مشروع قانون المجلس الوطني للصحافة.. بنسعيد: "الديمقراطية لا تعني التوافق الكامل… والمهم هو الاستمرار في الإصلاح"    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بتساقط البرد وبهبات رياح من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    تقرير رسمي: انتعاش فلاحي واستثماري يدفع النمو إلى 4.4% في 2025    إسرائيل تشن غارات على مدينة السويداء ووزير الدفاع السوري يعلن وقف إطلاق النار بين الدروز والبدو    لامين جمال يثير تفاعلاً واسعاً بسبب استعانته ب"فنانين قصار القامة" في حفل عيد ميلاده    حجز أزيد من 37 ألف قرص مخدر وتوقيف ثلاثة متورطين في ترويج المؤثرات العقلية    فيضانات تجتاح نيويورك ونيوجيرزي جراء أمطار غزيرة    التحريض ضد مغاربة مورسيا يجر زعيم "فوكس" إلى المساءلة القضائية    وفاة أكبر عداء ماراثون في العالم عن عمر يناهز 114 عاما    المغرب نموذج للتحديث المؤسساتي والتنمية الاقتصادية (ثاباتيرو)    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بتراجع    حكيمي يختتم الموسم بتدوينة مؤثرة    فريدريك إنسيل .. بقيادة جلالة الملك المغرب يشهد دينامية تنموية مبهرة    تقارير أرجنتينية.. المغرب وقطر والبرازيل في سباق محتدم لتنظيم كأس العالم للأندية 2029    موجة حرّ شديدة وأجواء غير مستقرة بعدد من مناطق المملكة    اتفاقية ‬الصيد ‬بين ‬المغرب ‬وروسيا ‬أبعد ‬بكثير ‬من ‬أن ‬تكون ‬مجرد ‬تعاقد ‬اقتصادي    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    في ‬تقرير ‬للمنظمة ‬الدولية ‬للهجرة:‬ المغرب ‬في ‬الرتبة ‬18 ‬عالميا ‬وتحويلات ‬المغاربة ‬تجاوزت ‬11 ‬مليار ‬دولار ‬    مؤسسة ‬المغرب ‬2030 ‬ومسؤولية ‬بناء ‬المشروع ‬الحضاري ‬الكبير    قارئ شفاه يكشف ما قاله لاعب تشيلسي عن ترامب أثناء التتويج    رئيس ‬دولة ‬فلسطين ‬يعزي ‬في ‬وفاة ‬المناضل ‬محمد ‬بنجلون ‬الأندلسي    حالة غرق ثانية بسد المنع في أقل من شهر تستنفر السلطات    وفاة معتصم خزان المياه بأولاد يوسف بعد فشل محاولات إنقاذه بمستشفى بني ملال    فرانكو ماستانتونو: مكالمة ألونسو حفزتني.. ولا أهتم بالكرة الذهبية    "فيفا": الخسارة في نهائي مونديال الأندية لن يحول دون زيادة شعبية سان جيرمان    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    إيرادات الجمارك المغربية تتجاوز 47,3 مليار درهم في النصف الأول من 2025    منتخبون عن إقليم الحسيمة يلتقون وزير الفلاحة للترافع حول توسيع المشاريع    كيوسك الثلاثاء | توجه جديد لتقنين استعمال الهواتف داخل المؤسسات التعليمية    إسبانيا: توقيف عشرة أشخاص إثر اشتباكات بين متطرفين يمينيين ومهاجرين من شمال أفريقيا    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال        المجلس الوطني لحقوق الإنسان يحتضن دورة تكوينية لفائدة وفد فلسطيني رفيع لتعزيز الترافع الحقوقي والدولي    الداخلة، "ملتقى طرق" يربط بين فضاء البحر المتوسط ومنطقة جنوب الصحراء (صحيفة كندية)            "OCP GREEN WATER" تطلق رسميا تشغيل خط أنابيب تحلية المياه بين الجرف الأصفر وخريبكة    فيدرالية اليسار الديمقراطي تنتقد الوضع العام وتطالب بإسقاط "التطبيع" وإطلاق سراح الزفزافي ورفاقه    بوريطة: الشراكة الأورو-متوسطية يجب أن تصبح تحالفا استراتيجيا حقيقيا    اليونسكو تُدرج "مقابر شيشيا" الإمبراطورية ضمن قائمة التراث العالمي... الصين تواصل ترسيخ إرثها الحضاري    الصين تواكب المغرب في إطلاق الجيل الخامس: فتح باب التراخيص يعزز الشراكة التكنولوجية بين الرباط وبكين    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي    دراسة علمية: السمنة تسرّع الشيخوخة البيولوجية لدى الشباب وتعرضهم لأمراض الكهولة في سن مبكرة        اللاّوعي بين الحياة النفسية والحرية    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    الذّكرى 39 لرحيل خورخي لويس بورخيس    المحلي بوصفه أفقا للكوني في رواية خط الزناتي    لأول مرة.. دراسة تكشف تسلل البلاستيك إلى مبايض النساء    وفاة مؤثرة مغربية بعد مضاعفات جراحة في تركيا تشعل جدلا حول سلامة عمليات التخسيس    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة الاعتذار
