط على المستوى الاقتصادي بل والأهم من ذلك كان على المستوى الاجتماعي والثقافي والأخلاقي والبيئي الخ. كما جاء ذلك في هذه المقالات. هذا المقال تحت عنوان السياسة السياحية بالمغرب : إشكالات وتداعيات وبدائل (خاتمة الكتاب) يخلص رهانات مختلف الحكومات المتعاقبة وفشلها في تحويل قطاع السياحة إلى رافعة حقيقية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذا البلد الحبيب ، ويتناول بعض أسباب ذلك والبدائل والخيارات الأخرى التي كان من الممكن العمل بها.
بعد رحيل الاستعمار عن بلادنا ترك أوضاعا اقتصادية واجتماعية وثقافية متأزمة بسبب الفقر والجهل والمرض والهجرة القروية وانعدام التجهيزات الأساسية أو سوء أوضاعها ، وكان أمل المواطنين ( وما يزال ) هو الخروج من هذه الأوضاع ، وطرح ذلك إشكالية تكوين سلطة وطنية قوية تكمل تحرير ما بقي من أجزاء البلاد في قبضة المستعمر الفرنسي والإسباني وتعمل على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمواطنين.
مقابل ذلك رضي أغلب أعضاء المقاومة الوطنية بما قدمه لهم الاستعمار قبل رحيله: قبلوا ببقاء أجزاء من البلاد شمالا وجنوبا وشرقا وغربا تحت حكمه الإداري وتبعيته الاقتصادية والثقافية، ولكنهم اختلفوا على كراسي الحكم ونصيبهم من كعكة السلطة.
لم تكن مواجهة الفقر والأمراض والجهل من الأولويات عند البعض منهم أو عند أغلبهم ، ثم حسم القصر هذا الأمر ، وجاء بدستور 1962 ، وانفرد بالسلطة العسكرية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والدينية ، إلا أن الصراع لم يهدأ بعد ذلك ولم تتغير الأوضاع كثيرا ، وعرفت مختلف مدن البلاد اضطرابات تمت مواجهتها بكثير من الشدة والحزم.
حسم هذا الأمر الملك الراحل الحسن من خلال دستور 1962 الذي أعطاه جميع الصلاحيات والقرارات، وتم إحداث أحزاب سياسية موالية لدعم " خيار " النظام السياسي لتضفي شرعية " ديمقراطية " على قرارات حكم السلطة العليا في البلاد .
عرفت البلاد، في أعقاب تنزيل هذا الدستور انتفاضات في مدن كالدار البيضاء وغيرها، وأسفر ذلك عن قيام الملك، خلال شهر مارس 1965، بإعلان حالة الاستثناء وحل البرلمان وانفراده بجميع القرارات والصلاحيات ، ثم جاءت دساتير أخرى شبيهة لم تختلف كثيرا عن دستور 1962 مستجيبة لبعض مطالب المعارضة وتجاهلت أخرى أساسية تهم صلاحيات الملك والحكومة والوزير الأول الخ.
لم ترض هذه الدساتير أحزاب المعارضة ، كما أن تداعيات سوء تدبير الشأن العام طالت مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وأسفرت عن إضرابات واجهتها السلطات بشدة وحزم طيلة عقود الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات سميت ب" حقبة الجمر والرصاص ".
كان هم السلطة هو المحافظة على النظام والاستقرار ، واستعملت لذلك موالين لها للقيام بهذه المهمة لم تكن الكفاءة والنزاهة هي معيار تعيينهم ، واستعمل هؤلاء هم أيضا مساعديهم من طينتهم يعملون بأمرهم ، فزاد الفساد وطال جل مرافق أجهزة الدولة وأسفر عن انتشار المحسوبية والزبونية والرشوة واقتصاد الريع ، وانعكس ذلك سلبا على الخيارات التنموية وبرامجها ، وزاد من تعميق الفوارق بين مختلف شرائح المجتمع ومناطق البلاد ، وانحدر المغرب شيئا فشيئا إلى أسفل درجات سلم النزاهة والشفافية بين مختلف دول المعمور.
