جنيف : 40 دولة ترسخ الاعتراف الدولي بالصحراء المغربية    الذراع النقابي ل "العدالة والتنمية" يرفض السياسة الاجتماعية للحكومة وتُحذر من تصاعد الاحتقان                أكثر من 154 ألف مترشح للتنافس على 8.600 مقعد بمعاهد التمريض وتقنيات الصحة في المغرب    دراسة: أسماك الناظور ملوثة بعناصر سامة تهدد صحة الأطفال    إفراج مؤقت عن مئات الأبقار المستوردة بميناء الدار البيضاء بعد تقديم ضمانات مالية    إضرابات وطنية جديدة لموظفي الجماعات في شتنبر وأكتوبر    احتجاجا على التهميش والتدبير الأحادي للمديرية الإقليمية للتعليم بالمحمدية المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم.. فدش ينسحب من اجتماع رسمي ويخوض اعتصاما        رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو يقدم استقالة حكومته    طالبة مغربية تتألق بالصين وتحصد جائزة مرموقة في مسابقة "جسر اللغة الصينية"    المنتخب المغربي يتجه للحفاظ على مركزه ال12 عالميا    اتحاد طنجة يطرح تذاكر مباراته الافتتاحية أمام الحسنية    أخبار الساحة    توسع عالمي .. افتتاح فرع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بنيويورك    وزارة النقل تكشف حقيقة الغرامات على صفائح التسجيل الدولي للمركبات    توقيف ثلاثيني يشتبه في ارتكابه جريمة قتل بخنيفرة    باقبو الفنان الذي ولج الموسيقى العالمية على صهوة السنتير.. وداعا        أكادير تحتضن أول مصنع مغربي لإنتاج الذباب المعقم لحماية بساتين الحمضيات    الكاتب الأول يترأس المؤتمرات الإقليمية لكل من المضيق وطنجة وشفشاون والعرائش    نقابات تعليمية ترفض "حركة لا أحد"    المختار العروسي يعلن ترشحه لرئاسة نادي شباب أصيلا لكرة القدم    المهدي بنسعيد يوضح تحديثات المجلس الوطني للصحافة وحماية حرية الصحفيين    قطر تدين الهجوم الاسرائيلي على أراضيها    حجب مواقع التواصل يؤدي إلى استقالة رئيس الوزراء وحرق البرلمان في النيبال    المغرب: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بتساقط للبرد اليوم الثلاثاء بعدد من المناطق    توقعات أحوال الطقس غدا الأربعاء    مديرية الأرصاد تحذر: زخات رعدية قوية بعدة مناطق اليوم الثلاثاء    بمشاركة مغاربة .. أسطول المساعدات إلى غزة يقرر الإبحار صباح الأربعاء    بورصة البيضاء تبدأ التداولات ب"الأخضر"                    أمين زحزوح يتوج بأفضل لاعب في الشهر بالدوري القطري    بنعلي ووزير الطاقة الموريتاني يبحثان تسريع الشراكات الطاقية بنواكشوط    تسريع التعاون في مجالات الكهرباء والطاقات المتجددة محور مباحثات الوزيرة بنعلي مع نظيرها الموريتاني    تلميذ يرد الجميل بعد 22 سنة: رحلة عمرة هدية لمعلمه    السيتي ينهي النزاع القانوني مع رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز    بطولة اسبانيا: برشلونة يؤكد إصابة دي يونغ    1500 ممثل ومخرج سينمائي يقاطعون مؤسسات إسرائيلية دعما لغزة        أجواء روحانية عبر إفريقيا..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تحيي المولد النبوي        انتشار السمنة بين المغاربة يطلق دعوات إلى إرساء "خطة وطنية متكاملة"        نسرين الراضي تخطف جائزة أفضل ممثلة إفريقية    اللغة والهوية في المغرب: خمسون عاماً بين الأيديولوجيا والواقع    الكلمة أقوى من الدبابة ولا مفر من الحوار؟..        أمير المؤمنين يصدر أمره إلى المجلس العلمي الأعلى بإصدار فتوى شاملة توضح للناس أحكام الشرع في موضوع الزكاة    دراسة : السلوك الاجتماعي للمصابين بطيف التوحد يتأثر بالبيئة    الملك محمد السادس يأمر بإصدار فتوى توضح أحكام الشرع في الزكاة    المجلس العلمي الأعلى يعلن إعداد فتوى شاملة حول الزكاة بتعليمات من الملك محمد السادس    مبادرة ملكية لتبسيط فقه الزكاة وإطلاق بوابة رقمية للإجابة على تساؤلات المواطنين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وصايا في وداع رمضان
نشر في أخبارنا يوم 24 - 06 - 2017

