ميداوي: "النظام الأساسي" لموظفي التعليم العالي يلتزم بالمسار الطبيعي    تحويل المكتب الوطني للهيدروكاربورات إلى شركة مساهمة على طاولة مجلس الحكومة    توقعات استقرار التضخم بالمغرب عند 1% نهاية 2025 وارتفاعه إلى 1.8% في 2026    النفط عند أدنى مستوى في أكثر من أسبوع بعد إعلان ترامب وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    المغرب يعلن تنشيط الاستثمار بالهيدروجين الأخضر لتعزيز السيادة الطاقية    نجاح إصدار سندات ل"اتصالات المغرب"    إيران تقول إنها "أرغمت" إسرائيل على وقف الحرب "من طرف واحد"    تنفيذ المرحلة الأولى من حملة الإغاثة المغربية لفائدة 1000 عائلة من النازحين في مخيمات غزة    إيران تعلن مقتل 610 أشخاص على الأقل منذ بدء الحرب مع إسرائيل    فيلدا: "اللبؤات" يقاتلن من أجل اللقب    أشرف حكيمي أفضل لاعب في مباراة باريس سان جيرمان أمام سياتل ساوندرز الأمريكي    طنجة.. كلب على متن سيارة يعض فتاة والسائق يدهس شابًا أثناء الفرار أمام سيتي مول    طنجة.. حملة أمنية تسفر عن توقيف لصوص ومروّجي مخدرات بالمدينة العتيقة    "ملعب عشوائي" يثير الجدل بالدروة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دفاع بودريقة يستدل بصور مع الملك وماكرون وأخنوش لدحض تهمة النصب    مؤسسة أحمد الوكيلي تطمح إلى إخراج "الآلة" من النخبوية الموسيقية    تقنية الهولوغرام تعيد جمهور مهرجان موازين لزمن عبد الحليم حافظ    اتفاق أمني مغربي فرنسي جديد يرسم خارطة طريق لمحاربة الإرهاب والجريمة المنظمة    باستعمال الدرون والكلاب البوليسية.. حجز 3 أطنان من الشيرا كانت موجهة للتهريب الدولي        بنفيكا يزيح بايرن عن الصدارة وبوكا يودّع مونديال الأندية    أزمة مالية تهوي بليون الفرنسي إلى الدرجة الثانية    بعد غياب طويل.. عودة الإعلامية لمياء بحرالدين للساحة الإعلامية بشكل جديد    بركة: 300 كيلومتر من الطرق السريعة قيد الإنجاز وبرمجة 900 كيلومتر إضافية    الصوديوم والملح: توازن ضروري للحفاظ على الصحة    بنعلي: المغرب حقق قفزة نوعية في مشاريع الطاقات المتجددة    انفجار عنيف يهز منزل مغربي ببلجيكا متورط في قضايا الكوكايين    الحسيمة .. دعوات لمقاطعة شركة "ارماس" تقسم نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي    تركيا تنجز في المغرب مشاريع إنشائية بقيمة 4.3 مليار دولار وتعد بمزيد من الاستثمارات .. تفاهم مغربي تركي على إزالة العقبات التجارية ورفع المبادلات فوق 5 ملايير دولار    المملكة المغربية تعرب عن إدانتها الشديدة للهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي    بعد مسيرة فنية حافلة.. الفنانة أمينة بركات في ذمة الله    الأداء الإيجابي ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ترامب: إسرائيل وإيران انتهكتا الاتفاق    مهرجان "موازين" يتخلى عن خدمات مخرجين مغاربة ويرضخ لشروط الأجانب    العراق يعلن إعادة فتح مجاله الجوي    دراسة تكشف ارتفاع معدلات الإصابة بالتهاب المفاصل حول العالم    الإكثار من تناول الفواكه والخضروات يساعد في تحسين جودة النوم    هل تعالج الديدان السمنة؟ .. تجربة علمية تثير الدهشة    قبيل حفله بموازين.. راغب علامة في لقاء ودي مع السفير اللبناني ورجال أعمال    في برنامج مدارات بالإذاعةالوطنية : وقفات مع شعراء الزوايا في المغرب    هيئات مدنية وحقوقية تطالب بفتح تحقيق في مالية وتدبير وكالة الجنوب    زغنون: في غضون شهرين ستتحول قناة 2m إلى شركة تابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة    في مهرجان موازين.. هكذا استخفت نانسي عجرم بقميص المنتخب!    نادر السيد يهاجم أشرف داري: "إنه أقل بكتير جدًا من مستوى نادي الأهلي"    بوغبا يترقب فرصة ثمينة في 2026    إسرائيل تعلن رصد إطلاق صواريخ إيرانية بعد إعلان وقف إطلاق النار وطهران تنفي    الوداد يطمئن أنصاره عن الحالة الصحية لبنهاشم وهيفتي    قهوة بالأعشاب الطبية تثير فضول زوار معرض الصين – جنوب آسيا في كونمينغ    ميزانية الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها    رمسيس بولعيون يكتب... البرلماني أبرشان... عاد إليكم من جديد.. تشاطاراا، برويطة، اسعادات الوزاااار    الهلال السعودي يتواصل مع النصيري    بركة: انقطاعات مياه الشرب محدودة .. وعملية التحلية غير مضرة بالصحة    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جامع بنيدير : العين في تاريخ أگلو
نشر في تيزبريس يوم 16 - 10 - 2015

تحتضن الذاكرة الجماعية لبلدة أگلو معتقدات ومأثورات شعبية عديدة تحمل الكثير من الدلالات، القريبة والعميقة، علىأشكال العلاقات التي نسجتها ساكنتها مع موردها المائي الوحيد الذي ظلت ترتوي منه، وتروي حرثها وبهيمتهاعلى مدى عدة قرون، وقد تعرض هذا المورد في فترات من تاريخه الطويل لحوادث طبيعية توقف بسببها عن الجريان، لمدد متفاوتة، فيبست المزروعات، وذبلت الأشجار، وذعرت الساكنة التي أضحت من جراء ذلك مهددة بالعطش وانعدام الأمن المائي وربما الغذائي أيضا، إذ أن الذي كان وراء استقرارها، وإنشاء تجمعاتها السكنية هنا منذ قرون إنما هو هذا المورد الذي عليه اعتمادها في ضمان هذا الأمن.
ليس غريبا إذن أن ترتعد فرائص الساكنة هلعا على موارد عيشها وعلى مصائرها، عند كل من هذه الحوادث، وأن يهرع المزارعون منها بشكل خاص لمواجهة مخاطرها بالعمل الفوري،ليس على رد المياه إلى مجاريها فحسب،ولكن على البحث أو إعادة البحث عن هذا الماء، مما يتطلب جهودا مضنية قد تستغرق سنوات أو على الأقل عدة أسابيع أو شهور،ولابد أن حوادث من هذا القبيل كانت تتردد من وقت لآخر، وتتردد معها تداعياتها وأثارها، غير أننا نجهل عنها كل شيء، إذ لم يعمل أحد من أسلافنا على تأريخها لإخبار من يأتي بعدهم بها، بحيث إنبعض المعطيات التي لدينا في هذا الصدد هي التي مازال المزارعونيذكرونها عن ثلاثة حوادث، لما لها ربما من تأثير سيئ على حقول "تارگوا" وأغراسها وعلى بهيمتها، وهي التي سنحاول مقاربتهما فيما يلي:
الحادثة الأولى:
وقعت منذأكثر من مائة وسبعين سنة تقريبا، من تاريخنا الحالي 2015 م، وتسببت في حدوث أزمة اقتصادية محلية، تمكنا من معرفة تاريخ نهايتها ولم نعرف بالضبط تاريخ بدايتها، ويتعلق الأمر بأول مرة، فيما نعلم، غارت فيها العين بشكل تام، وجفت من منبعها، وجفت تبعا لذلك قنواتها، وكذا الحقول التي كانت تسقى بها، وكانت تبتدئ حينذاك من دوار "إيمي ن ترگوا" بأماراغ، وتمتد إلى شمالها، و هي التي كانت تشكل القطاع القديم من ساقية (تارگوا) اأگلو.