صادف استقلال البلاد ازدهار السياحة الدولية وتحولها إلى عامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بدول قريبة كإسبانيا وكفرنسا ، ونظرا لاستمرار تردي أوضاع البلاد والحاجة إلى العملة الصعبة لتمويل الواردات من البضائع والتجهيزات ، قررت السلطة تحويل قطاع السياحة إلى قاطرة للتنمية اقتداء بهذه الدول ، وذلك نزولا عند نصيحة البنك الدولي واستعداد الدائنين لتقديم المزيد من القروض والمساعدات التقنية، وتم بذلك تنزيل المخطط الثلاثي1965/1967وإعطاء الأسبقية للسياحة.
كانت هناك خيارات تنموية أخرى بدل الرهان على قطاع السياحة، فقد أغفل قرار هذا الرهان معارضة أحزاب وقوى وطنية، وإشراك المهنيين والمعنيين الآخرين عند إعداد وتنفيذ برامج المخططات السياحية.
كان البديل الحقيقي آنذاك ( وما يزال ) هو تحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة للمواطنين عن طريق المزيد من استغلال خيرات البلاد الطبيعية والبحرية والمعدنية، ودعم مجالات الصناعة التقليدية والغذائية لتوفير الغذاء والشغل ، ودعم مجالات التجهيزات التحتية كالطرق والموانئ والمطارات ، وبناء المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والثانويات والجامعات ومراكز التكوين المهني الخ. بدل إنفاق أموال الدولة واستدانة المزيد منها لتوفير خدمات ترفيهية لفائدة سياح أجانب طمعا فيما قد ينفقونه
خلال عطلهم الموسمية.
أغفل قرار الرهان على السياحة كذلك إشكالية وأهمية تحديات استغلال المؤهلات الطبيعية والثقافية لاستقبال السياح كإحداث الطرق والمطارات والموانئ والمحطات السياحية، وبناء الفنادق والمركبات الإيوائية، وتطوير أسطول النقل الجوي والبحري والبري، وتكوين الأطر السياحية ، وفتح الأسواق السياحية الخ.
كان تخطي هذه التحديات يتطلب توفير موارد مالية كافية ، ولم تكلف السلطات الحكومية نفسها معرفة أهمية هذه الموارد بالنسبة لبلد فقير حديث العهد بالاستقلال في حاجة إلى جل التجهيزات التحتية والسياحية المناسبة ، ولم تقم هذه السلطات أيضا بمقارنة تكاليف النهوض بالسياحة وعائداتها مع تكاليف وعائدات قطاعات أخرى منتجة.
وأغفل هذا القرار ، فوق ذلك ، طبيعة نشاط السياحة الدولية الذي كان يفرض إحداث محطات سياحية شاطئية ، وموانئ ومرافق ترفيهية كالمسابح ، والأندية الليلية والكازينوهات ، وتنظيم الحفلات والمهرجانات يتعارض بعضها مع مبادئ المجتمع المغربي المسلم المحافظ على قيمه الثقافية والروحية ، وتتعارض مع ميثاق السياحة المستدامة .
بعد فترة من العمل بالمخططات السياحية لم يتحول هذا القطاع إلى قاطرة للتنمية، بل أرهقت تكاليف النهوض به خزينة الدولة وزادت من المديونية الداخلية والخارجية للبلاد ، وطالب الدائنون بتسديد مستحقاتهم ، وجاءت نصائح البنك الدولي هذه المرة ( خلال نهاية عقد السبعينات ) ، بإعادة هيكلة مالية الدولة ومزيد من التقشف .
اضطرت السلطات العمومية إلى تقليص دعمها لقطاع السياحة، وعن تقديم المزايا القانونية والمالية للمستثمرين في السياحة ، ثم توقف القطاع العمومي والشبه عمومي بعد ذلك عن الاستثمار في المجالات السياحية وتفويت منشآتهما السياحية إلى القطاع الخاص .