وقفنا قبل بضع جمع في أول يوم من شهر رمضان، يوم الجمعة الأغر استقبلنا هذا الشهر العظيم وها نحن اليوم مرة أخرى في يوم الجمعة الأغر نودع شهر الخير والإحسان شهر الذكر والقرآن شهر العبادة و الإيمان، الشهر الذي جعل الله فيه الرحمة والمغفرة والعتق من النيران.
إنها وقفات ينبغي أن تثير مشاعر المؤمنين وأن تحرك كوامن قلوبهم، وأن تستجيش عواطفهم الإيمانية ومشاعرهم الإسلامية، وأن يتذكروا ما سلف من أيام هذا الشهر ولياليه وأن يتذكروا ما سيستقبلون بإذن الله - عز وجل - من أيام وليالي قادمات، وصايا في وداع شهر رمضان.
إن هذه الوصايا - أيها الإخوة - تتكرر داماًَ ولا يكاد أن ينقضي شهر رمضان أو تأتي أيامه الأواخر إلا ويعاد مثل هذا الحديث، ونحن نرى اليوم شهر رمضان وهو يودعنا وفي الوقت نفسه يوصينا ويذكرنا.
فينبغي أن نرعي لهذه الوصايا سمعنا وان نصغي إليها بقلوبنا وأن نعزم على أن نمتثلها في سلوكنا وأن نحرص على أن نتواصى بها في مجالسنا ومساجدنا، وأن نسعى أن نكون بعون من الله - عز وجل - وفضل ممن كتب له القبول ورضوان الله - سبحانه وتعالى-.

الوصية الأولى: فلا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين:
إن من أعظم الجرم وإن من أكبر الخسران أن يعود المرء بعد الغنيمة خاسراً وأن يبدد المكاسب التي يسرها الله - عز وجل - في هذا الشهر الكريم، وأن يرتد بعد الإقبال مدبراً وبعد المسارعة إلى الخيرات مهاجراً وبعد عمران المساجد بالتلاوات والطاعات معرضاًº فإن هذه الأمور لتدل على أن القلوب لم تحيا حياة كاملة ب الإيمان ولم تستنر نورها التام بالقرآن وأن النفوس لم تذق حلاوة الطاعة ولا المناجاة وأن الإيمان ما يزال في النفوس ضعيفاً وأن التعلق بالله - عز وجل - لا يزال واهناً لأننا أيها الإخوة على مدى شهر كامل دورة تدريبية على الطاعة والمسارعة إلى الخيرات والحرص على الطاعات ودوام الذكر والتلاوة ومواصلة الدعاء والتضرع والابتهال والمسابقة في الإنفاق والبذل والإحسان ثم ينكس المرء بعد ذلك على عقبه.

إن ذلك أيها الإخوة أمر يدل على استحواذ الشيطان على الإنسان المؤمن وأن خنوس الشيطان في رمضان فترة مؤقتة لم يتمكن الإيمان في القلوب و الذكر في النفوس والصلة بالله - عز وجل - في كل آن، حتى تعصم المرء من وساوس الشيطان {إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم}، إن المسألة أيها الإخوة تحتاج إلى أن نتدبر في معناها ومغزاها إن المخالفة لله - عز وجل - والمعصية لأوامره والانتهاك لحرماته والتجاوز والتعدي على حدوده أمر عظيم تنخلع له قلوب المؤمنين الصادقين.. إنه كما قال سلفنا: \" لا تنظر إلى صغر الذنوب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت \"، وكان أحدهم يقول: \" إن الكافر يرى الذنب كذبابة جاءت على أنفه فقال بها هكذا - أي لا قيمة لها ولا يكترث بها ولا يصيبه الغم مما وقع فيه من المعاصي - أما المؤمن فإنه يرى الذنب كالجبل يوشك أن يقع عليه \"، فلا يزال في هم منه وفي استغفار دائم لله - عز وجل - منه وفي سعي دائب ودائم على أن يكفر ذلك الذنب وأن يجدد التوبة وأن يصحح النية لله - عز وجل - وأن يستزيد من الخيرات والطاعات.

