"فوكس" المتطرف يصر على تصعيد التوترات بين إسبانيا والمغرب بسبب مليلية        مطالب بصرف الدعم الاجتماعي قبل عيد الأضحى    المنتخب الوطني النسوي يتعثر أمام مضيفه الزامبي    طنجة المتوسط.. إحباط محاولة تهريب كمية من مخدر الشيرا على متن شاحنة تنقل موادا فلاحية    ظهور جثة لاعب كرة قدم من مرتيل بعد محاولة فاشلة للسباحة إلى سبتة    الحج 2024: خمسة آلاف طبيب يقدمون الرعاية الصحية للحجاج عبر 183 منشأة    تفاصيل اعتذار زياش والنصيري للمدرب وليد الركراكي    سي إن إن: خلية أمريكية بإسرائيل ساهمت في "تحرير 4 رهائن" بغزة... وحماس: 210 شهداء في العملية    الPPS: جوانب إيجابية في حصيلة الحكومة لا تبرر ادعاءها المتعالي بإنجاز كل شيء وبشكل غير مسبوق    مرشحة تبلغ من العمر 9 سنوات تجتاز امتحانات البكالوريا في فرتسا    وفاة سجين أغمي عليه لحظة تنظيفه مجرى للصرف الصحي بسجن الأوداية.. ومندوبية "التامك" تعلق    حكيمي يتفوق على صلاح في سباق "الأغلى"    السعودية تعلن جاهزية منظومتها الصحية لموسم الحج    أربع أندية أوروبية تتنافس على نجم البطولة المغربية    الفنان خالد بدوي يستحضر فلسطين في المهرجان الدولي للعود في تطوان        الأمن يشن الحرب على مروجي "الماحيا"    توقيف 3 مستبه بهم في ترويج المخدرات بالراشيدية    خبراء برنامج "نخرجو ليها ديريكت": المغرب مقبل على أغلى عيد أضحى في تاريخه بسبب ارتفاع الأسعار    السلاح المغربي المتطور يغري الرئيس التونسي قيس سعيد    توقعات أحوال الطقس غدا الأحد    22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" (النشرة الأسبوعية)    استئناف المساعدات إلى غزة عبر الرصيف الأمريكي سيتم في الأيام المقبلة    الإيسيسكو تستضيف أمسية فنية للاحتفاء بمدينة شوشا عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لسنة 2024    بعد منعها من الغناء بتونس.. نادي الفنانين يكرم أسماء لزرق    الباحثة أمينة الطنجي تحصل على شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا بتطوان    بووانو: ما قامت به الحكومة ليس إصلاحا للمقاصة بل زيادة في الأسعار فقط    وفاة الفقيه الدستوري عبد الرزاق مولاي رشيد    الأمم المتحدة تقرر إدراج جيش الاحتلال الإسرائيلي على "قائمة العار"    بنعبد الله: حكام الجزائر يُغَذُّون العداء والكراهية ضد كل ما هو مغربي مؤسساتيا وشعبيا    وزارة الصحة تعلن عن تسجيل حالة وفاة بفيروس كورونا    المغرب يسجل 22 إصابة جديدة ب "كوفيد-19" وحالة وفاة واحدة    وزارة الأوقاف: عيد الأضحى يوم الإثنين 17 يونيو 2024    صدام مباشر بين الدفاع والكوكب لحسم تأشيرة دوري الأضواء وأربعة فرق تتشبث بالبقاء    السلطات الدنماركية توقف رجلاً اعتدى على رئيسة الوزراء في كوبنهاغن    الجزائر ترد على المغرب بعد إحداث منطقتين للصناعات العسكرية    مشروع مبتكر .. اطلاق أول مشروع مبتكر الالواح الشمسية العائمة بسد طنجة المتوسط    الدورة ال 12 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة: "متى يحل عهد أفريقيا" لدافيد بيير فيلا يتوج بالجائزة الكبرى    لاغارد: مصاعب ترتبط بكبح التضخم    بنكيران مهاجما وهبي..لا نريد أن تصبح فنادقنا أوكارا للدعارة والفجور وإشاعة الفاحشة    أداء "روبوتات الدردشة" كأداة تعليمية يسائل الفرص والعقبات    هل يرحل إبراهيم دياز عن ريال مدريد؟    رئيس الأرجنتين يتجنب "ممثل فلسطين"    كيوسك السبت | المغرب سيشرع رسميا في إنتاج الغاز المسال مطلع 2025    كأس أوروبا 2024: كوبارسي ويورنتي وغارسيا خارج القائمة النهائية لمنتخب اسبانيا    بطولة إنجلترا: فاردي يمدد عقده مع ليستر سيتي    ارتفاع مؤشر أسعار الأصول العقارية بنسبة 0,8 في المائة برسم الفصل الأول من 2024    الأشعري في قصص "الخميس".. كاتب حاذق وماهر في صنع الألاعيب السردية    المخابرات المغربية تفكك لغز تحركات شخص خطير في إسبانيا    بن كيران يدعو إلى حل حزب الأصالة والمعاصرة        الأمثال العامية بتطوان... (619)    دراسة: السكتة القلبية المفاجئة قد تكون مرتبطة بمشروبات الطاقة    افتتاح فعاليات الدورة المائوية لمهرجان حب الملوك    فيتامين لا    الدكتورة العباسي حنان اخصائية المعدة والجهاز الهضمي تفتتح بالجديدة عيادة قرب مدارة طريق مراكش    "غياب الشعور العقدي وآثاره على سلامة الإرادة الإنسانية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحالف حزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية... في الميزان
نشر في تيزبريس يوم 13 - 01 - 2021

نادرا ما نجد في المغرب نساءَ ورجالَ السياسة يُمارسون فِعْلَ الكتابةِ للتعبير عن مواقفهم إزاء مواضيع ذات راهنية، ولتوجيه الرأي العام في الإشكالياتِ المطروحة مُجتمعياً. فقد طَغَت ثقافة "الشفهي" على ممارسة الكتابة، كما لو أنَّ السياسيين متخوفون من الإفصاح عن اختياراتهم وأفضلياتهم. إلا أنه، لحسن الحظ، نجد دوماً من بين هؤلاء أشخاصاً يجرؤون على تكبد عناء، أو قُلْ بالأحرى، اختبار مُتعة الكتابة.
