يعيش المغرب صيفًا غير معتاد، وسط تراجع لافت في عدد أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج الذين اعتادوا زيارة الوطن خلال هذه الفترة من السنة. هذا الانخفاض لا يُعزى إلى سبب واحد، بل هو نتيجة تضافر عدة عوامل متداخلة، من أبرزها ارتفاع تكاليف السفر والإقامة، تراجع جودة الخدمات السياحية، إلى جانب العراقيل الإدارية المستمرة التي تواجه الجالية، خاصة في ما يخص الاستثمار وشراء العقار. وإذا كانت الجالية المغربية لعقود طويلة تشكل ركيزة أساسية في دعم الاقتصاد الوطني من خلال تحويلاتها المالية ومساهمتها في تنشيط الأسواق خلال عطلة الصيف، فإن صيف هذه السنة حمل مؤشرات مقلقة. إذ أفاد عدد من المهنيين وأصحاب الفنادق والمقاهي والعقارات بتراجع كبير في حجم الإقبال، ما أثّر سلبًا على المداخيل المحلية، خاصة في المدن التي كانت تعتمد تقليديًا على الحركة الموسمية للجالية. من بين أبرز العوامل التي ساهمت في هذا الانكماش، تسجل أسعار تذاكر الطيران نحو المغرب مستويات مرتفعة مقارنة بدول الجوار، مما جعل العديد من أفراد الجالية يُفضلون وجهات بديلة مثل امريكا ،تركيا ، إسبانيا، وإيطاليا، حيث تتوفر خدمات سياحية جيدة بأسعار أكثر تنافسية. إلى جانب ذلك، يُضاف ارتفاع أسعار الفنادق وتكاليف الأكل والخدمات، وهو ما زاد من عبء المصاريف الصيفية داخل الوطن. من جهتها، تشكل البيروقراطية الإدارية عائقًا حقيقيًا أمام مشاريع الجالية. فكثير من المستثمرين الصغار يجدون أنفسهم عالقين في متاهات الرخص والتراخيص، والتنقل بين اللجان والإدارات، ما يؤدي إلى تأجيل أو حتى إلغاء عدد من المشاريع. هذا التعقيد في المساطر الإدارية أضعف ثقة شريحة واسعة من أفراد الجالية في مناخ الاستثمار المحلي. أما القطاع العقاري، الذي لطالما كان وجهة مفضلة لاستثمارات الجالية، فقد دخل بدوره في مرحلة ركود حاد هذا العام. فتراجع الطلب، وتباطؤ عمليات البيع والشراء، وانعدام التحفيزات الجاذبة للمستثمرين، كلها عوامل أسهمت في عزوف ملحوظ، بحسب إفادات عدد من المنعشين العقاريين. وفي ضوء هذا المشهد، يُحذر خبراء اقتصاديون من التداعيات المحتملة لهذا التراجع، ليس فقط على مستوى العائدات السياحية والتحويلات المالية، بل أيضًا على صعيد فقدان الثقة في فرص الاستثمار بالمغرب، وتآكل الروابط التي كانت تشد الجالية إلى أرض الوطن، خاصة لدى الأجيال الصاعدة. ويبقى السؤال المطروح بإلحاح: هل تتحرك الجهات المعنية لإعادة النظر في السياسات المتبعة، وتقديم حلول واقعية لتحسين الخدمات، وتبسيط الإجراءات، وضمان توازن الأسعار، من أجل استعادة ثقة الجالية وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني؟