احتفالية مهيبة بمناسبة تخليد الذكرى التاسعة والستين لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني بالعرائش    عملية سرقة بمؤسسة "روض الأزهار" بالعرائش: الجاني انتحل صفة ولي أمر واستغل لحظة غفلة    ورشة تكوينية حول التحول الرقمي والتوقيع الإلكتروني بكلية العرائش    معاناة المعشرين الأفارقة في ميناء طنجة المتوسطي من سياسة الجمارك المغربية وتحديات العبور…    الزيارة لكنوز العرب زائرة 2من3    الرملي يثمن حصيلة تدخلات الأمن بشفشاون ويعتبر الشرطة مساهما رئيسيا في عالمية المدينة الزرقاء    تأييد الحكم الابتدائي في قضية رئيس جماعة تازروت القاضي بستة أشهر حبسا موقوف التنفيذ    الاتحاد الأوروبي يجدد رفضه القاطع الاعتراف ب"كيان البوليساريو" الانفصالي    سميرة فرجي تنثر أزهار شعرها في رحاب جامعة محمد الأول بوجدة    افتتاح المعهد الوطني العالي للموسيقى والفن الكوريغرافي عند الدخول الجامعي 2025-2026    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تترأس حفل افتتاح الدورة ال28 لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    ولاية أمن أكادير تحتفل بالذكرى ال69 لتأسيس المديرية العامة للأمن الوطني    أقصبي: استوردنا أسئلة لا تخصنا وفقدنا السيادة البحثية.. وتقديس الرياضيات في الاقتصاد قادنا إلى نتائج عبثية    تحقيقات قضائية مع زعيم "شبكة الدبلومات" تطال محامين وميسورين    ملتقى ينادي بتأهيل فلاحي الشمال    أبل تحجب مجددا لعبة "فورتنايت" من متجر تطبيقاتها حول العالم    ملف إسكوبار الصحراء.. الناصري يتهم برلمانياً بالتحريض على شهادة الزور    برشلونة يخطط لخوض مباراة ودية في المغرب    ملتمس الرقابة.. المعارضة تفشل في الإطاحة بحكومة أخنوش بسبب خلافاتها    الهاكا" ترفض شكايات أحزاب المعارضة بخصوص وصلة الحكومة حول "مونديال 2030"    بوريطة يحل ببغداد لتمثيل الملك محمد السادس في القمة العربية ال34 والقمة الاقتصادية والتنموية    بنسعيد: مؤتمر وزراء الشباب والرياضة للدول الفرنكوفونية.. المغرب ملتزم بالعمل من أجل تنفيذ سياسات طموحة لفائدة الشباب    الدرهم يرتفع بنسبة 0,4 في الماي ة مقابل اليورو خلال الفترة من 08 إلى 14 ماي(بنك المغرب)    الشباب المغربي بين الطموح والتحديات    ‬الشعباني: نهضة بركان يحترم سيمبا    منظمة: حصيلة الحصبة ثقيلة.. وعفيف: المغرب يخرج من الحالة الوبائية    اكزناية.. حريق بمحل أفرشة يثير الهلع بدوار بدريويين    اليماني: تحرير أسعار المحروقات خدم مصالح الشركات.. وأرباحها تتجاوز 80 مليار درهم    للجمعة ال76.. آلاف المغاربة يشاركون في وقفات تضامنية مع غزة    وزير العدل يعتذر في طنجة لأسرة المحاماة    ترامب يُنهي جولته الخليجية بصفقات قياسية    موسم طانطان: شاهد حيّ على ثقافة الرحل    أكاديمية محمد السادس لكرة القدم.. مشتل يسهم في تألق المنتخبات المغربية    أبرز تعديلات النظام الأساسي ل"الباطرونا"    "الكاف" يكشف عن تصميم جديد لكأس عصبة الأبطال يوم الخميس المقبل    الحرارة تعود إلى مناطق داخلية بالمغرب    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بارتفاع    أوراق قديمة عصِيّةَ الاحتراق !    