الأحمر ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    4.2 مليار درهم عائدات الضريبة على المركبات في 2024    برنامج "مدارات" يسلط الضوء على مسيرة المؤرخ والأديب الراحل عبد الحق المريني    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    المغرب يبرز إصلاحاته القضائية والجنائية أمام مجلس حقوق الإنسان بجنيف    ولد الرشيد يتباحث مع رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا    تأجيل الجمع العام للرجاء الرياضي إلى غاية السابع من شهر يوليوز    قرار قضائي يسمح لتلميذة باجتياز امتحان الباكالوريا بدون بطاقة وطنية    الصحة والنزاهة على طاولة واحدة .. ورشة تسائل التوريد والممارسات الطبية    في المغرب .. الفاشلون يطاردون المتفوقين عبر ساحات التنمر الإلكتروني    ملف دكاترة التربية الوطنية يفجر الغضب من جديد .. التنسيق النقابي الخماسي والرابطة الوطنية يدعوان إلى إضراب وطني ووقفة احتجاجية أمام الوزارة غدا الخميس    رونالدو يهدي قميصه لترامب برسالة غير متوقعة    الوداد الرياضي يختتم تحضيراته قبل مواجهة السيتي    عمور: الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أحد القطاعات الواعدة في النسيج الاقتصادي الوطني    اليقظة تحبط تهريب أطنان من الشيرا    توقيف منتشل هواتف في طنجة بعد 16 شكاية ضده    القضاء يعاقب نائبة رئيس جماعي بالحبس والغرامة بسبب "تدوينات فيسبوكية"    مزور يعلن عن اتفاقيات جديدة في صناعة الطيران خلال مشاركته بمعرض باريس للطيران    الاغتيالات.. إيران تعلن عن خطة "البدلاء العشرة" الجديدة    دورة "منصة مراكش" تبدأ بأكادير    لاليغا تدخل على خط تطوير البطولة الوطنية بشراكة مؤسساتية        رئيس الحكومة يؤكد على مكانة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في النموذج التنموي    هلال: المغرب يلتزم بالتصدي للكراهية    مجزرة جديدة تحصد أرواح المجوعين.. مقتل 47 فلسطينيا بنيران إسرائيلية قرب مركز مساعدات في غزة    أمطار رعدية مصحوبة بتساقط للبرد وبهبات رياح مرتقبة اليوم الثلاثاء بعدد من مناطق المغرب    استئنافية الرباط تحجز ملف الصحافي حميد المهدوي للمداولة والنطق بالحكم في 30 يونيو    "سي إن إن": تقديرات استخباراتية تفيد بتأخير البرنامج النووي الإيراني لأشهر بسبب الضربات الإسرائيلية    هجوم إلكتروني يشل بنك "سبه" الإيراني    الصويرة ترحب بزوار مهرجان كناوة    طنجة الدولية.. اختبار فرضيتي التحول والتفاعل    الذهب يصعد وسط القتال بين إسرائيل وإيران ودعوة ترامب لإخلاء طهران    خبير يعرف بالتأثير الغذائي على الوضع النفسي    ترامب يقول إنه يريد "نهاية فعلية" للنزاع بين إسرائيل وإيران "وليس وقف إطلاق نار"    تقنيون بالتعليم العالي يحتجون أمام الوزارة رفضا للتهميش    موازين 2025… أزمة توزيع المنصات تثير استياء الجمهور    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    سطات تطلق مشروعا لإنشاء 30 محطة لتحلية المياه لمواجهة الإجهاد المائي    الأمير مولاي رشيد يترأس الجمع العام الاستثنائي للجامعة الملكية المغربية للغولف    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    22 دولة إسلامية تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتطالب بوقف فوري للتصعيد في الشرق الأوسط    برشلونة يعزز تصنيفه الائتماني ويترقب زيادة إيراداته بعد العودة إلى كامب نو    وليد الركراكي.. بين فورة الغضب ومتطلبات البناء الوطني    د محمد صبري : الصيدلة دعامة أساسية في الرعاية الصحية القريبة من المواطن..    