كان لقرار توقف خزينة الدولة عن دعم السياحة تداعيات على النشاط السياحي ( ركود وتراجع في الاستثمارات وعدد الوافدين ومبيتاتهم بالفنادق والعائدات المالية الخ. ) ، وعرف المهنيون والمنعشون السياحيون ، خصوصا خلال عقد التسعينات ، صعوبات لتدبير مؤسساتهم وتسديد أقساط ديونهم وفوائدها . ونظرا لاستمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد، حذر الملك الراحل من انهيار البلاد أو مما أسماه ب " السكتة القلبية " فسمح لأحزاب المعارضة المشاركة في الحكومة وتدبير الشأن العام، عند نهاية عقد التسعينات لعل ذلك يجنب البلاد هذه " السكتة ".
***** ***** *****
لم تتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية كثيرا للخروج من التخلف ، ومع ذلك
عاد الرهان على السياحة سنة 2001 من خلال رؤية 2010 لتحويل هذا القطاع مرة أخرى إلى محور
رئيسي ورافعة للتنمية وتحويل المغرب إلى أهم وجهات السياحة العالمية، وكانت توجيهات السلطة العليا ( مرة أخرى ) حاسمة عندما تبنت العمل بهذه الرؤية وبتحديد وتفعيل أهدافها ومشاريعها.
لم يقتصر الأمر عند ذلك فقد طالت تداعيات تدبير الشأن العام ( كما كان الأمر من قبل ) تنفيذ مشاريع الرؤية ، فقد اقتصر إعدادها على فئة من الفندقيين لم يستندوا إلى المعايير العلمية في مجال إعداد الاستراتيجيات السياحية ، وكان هدف هؤلاء هو إقناع السلطات العمومية بالرجوع إلى دعم القطاع السياحي ( وخصوصا المستثمرون في الفنادق ) عن طريق توفير الأراضي وإعدادها، وتخفيض الضرائب على المهنيين السياحيين، وتكوين العمالة المدربة وفتح الأسواق الخارجية الخ.
تم ، عند إعداد مشروع هذه الرؤية ، تغييب مشاركة مهنيين سياحيين ومعنيين آخرين في مجالات ثقافية ترفيهية تشكل جانبا مهما من الخدمات السياحية ، ولم تستند الرؤية إلى دراسات اقتصادية بيئية حقيقية ، ولا إلى تشخيص واقع وهشاشة العديد من المؤهلات والمؤسسات والمقاولات السياحية ، كما تم كذلك إغفال العمل بميثاق السياحة المستدامة تقضي باحترام المجالات البيئية والأخلاقية للساكنة المحلية بالوجهات السياحية .
جاءت نتائج الرؤية ضعيفة ، ليس لهذه الأسباب فقط ، بل وأيضا ، بسبب عدم تنفيذ العديد من برامج الرؤية وإلغاء بعضها الآخر ، رغم أن الدولة جعلت من السياحة أولوية وطنية ، ورغم تكوين لجنة موسعة لمتابعة تنفيذ البرنامج العملي للرؤية ( برئاسة الوزير الأول ومشاركة وزراء آخرين معنيين وممثلي القطاع الخاص) والتي لم تجتمع هذه اللجنة إلا مرة أو مرتين طيلة عمر الرؤية بدل كل ثلاثة أشهر كل سنة.
وهكذا جاءت نتائج رؤية 2010 ضعيفة ، فإذا استثنينا 9 ملايين من الوافدين ( نصفهم كان من المغاربة المقيمين بالخارج ) ، فإنه لم يتم إحداث إلا حوالي 4500 سرير مقابل 160 ألف سرير المتوقعة بالمحطات الشاطئية الجديدة ( المخطط الأزرق ) ، ونسبة 8 في المائة فقط من الأسرة بمحطات الشواطئ السياحية القديمة ( تطوان ، والحسيمة ، وطنجة وأكدير ) ، ولم يتم العمل بمخططات التنمية السياحية الجهوية أو تعطيل تفعيل بعضها ، وارتفع عجز المبيتات السياحية بالمؤسسات الإيوائية سنويا ولم يتعد عددها 18 مليون ليلة سنة 2010 بدل 50 مليون المتوقعة ، ولم تتعد نسبة مساهمة السياحة في الناتج الداخلي الخام حوالي نسبة 9 في المائة بدل نسبة 24 في المائة الخ.