وما أن غارت العين حتىسارعت القبيلة إلى البحث عنها بإعادة الحفر وتعميقه، وتواتر بين الساكنة لحد اليوم أن ذلك كان بإشراف الفقيه الجليل سيدي إبراهيم أو محمد المتوفى سنة 1276 ه/ 1853موهو نجل سيدي عبد الحمان بن إبراهيم الذي تنتسب إليه قرية إگرار، وابتدأت أشغال إعادة التنقيب عنها في شهر رمضان، وانتهت باستعادتها في شهر ربيع الأول من عام 1264ه/ 1847 م كما ورد ذلك في تقييد سجله سيدي أحمد أنجار المتوفى سنة 1286 ه/ 1869 م في أحد الهوامش بأحد كتبه، أما التاريخ الذي غارت فيه العين فإنا لا نعرف عنه شيئا، ولعل ذلك كان قبل تاريخ استعادتها بما لا يتعدى بضعة شهور، إذ لا قبل للأهالي بتحمل البقاء طويلا دون هذا المورد الحيوي، وما زال متواترا في الذاكرة المحلية، أن أشغال إعادة الحفر لم تتكلل بالنجاح المطلوب، فلم يصلوا إلى العمق اللازم لإجراء أكبر نسبة من حقينة المياه التي يختزنه، وتختلف الأقاويل في تعليل ذلك مع ما يكتنفها من حمولات غيبية أسطورية، لعل أكثرها تواترا هي الرواية التي رواها الفقيه سيدي محمد بن عثمان للعلامة (1)المختار السوسي الذي أوردها كما يلي:
1 هو سيدي محمد بن عثمان من قرية إگرار، أنظر ترجمته في المعسول، ج 13، ص: 380.
«وحكى (الراوي) أن سبب ذلك أنهم حين وصلوا إلى مجرى الماء في هذا العمل الذي حضر فيه أبو سالم، حضرت صلاة الجمعة، فأمرهم بترك العمل إلى أن يرجعوا بعد الصلاة، فعمد بعض من لا يخاف الله، ولا يعتني بحضور الصلاة إلى إجرائها فلم تجر له، فلما رجع أبو سالم شق عليه ذلك جدا، فصدرت منه دعوة صعبة على ذلك الفاعل، فأصيب مصابا عظيما يذكر، وبقيت العين على ذلك إلى الآن»(1)
لذلك لم يصلصبيب العين بعد إعادة إجرائه إلى مستوى سطح الأرض إلا عند الحقول الواقعة إلى أسفل من "تاحنداروت" أو "إيسّيمور" حيث تتفرع منه قناتان رئيستان سطحيتان هما: (أسارو ن تاگوت) و(أسارو ن لقبلت)، و تتفرع من كل منهما شبكة من الشرايين التي توزع الماء على مجموع "تارگوا" الحالية، والمداشر المحيطة بها، ومعنى هذا أن العين قد تخلى منذ هذه الحادثة عن سقي القطاع الأعلى من الساقية الواقع مباشرة شمال مدشر"إمي ن ترگوا"، فتحول هذا القطاعمنذئذ إلى حقول مهجورة تحيط بها أكوام من الأتربة الناجمة عن عمليات حفرها من قبل المزارعين قصد النزول بمستواها إلى المستوى الذي غارت إليه العين.
يتبين إذن أن هذا الغور الأول لمياه عين أگلو، إن كان فعلا هو أول غور، قد استنفر الساكنة، وكشف عن تضامن فعال بين مختلف شرائحها، مزارعين وفقهاء وعلماء وعامة القوم، فقد تجند الجميع بالسرعة المطلوبة من أجل إعادة إجراء صبيب العين،لإغاثة البلاد والبهيمة والعباد، وأحدث ذلك تحولات كبيرة في بنية الساقية من حيث موقعها والمساحة المسقية منها، ومن حيث قنواتها الجوفية والسطحية و كذا من حيث غطاؤها النباتي، وبالتالي من حيث تعامل المزارعين معها بما هي موردهم الاقتصادي الرئيس.
2 المختار السوسي، خلال جزولة، ح 1، ص: 86. انظر أيضا جامع بنيدير، أگلو البحر والعين وسيدي وگاگ، مطبعة الأمنية، الرباط 2010 ص: 299.