المغرب يواجه جنوب إفريقيا في المباراة النهائية لكأس أمم إفريقيا للشباب    ترامب: كثيرون يتضورون جوعا في غزة    تغازوت تحتضن مؤتمر شركات السفر الفرنسية لتعزيز التعاون السياحي المغربي الفرنسي    لازارو وزينب أسامة يعلنان عن عمل فني مشترك بعنوان "بينالتي"    إسرائيل تسلم واشنطن قائمة "خطوط حمراء" بشأن الاتفاق النووي مع إيران    متحف البطحاء بفاس يستقطب آلاف الزوار بعد ترميمه ويبرز غنى الحضارة المغربية    جوردي ألبا يمدد عقده مع إنتر ميامي إلى غاية 2027    نداء إنساني من ابنتي الكاتب بوعلام صنصال: لا نعلم أي شيء عن حالته داخل سجنه بالجزائر    من طنجة إلى مراكش.. الصالون الوطني لوكالات كراء السيارات يتوسّع وطنياً    الزيارة لكنوز العرب زائرة / 1من3    تيزنيت تحتفل ليلاً بصعود الأمل و"الريزينغ" يشعل ساحة الاستقبال وأجواء فرح لا تُنسى ( صور )    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    تزايد عدد المشردين يقلص الدخول إلى مطار مدريد    ابتلاع الطفل لأجسام غريبة .. أخطار وإسعافات أولية    دراسة: الاحترار المناخي يهدد أوروبا بانتشار وبائي لحمى الضنك وشيكونغونيا    دراسة: الإفراط في الأغذية المُعالجة قد يضاعف خطر الإصابة بأعراض مبكرة لمرض باركنسون    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    رفع كسوة الكعبة استعدادا لموسم الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السياسات الإقتصادية العربية: بالرغيف وحده يحيا الانسان
نشر في أخبارنا يوم 09 - 05 - 2011

نحن "جماهير الشعوب العربية" الحاقدة على حكومات بلدانها نقرّ ونعترف أنّنا نظلم حكوماتنا ونقذفها بتهم هي بريئة منها! فلماذا نجحد نعم هذه الحكومات وننكر فضائلها علينا وعلى العالم كلّه؟ لماذا نطعن في الإقتصاد العربي وهو يكذّبنا القول لأن الإقتصاد العربي يعتبر أفضل وأقوى وأمتنن اقتصاد في العالم؟ أننكر أنّ الحكومات العربية تصدّر منتوجات للغرب لم يستطع أي بلد من البلدان المتطورة حتّى أن يصدّرها ولا حتّى أن ينتج مثيلا" لها؟
فلتعلم الشعوب الغاضبة أنّ الحكومات العربية تصدّر للغرب "البشر" في قوارب وبواخر، ذي أوراق مرور شرعية وغير شرعية على السّواء، تصل اسبوعيا" لا بل يوميا"، إلى الموانئ الأوروبية والأميركية لتشكلّ بدعة" اقتصادية" لا مثيل لها. فمنذ سنوات الدراسة المبكرة يتعلّم الطفل العربي أنّ الدول العربية، وبفخر كبير، تعتبر من أكبر مصدّري الأدمغة والعقول الخارقة للغرب. أليس هذا اللقب يكفينا شرفا"؟ ألا يحق للحاكم العربي أن يفتخر بهذه الشهادة؟
لقد ربحت الحكومات العربية حربا" اعلامية" نفسية" مهمة" ضدّ الغرب. فعندما راح الغرب يتبختر باختراعاته المبهرة، رّدت عليه حكوماتنا العربية بأنّ الفضل الأوّل في هذه الإختراعات يعود للمنتوجات العربية المصدّرة له أي ما يسّمى "بالعقول العربية". وعندما ستفرغ بطارية هذه العقول العربية وتهرم في الإغتراب، ستطالب حكوماتنا العربية الذكيّة بإرجاع هذه العقول إلى ديارها حتى تدفن فيها. وعندها ستنصب لها التماثيل وتسمّى الشوارع بأسمائها وهنا ستستمر الفائدة الإعلامية طبعا"، وذلك بقول قائل أن صاحب هذا القبر أذهل الغرب بذكائه وأن أصله عربي، لا بل سيتبختر الإعلام الرسمي العربي بأنّ كل علماء الغرب مدفونون عندنا. وسنجد في الجريدة مثلا" سطورا" كتب فيها بالخط العريض: "حكومتنا تترّبع على أكبر عرش من قبور العلماء في العالم". وفي كتب التاريخ المستقبلية ستغزوا حكوماتنا العربية هذه الكتب وسيكفيها ذلك شرفا"، وستقرأ الأجيال القادمة في موسوعات العلماء والمخترعين: "فلان ابن فلان ولد في دولة عربية...، هاجر وعمل في مختبر غربي واكتشف ... واخترع... عاد للوطن قبيل وفاته و دفن في الدولة العربية... التي ولد فيها" وهذا من الذكاء العظيم بحيث لا يهمّ الحكومات العربية الأعمال التي قام بها وكيف أمضى سيرة حياته، المهمّ أنّه ولد عندنا ودفن عندنا.