فدرالية اليسار تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتستنكر الجرائم المتواصلة في غزة    مجموعة السبع تؤكد على"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" وتعارض امتلاك إيران لسلاح نووي    ثنائية فلامنغو تهزم الترجي التونسي    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج    وزارة الاوقاف تصدر إعلانا هاما للراغبين في أداء مناسك الحج    جراحات جبل "طوبقال" القديمة    نصائح ذهبية لحماية المسنين من ارتفاع الحرارة    في أول لقاء مع جمهوره المغربي.. ديستانكت يكشف ألبومه العالمي وسط تفاعل صاخب    "أرواح غيوانية" يُكرّم رموز المجموعات الغيوانية ويُعيد أمجاد الأغنية الملتزمة    برلماني يطالب بالتحقيق في صفقات "غير شفافة في مستشفى ابن سينا الجديد        فقدان حاسة السمع يرفع خطر الإصابة بالخرف    ماذا يفعل تحطُّم الطائرة بجسم الإنسان؟    السبحة.. هدية الحجاج التي تتجاوز قيمتها المادية إلى رمزية روحية خالدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغتنا بأفواه كريهة
نشر في أخبارنا يوم 01 - 07 - 2018

يعيش المجتمع المغربي حاليا انهيارا خطيرا في منظومة القيم مما يشكل خطرا وجوديا على مستقبلنا الثقافي والقيمي. فأمام عجز المدرسة المغربية عن بلورة نموذج تربوي فعال وناجح قادر على ضبط أخلاق المجتمع وتنميتها والتأثير فيها في اتجاه بناء القيم العليا للمجتمع وبلورة أخلاق المواطنة ، وأمام الاستقالات الجماعية التي قدمتها العديد من الأسر المغربية في تربية أبنائها ، وأمام التحول الكبير الذي عرفته منظومة القيم والأخلاق... أمام كل هذه المتغيرات تأثرت قيمنا المجتمعية بشكل سلبي وفقد المجتمع المغربي الكثير من مقوماته الأخلاقية والقيمية وتسرب إليه الكثير من الدخل الثقافي والفكري والإيديولوجي والقيمي ....بل وحتى الروحي. ولعل أكثر النماذج تأثرا برياح التغيير في هذا المجال نجد القاموس اللغوي المتداول مجتمعيا، أي لغة التواصل المستعملة والمتداولة يوميا في الأسرة والمدرسة والمسجد والشارع والمتجر والسوق والطرقات ومختلف المرافق.... بما تتضمنه من ألفاظ وأساليب تعبير بل ورموز لغوية وإيحاءات وإشارات رمزية . تجد العديد من الأسر اليوم مشاكل لا حصر لها مع طريقة أبنائها في الكلام والتعبير ، وذلك بالنظر الى المفردات اللغوية الجديدة والغريبة والتي اجتاحت قاموسنا اللغوي . بل وسيطرت عليه تماما, حتى أن الكثير من الأسر المغربية أصبحت تعيش إحراجا شديدا مع أبنائها أمام الزخم الكبير من المفردات الغريبة والفضفاضة والمتعددة الدلالات بل وحتى الخادشة للحياء التي أصبحت متداولة مجتمعيا. وإذا كانت اللغة كما يعرفها رولان بارت « أداة للتواصل » فإن هذه الأداة ليس جامدة بل تتحول وتتغير بتغير وضعية المجتمع ومستواه الاقتصادي والثقافي و قدرته على التواصل والإدراك انفتاحه على باقي المجتمعات ودرجة مناعته من التأثر السلبي وقدرته على الإبداع والابتكار... غيرها من العوامل التي تؤثر في المعجم اللغوي للشعوب. وبحكم التاريخ العريق لشعب المغرب وتعدد أصوله العرقية والثقافية واللغوية...وتنوع الحضارات والمجموعات البشرية التي احتك بها (امازيغ -عرب-افارقة- يهود - رومان -وندال – إيبيريون - أوروبيون ....) وبحكم الانفتاح الذي ميز الشعب المغربي عبر التاريخ... فقد نهلت لغتنا التواصلية المتداولة مجتمعيا « أي الدارجة » من كل هذه الثقافات, وهي خاصية قل نظيرها في العديد من ألسن شعوب العالم. غير أن هذا التميز بات اليوم مهددا بألفاظ وتعابير تحمل شحنات سلبية أصبحت مستعملة من قبل الكثير من الناس خاصة الشباب واليافعين منهم.