لم تتحول السياحة إذن إلى قاطرة للتنمية، ولم تساهم في محو المديونية ولا في محو البطالة، ولا في تنشيط قطاعات البناء والنقل والصناعة التقليدية الخ. كما كان متوقعا ، أما التداعيات السياحية البيئية الثقافية والأخلاقية فكانت أهم وأخطر .
***** ***** *****
رغم هذه النتائج المتواضعة ، وقبل ثلاث سنوات من انتهاء العمل برؤية 2010 ، كان على الحكومة أن تقوم بإعداد رؤية 2020 عملا بتوجيهات السلطات العليا ، وكان المتوقع من هذه الرؤية هي أيضا أن تستفيد من تجارب رؤية 2010 وتحويل المغرب إلى أهم الوجهات السياحية العشرين في العالم واستقبال 20 مليون سائح وإحداث 200 ألف سرير فندقي وحوالي 500 ألف منصب شغل ومساهمة القطاع في رفع مستوى الناتج الخام الداخليPIB ليصل إلى 150 مليار درهم بدل 55 مليار سنة 2010.
لم يبق إلا القليل من عمر هذه الرؤية ولم يتم تنفيذ أغلب مشاريعها بسبب عدم تفعيل آليات تنفيذها وبسبب اعتماد جل برامج رؤية 2020 على الجهوية التي لم يتم تنزيلها إلى أرض الواقع ومن ثم فإن نتائج الرؤية لن تكون إلا ضعيفة . وهكذا فخلال المرحلة الأولى من العمل بالرؤية ( 2011/2015 ) واستنادا إلى الإحصاءات والتقارير الرسمية:

- ظلت وجهتي مراكش وأكدير تستحوذان على النصيب الأكبر من الاستثمارات والنشاط السياحي كما كان الأمر منذ بداية الثمانينات ، وذلك على حساب باقي المناطق،
- ظلت المؤسسات الإيوائية من النوع الرفيع تضم معظم الطاقة الاستيعابية للسياح ،
وظلت الشركات الوطنية والدولية الكبرى بالتالي هي المستفيدة من النشاط السياحي على حساب المؤسسات المتوسطة والصغرى والساكنة المحلية بمختلف الوجهات .
- لم يتجاوز عدد السياح الوافدين 10 ملايين إلا قليلا (نصفهم من المغاربة بالخارج ) بدل 15 مليون المتوقعة خلال فترة 2011/20015 ،
- لم يتجاوز عدد المبيتات بالمؤسسات الإيوائية السياحية 18.30 مليون ليلة سياحية بدل 39.30 مليون المتوقعة خلال هذه المرحلة،
- ظلت نسبة ملء غرف الفنادق تتراجع منذ سنة 2000 ( من %56 إلى %40 ) ومدة إقامة السياح في تتراجع بوتيرة سريعة منذ سنة 2000،
- ولم يتغير مبلغ العائدات المالية كثيرا منذ سنة 2010،
- ولم يستفد المواطنون المغاربة كثيرا من السياسة السياحية ومن المعطيات السياحية لبلادهم (السياحة الداخلية ) ،
- ولم تتجاوز مساهمة السياحة في ميزان المدفوعات نسبة 8 في المائة منذ سنة 2000،
- ولم يتم العمل بتنمية سياحية مستدامة كما توقعت الرؤية ، بل إن المشاهدات اليومية وتقارير صحفية تشير إلى زيادة عدد الكازينوهات وقاعات القمار والميسر بالوجهات السياحية ، كما زاد استيراد المشروبات الكحولية من المنتجات الكمالية لإرضاء السياح .
- كان لثقافة السياح وسلوكياتهم تداعيات مهمة على سلوك وأخلاق المجتمع المغربي المحافظ
وخصوصا شريحة من الشباب ) ، وأصبحت بعض الوجهات السياحية تحتضن العديد من قاعات القمار وأوكار الدعارة وتحول بعضها أيضا إلى وجهات للسياحة الجنسية.