وبالنظر إلى المسافة الزمنية التي تفصلنا عن هذه الحادثة، وكذاانعدام أوشح المصادر والمستندات ذات الصلة، فإنا لا نملك عن أسبابها ومختلف سياقاتها إلا أسئلة وافتراضات أحوج ما تكون إلى البحث والتحري، فهل يتعلق الأمر بإحدى موجات
الجفافالشديد التي تنتاب المنطقة من حين لآخر فغارت من جرائها العيون والآبار وضمنها عين أگلو؟ أم هل نفترض مع من افترض أن ما حدث له علاقة أو علاقات مع العين الذي اكتشفته ساكنة "العوينة" لاحقا، فكان من فيض هذه العين أن غارت عين أگلو؟ ماذا عن تاريخ اكتشاف هذه وعن تاريخ اكتشاف تلك؟وهليرتبط فعلا كل من هذين الموردين المائيين بالآخر كما دأبعلى تأكيد ذلك مزارعو القبيلتين؟ مع التذكير بأن القول بهذا الارتباط كان وراء الكثير منالصراعات والحروب التي كانت تشب من حين لآخر بين الطرفين.
الحادثة الثانية:
هي أقل حجما وأثرا من الأولى أعلاه، وكذا من الحادثة الثالثة التي سياتي الحديث عنها، ويتعلق الأمر في هذه الحادثة بأضرار ألحقتها السيول بقطاع من القنوات السطحية للعين فردمتها وتسببت في توقف مياهها عن الجريان وغيابها عن الحقول الزراعية لمدة معينة، ويبدو أن مثل هذه الحوادث تقع من حين لآخر، لكنها قليلا ما تدعو إلى قلق المزارعين الذين يتجندون لمواجهة تداعياتها بالسرعة المطلوبة، فتمضي ويعود كل شيء إلى سابق عهده.و الذي حدا بنا إلى الوقوف عند هذه الحادثة هو تداول الحديث عنها بين المزارعين بمناسبة فصول الحادثة الثالثة الآتي ذكرها.
غير أن الشهادات الشفوية التي هي المصدر الوحيد للحديث عنها لا تميل إلى التواتر المطلوب بما يمكن معه الاطمئنان التام إلى معطياتها، والذين يقدمونها يعتمدون أساسا على ما يتذكرونه من ملابسات وحيثيات، بحيث إن ما يفتقر إلى التواتر في شهادات هؤلاء هو بالضبط ما نفتقر إليه من معطيات حول أهم حيثيات الحادثة من قبيل حجمها وتاريخها ومكانها ومخلفاتها وكذا ردود الفعل التي أثارتها لدى المزارعين، وغير ذلك مما يجدر ذكره عنها.
فلم تتفق الشهادات على سنة حدوثها، لكن هامش اختلافها ليس كبيرا، ويتراوح ما بين عام 1982 م، وعام 1984 م، وتكاد تختلف أيضا في حجم الأضرار التي لحقت بقناة مياه العين، وكذا في تحديد مكانها، وفي عدد الأيام التي توقفت خلالها عن الجريان.وما اتفقت عليه الشهادات هو أن القناة السطحية للعين قد تعرضت في بداية الثمانينيات لسيول جارفة أدت إلى ردم جزء منها وإلى توقف صبيب العين عن الحقول، وذلك وفق المعطيات التقريبية الأنفة، وكانت مناسبة تذكر ذلك هي الحادثة الكبرى التي وقعت منذ شهور وما زال المزارعون يعيشون فصولها.
الحادثة الثالثة:
كانت بدايتها منذ أشهر فقط، وانتهت فصولها منذ أيام، ولم تختف بعد مخلفاتها وآثارها البادية للعيان في مختلف جهات المجال الذي كان يسقى بالعين، لذلك فالمعطيات عنها وفيرة وحية، نحاول فيما يلي استثمارها بغرض التوثيق لها، من حيث أسبابها ومختلف ملابساتها وحجم مخلفاتها، وكذا من حيث مواقف الساكنة والمزارعين منها، مع مقارنات في كل ذلك مع الحادثتين الأولى والثانية.