بهذا الخصوص، يتعين توجيه تحية خاصة لأحمد زكي على مبادرته المتعلقة بإصداره، مؤخرا، كتاباً تحت عنوان "تحالف حزب التقدم والاشتراكية مع حزب العدالة والتنمية.. مَنِ الرابح وكيف؟". وللتذكير فالمُؤلِّف عضو في المكتب السياسي لحزب الكتاب منذ ما يزيد عن عشرين سنة، ومُناضل جمعوي نشيط، اقتحم عالَم الكتابة من باب النضال السياسي ومن زاوية العمل الصحفي، حيث تولى إدارة يوميتَيْ البيان باللغة الفرنسية وبيان اليوم باللغة العربية لمدة تناهز العشر سنوات (2000-2009)، وقد كان متميزاً من خلال افتتاحياته باللغتين العربية والفرنسية اللتين يُتقنهما تماماً. وعليه، فقد تناول الموضوع، وهو العارِفُ بالمجال، من خلال تحديدٍ دقيقٍ وواضح للأهداف من وراء عمله، ألا وهي تسليط مزيد من الضوء على موضوع لم ينل قسطه الكافي من الدراسة وتَعَرَّضَ إلى غيرِ قليلٍ من سوء الفهم.
وباعتباره خَبِرَ، من الداخل، وتابَعَ، عن قُربٍ، المسلسلَ الذي أفضى إلى عقد هذا التحالف بين الحزبين المُتباعديْن على المستويين الإيديولوجي والسياسي، فقد اعتمد زكي منهجيةً للتحليل مُستعارة، حسب قوله، من العلوم السياسية. وعلى امتداد صفحات الكتاب استعان باقتباساتٍ من الوثائق الرسمية لحزب التقدم والاشتراكية، ولا سيما منها التقرير المُقَدَّم أمام دورة اللجنة المركزية المنعقدة بتاريخ 10 دجنبر 2011، والتي اتُّخِذَ فيها القرار "التاريخي" بالمشاركة في حكومة بنكيران، حيث لا يقل عدد الصفحات المُستنسخة من ذات التقرير عن العشر صفحات، وقبل ذلك كان قد أشار الكاتبُ إلى الاجتماعات الأربعة المتتالية للمكتب السياسي، والتي تم تخصيصها للتداول في موضوع المشاركة مِن عدمها في تلك الحكومة. ولربما كان من الأفضل استعمال مصدر المعلومة هذا، بشكلٍ أكبر، خاصةً وأن جميع محاضر اجتماعات المكتب السياسي مُدونة ومُوَثَّقَة. وهو الأمر الذي كان كفيلاً بأن يُتيح أمام القارئ فهماً أكبر لتطور التحاليل والمواقف المُعَبَّر عنها من قِبَل كل عضو، إلى حين بلورة موقفٍ حَظِيَ بأغلبيةٍ عريضة داخل هذه الهيئة التنفيذية، وهو الموقف نفسه الذي صادق عليه الحزب برمته. وكما أكد على ذلك أحمد زكي، لم يكن أبداً من السَّهْلِ اتخاذُ موقف المشاركة في حكومة يقودها حزبٌ ذو مرجعية "إسلاموية" وينتمي إلى عائلة "الإخوان المُسلمين".
وباتخاذه لذلك القرار، فإن حزب التقدم والاشتراكية لم يُوَقِّع لحزب العدالة والتنمية شيكاً على بياض، كما لم يعقد معه "زواجاً كاثوليكياً"، يُدقق الكاتب. بل إن تلك المشاركة تمت على أساس برنامجٍ مُشترك للأحزاب الأربعة المشكِّلَة للأغلبية، صِيغَ بشكلٍ توافقي، بالإضافة إلى تبني ميثاق للأغلبية قام حزب التقدم والاشتراكية بإعداد مشروعه، وهو تفصيلٌ من المهم التذكير به.