لقد بدأت العديد من الدول العربية منذ بداية التسعينات حزمة من السياسات الإقتصادية رّكزت من خلالها على الإصلاح الهيكلي وتخفيض الرسوم الجمركية وتحرير التجارة والأسواق المالية والدفع نحو الخصخصة و فتح الأسواق أمام الإستثمار الأجنبي وذلك كلّه، وفقا" لقولها، بهدف رفع كفاءة وتنافسية الإقتصاد العربي. وبعد مرور قرابة عشرين عاما" على تطبيق هذه السياسات، فإن الحكومات العربية المتتالية لم تصل بعد إلى أهدافها في طريق النمو العادل والتقّدم والرفاهية الإجتماعية بل إنّ سياساتها التدخليّة ادّت الى اتّساع الهوّة بين الفقراء والأغنياء وإنخفاض جودة الحياة. ومن هنا شعرت الشعوب العربية بالريبة من هذه السياسات، فالمشكلة الحقيقية ليست في نقص خطوات الإصلاح وانّما في كون هذه السياسات لم تلّب المطلب الأصيل والحيوي الخاص بالعدالة الإجتماعية. ونتيجة غياب هذا العنصر الأخير في معادلة إصلاحات السوق وتجاهل فوائد التماسك الإجتماعي، فإن الإصلاحات الإقتصادية نفسها عجزت عن تحقيق أهدافها الأساسية المعلنة والمتمثلة أصلا" في زيادة الكفاءة لأنها لم تأخذ بعين الإعتبار توزيع الفرص والأصول بشكل عادل داخل المجتمع بالإضافة للتحديات فرضتها الهولمة ممّا أعطى أبعادا" أكبر لعوامل عدم التكافؤ الإجتماعي. وبعد حين، أنتجت السياسات التدخلية للحكومات العربية الفسادبكل أشكاله والذي قوّض بدوره الثقة في هذه الحكومات وفي رأس الدولة، زعيما" كان أو ملكا" أو رئيسا" متخبا"، وصولا" إلى مراحل إضعاف موارد الدولة حيث شجّع الفساد على التهرّب من دفع الضرائب وإنكماش القاعدة الضريبية التي هى المصدر الإساسي للإنفاق العام في التعليم والصحة والخدمات العامة.
إنّ الحكومات العربية لها فضل كبيرومشهود له في حماية البيئة و الحفاظ على التوازن البيئي في العالم . فهي تستورد بلايين الأطنان من المنتوجات شبه الفاسدة (أو المنتهية الصلاحية) من دول الغرب و تسوّقها لرعاياها، وبهذا تحافظ على البيئة لأنّ حكوماتنا وبذكائها المميّز لاحظت أن الدول الغربية تلقي هذه المنتوجات شبه الفاسدة في البحر أو تتلفها فقررت هذه الأخيرة- وبتشجيع الدول الغربية- شراء هذه البضائع ومن ثمّ إطعام شعوبها بهذه المنتوجات .وهنا تتجلّى عدة فوائد، أوّلها أن حكوماتنا "الإنسانية" تساعد اقتصاد الدول الغربية حتى تبقى هذه الاخيرة سوقا" مزدهرة" للمنتجات البشرية العربية يعني بالعامية "تعاونها في الرزق" وتدعمها لكي تسترزق ويسترزق الشعب الغربي "البائس الفقير". أمّا الفائدة الثانية فهي أنّ حكوماتنا "الفاضلة" تحمي البيئة من التلوّث وانبعاث الغازات بسبب وجود هذه المنتوجات الفاسدة ولعلّ وجودها في معدة الفقراء العرب أفضل للبيئة! واللافت هنا هو أنّ تصدير هذه المنتوجات شبه الفاسدة جعل سمعة الطب قي العالم العربي تبلغ أوجها لا سيّما في تخصصات أمراض الأمعاء والتسمّمات الغذائية لأن هذه المنتوجات تسمح لأطبائنا بالتمرّن المستمر والمتكرّرعلى مواجهة مثل هذه الأمراض واكتشاف طرق جديدة لعلاجها. وأخيرا" أصبحت دولنا العربية ملتقى ل"لسياحة الأجنبية العلاجية" للشفاء من أعقد تركيبات الميكروبات .