في سياقها العام:
عرف الجنوب المغربي برمته يومي 27و 28نوفمبر2014م أمطارا طوفانية غير مسبوقة، تلتها سيول جارفة تسببت في أضرار مادية وبشرية كارثية في معظم حواضره وبواديه، ولم تنج أي من جهات جماعة أگلو من هذه السيول، فنالت نصيبها الأوفر منها من جراء الأمطار القوية التي شهدتها تحديدا يوم الجمعة 28/11/2014م،فعرفت جميع أوديتها وشعابها دون استثناءسيولا جارفة حتى تلك التي طال عهدها بالسيلان، ونسيت الساكنة أنها مسيلات، فضلا عن وادي "أدودو" الضخم القادم من مرتفعات الأخصاص مارا بأراضي آيت جرار وما بعدها، ليقطع بلدة أگلو طولا، من جنوبها الشرقي إلى شمالها الغربي، مارا في طريقه بكل من قرى العواينة، وإگرار، وأماراغوالزاويت، وذلك بحقينةغير مسبوقة خرجت عن مجراه المألوف بعدة أمتار، فجرفت كل ما وجدته أمامها، ودمرت جميع المنازل والمباني المحاذية لمجرى الوادي"، وعمر بعضها يزيد على ثلاثة قرون، ومعها أطلال لأخرى أقدم منها، فضاعت بذلك معالمها المعمارية وشهاداتها على عصرها".
في خضم هذا الإعصار اتخذ واحد من هذه السيول مجراه صوب أماراغ، وتحديدا إلى شرق "إمجّاض" حيث رأس العين وبداية قناته الجوفية، قادما إليها من الجنوب الغربي لقرية "تادوّارت"، وذلك بعد أن جرف أكوام التراب التي كانوا قد أقاموها حاجزا عند مقطع "أضوّار مّولود" بغرض تحويل اتجاهه إلى مجرى "تامدغوست"، وفي طريقه صوب أماراغ انضافت إليه سيول شعاب أخرى مثل"تاغويلاست" بحيث ما أن أشرف على "إمجاض" حتى ارتفعت حقينته واشتدت قوته، فخرب ودمر، وسوّى، وحفر وردم، وذلك على طول مساره الذي يمر بأعلى القنوات الجوفية للعين، ويقطع مقبرة "أماراع" طولا في اتجاه "إساكان" الواقعة غرب سوق الإثنين القديمة، مواصلا زحفه شمالا نحو"أفود ن تكيضا"،وغربا نحو "تاحنداروت" وحقول القطاع الشرقي من "تارگوا"، وذلك بكل ما جرفه في مساره الطويل ذاك من كتل الطين والأحجار والأشجار وغيرها.
عن الأضرار التي لحقت بقنوات العين:
كانت حصيلة الأضرار التي طالت العين وقنواته ومزارع "تارگوا" من جراء هذه السيول ثقيلة وجسيمة نستعرض أبرزها فيما يلي:
غمرت السيول الجارفة جميع المواقع التي تمر تحتها أو فوقها القنوات التي تصرف منها مياه العين إلى مزارع "تارگوا"، وبفعلقوة صبيبهااللامسبوقةفقد ألحقت أضرارا جسيمة بهذه القنوات، الجوفية منها والسطحية:
فأما الجوفية فهي التي تلقت، بحكم موقعها، كل ما جرفته مياه السيول في طريقها من أوحال وأحجار وأغصان مختلف الأشجار وغيرها، فردمت بها عدة مقاطع في أعلاها، أي مما يلي منبع العين، فتوقف بفعل ذلك صبيب هذا الأخير جزئيا عن الجريان، وسرعان ما وقعت انهيارات أرضية في مقاطع أخرى أسفل هذا القناة مما تسبب في انحباس مياه العين تدريجيا إلى أن انحبست بشكل كلي.
أما القناة السطحية الممتدة من "آيت علي" إلى "إيسيمور" فليست أحسن حالا من القناة الجوفية التي تمر تحت مباني "أماراغ"، فقد خربتها السيول وردمتها بما جرفته منها وإليها من كل ما صادفته في طريقها من المجروفاتالسالفة الذكر، بحيث لم تغرب شمس يوم الجمعة 28 نوفمبر حتى أضحت هذه القناةهي الأخرى غير صالحة للاستعمال، وكذا معظم القنوات المنبثة عبر جهات "تارگوا"،فتعطلت بسبب ذلك كل هذه المرافق، وأضحى ارتياد "تارگوا" غير ممكن بسبب المياه والأوحال التي غمرت حقولها، وأدت إلى تخريب مسالكها وطرقاتها، وظلت الوضعية على هذا الحالطيلة شهر ديسمبر 2014 م.
