في وقت يواجه فيه المغرب سلسلة من سنوات الجفاف المتتالي التي أصبحت تهدد بشكل مباشر الأمن المائي والغذائي للبلاد، تتعالى أصوات الخبراء المطالبين بإعادة النظر في نموذج استهلاك الموارد الطبيعية، وفي مقدمتها الماء الذي بات اليوم موردا استراتيجيا مهددا بالاستنزاف. وفي هذا الإطار، طرح المهندس والصحفي الاستقصائي يوسف الحيرش مبادرة جريئة تدعو إلى إقرار «ضريبة الماء» على الفلاحة التصديرية والأنشطة الصناعية ذات الاستهلاك المكثف للمياه. يرى المقترح أن الضريبة لا ينبغي أن تستهدف الفلاحين الصغار، الذين يعانون أصلا من محدودية الموارد وتقلب المواسم، بل يجب أن توجه نحو الشركات الفلاحية الكبرى التي تبني ثرواتها على تصدير محاصيل تعتمد بشكل كبير على الري، مستنزفة بذلك الفرشات الجوفية ومخزون السدود. فبينما تراكم هذه الشركات أرباحا مهمة بالعملة الصعبة، تدفع البلاد الثمن من مواردها المائية المحدودة. ويؤكد الحيرش أنّ الماء ليس مورداً قابلا للمجازفة، بل ثروة وطنية ينبغي أن تخضع لمنطق العدالة البيئية، تماما كما تخضع الأنشطة الاقتصادية الأخرى لمنطق العدالة الضريبية. يقترح صاحب المبادرة أن تحتسب «ضريبة الماء» بناء على نوع المنتوج الفلاحي الموجه للتصدير وحجم استهلاكه للمياه، أي وفق البصمة المائية لكل محصول. وهو نهج معمول به في عدة دول تبحث عن توازن بين متطلبات السوق العالمية وضرورات الاستدامة البيئية. فالمنتوجات كثيفة الاستهلاك للماء يجب أن تُؤدى عنها كلفة بيئية عادلة، توجه مستقبلا لتمويل مشاريع الحفاظ على الماء وتطوير تقنيات السقي الاقتصادي. ولا تقف المبادرة عند حدود الفلاحة التصديرية، بل تمتد كذلك إلى الشركات التي تعمل في قطاع تكرير المعادن المصدّرة إلى الخارج، إذ يشير الحيرش إلى أنّ هذا القطاع يعد الأكثر استهلاكا للمياه على المستوى العالمي. وبالتالي، يصبح من المنطقي إخضاعه هو الآخر لضريبة بيئية تعكس حجم تأثيره على الموارد الوطنية. إقرار «ضريبة الماء»، وفق ما جاء في المقترح، ليس إجراء عقابيا بقدر ما هو محاولة لإرساء رؤية جديدة في تدبير الثروة المائية، تقوم على مبدأ «من يستهلك أكثر... يساهم أكثر». وهي رؤية تضع المغرب في اتجاه السياسات البيئية الحديثة التي تربط بين النمو الاقتصادي والحفاظ على الموارد الطبيعية، وتدفع نحو اقتصاد أكثر مسؤولية واستدامة. وفي ظل تعقّد أزمة الماء وارتفاع الطلب عليه، تبدو مثل هذه المقترحات مدخلا للنقاش العمومي الجاد حول مستقبل الثروة المائية بالمغرب، وحول ضرورة إشراك كل الفاعلين في تحمل مسؤولياتهم بما يضمن توازناًد دقيقا بين متطلبات التنمية وحقوق الأجيال القادمة.