رئيس جنوب أفريقيا الأسبق يستحضر لقاءه التاريخي مع الملك محمد السادس    أحزاب إسبانية تقاضي زعيم "فوكس" بتهمة التحريض على الكراهية ضد المهاجرين المغاربة    جدل برلماني حول تمثيليات "مجلس الصحافة" وآليات إعداد التقرير السنوي    أزيد من 48 ألف مقاولة جديدة منذ يناير والتجارة في المقدمة    بينهم أطفال.. إسرائيل تقتل 13 فلسطينيا بغزة منذ فجر الأربعاء    خامنئي: هدف الحرب إسقاط النظام    اختتام برنامج "تجديد المعارف" لفائدة الأطر الحاصلين على رخصة "كاف برو"    رسميا.. ريال مدريد يعلن رحيل لوكاس فاسكيز وإقامة حفل وداع خاص بحضور بيريز    القضاء الكندي ينتصر لمحام مغربي في مواجهة "تيكتوكر" متهم بالتشهير    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    ارتفاع جديد في اسعار المحروقات في محطات البنزين بالمغرب    لامين يامال يواجه عاصفة حقوقية في إسبانيا بعد حفل عيد ميلاده ال18    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    توقعات أحوال الطقس لليوم الأربعاء    هيئة أطباء الأسنان الوطنية تدعو إلى تعزيز الثقة في ممارسة المهنة    حصيلة مواجهات السويداء ترتفع إلى 248 قتيلا        مشروع القرن ينطلق من المغرب: الأنبوب العملاق يربط الطاقة بالتنمية الإفريقية    مقتل مهاجر مغربي طعنًا في اسبانيا    قمة أورومتوسطية مرتقبة في المغرب.. نحو شراكة متوازنة بين ضفتي المتوسط    إغلاق مطار فانكوفر الكندي لفترة وجيزة بعد "خطف" طائرة    كيوسك الأربعاء | معالجة نصف مليون طلب تأشيرة إلكترونية خلال ثلاث سنوات    إسبانيا.. قادة الجالية المغربية في توري باتشيكو يدعون للتهدئة بعد اشتباكات مع اليمين المتطرف    باريس سان جيرمان يضم الموهبة المغربية محمد الأمين الإدريسي    زوما يصفع من الرباط النظام الجزائري: ندعم مغربية الصحراء ونرفض تقسيم إفريقيا تحت شعارات انفصالية    لقجع: المداخيل الجبائية ترتفع ب25,1 مليار درهم حتى متم يونيو 2025    فضيحة دولية تهز الجزائر: البرلمان الأوروبي يحقق في "اختطاف" للمعارض أمير دي زاد    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    تعاون صحي متجدد بين المغرب والصين: لقاء رفيع المستوى يجمع وزير الصحة المغربي بعمدة شنغهاي    مشروع ضخم لتحلية المياه يربط الجرف الأصفر بخريبكة لضمان استدامة النشاط الفوسفاطي    قراءة في التحول الجذري لموقف حزب "رمح الأمة" الجنوب إفريقي من قضية الصحراء المغربية    تعاون جوي مغربي-فرنسي: اختتام تمرين مشترك يجسد التفاهم العملياتي بين القوات الجوية    الدفاع الجديدي يرفع شعار التشبيب والعطاء والإهتمام بلاعبي الأكاديمية في الموسم الجديد …    طنجة ضمن المناطق المهددة بحرائق الغابات.. وكالة المياه والغابات تدعو للحذر وتصدر خرائط تنبؤية    ميناء أصيلة يسجل تراجعاً في مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي خلال النصف الأول من 2025    مطار طنجة: إحباط محاولة تهريب أزيد من 32 كيلوغرام من الحشيش داخل حقائب سفر    لقاء تنسيقي بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة استعداداً للدخول المدرسي 2025-2026 واستعراضاً لحصيلة الموسم الحالي        مجلس النواب يصادق على مشروع القانون المتعلق بإحداث "مؤسسة المغرب 2030"    الاتحاد صوت الدولة الاجتماعية    "طقوس الحظ" إصدار جديد للكاتب