طيلة هذه الفترة انشغلت الساكنة بأضرار الفيضانات التي لحقت المنازل والمقابر والطرق في مختلف مداشر البلدة، ولم يكن المزارعون في حاجة إلى سقي أراضيهم التي مازالت متخمة بالماء،وكانت هذه الفترة كافية لأن يغيض الماء في الحقول وتجف الطرقات، وأن يتفقد المزارعون الساقية ليدركوا عن قرب حجم الأضرار التي لحقت بها وبالعين وقنواته، وظلت مياهالعين تائهة في طريقها إلى الساقية، تارة تغيب عنها، وتارة تصل منها كميات قليلة إليها، إلى أن توقفت كلية يوم 30/05/2015 م،وفيما يلي عرض موجز للجهود التي بذلتها "جمعية تايافوت للتنمية الفلاحية" قصد إعادة مياه العين إلى مجاريها:
جمعية تايّافوت للتنمية الفلاحية:
إذا كانت القبيلة قد هبت عن بكرة أبيها بقيادة سيدي إبراهيم أو محمد للبحث عن مياه العين عندما غارت للمرة الأولى، وتمكنت من إعادة إجرائها على النحو الذي ذكرناه، فإن مواجهة انحباس صبيب العين هذه المرة لم يكن بمثل ذلك التجنيد التلقائي الجماعي، وإنما وحدها "جمعية تايّافوت للتنمية الفلاحية" بإمكانياتها المادية البسيطة هي الجهة الوحيدة التي هب أعضاؤها ومنخرطوها لمواجهة آثار هذه الكارثة، فيما تعامت الجهات المعنية وفي طليعتها الجماعة القروية للبلدة عن الحدث،كأن أمر العين والساقية لا يعنيها من قريب أو بعيد،منشغلة مقابل ذلك بمخلفات أخرى للفيضانات في المداشر والقرى والشاطئ، التي ليست مع ذلك بأحسن حال من حال العين والساقية.
بعد تشخيص ميدانيلحجم الأضرار التي عليها رفعها، وتقديرحجم ونوع الوسائل والإجراءات المطلوبة باشرت الجمعية أشغال كنس قنوات العين الرئيسية، وذلك على مرحلتين وبإجراءات مختلفة:
في المرحلة الأولى حصرت أشغال الكنس في قطاع القناةالسطحية الممتدة من "آيت علي" في اتجاه "تاحنداروت" وما يليها، واعتمدت فيالاشتغال في هذا القطاع على أيادي عاملة محليةلمتطوعين من المزارعين،وذلك عن طريق تنظيم ثلاث عمليات "التحصّايم" التي لم تكن الاستجابة لها مشجعة كما يتبين من الإحصائيات التي تحتفظ بها الجمعية، فقد كانت الأولى يوم 5/01/2015 م و استجاب لها 120 متطوعا، والثانية يوم 8/02/2015م باستجابة من 44 فقط، فيما لم يستجب للثالثة بتاريخ 06 يوليوز 2015 م سوى 16 فردا، وعلى كل حال فقد أسفرت هذه الدورات عن تنقية هذا القطاع مما استقر في قنواته مما جرفته إليهالسيول.
قبل هذه التدخلات كان صبيب العين يتأرجح بين الانتعاش والضعف والانقطاع، وفي يوم الجمعة 2/1/2015 م عرف انتعاشا ملحوظا، وساهمت أشغال التدخل الأول الذي كان بعد ذلك بثلاثة أيام، أي يوم 4/1/2015 في زيادة هذا الانتعاش، فاستبشر المزارعون خيرا بالحقينة الجيدة لصبيب العين، وبادرالكثيرون منهم إلى زراعةالذرة اغتناما لهذا الفرصة، غير أن وتيرة هذا الصبيب تراجعت تدريجيا، وبشكل مطرد ولم تنفع أشغال التدخل الثاني (8 فبراير 2015) في وقف هذا التراجع الذي استمر إلى أن توقف الصبيب نهائيا يوم 30/05/2015م وفق ما أكد ذلك أمين الساقية وأعضاء من مكتب الجمعية.
