اخنوش: ما تحقق خلال نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    لتطوير الصحة الحيوانية بالمغرب.. شراكة ترى النور بالملتقى الدولي للفلاحة بمكناس    ترقب إطلاق خط جوي جديد بين مطار تطوان وبيلباو    القضاء الفرنسي يؤكد إدانة رئيس الوزراء السابق فرانسوا فيون بقضية الوظائف الوهمية    الجامعة الملكية لكرة القدم تتوصل بقرار ال"كاف" بشأن مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري    النصب على حالمين بالهجرة يقود سيدتين الى سجن الحسيمة    أخنوش: الحكومة دأبت منذ تنصيبها على إطلاق مسلسل إصلاحي جديد وعميق يحقق نهضة تربوية وثورة تعليمية    اللجنة الجهوية للتنمية البشرية تصادق على برمجة 75 مشروعا باقليم الحسيمة    قراءة في مذكرات أحمد الطالب المسعودي عن تجربته في المنفى والاعتقال في الجزائر    رئيس وزراء إسبانيا "يدرس" تقديم استقالته بعد فتح تحقيق ضد زوجته    الكاف يعلن انتصار نهضة بركان على اتحاد العاصمة الجزائري    وزير النقل… المغرب ملتزم بقوة لفائدة إزالة الكربون من قطاع النقل    بنكيران يهاجم أخنوش ويقول: الأموال حسمت الانتخابات الجزئية    توقعات بتأجيل كأس أمم أفريقيا المغرب 2025 إلى يناير 2026    حملة أمنية غير مسبوقة على الدراجات النارية غير القانونية بالجديدة    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    جامعة الكرة: "لم نتوصل بقرار فوز بركان"    أخنوش مقدما الحصيلة المرحلية: إجراءات الحكومة هدفها مناعة الأسرة التي هي "النواة الصلبة لكل التدخلات"    أخنوش: ما تحقق في نصف الولاية الحكومية فاق كل التوقعات والانتظارات    إستعدادُ إسرائيل لهجوم "قريب جداً" على رفح    أمن طنجة يعلن الحرب على مقرصني المكالمات الهاتفية    جهة طنجة تناقش تدابير مواجهة الحرائق خلال فصل الصيف    خارجية أمريكا: التقارير عن مقابر جماعية في غزة مقلقة    المغرب سيكون ممثلا بفريقين في كأس العالم للفوتسال    الملتقى العالمي ل 70 امرأة خبيرة إفريقية مناسبة لتثمين الخبرة والكفاءة الإفريقية    تهديدات بالتصعيد ضد ّبنموسى في حالة إصدار عقوبات "انتقامية" في حقّ الأساتذة الموقوفين    أيام قليلة على انتهاء إحصاء الأشخاص الذين يمكن استدعاؤهم لتشكيل فوج المجندين .. شباب أمام فرصة جديدة للاستفادة من تكوين متميز يفتح لهم آفاقا مهنية واعدة    ما قصة "نمر" طنجة؟    سنطرال دانون تسلط الضوء على التقدم المحقق في برنامج "حليب بلادي" لفلاحة مستدامة ومتجددة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    الحكم على مغني راب إيراني بالإعدام بتهمة تأييد الاحتجاجات    برنامج دعم السكن.. معطيات رسمية: 8500 استفدو وشراو ديور وكثر من 65 ألف طلب للدعم منهم 38 فالمائة عيالات    الولايات المتحدة تنذر "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    الفوائد الصحية للبروكلي .. كنز من المعادن والفيتامينات    دراسة: النظام الغذائي المتوازن قد يساهم في تحسين صحة الدماغ    مدير المنظمة العالمية للملكية الفكرية : الملكية الفكرية تدعم جميع جوانب الحياة في المغرب، بما في ذلك الزليج    أفلام متوسطية جديدة تتنافس على جوائز مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط    إعلان فوز المنتخب المغربي لكرة اليد بعد انسحاب نظيره الجزائري    ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34 ألفا و262 شهيدا منذ بدء الحرب    مقترح قانون لتقنين استخدم الذكاء الاصطناعي في المغرب    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون        اختتام فعاليات الويكاند المسرحي الثالث بآيت ورير    مبادرة مغربية تراسل سفراء دول غربية للمطالبة بوقف دعم الكيان الصهيوني وفرض وقف فوري للحرب على غزة    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الارتفاع    الموت يفجع شيماء عبد العزيز    جلسة قرائية تحتفي ب"ثربانتس" باليوم العالمي للكتاب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "الراصد