رشيد الصويلحي"    "الشرفة الأطلسية: ذاكرة مدينة تُباد باسم التنمية": فقدان شبه تام لهوية المكان وروحه الجمالية    "دراسة": الإفراط في النظر لشاشة الهاتف المحمول يؤثر على مهارات التعلم لدى الأطفال    لامين جمال يثير الجدل بتوظيف "فنانين أقزام" في حفل عيد ميلاده    المنتخب المغربي يواجه مالي في ربع نهائي "كان" السيدات    العيطة المرساوية تعود إلى الواجهة في مهرجان يحتفي بالذاكرة وينفتح على المستقبل    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    "مهرجان الشواطئ" لاتصالات المغرب يحتفي ب21 سنة من الموسيقى والتقارب الاجتماعي        زمن النص القرآني والخطاب النبوي    مهرجان ربيع أكدال الرياض يعود في دورته الثامنة عشرة    تواصل ‬موجات ‬الحر ‬الشديدة ‬يساهم ‬في ‬تضاعف ‬الأخطار ‬الصحية    وفاة الإعلامي الفرنسي تييري أرديسون عن عمر ناهز 76 عاما    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يأكلون الشوى وإذا اشتكى الشعب الطوى رموه بحبوب النوى
نشر في زابريس يوم 27 - 12 - 2015

في المقالة السابقة، خاطبتُ "بنكيران" وذكّرتُه بأحداث جرت في بلاد العجم، كما أعطيته أمثلة من التاريخ الحديث والمعاصر، وركزتُ على مسؤولين كانت لهم مواقف شجاعة وجريئة وقت الأزمات، حيث طبّقوا سياسة التقشف على أنفسم وعلى وزرائهم قبل أن ينفّذوا هذه السياسة في شعوبهم.. ولكنّ "بنكيران" يصف سياسته بالشجاعة والجرّيئة في ضرب القدرة الشرائية للشعب، بدل تطبيق سياسة التقشف على نفسه أولا، ثم على وزرائه، وعلى حشود الأكلة في مجلسي البرلمان والمستشارين، وعلى أحزاب غثائية تلتهم الملايير بلا مردودية.. فلو جمعتَ هذه الأموال، لما بقي في البلاد لا شقي ولا محروم، ولما عانى صندوق التقاعد من الأزمة والضيق، ولما كانت هناك حاجة لحذف صندوق المقاصة، ولفاضت بالخيرات خزينةُ الدولة، ولكن هذا يتطلب رئيس حكومة هو من أهل "الدعوة إلى الله" حقّا وصدقًا، وليس رئيس حكومة كذب "بالدعوة إلى الله" من أجل المنصب والمكسب..
وبما أن رئيس الحكومة لا تفارقه "التسبيحة"، ويذكر الله كثيرا في خطبه، ويتوكّل عليه حتى صار وليا لله، يُستسقى به المطرُ، ويتقدم الصفوف في صلاة الاستسقاء لورعه وتقواه، وزهده ونبل مسعاه؛ فإنني في هذه المقالة، سأعتمد التاريخ الإسلامي فقط، إذ لا يمكن أن تخاطب مسؤولا اعتمد "الدعوة إلى الله" بتاريخ النصارى الذين لا يعتبرهم إسوةً، وإن كان منهم من عمل صالحا لشعبه، واتّقى الله في البلاد والعباد، فذكر التاريخُ اسمه مرتبطا بالأمجاد.. لا؛ دعْنا ممّن فصلوا الدين عن الدولة، ولكن سنعتمد مَن أخذوا بالدين في تسيير شؤون الرعية، فكان الإسلام لديهم "دينًا ودولة"، و"بنكيران" هو واحد منهم، بدليل ما قاله، وما وعد به، خلال حملته الانتخابية التي حمّست أناسا، وشدّت إليها أنفاسا كما رأينا.. لقد قال أهل تُبَّع إنهم صوتوا لرجل يذكر الله كثيرا ويصلي، ويتعبّد، وبهذا برّروا اختيارهم قبل أن يكتشفوا اندحارهم، ويخسروا رهانهم.. قال "مالك": سمعتُ يحيى بن سعيد يقول: "أوّل من صلى في المسجد من الظهر حتى العصر هو [ابن مروان]؛ فقيل لسعيد بن المسيّب: لو قمنا فصلّينا كما يصلي هذا؛ فقال سعيد لصاحبه: اِجلسْ مكانك، ليست العبادة بكثرة الصلاة والصوم، وإنما العبادة التفكّر في أمر الله، والورع عن محارم الله، ومراعاة حقوق عباد الله.."..