إذ لا تكاد تخلو التجمعات الشبابية في المقاهي والمدارس وأرصفة الطرقات وغيرها من المحافل من ألفاظ فجة وبذيئة غريبة عن ثقافة المجتمع المغربي وأصوله. والخطير في هذا الأمر أن مثل هذه الألفاظ أصبحت تستعمل للتعبير عن كل الحالات التي يعيشها الأفراد والجماعات. بمعنى أن البعض أصبح يستعملها للتعبير عن التذمر والفرح والجد والهزل والقطيعة والتواصل والمرح والضحك والشجار واللعب....وغيرها من الحالات. والأخطر من هذا وذاك هو انتشار هذا النوع من لغة التواصل بما فيها المفردات الساقطة والمنحطة

والخادشة للحياء على نطاق واسع خاصة في صفوف الشباب ذكورا وإناثا ، بل تحولت الى أسلوب للتعالي وإبراز الذات ونوع من البريستيج الاجتماعي. فبين سب وشتم ونعت بأبشع الصفات وإيحاء بأكثر الألفاظ بذاءة ...إنهار وازع المجتمع الأخلاقي وضاعت معه كل الضوابط الثقافية والتربوية التي كانت تحكم تواصلنا المجتمعي. وهذا الانحطاط اللغوي الذي أصاب ألسنة الكثير من المغاربة اليوم ليس وليد الصدفة ولا هو لحظة عابرة. بل يعكس انحطاطا فكريا وثقافيا وتربويا يعيشه المجتمع لا يسع المقام هنا لرصد معالمه و عوامله وعوالمه. إن هذا الانهيار اللغوي والانحطاط اللفظي والفجور الكلامي يدعونا جميعا الى الوقوف لحظة للتأمل ووضع بعض الأسئلة الحارقة : كيف وصل بنا المقام إلى هذا المستوى ؟ وإلى أين نسير ؟ كيف يكون شعور كل واحد منا وهو يمضي نحو همه اليومي فيسمع الكثير من الكلمات الجارحة للتربية والمسيئة للإنسانية والقاتلة للحشمة والطاعنة للحياء وقد أصبت متداولة على نطاق واسع ؟ ألا تشعر بقلبك يكاد ينفطر وأنت تتجول مع أسرتك فتتسلل على حين غرة كلمات نابية ساقطة الى إذنيك صادرة من هنا أو هناك؟ وتقف أماهما عاجزا عن الفعل أو رد الفعل لأنك لا تملك من الأمر شيئا ؟ إلا متى يستمر هذا الخرق الأخلاقي الذي يعصف بألسنتنا ؟إلا متى نستمر في التهرب من الخروج مع آبائنا وأبنائنا وإخواننا وأخواتنا وأقاربنا ...خشية الوقوع في إحراج داخل الفضاء العام بسبب ألفاظ خرقاء صادرة عن شباب يعيش الفراغ ؟ وإلا متى يضطر البعض منا لبيع منزله بثمن بخص بسبب تجمع دائم لشباب طائش يرخي العنان للسانه السليط والفج على مسمع من نوافذ المنزل ؟ إلى متى تضطر البنت والأخت والأم إلى تغيير الطريق الى بيتها احتراما لشعور أقربائها وتجاهلا لتجمعات شبه أدمية في قارعة الطريق ؟ . إذا كانت مهمة الدولة الأولى تتجلى في حماية الحريات والحقوق أليس الحق في الفضاء العام أولى من كل الحريات والحقوق الشخصية ومقدما عليها ؟ ألا يجب أن يكون هذا الفضاء سالما من كل المخاطر بما فيها الألفاظ النابية ؟ أيهم أكثر خطرا على الفضاء العام هل التدخين أم الكلام الساقط ؟ إلا متى يستمر سب الدين وسب الله في شوارع المملكة على مرأى ومسمع الكل ؟ أليس حريا بالبرلمان والحكومة تجريم هذا الفعل الشنيع ؟ أليس رب العالمين أقدس من كل شيء, واحترامه مقدم على ما سواه ؟ إننا أمام ظاهرة خطيرة للغاية تضرب في العمق قرون من الحضارة والتمدن وتنخر بنهم أخلاق المجتمع وتماسكه الأسري. وما دام المجتمع المغربي ومؤسساته قد اختار السكوت عن هكذا ظواهر فسيتمر النزيف اللغوي والحرج اللفظي إلا ما لانهاية. وستستمر معه خيبات الأمل في جيل معطوب لا يتقن حتى التواصل بلغة سليمة نقية كلغة الآباء والأجداد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.