أيها الإخوة : ينبغي لنا أن نبرأ من حال من وصف الله - سبحانه وتعالى- في كتابه بقوله: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين}. إنه ينبغي لنا أن ندرك أن الحرمان من الطاعة بعد التوفيق إليها وأن الوقوع في المعصية بعد الاعتصام منها نوع من عدم رضوان الله - عز وجل - على العبد ونوع من حرمانه من قبول العملº لأن الله - عز وجل - قد وعد ووعده الحق أن الطاعة تولد الطاعة، وأن الذي يجاهد في سبيل الله وطاعته أنه - عز وجل - يسهل له الطريق ويمهد له السبيل {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين} هكذا وعد الله - عز وجل -º فإن كنا صادقين في جهادنا لأنفسنا واجتهادنا في طاعة ربناº فإن الله - عز وجل - يسَّر لنا امرنا وجاعل لنا عاقبة أمرنا خيراً لنا من عاجلتنا وجاعل خير أعمالنا خواتيمها وجاعل كل يوم من الأيام زيادة في الخير والطاعة والقرب له - سبحانه وتعالى-.

ولذلك ينبغي لنا أن نتذكر - أيها الإخوة - أن الارتداد على الأعقاب وأن المخالفة بعد الطاعات، وأن الوقوع في المعاصي بعد المداومة على الخيرات هو من أعظم البلاء، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن القيم رحمة الله عليه: \"إن أعظم ما يبتلى به العبد وقوعه في الذنب، وأعظم من ذلك أن لا يشعر بأثر الذنب فذلك موت القلوب \".
وهو أعظم بلية يبتلى بها الإنسان في هذه الدنيا نسأل الله السلامة ولنعلم أيها الإخوة أن الأيام تنقضي، وأن الأعمار تفنى، وأن الأجل يقدم، وأن الإنسان إذا وفق للطاعات اليوم فقد يحرم منها غداً إما بمرض أو بعجز، وإما بقهر وإما بسبب من الأسباب. {واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون}.

ولنعلم - أيها الإخوة - أن هذا الأمر الذي يقع فيه كثير من الناس عاقبته إنها تعود على الإنسان نفسه، فالله - عز وجل - غني عن طاعة الطائعين مستغن عن عبادة العباد قال - جل وعلا - في الحديث القدسي الصحيح المعروف: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً)، هو - سبحانه - الغني ونحن الفقراء إليه فإن أطعناه في ذلك طمأنينة في قلوبنا وانشراح لصدورنا وسعادة لنفوسنا وبركة في أموالنا وأوقاتنا وذرياتنا وحسن عاقبة في آخرتنا بإذن الله - عز وجل -.
وإن عصيناه - لا قدر الله - فإن ذلك ظلمة في القلب وضيق في الصدر وهم وغم وتوالٍ, للبلاء وتوالٍ, وتكرر لما يقضيه الله - عز وجل - من فتنة ومحنةº لأن الله - عز وجل - قال: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا} فكيف لو أراد الله - عز وجل - قضى أن يعاقب كل أحد على معصيته لكان كما قال الله - جل وعلا -: {ما ترك على ظهرها من دابة}، وقال الله - جل وعلا -: {فمن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً} إنما هو المتضرر هو أنت - أيها العبد المؤمن - كيف ترضى بعد الغنيمة في مواسم الخير أن تعود خاوي الوفاق وان تتحمل الديون من جديد، إن هذا التاجر الذي يصنع هذا الصنيع لا شك انه أحمق وأنه يجني على نفسه جناية عظمى وأنه يكون عند الناس غير مرضي عنه ولا مقبول عمله.