أما في المرحلة الثانية فالأشغال فيها تتعلق بالشطر الجوفي للقناة الممتدة من منبع العين إلى "إمي ن لخنگ" بآيت علي، وهو الأكثر تضررا بالسيول، ولأنها جوفية فهيأكثر صعوبة وخطورةبحكم عمقها وبنية تربتها الهشة،أضف إلى ذلك طولها الذي يفوق 500 متر، وفق ما تم تدقيقه بوساطة صور الأقمار الاصطناعية، وامتلاءها عن آخرها بما جرفته إليها السيول،إذ يتراوح سمك الأوحال داخلها ما بين مترين ومترين ونصف،فكانت تكاليف إجراءات كنسها لذلك باهضة بما لا قبل لجمعية المزارعين بتحملها، كما أعلنت الجماعة القروية بلسان أحد المستشارين في بداية الأمرعجزها عن تمويل هذه الإجراءات، فما العمل إذن وصبيب المورد المائي الوحيد للبلدة متوقف؟ وحقول الساقية التي ظلت خضراء على مدى قرون آيلة للاصفرار ثم للجفاف والزوال؟
في خضم هذه المعطيات، وموازاة لأشغال المرحلة الأولى أخذت الجمعية تطرق الأبواب بحثا عن تمويل أو تمويلات لأشغال هذا الشطر، فراسلت واتصلت بالمؤسسات والجهات التي لها صلة بالموضوع، أو التي تأمل في استجابتها للإسهام في هذا التمويل، فاتصلت في هذا الإطار بناظر أوقاف مدينة تيزنيت، واجتمعت بالسيد المدير الإقليمي للفلاحة، وراسات عامل الإقليم، وراسلت كذلك السيد مدير الحوض المائي لجهة سوس ماسة، كما اجتمعت بالسيد رئيس الدائرة بدعوة منه، والتجأت من بين ما التجأت إليه إلى المنابر الإعلامية الألكترونية فنشرت مقالا حول موضوع العين ضمنتهلومها وشكواها من تقاعس المنتخبين والمسئولين.
وحدها المديرية الإقليمية للفلاحة هي التي تفاعلت إيجابا مع طلب جمعية "تايافوت"، وبفضلها أمكن أخيرا إعطاء مشروع كنس هذا القطاع لأحد المقاولين، وذلك بإشرافها الفعلي وضمانة من رئيس الجماعة، فانطلقت الأشغال في هذا الشطر بعد توقيع اتفاقية في هذا الصدد بين المقاول ورئيس جمعية "تايافوت" يوم 18/06/2015 م، وكانت الأشغال شاقة دون شك، وواكبها أعضاء الجمعية باستمرار إلى نهايتها، وبعد توقف دام أكثر من 150 يوما عاد صبيب العين إلى سابق عهده يوم الأربعاء 16/09/2015 م،وكان أول المستفيدين منه بعد ظهر هذا اليوم ذاته هو السيد عبدالله بولفولالذي عاد بحرارة إلى استقبال طلائعه الأولى، ومعانقة "أماديره" لسقي حقوله التي بعنايته بها تعود إلى الاخضرار، وبهذه العناية ذاتها يعود له الأمل كما أفصح يومها تلقائيا عن ذلك بطريقته الخاصة، حيث دخل بقدميه الحافيتين في الماء بفرح وانشراح كمن استرجع حريته بعد أيام من الحجز.
هذا باختصار ما تأتى لنا رصده شخصيا، أو جرده من أفواه المزارعين وأعضاء جمعية "تايافوت" وبعض منخرطيها عن بعض فصول الحوادث التي تعرضت لهاعين أگلو، وأملنا أن نعود إليها لاحقا، أو يعود لها غيرنا لاستنتاج ما تسمح به من استنتاجات وخلاصات.
و قد صدرنا في المعطيات الخاصة بالحادثتين الثانية والثالثةبشكل خاص عن شهادات السادة:
أحمد إد بلقاسم الحاج ابراهيم باج
جمال المنصوري محمد بن الحسنأمارير
مولاي أحمد السملالي عبد السلام السملالي
الحسين ماجد أحمدالعبلاوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.