إن الداعي إلى كتابة هذا المقال نابع من الإحساس بضرورة ترشيد العمل الخيري لدى الجمعيات الخيرية والتطوعية بمدينة تطوان، والدافع إليه أساسا هو نشاط خيري لإحدى هذه الجمعيات بالمدينة والذي استفادت منه ساكنة مدينة تقع شمال البلاد جنوبي مدينة فاس. ونحن وإن كنا نعتقد أن العمل في ميادين العمل الخيري والنفع العام مطلوب ومفترض، ومن سد ثغرة فيه وقام بحقها فقد قضى فرض الكفاية عن مجموع الأمة، وأسقط الحرج والإثم عن الباقين، إلا أن هذا العمل ينبغي أن تبنى استراتيجياته على أساس من فقه الإحسان الإلزامي(=الزكاة والكفارات والنذور والنفقات الواجبة) والإحسان الاختياري (=سائر التبرعات من صدقة وهبة ونحلة وعمرى...)على حد سواء. فحاجة العمل الخيري والقائمين عليه، إلى هذا الفقه الشريف في التوجيه والترشيد وفي الحكم والتسديد ضرورية، وبقدر تمثله بين القائمين على العمل الخيري يتجلي روح هذا العمل وجوهره ومعالمه، وتتحقق مقاصده وأهدافه. إن من أهم أساسيات العمل الخيري الإلزامي منه والاختياري هو ألا يتعدى محله إلا لضرورة، ذلك أن الله عز وجل قد حدد المجال الزماني والمكاني لهذا الإحسان كما حدد الأصناف المستفيدة منه، ومن ثم يكون واجبا على هذه الجمعيات أن توجه جهودها ونشاطها وتبني استراتيجياتها العملية وفق هذا التحديد الإلهي، وفي غياب هذا التمثل لهذا التحديد ولأولويات الخير في المجتمع قد يؤدي إلى أن تستهلك هذه الجمعيات في نشاطات هي في عمومها مهمة ولكن بالتأكيد هناك ما هو أهم منها، فالعمل وفق النطاق المحلي كما هو مقرر في فقه الإحسان وكذا النظر إلى الحاجات المحلية الأكثر إلحاحا والأشد طلبا هو في الحقيقة ترشيد لعمل الخير الذي تقوم به هذه الجمعيات. نحن لا نقلل من أهمية الجمعيات الخيرية ودورها في سد حاجات المجتمع على اختلافها وتنوعها، بل نرى أن وجودها وقوة حضورها دليل على الرقي وعلو درجة التحضر، فقطاع العمل الخيري هو القطاع الثالث في تنمية المجتمعات الإسلامية بعد قطاع الدولة والقطاع الخاص، وكلما أحسنت هذه الجمعيات في ترشيد عملها وأدائها في سد الحاجات المحلية وبناء إدارتها ونشاطاتها على استراتيجية رشيدة، بادر المجتمع المحلي إلى دعمها ماديا ومعنويا ومنحها الثقة والمصداقية، الأمر الذي يسهم في نجاح عملها الخيري والتطوعي. إن العمل الخيري يؤسس على فقه وقواعد الموازنات والأوليات، وقواعد الموازنة بين الأعمال الخيرية الصالحة، فالثواب مترتب على الإخلاص والنفع لا على الكثرة والمشقة، والأكبر مصلحة والأعم نفعا والأبعد أثرا فيه أولى من مقابلات ذلك، والأقرباء المحتاجون أولى بمعروف وخير أقربائهم، والقربات الاجتماعية أولى من القربات الفردية، وما يخشى فواته أولى بالتقديم على ما لا يخشى فواته، والإحسان إلى الأبرار أولى من الإحسان إلى الفجار، والدفع عن الإنسان أولى بالتقديم عن الدفع عن الحيوان، والعناية بالمضمون والجوهر أولى من العناية بالشكل والمظهر. نتمنى من هذه الجمعيات أن تعمل بقاعدة "ما يخشى فواته أولى بالتقديم على ما لا يخشى فواته" ذلك أن بمدينتنا حالات إنسانية يخشى فواتها تنادي القلوب الرحيمة، فأولى الأوليات هو التدخل العاجل لإنقاذ هذه الحالات. ذ.يوسف الحزيمري