وبعين ثاقبة، رأت الحكومات العربية وبعد تحاليل كبيرة ودراسات استراتيجية جبارّة قامت بها أجهزتها أنّ الشعوب العربية صارت تتكبرعلى نعم الله! حيث صار الخبز شيئا" عاديا" جدا" لدى الفقراء العرب وصارت اللحوم على انواعها مطلبا" اساسيا" لديهم. ولأن التكبرعلى نعم الله كفر في جميع الأديان السماوية، قامت الحكومات العربية بخطوات حكيمة جدا، حيث قلّلت من انتاج الخبز وأذلّت المواطن العربي الفقير المتكبر وأبدعت في اذلاله لشراء ربطة خبز حتى يتعلم هذا الأخير أنّ الخبز نعمة كبيرة يجب أن يكتفي بها الانسان. وبعد هذه الخطوة الحكيمة، بيّنت الدراسات أن المواطن العربي عاد لرشده ولم يعدّ همّه سوى رغيف الخبز فقط لا اكثر! وتوجد ثورات أخرى تحتاج لمقالات ومؤلفات كثيرة لذكرها "كثورة البطاطا" و "ثورة الأرز" وفي كل هذه الثورات، المدّبرة أصلا" من قبل الحكومات العربية، استطاعت هذه الأخيرة ردع نقمة الفقراء واختزال أحلامهم الى رغيف خبز!
لقد قامت العديد من الدول العربية في مراحل معينة بزيادة إنتاج وتصدير البترول مقابل بيعه بأبخس الأثمان. فقد علمت الحكومات العربية بعد دراسات جبّارة ودقيقة للإقتصاد العالمي وتوجهاته المستقبلية أنّ الطاقة المستقبلية تتمثل في الطاقة الشمسية وأن البترول سيصبح بدون فائدة، فقررت بحكمتها وذكائها المعهودين أنّ تتخلّص من بترولها تدريجيا" مادام الوقت لم يفت بعد. وعندما تسيطرعلى العالم الطاقة الشمسية سنصدّر، كعرب، للغرب ضوء الشمس لأن معظم الدول العربية تحتوي على مساحات كبيرة من الصحارى وبإختصار هذا يعني "ضرب عصفورين بعشرة حجار"!
ويبقى للتغيير إمكانية متى أدركت الحكومات العربية ضرورة أن تكون ديمقراطية" وملتزمة" بحدود ثابتة لمجالات تدّخلها وسلطاتها الاكراهية. إذ يمكن مثلا" للضرائب الاقتصادية المخطّطة أن تعالج بعض التعقيدات المحدودة فقط. أمّا التضخم الناشئ عن تدخل الدولة في الاقتصاد، فهو بات يشكل أزمة" اجتماعية" شاملة" لا يمكن معالجتها بسياسات كينزية، بل بوسائل نيوليبرالية. لقد أصبحت هذه الأزمة الإجتماعية بدورها المسؤول الأوّل عن تدهور الأوضاع المعيشية في البلدان العربية بفضل سياسات التقويم الهيكلي وإن كانت الحكومات العربية طامحة" بالفعل للقضاء على الفقر فليس السبيل هو الإشفاق على الفقراء بل إشراكهم فعلا" في عملية تخطيط مشاريع التنمية الخاصة بهم.

باحثة في العلاقات الدولية
المديرة التنفيذية ،المركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.