الوطني للنشر والقراءة" في ضيافة ثانوية الشريف الرضي الإعدادية بعرباوة    صدور رواية "أحاسيس وصور" للكاتب المغربي مصطفى إسماعيلي    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل للمباراة النهائية على حساب لاتسيو    بطولة انجلترا: أرسنال ينفرد مؤقتا بالصدارة بعد فوز كبير على تشلسي 5-0    لقاء يستحضر مسار السوسيولوجي محمد جسوس من القرويين إلى "برينستون"    الأمثال العامية بتطوان... (580)    الإيمان القوي بعودة بودريقة! يجب على الرجاء البيضاوي ومقاطعة مرس السلطان والبرلمان أن يذهبوا إليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحكم الشرعي الصحيح في ضرب الزوجة
نشر في أخبارنا يوم 03 - 12 - 2014

الإسلام هو دين الرحمة، وقد وصف الله تعالى حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بأنه رحمة للعالمين فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}.. [الأنبياء : 107]، وأكد الشرع على حق الضعيف في الرحمة به، وجعل المرأة أحد الضعيفين؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ إنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيم وَالمَرْأة».. (رواه النسائي وابن ماجه بإسناد جيد) كما قال الإمام النووي في (رياض الصالحين)، والمرأة أحق بالرحمة من غيرها؛ لضعف بنيتها واحتياجها في كثير من الأحيان إلى من يقوم بشأنها؛ ولذلك شبه النبي -ﷺ- النساء بالزجاج في الرقة واللطافة وضعف البنية، فقال لأنجشة: «ويحكَ يا أَنْجَشَةُ، رُوَيْدَكَ بِالقَوَارِيرِ».. (متفق عليه).
وقد فهم ذلك علماء المسلمين، وطبقوه أسمَى تطبيق، حتى كان من عباراتهم التي كوَّنت منهج تفكيرهم الفقهي: "الأنوثة عجز دائم يستوجب الرعاية أبدًا".
وأمر الإسلام الزوج بإحسان عشرة زوجته، وأخبر سبحانه أن الحياة الزوجية مبناها على السكن والمودة والرحمة، فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.. [الروم : 21]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم معيار الخيرية في الأزواج قائمًا على حسن معاملتهم لزوجاتهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «خيرُكُم خيرُكُم لأهْلِهِ، وأنا خيرُكُم لأهْلِي».. (رواه الترمذي عن عائشة رضي الله عنها). وحض الشرع على الرفق في معالجة الأخطاء، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفق في الأمر كله، فقال: «إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ».. (رواه مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها).
ولم يضرب النبي صلى الله عليه وسلم أحدًا من زوجاته أبدًا، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».. (أخرجه مسلم). والنبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة الذي يجب على الأزواج أن يقتدوا بسيرته الكريمة العطرة في معاملة زوجاتهم، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.. [الأحزاب : 21].
وورد ذكر ضرب النساء في القرآن في موضع واحد في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا}.. [النساء : 34]، والنشوز: مخالفة اجتماعية وأخلاقية تمتنع فيه المرأة عن أداء واجباتها، وتلك الواجبات هي حقوق الزوج، كما أن واجبات الزوج تعتبر حقوقا للزوجة، وفي تلك المخالفة الاجتماعية والأخلاقية أرشد الله الرجال لعدة بدائل في تقويم نسائهم حسب ما تقتضيه طبيعة كل زوجة من جهة، وطبقًا للعرف السائد والثقافة البيئية التي تربت عليها المرأة والتي من شأنها أن تكون أكثر تأثيرًا في إصلاحها من جهة أخرى، أي أن هذه البدائل لا يتعين فيها الترتيب، بدليل أن السياق جاء ب (واو العطف) وليس ب (ثم)، فعلى الزوج أن يتعامل مع زوجته بالوعظ، وهو لين الكلام وتذكيرها بالله وحقه الذي طلبه الله منها، كما أباح له الشرع أن يهجرها في الفراش في محاولة منه للضغط عليها للقيام بواجباتها من غير ظلم لها ولا تعدٍّ عليها، وشرطه أن لا يخرج إلى حدّ الإضرار النفسي بالمرأة.