ثم انظروا - أيها الإخوة - ما ساق الله لنا في هذا الشهر الكريم. انظروا ما كنا عليه بحمد الله - عز وجل - مما ينطبق بإذنه - سبحانه وتعالى- وصف وشهادة الحق في قوله: {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}، هذه الشهادة كنا ننالها بحمد الله ونحن نأتي إلى المساجد زرافات ووحداناً ونحن نتسابق إليها مع آذان المؤذن وقبل دخول الوقت ونحن نمكث فيها نظل فيها أوقاتاً طويلة ويعتكف المعتكفون ويتهجد المتهجدون ويتطوع المتطوعون.
فكيف بنا بعد ذلك نتخلى عن هذا الخير وقد يصدق في بعضنا قول الله - جل وعلا - {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً} ما بالنا أيها الأخوة وقد أخبرنا النبي - عليه الصلاة والسلام - بالمثوبة والأجر في هذا العمل العظيم والركن الركين، والأساس المتين في هذا الدين، ثم بعد ذلك نفرط هذا التفريط وكنا في هذا الشهر بحمد الله - عز وجل - ممن يخاطبون، يقول الله - جل وعلا -: {الذين ينفقون أمو الهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون} فهل ننتكس بعد ذلك ونرتكس ويكون حالنا كمن قال الله - جل وعلا - في شأنهم عن المنافقين: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون}.
لا ينبغي لنا أن ننزل عن مرتبة المنفقين المسارعين في البذل والإنفاق حتى نصل بعد ذلك وفي نهاية الشهر إلى الوصف الذميم الذي ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام - كما في مسند احمد (أن المؤمن يطبع على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة)، وقد ذم النبي - عليه الصلاة والسلام - البخل والشح فينبغي لنا أن نبرأ من هذا الداء العضال وقد تبرأنا منه طيلة الشهر فلا ينبغي لنا أن نعود كما قال - جل وعلا -: {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون ما آتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً}، وكيف بنا - أيها الإخوة - وقد كان لنا عظيم الصلة بكتاب الله - جل وعلا - وكنا مقبلين على تلاوته نرطب به ألسنتنا، ونمتع به أسماعنا، ونحيي به قلوبنا، ونتذكر به أوامر ربنا، ويحق فينا بإذنه قوله - جل وعلا -: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور}، وكنا بحمد الله - عز وجل - ممن يصدق فيهم وصفه - سبحانه وتعالى-: {وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً}، فكيف بنا بعد ذلك نرتد للقرآن هاجرين وعن آياته منقطعين وعن أوامره غافلين وقد يصدق في بعض منا قوله - جل وعلا -: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم}.
وقبل هذه الآية ما يدل على كيفية استبدال الناس بالقرآن بغيره من الغناء ومن اللهو والعبث ومزامير الشيطان، فقال - جل وعلا -: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله} هكذا - أيها الأخوة - مفارقة عجيبة ليس بينها في الزمن إلا يوم واحد أو ليلة واحد يكون فيها الناس على الخير مقبلين وبعد ذلك مباشرة يكونون عنه نافرين.. يكونون في طاعة الله - عز وجل - ورحمته ورضوانه ثم ينسلخون ويفرون إلى معصيته وسخطه وعقابه واستحقاق نيرانه، إنها وصية يذكرنا بها رمضان في آخر يوم من أيامه {ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين}.

الوصية الثانية: وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً:
وما ينقضي رمضان و لا تأتي أواخر أيامه إلا وقد انعقدت القلوب على معاهدات كثيرة مع الله - عز وجل -، من معاهدة على ترك المنكرات، ومن معاهدة عل فعل الخيرات والطاعات ومن معاهدة ومعاهدة، فكيف بنا لا نفي بوعدنا وعهدنا مع الله - عز وجل - {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً}، ومثوبة عظيمة من الله - عز وجل -: {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً}، {بل من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين}.
فينبغي لنا أن نستجيب لأمر الله {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}، والله - عز وجل - يبين لنا شأن المؤمنين الصادقين في قوله - جل وعلا -: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر} إنها المرابطة على طاعة الله - عز وجل - إنه الإتيان بموجب العهد والعقد الذي وجد في قلبك ونطق به لسانك وتاقت إليه نفسك أن تكون مع الله - عز وجل - ليكون الله - سبحانه وتعالى- معك بإذنه - جل وعلا - ولا يكن أحدنا كما وصف الله اليهود عليهم لعائن الله: {أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون}.
إن العهود - أيها الأخوة - في مجال الخير لا بد أن يحرص المرء على الوفاء بها ولا بد أن يحرص على ان لا ينسلخ منها وان لا يخالف موجبها.