***** ***** *****
وهكذا ومنذ الاستقلال فإن السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم تكن موفقة لأسباب منها : خيارات سياسية وتنموية غير موفقة ، وإلغاء مشاركة الفاعلين الغير حكوميين مشاركة حقيقية في تنفيذها ، وزيادة سوء تدبير الشأن العام ( كانت موضوع غضبات ملك البلاد في العديد من المناسبات ) ، وتعطيل أو إلغاء العديد من المشاريع التنموية مما ساهم في استفحال ظاهرة الفساد والرشوة واقتصاد الريع وزيادة الفقر والأمية والبطالة بين شريحة عريضة من المجتمع المغربي .
لم تتحسن الأمور كثيرا إذن خلال عقود ما قبل سنة 2000 وسنوات ما بعدها رغم معارضة القوى الحية في البلاد والعديد من الإضرابات الشعبية والاحتجاجات تم مواجهتها بقوة وحزم .
حسب بعض التقارير الوطنية والدولية :
+ انتقل حجم العاطلين خلال النصف الثاني من سنة 2016 إلى حوالي مليون ومائتي ألف من العاطلين من ذوي الشواهد العليا من مؤسسات تعليمية بداخل وخارج أرض الوطن، وارتفع معدل البطالة خصوصا في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة من 20.5 في المائة إلى 21.5 في المائة، وارتفع ذلك عند خريجي المعاهد والمدارس العليا خصوصا إلى 9.1 في المائة ،
- بلغت ديون المغرب أكثر من 400 مليار دولار، وعرفت ارتفاعا مضطردا خلال الخمس سنوات الأخيرة، وتعتبر المؤسسات الدولية المالية (البنك الدولي، صندوق النقد الدولي) هي أكبر دائن للمغرب بنسبة 50 في المائة من مجموع الديون الخارجية. وقد سبق لمؤسسة ماكنزي الأمريكية ، أن صنفت المغرب البلد الأكثر مديونية على الصعيد العربي والإفريقي، في تقرير رصد البلدان الأكثر استدانة في العالم [2].
- يشير تقرير للبنك الدولي إلى أن معدلات الفقر بلغت حوالي 3,1 بالمئة من المغاربة يعيشون ب 1,9 دولار يوميا ( الفقر المدقع) ، وأن 19 بالمئة من مزارعي الأرياف فقراء أو مهددون به، وأن النمو الاقتصادي الضعيف واستمرار التفاوتات الاقتصادية يصعبّان تغيير هذه المعدلات ، ومن غير المحتمل ألا تتغير مادام النمو الاقتصادي يبقى ضعيفا، في ظل استمرار التفاوتات الاقتصادية داخل المغرب، [3].
تؤكد هذه المعطيات تقارير وطنية ودولية حول تدافع الفقراء بإحدى جماعات إقليم الصويرة تقاطر عليها المئات من الفقراء ( حتى من مختلف جماعات الأقاليم المجاورة ) لينالوا نصيبهم من مساعدة غذائية قدمتها إحدى الجمعيات . هذا التدافع أسفر عن موت 15 امرأة ( بالإضافة إلى عدد آخر من الجرحى ) تركن وراءهن 40 من الأطفال يتامى. واعتبرت هذه الجمعية أن ما وقع هو نتيجة سياسة الحكومة التي تستمر في التشجيع على مظاهر الفساد ونهب المال العام والثروات الطبيعية وفي تشجيع اقتصاد الريع وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة والافلات من العقاب والتستر على "لوبيات" الفساد ونهب المال العام [4].
ليس من السهل تدارك هذه الأوضاع بعد عقود من تراكم النتائج السلبية وتجذر الفساد، فقد كان البديل الحقيقي لإشكالية سياسة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، منذ الاستقلال وما يزال ، هو القضاء أولا على الفساد والرشوة واقتصاد الريع ، وأن يخرج الأغنياء زكاة أموالهم ، وإشراك جميع القوى الحية في المجتمع في إعداد وتنفيذ مختلف البرامج والمشاريع ، واستعمال مسؤولين أمناء أقوياء لتحقيق العدل والكرامة للمواطنين،نقوم جميعا بالسياحة الكبرى التي جئنا إلى الأرض من أجلها !.