نشر في شبكة طنجة الإخبارية يوم 08 - 01 - 2010

الخطأ سمة من سمات البشر، وكل إنسان في هذه الدنيا معرض للخطأ تحت وطأة الانفعال حتى لو كان نبيا، وليس عيباً أن يخطئ المرء ، ولكن العيب أن يستمر في خطئه. والاعتذار رجوع إلى الحق، وإقرار بالخطأ، وإحساس بالندم، وهو وسلوك حضاري وفضيلة تدل على الثقة العالية بالنفس، وفن ومهارة اجتماعية وأسلوب تصرّف وينبوع يتدفق بالحب والصفاء والتفاهم الحقيقي يتطلب جرأة أدبية كبيرة لأنه ليس مجرد لطافة أو ملاطفة. وقبوله دليل وعي ونضج فكري واضح يزيد من أواصر المحبة والتقارب والتفاهم بين أبناء المجتمع. إلى جانب كل ذلك فهو وثقافة عامة تسمو بصاحبها، لنها غائبة عن حياتنا ومجتمعاتنا، لذا كان ديننا العظيم من أكثر الأديان حثاً على تصحيح الأخطاء، وكانت التوبة والاعتذار وكل مشتقاتها من أكثر الألفاظ وروداً في القرآن الكريم.
الاعتذار عند الشعوب المتحضرة، أسلوب حياة ونمط سلوك اجتماعي نبيل يعطي الأمل بتجديد العلاقة بين الأطراف المختلفة، وهو التزام يحثّ على تحسين الأواصر وتطوير الذات، وهو استعداد لتحمّل مسؤولية الأفعال من دون أعذار أو لوم أو تقريعهم، ولا يقوى علي ارتكابه إلا من امتلك الرغبة في تصحيح أخطائه، وتشبع بروح المسامحة والتعاطف مع الآخر، وهو تقويم لسلوك سلبي يظهر من خلاله مدى شجاعة الفرد على مواجهة الواقع، كما فعل قدوتنا ونبينا المعصوم من الخطأ، محمد صلى الله عليه وسلم حين اعتذر من عبد الله بن أم مكتوم حين عاتبه الله تعالى فيه في سورة (عبس) حيث كان اعتذاره من قوة شخصيته وناتج عنها، ولم يدل أبدا عن ضعفها، كما يرى الكثيرون أن في الاعتذار انكساراً لعزتهم وشموخهم وكبريائهم فيستحيون باعتذارهم ولا يستحيون بذنوبهم.
سهل جدا على المرء أن يخطئ في حق الآخرين، لكن إصلاح الأخطاء أو الاعتذار عنها يكون من أصعب وأثقل السلوكات الاجتماعية لشعور الإنسان، -العربي على الخصوص- الدائم بأنه على حق بينما الآخرون على خطأ؟ ولما يستوجبه الاعتذار من قوة وشجاعة وشعور بالندم ومساءلة للذات ومراجعة للتصرفات ونقدها للاعتراف بالخطأ أو الذنب المراد الاعتذار عنه. ويبدو أن الإنسان في العالم العربي عامته، لا يعترف بأخطائه فضلاً عن أن يقدم الاعتذار، فما أكثر الإساءات والتجاوزات وما أقل الاعتذارات! وقلما نسمع في مجتمعاتنا عن اعتذار شخص لآخر أو دول عربية لدول عربية أخرى أو لغيرها رغم كثرة الإساءات! لاعتبارهم أن الاعتذار هزيمة أو ضعف أو إنقاص للشخصية والمقام، ولاعتقاد العربي الدائم أنه مركز الحياة وعلى الآخرين أن يتحملوا ما يصدر عنه. لذلك نجده ابرع من يقدم الأعذار بدل الاعتذار، ويشق ويصعب عليه تحمل مسؤولية تصرفاته، وكثيرا ما يرمي اللوم على الظروف أو على أي شماعة أخرى بشرط أن لا تكون شماعته، فالغير هو الذنب دائما وليس هو.
ولا أقول هنا بأن المجتمعات الغربية لا تخطئ ولا تسيء لبعضها وإلى غيرها، بل يخطئون ويسيئون كثيراً ولكنهم يملكون شجاعة الاعتراف بالخطأ وفضيلة الاعتذار، فيعتذرون ويعوضون. ففي اليابان مثلاً يعتبر الاعتذار –بما فيه اعتذار الرؤساء لمرؤوسيهم- أمراً عادياً، وجزء من سلوك الناس. وقد اعتذرت اليابان للدول التي احتلتها في جنوب شرق آسيا، واعتذرت عن ممارساتها تجاه أسرى الحرب البريطانيين، كما اعتذرت فرنسا عن شحن يهودها إلى المحارق، وكذاك فعلت سويسرا، وحاكم المثقفون الفرنسيون دولتهم على ماضيها الأسود في الجزائر وتقدموا بالاعتذار، واعتذرت الولايات المتحدة أيضا لأفريقيا عن قرون من تجارة العبيد. وليست الدول الغربية وحدها من يعتذر عند الخطأ، فهذا الرئيس السنغالي عبد اللاي واد يعتذر للأقلية المسيحية فى بلاده بعد أن أخطأ في حقها بتشبيهه تمثاله "النهضة الأفريقية" والذي يجسد صور رجل وإمرأة وابنيهما، بتماثيل المسيح فى محاولته لتهدئة انتقادات علماء المسلمين الذين وصفوا التمثال بأنه "وثنى".