الوصية الثالثة: خير الأعمال أدومها وإن قلّ:
لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - يبين لنا أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قلّ، و قليل دائم - أيها الإخوة - خير من كثير متقطع، نحن نعلم أن النفوس في هذا الشهر باجتماع المصلين والذاكرين، وبفضيلة الزمان وبغير ذلك من الأسباب تنشط بالطاعات بصور أعظم وأكبر، لكنها ينبغي أن تبقى الحد الأدنى الأقل الذي تستطيعه وتواظب عليهº فإن الله - سبحانه وتعالى- يحب من العبد إذا أحدث عبادة وطاعة أن لا ينقطع منها وكان سلفنا الصالح إذا سرعوا في طاعة واظبوا عليها وكان احدهم في كل يوم يزيد عن اليوم الذي قبله في الخير والطاعة.

الوصية الرابعة: وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون:
أيها الإخوة كنا نشعر في شهر رمضان بتلاحم الأمة كنا نذكر أخواننا في البوسنة وفي فلسطين وفي كشمير وفي كل مكان نذكرهم بدعائنا وبكائنا نذكرهم في سجودنا وصلاتنا، ثم نذكرهم بإنفاق أموالنا ثم نذكرهم بما ندعوا به على أعدائنا كل ذلك ونحن نستشعر أننا نعيش معهم ترابطاً وطيداً وعلاقة حميمة ووحدة يحققها قول الله - جل وعلا -: {إنما المؤمنون إخوة}، ونستحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) نحن نتحقق بهذه المعاني كلها في شهر رمضان المبارك، ونشعر أن لنا أخوة يصومون وهم خائفون ونحن بحمد الله - عز وجل - في أمن وأمان يصومون وهم يحارِبون ويحارَبون ونحن في سلم وسلام يصومون وهم يضطهدون ويعذبون ونحن في كرامة وسلامة ونعمة وعافية.
ينبغي لنا أن لا ننسى إخواننا لم لا ندع لهم كما كنا ندعو لهم في وترنا؟ لم لا ننفق في دعمهم ولأجل مواساتهم وكفالة أيتامهم فيما بقي من أيام عمرنا وأيام حياتنا وأيام عامنا؟ لم لا نبقى دائماً على تذكر لما يجنيه عليهم أعداؤنا المجرمون الذين ينبغي لنا أن نبغضهم بقولنا وأن نلعنهم بألسنتنا، وأن ندعو الله عليهم بالليل والنهار، وأن نأخذ أسباب القوة والعدة التي تهيئ لنا أسباب النصر عليهم بإذن الله - عز وجل -.

الوصية الخامسة: إن الحسنات يذهبن السيئات:
يقول الحق - جل وعلا -: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} وقد أقمنا بحمد الله الصلوات آناء الليل وأطراف النهار وملأنا الأوقات ب الأذكار و الاستغفار وشغلنا اللسان ب الدعاء والابتهال، وأحيينا القلوب بمعاني الإيمان ومشاعر الإسلام كل ذلك كان أيها الإخوة ونحن ن حسن الظن بالله - جل وعلا - كما قال في الحديث القدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي) نحن نأمل ونرجو أن تكون هذه الحسنات قد كفرت ما سلف ومضى من السيئات، فلنبدأ صفحة جديدة مع الله - سبحانه وتعالى-.

ولنبدأ أياماً جديدة نجدد فيها العهد ونواظب فيها على العمل لا نرتد فيها على أعقابنا نشعر بوحدتنا مع إخواننا ونشعر دائماً أننا في حاجة إلى الاستغفار وتكفير السيئات وتكثير الحسنات، فذلك باب عظيم من الأبواب العظيمة في حياة المؤمن والله - عز وجل - قد جعل لنا في أيام شهرنا نفحات نتعرض لنفحات الله لنتطهر من الذنوب والآثام والخطايا: ( رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر)، إذاً قد نثق إن شاء الله بتكفير الذنوب والخطايا ولكنا نحتاج بذلك أن نستقبل أيامنا إستقبال الطاعة والإنابة والمسارعة إلى الخيرات فالله اسأل أن يختم لنا شهر رمضان برضوانك والعتق من نيرانك، وأن يرزقنا الإستقامة بعده والهداية على طريقه و الثبات على الحق وان يجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاه وهو راض عنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون:
إن شهر رمضان غايته التقوى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}، فالله الله في تقواه، والله الله في مراقبته، والله الله في طاعته، والله الله في اجتناب معاصيه.
أيها الإخوة الأحبة: قد أسلفت أن هذه الوصايا مكررة وأنها دائماًَ تذكر في آخر شهر رمضان ولكننا لا بد أن نذكُر ونذكِّر {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} والمؤمن إذا سمع آيات الله إذا سمع أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عرف سيرة السلف الصالح تجدد عزمه وقويته همته على أن يكون على آثارهم مقتدياً وعلى طريقهم سائراً، إن الأمر أيها الإخوة جد وإن حال الأمة في تخلف وترد بسبب عدم التزام أوامر الله - عز وجل - وعدم استمساكها بحبله وعدم إقامتها وثباتها على دينه وتفرقها واختلافها ونكوسها وارتدادها على أدبارها، إن الأمر أيها الإخوة يظهر لنا في شهر رمضان بعض هذه الصور، وقد ذكر منها مراراً في الجمع الماضية وأذكر بها حتى يعيها إخواننا جميعاً، نحن نرى التخلف والتأخر والضعف مع طول المدى والزمن فنحن نرى كما قلت في الجمع الماضية أن الجمع الأخيرة من رمضان يتخلف عنها المتخلفون وينام النائمون ويتأخر المتأخرون، وذلك يدل على أن ارتباطنا بالطاعة إلى أن يعيدوا إلى مدى متواصل ليس كما ينبغي أن يكون، ولذلك أيها الإخوة ينبغي لنا أن نتذكر هذه الوصايا في آخر شهر رمضان.