ولقد اعتمد زكي على المبادئ الكبرى للمادية التاريخية ونظرية التناقضات والصراع الطبقي، مُبَرهِناً على كثيرٍ من القدرة على التبسيط وعلى حِسٍّ بيداغوجي في استعمال المفاهيم. ومع ذلك نؤاخذه على نزوعه نحو التغليب المفرط لبعض الظواهر من قبيل ظاهرة "التحكم"، عبر استعمال حزبٍ نشأ بمباركة الإدارة بغرض منحه الأغلبية لقيادة الحكومة المقبلة، آنذاك، والموكول إليها مهمة الدفاع عن مصالح الأوليغارشيا، وبالتالي إفشال الانتقال الديموقراطي.
إن هذا التقييم الذي قدمه المؤلِّف، من دون أدنى تحفظ، يبدو لنا إقصائياً على المستوى المنهجي والتحليلي، ذلك أن التحليل الجدلي للأوضاع، والذي يتقاسمه الكاتب أيضا، كان يقتضي وضع عوامل أخرى عديدة في الميزان وإدراج متغيرات أخرى في التحليل. وجديرٌ هنا بالتذكير أن حزب العدالة والتنمية هو مُختَرِعُ مقولة "التحكم"، وهي مقولة غريبة عن الجهاز المفاهيمي لحزب التقدم والاشتراكية وعن قاموسه. حيث قام حزب المصباح بذلك لأجل الاستغلال السياسي، إلى جانب استعماله مقولاتٍ أخرى بطابعٍ "حيواني" من قبيل التماسيح. وفي نهاية المطاف كان هذا الحزبُ هو أول من استخدم المقولة واستفاد منها عملياً، ليبسط تحكمه على أجزاء كاملة من المجتمع، في سعيٍ نحو خلق "دولة داخل الدولة" مُستقبَلاً، وهو الأمر الذي كان يندد به بنكيران.
أما في الفصل المتعلق بالبنيات الاجتماعية والقوى المتواجدة، فيبدو لنا من المُفيد تقديم ملاحظتين اثنتين: أولاهما تتصل بمفهوم "البورجوازية الوطنية"، حيث نتساءل، على ضوء التطورات التي عرفها المغرب خلال العقود الأربعة الأخيرة، والتي أفضت إلى تحالفات بين الرأسمال الوطني ونظيره الأجنبي.. نتساءل هل ما تزال لهذا المفهوم جدوى علمية؟ وهل هو مفهوم يعكس فعلاً الواقع كما هو الآن؟ فهذا المفهوم الذي استُعمِلَ لأول مرة في وثيقة الحزب المعنونة ب"الثورة الوطنية الديموقراطية" التي تعود إلى سنة 1975، يبدو لنا أنه مفهومٌ متجاوَزٌ اليوم.
والمُلاحظة الثانية تتعلق بغياب الإشارة إلى مؤسسة مركزية في التشكيلة الاجتماعية المغربية، ألا وهي المؤسسة المَلَكية. ذلك أن أي تحليلٍ سيظل، في تقديرينا، جزئياً ومُنحازاً إذا لم يأخذ بعين الاعتبار دور ومكانة المَلَكية في اللعبة السياسية، وفي التوازن الاجتماعي، وفي ضبط الحقل السياسي-المؤسساتي.
وتُفَسَّرُ هذه الإغفالاتُ، من وجهة نظرنا، بكون الكاتب لم يأخذ المسافة الكافية عن المواقف الرسمية لحزب التقدم والاشتراكية، حيث كان عليه أن يضع نفسه، مؤقتاً، خارج هذه الدائرة المُقَيَّدَة ب"الالتزام بالموقف الجماعي"، ويتصرف، بالمقابل، كأي ملاحِظٍ موضوعي. فعلى سبيل المثال: الصورة المُختارة لغلاف الكتاب تُبين كُلاًّ من بنكيران وبنعبد الله يَشُدَّانِ على يَدَيْ بعضهما، وقد تُوحي، لأول وهلة، أن وراء التحالف بين الحزبين تقف هاتان الشخصيتان السياسيتان، واللتان تستحق العلاقات بينهما تحليلاً خاصا. فالطموحات الشخصية نادرا ما تكون غريبة على المشاريع الجماعية. وهكذا رأينا كيف تدهورت العلاقات بين الحزبين مباشرة بعد إبعاد بنكيران من رئاسة الحكومة، وهو الذي كان في نفس الوقت أميناً عاما لحزب المصباح.
وفي المُجمل، فإن هذه الملاحظات والاقتراحات لا تنزع بتاتاً عناصر الجودة والجدية عن العمل الذي قدمه لنا الكاتب في مَؤَلَّفٍ يُقارِبُ إشكاليةً معقدة وخلافية... إنه كتابٌ يستحق القراءة، لأنه يُحفز على التفكير والنقاش، وبلادنا في أمس الحاجة إلى الحوار.
أما بخصوص اكتشاف من هو الرابح من ذاك التحالف غير المسبوق، فيمكن القول، بلا أدنى تردد، إن الرابح هو وطننا وديموقراطيته الفتية... والباقي كله يندرج ضمن خانة الحساب السياسي العابر.
عبد السلام الصديقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.