نحن كمغاربة مسلمين نؤمن أننا جئنا من عالم آخر وكان علينا أن نستقر في الأرض إلى حين ونقوم فيها بأنشطة سياحة ( السياحة الكبرى ) على هدى من كتاب الله وسنة نبيه قبل مغادر وجهتنا السياحية هذه والرجوع إلى عالم الخلود .
إن سياحتنا الكبرى بهذا البلد الحبيب وعلى هذه الأرض المعطاء تقتضي منا أن نعمل بما جاء في القرآن الكريم وبهدي المعلم والمرشد: النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم جعله الله رحمة الله للعالمين. وأن تكون أسفارنا ورحلاتنا من أجل :
- حج بيت الله الحرام بمكة (لمن استطاع إلى ذلك سبيلا ) ، وقضاء شعيرة العمرة ، وزيارة المسجد النبوي بالمدينة المنورة والمسجد الأقصى بالقدس الشريف ،
- نتعلم دين الله رب العالمين ونبلغه إلى عباده ونفعل الخير،
- نبتغي من فضل الله ونسوق منتجاتنا ونستورد حاجاتنا من السلع والبضائع،
- نصل ذوي الأرحام ونزور الأقارب والأحباب،
- نقوم برحلات ترفيهية حلال (لمن استطاع) ونتأمل في ملكوت الله ،
- نستقبل الوافدين الأجانب بإكرام وفادتهم وتعريفهم بعقيدتنا وقيمنا، وليس بتيسير الشهوات طمعا فيما عندهم من مال.
وبعد :
جعل الله سبحانه القرآن الكريم مهيمنا على الكتب المقدسة وحفظه من التحريف والتبديل ، وفضل الله عز وجل الرسل بعضهم على بعض، وأرسل محمد ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أجمعين ، وأتم نعمته على أمة محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وفضلها على من قبلها من الأمم وقال الحق سبحانه فيها " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ".
وعملا بما جاء في كتاب الله من الآيات البينات وقول الرسول الأمين " كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته" علينا كلنا ( خصوصا الحكام والمسئولين والعلماء ) أن:
* ننهض من سباتنا العميق، ونخرج من النفق المظلم الطويل الذي ألفناه، ونرجع إلى
الطريق المستقيم: منهج الله الرحمن الرحيم،
- وتكون الحكمة ضالتنا وألا تكون التبعية لغيرنا هي السبيل في حياتنا، وأن نعمل ببدائل علمية وعملية تنموية تستند إلى مرجعياتنا ومبادئ عقيدتنا ومصدر عزتنا ، متوكلين على ربنا وعلى سواعدنا ، وأن نستعمل الأمناء الأقوياء منا ، لنخرج من التخلف لاسترداد عزتنا وكرامتنا ، بدل اقتراض الأموال واستجداء "الخبرات" والإصرار على توفير مرافق ترفيهية لفئات أجنبية لممارسة أنشطة ترفيهية غير شرعية على حساب ضروريات ومطالب شعبية .
لقد وعد الله القوي العزيز عباده المسلمين بالعزة والتمكين وقال ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [5]، وسهل الله سبحانه لنا طريق ذلك لو أننا تدبرنا وعملنا بقوله عز وجل ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ) [6] .
صدق الله العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

بقلم : إسماعيل عمران [email protected]



إسماعيل عمران


[1] http://tetouanplus.com/news21669.html
http://tetouanplus.com/news21768.html
http://tetouanplus.com/news22250.html
[2] https://www.aljamaa.net/ar/2017/03/13/مؤسسة-مالية-دولية-أكثر-من-خمسة-ملايين-
[3] معدلات الفقر لن تتغير بالمغرب حسب البنك الدولي http://www.annahar.ma/categorie/economie/article/3801-35-41-10-24-10-16https://arabic.cnn.com/world/2016/10/20/world-bank-maghreb-poverty
[4] https://www.hespress.com/politique/372129.html الاثنين 20 نونبر 2017
. http://www.hibapress.com/details-131238.html الذين يعبثون بأرواح المواطنين و المواطنات

[5] سورة النور 55
[6] سورة النحل الآية 89


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.