والظاهر، أن "بنكيران" يرعى حقوق عباد الله، بحيث يغري البرلمانيين بتعويضات مقابل حضورهم إلى البرلمان، نظرا لكثرة تغيّبهم عن الجلسات، فيما يقتطع من أجور المتغيّبين لظروف في الإدارات وكافة القطاعات؛ إنه العدل بالمعنى المقلوب.. لقد اكتشفتُ أن التاريخ يهتم كثيرا بالتغيرات المناخية، وتقلبات الطقس، ويربط حدوثَها بعهود الحكّام والمسؤولين، ويذكر آثارها، وعلى هذا الأساس، سيذكر التاريخ أن بداية ولاية "بنكيران" عرفت فترة جفاف، وأن نهاية ولايته الآن تعرف هي كذلك فترة جفاف وانحباس المطر، وهذا دليل على أن هذا الرجل مبارك، ويحبه الله ورسوله، وقد جرى على يده الخير العميم؛ جازاه الله عنا خيرا لما سقاه للبلاد والعباد، وقد كان هاديا للخير، لا جابيا لأموال الشعب بمراسيم ستالينية جائرة..
وللذين ينخدعون بمظهر الورع، وخطابات التدين، وكثرة ذكر الله ليشتروا به ثمنا قليلا كالمناصب، والمكاسب، والامتيازات الزائلة؛ نورد بعض النماذج للذكرى والتنوير.. كان "عبد الملك" حافظا لكتاب الله، عارفا بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنّته، ومع ذلك أتى المظالم، وأصلى الرعية سوطَ عذاب، فلم يكن لا ورعا، ولا عادلا، ولا زاهدا في مال الأمة.. قال فيه الشاعر:
يا قومُ لا تغلبوا عن رأيكم فلقد ** جرّبتم الغدرَ من أبناء مَرْوانا
تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا ** هواهم في معاصي الله قرآنا..
لكنّ "الوليد بن عبد الملك"، الذي كان جاهلا، ولحّانا في القرآن، وكثير الأخطاء اللغوية في خطبه، حيث قال على منبر المسجد النبوي: "يا أهلُ المدينة" بضم اللام.. ورغم أنه كان قاسيا وصارما، إلا أنه كان يختن الأيتام، ويرتّب لهم المؤدّبين؛ ويرتّب للمرضى من يخدمهم؛ وللأضِرّاء من يقودهم؛ ويرزق الفقهاء، والضعفاء، والفقراء، وكفاهم سؤال الناس، وفرض لهم ما يكفيهم، وضبط الأمور أتمّ الضبط؛ وكان بارّا بخدّام الدولة، مهتمّا بشؤونهم، فلم يتذمّر أحد في أيامه، ولم تشتعل فتنة أبدا؛ ولما مات، قال الناس وهم يبكونه بدموع رطبة: "رحم الله الوليد! وأين مثل الوليد؟"؛ وهو عكس ما قيل عن "الوليد بن يزيد"، الذي كان مثقّفا، وشاعرا، وفحلا في اللغة وفاسدا؛ وعكس ما قيل أيضا في "يزيد الناقص" الذي كان ينقص من رواتب العمال، والجند، وخدم الدولة، ويغدق على ذوي الامتياز تماما كما هو الشأن عندنا اليوم في المغرب، في عهد "بنكيران" الورع، والمثقف، والداعي إلى الله.. فلا يغرنّك من يتظاهرون بالورع والتقوى؛ أو من يظهرون على الشاشة، ينادون بمحاربة الفساد، وحماية المال العام، وهم أول من يَلِغون فيه، ويتخوّضون بلا ضمير.. فالورع والتقوى يظهران إما أمام فروج ليس عليها أقفال، وإما أمام أموال سهلة ليس على أبوابها أشدّاء الرجال؛ وما عدا ذلك، فهو مجرد أقوال، وبها يبدو الكذّاب المحتال في ثوب خيرة الرجال؛ هذا هو الواقع...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.