الوصية السادسة: أن نجدد رمضان في أيامنا:
لم ننقطع عن الصوم وقد فتح الله لنا أبواباً من الخير عظيمة، وقد جعل أبواب التطوع كثيرة نلقى بها الأجر ونستفيد التربية والتهذيب الإيماني والخلقي من الصوم، ويباعد الله - عز وجل - بيننا وبين النار وقد ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام - وطبق في حياته كثيراً من السنن المتعلقة بصيام التطوع من صيام يومي الاثنين والخميس، كما في حديث عائشة في مسند الإمام أحمد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الاثنين والخميس، وفي سنن الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم).
ومن باب التذكير أيضاً وذلك تجديد وإبقاء لمعاني رمضان وعبادة رمضان في سائر العام لما ورد في الحديث الصحيح من حديث أبي أيوب الأنصاري عند الإمام مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله) فهل نحن في غنى عن فضل ربنا؟ وهل نحن قد ضمنا وأمنا من مكر ربنا؟ وهل نحن قد استغنينا عن الحسنات وعن المسارعة إلى الخيرات.

ينبغي لنا أيها الإخوة أن نحرص ولو في الشهر ثلاثة أيام ولو في الشهر يوماً واحداً أن نصوم لنتذكر رمضان ونتذكر معاني رمضان ونلقى الأجر من الكريم المنان - سبحانه وتعالى-، ما بالنا ننقطع عن رمضان كأنه سحابه صيف مرت وليس لها أثر، وكأنه فترة من الزمن ليس لما قبلها ولما بعدها ارتباط بها! إن المؤمن ينبغي له أن يتذكر وأن يرتبط بالعبادة بكل صورة وسبب.
ومما يذكر به أيضاً في آخر الشهر صدقات الفطر وزكاة الفطر التي هي جبر للصيام وإتمام له والذي لا يؤديها يبقى صيامه معلقاً بين السماء والأرض وقد فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة الفطر صاعاً من بر أو طعام فهذه الصدقة أو الزكاة تخرج عن كل مسلم صغيراً وكبيراً ذكراً وأنثى حراً وعبداً فإن هذه الزكاة تشمل كل أحد وهي صاع من غالب قوت أهل البلد وعند الجمهور لا يجزئ إخراج قيمة عنها، وكذلك وقت خروجها من ليلة العيد إلى صلاة العيد ويجوز تقديمها بيوم أو يومين وإذا أداها بعد صلاة العبدº فإنها صدقة وليست زكاة فطر، وينبغي للمرء أيضاً أن يحرص على زكاة الفطر وأن يسعى إلى إخراجها وأن يكون متحرياً فيها غير متساهل وغير عابئ ومكترث فإنها من كمال وتمام صيامه.

والله أسأل - أيها الإخوة الكرام - أن يوفقنا لما يحب ويرضى وان يجعل قلوبنا واثقة به مرتبطة به راجية فيما عنده خائفة من عذابه ونسأله - سبحانه وتعالى- أن يقيمنا على الطاعة، وأن يرزقنا الاستقامة، ونسأله - سبحانه وتعالى- الثبات على الأمر والعزيمة على الرشد و الهمة في أبواب الخير كلها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.