تحتفل المملكة المغربية هذه الأيام بذكرى تاريخية مجيدة تحمل دلالات وطنية عميقة، وهي ذكرى تقديم البيعة من طرف القبائل الصحراوية للسلطان محمد الخامس في 25 فبراير 1958 بمنطقة محاميد الغزلان. هذا الحدث ليس مجرد ذكرى عابرة في سجل التاريخ، بل هو رمز لوحدة الأمة والتفاف أبناء الصحراء حول عرشهم العلوي في مسيرة نضالية من أجل استكمال الوحدة الترابية للمملكة. خطاب تاريخي يؤكد التشبث بالوطن خلال زيارته التاريخية لمحاميد الغزلان، ألقى السلطان محمد الخامس خطابًا مؤثرًا، أكد فيه عزمه على استرجاع الأقاليم الجنوبية التي كانت آنذاك تحت نير الاستعمار الإسباني. لم تكن هذه الكلمات مجرد إعلان رسمي، بل كانت نداءً موجهاً لأبناء الوطن كافة للالتفاف حول القضية الوطنية الكبرى، فاستجاب الصحراويون بعفوية وإيمان، مقدمين بيعتهم للعرش العلوي في مشهد يعكس ارتباطهم العميق بالمغرب ووحدته. البداية الفعلية لاسترجاع الأقاليم الجنوبية لم يكن هذا اللقاء حدثًا رمزيًا فقط، بل كان بداية لمسار نضالي طويل أفضى إلى استرجاع أجزاء كبيرة من التراب الوطني. ففي نفس السنة، 1958، تمكن المغرب من استرجاع إقليم طرفاية، ثم تواصلت المسيرة باسترجاع سيدي إفني عام 1969، وصولًا إلى ملحمة المسيرة الخضراء سنة 1975 التي مكنت من استعادة الصحراء المغربية. رسالة واضحة عبر الأجيال يحمل هذا الحدث رسالة وطنية واضحة للأجيال المتعاقبة، مفادها أن الوحدة الوطنية لم تأتِ بسهولة، بل بفضل تضحيات جسام قدمها الشعب المغربي بقيادة ملوكه العلويين. كما يبرهن على أن الصحراء لم تكن يومًا أرضًا بلا سيادة، بل ظلت عبر التاريخ مرتبطة بالمغرب دينيًا وسياسيًا واجتماعيًا، وهو ما أكده أبناء القبائل الصحراوية من خلال ولائهم الثابت للعرش العلوي. استمرارية الوحدة ورؤية المستقبل اليوم، ومع استمرار المغرب في تعزيز تنميته بالأقاليم الجنوبية عبر مشاريع كبرى، تظل ذكرى 25 فبراير 1958 شاهدة على عمق الروابط التي تجمع بين العرش والشعب. إنها مناسبة لتأكيد أن الصحراء كانت وستظل جزءًا لا يتجزأ من المغرب، وأن كل محاولات التشكيك في هذا الواقع مصيرها الفشل أمام إرادة الأمة الموحدة. في الختام، تبقى ذكرى تقديم البيعة في محاميد الغزلان محطة تاريخية تستحق التأمل والدراسة، فهي لم تكن مجرد لحظة في الماضي، بل هي درس في الوطنية والتشبث بالوحدة الترابية، ورسالة مستمرة بأن المغرب كان وسيظل واحدًا، من طنجة إلى الكويرة.