ورغم أن الكثير من ذوي النيات السيئة منا، يعتبرون أن اعتذار الشعوب والدول ما هو إلا تخطيط أو تكتيك محكم يستعمل بحنكة ولباقة للتقليل من ردات فعل الرأي العام والظهور بمظهر الآثم النادم. بينما هو في حقيقته تصرف نبيل يعكس ثقافة الشعب والدولة المعتذرة وقادتها ومجتمعاتها بكاملها.
كم نحن في حاجة ماسة لنشر ثقافة الاعتذار وتعميمها في مجتمعنا، ولن يحدث ذلك حتى إذا نحن رغبنا فيه فعلا، إلا حين نربّي أبناءنا على الصدق في كل الأمور كخطوة أولى نحو تعديل السلوك المنحرف، ثم نعودهم على مفردات الاعتذار والتواضع أثناء تعاملهم مع الآخرين، وبعدها نعلمهم فن الاعتذار وكيفيته، ومتى يعتذرون؟ ولماذا يعتذرون؟ وهذا يستوجب بطبيعة الحال نوعاً من الضبط الاجتماعي لعلاقة الفرد بمحيطه، والتذكير بالقوانين التي تحكم تصرفاته، والإشادة بتصرّف الطفل أمام الآخرين وتعزيزه باستمرار.
وقبل هذا وذاك يجب أن يغير الكبار آباء ومعلمين ومسؤولين من سلوكهم ويتشبعوا بفضيلة العودة للحق في كل تصرفاتهم الخاصة والعامة، كدليل على التحضر والوعي، حتى يكونوا قدوة للأجيال الصاعدة، كما أعطى الرسول الكريم المثل على أن على المخطئ بوجه عام أن يعتذر حتى لو لم يكن خطأه متعمداً، حين اعتذر صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن أم مكتوم حين عاتبه الله تعالى فيه في سورة (عبس)، كما أسلفت فلمَا لا نراجع أنفسنا ونتساءل منذ متى لم ننطق كلمة "آسف". فلنكن متسامحين مع أنفسنا بالدرجة الأولى ومن ثم مع الآخرين لأن الاعتذار من شيم الكبار كما يقولون.. ودليل الثقة بالنفس والتواضع والاتزان في طبيعة التفكير، ودليل صحة الإنسان النفسية لذا نجد أن عددا من أصحاب النفوس الكبيرة التي تعالت وسَمَت في أفاق السماء.
من الأنبياء يعتذرون عن أخطاء ارتطبوها:فهذا* آدم- عليه السلام- اعترف بذنبه لمَّا أخطأ وأكل هو وزوجه من الشجرة المحرَّمة، مُقرًا ذلك بقوله: [QURAN]قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [/QURAN] (الأعراف:23).
*وهذا موسى- عليه السلام- أخطأ و لم يراوغ لإيجاد المخارج بعد أن وكز الرجل بعصاه فقتله [QURAN] قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ[/QURAN] (القصص: من الآية 15)، ثم قدِّم الاعتذار وطلب العفو والصفح والمغفرة [QURAN]قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [/QURAN] (القصص: 16).
* امرأة العزيز التي راوغت وكادت لتبرير موقفها الصعب وسلوكها المشين، إلا أنها اعترفت في شجاعة نادرة [QURAN]قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)[/QURAN] (يوسف.)
يا لها من قوة تحليت بها، وجرأةٍ في الحق يعجز أكابر الرجال في زماننا أن يأتوا بمثلها، وهذا قدوتنا رسول الله محمد صيى الله عليه وسلم يعتذر عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَرْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَوْمٍ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ، فَقَالَ: "مَا يَصْنَعُ هَؤُلاءِ؟"، فَقَالُوا يُلَقِّحُونَهُ يَجْعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الأُنْثَى فَيَلْقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا أَظُنُّ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا".قَالَ: فَأُخْبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ: فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِذَلِكَ، فَقَالَ: "إِنْ كَانَ يَنْفَعُهُمْ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوهُ؛ فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنْتُ ظَنًّا، فَلا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ، وَلَكِنْ إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ اللهِ شَيْئًا فَخُذُوا بِهِ؛ فَإِنِّي لَنْ أَكْذِبَ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ" صحيح مسلم
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.