وأما خيار الضرب المذكور في الآية: فقد أجمع الفقهاء على أنه لا يقصد به هنا إيذاء الزوجة ولا إهانتها، وإنما جاءت إباحته في بعض الأحوال على غير جهة الإلزام، وفي بعض البيئات التي لا تعد مثل هذا التصرف إهانة للزوجة ولا إيذاءً لها، وذلك لإظهار عدم رضا الزوج وغضبه بإصرارها على ترك واجباتها؛ وذلك بأن يضربها ضربة خفيفة على جهة العتاب والإنكار عليها بحيث لا تترك أثرا، ويكون ذلك بالسواك وفرشة الأسنان وغيرهما مما ليس أداة فعلية للضرب، فأخرج ابن جرير عن عطاء قال: قلت لابن عباس رضي الله عنهما: "ما الضرب غير المُبَرِّح؟ قال: بالسواك ونحوه".
وفارق كبير بين هذا الضرب بالسواك على غير جهة الإيذاء، وبين العنف أو الجلد أو الأذى أو الإهانة، وقد نص الفقهاء على أن هذا الضرب -مع كونه رقيقًا غير مبرح- يجب أن يكون آخر ما يمكن أن يلجأ إليه الزوج، وأنه لا يجوز الهجر ولا الضرب بمجرّد توقّع النشوز قبل حصوله اتّفاقًا، ويحرم هذا الضرب غير المبرح إذا علم أنه قد يصلحها غيرُه، بل نصوا على تحريمه أيضًا إذا علم أنه لا يفيد في إصلاحها، أو أنه يمكن أن يؤذيها أو يترك فيها أثرًا، قال الإمام الحطاب المالكي في (مواهب الجليل: 4/ 15- 16): "وإذا غلب على ظنه أن الضرب لا يفيد لم يجز له ضربها. انتهى. وفي (الجواهر): فإن غلب على ظنه أنها لا تترك النشوز إلا بضرب مَخُوفٍ لم يَجُزْ تعزيرُها أصلا, انتهى. وقبله ابن عرفة".
بل نصوا على أن الزوج يُضرَب ويُؤَدَّب كذلك إذا أخطأ في حق الزوجة، كما إذا قام بإزالة بكارة زوجته بإصبعه، قال الإمام الدردير في "الشرح الصغير" بحاشية الشيخ الصاوي (4/ 392، ط. دار المعارف): "وإزالة البكارة بالإصبع حرام، فيُؤَدَّبُ الزوجُ عليه".
وقد أكد الفقهاء على هذا المعنى؛ فمنهم من نص على أن ضرب الزوجة لا يجوز أن يكون بالسوط والعصا ونحوهما، بل يكون باليد أو السواك فقط تعبيرًا عن اللوم وإظهارًا للعتاب، كما سبق عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن الحسن البصري أنه فسر الضرب غير المبرح بغير المؤثر، ولا يجوز أن يكون الضرب بقصد الانتقام بل التأديب، ونصوا على أنه يجب عليه أن يَتَّقِيَ المَقَاتِلَ ويبتعد عن الأماكن الحساسة والأماكن الشريفة التي يُشعِر الضرب فيها بالمهانة، كالوجه والرأس والنحر والفرج والقفا؛ لقوله ﷺ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ» متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولا يجوز أن يكون الضرب مبرِّحًا ولا مُدمِيًا ولا مؤذيًا بحال من الأحوال.
وعلى ذلك يُحمَل الضرب الذي ورد ذكره في القرآن والسنة، فهو في الحقيقة نوع من إظهار العتاب واللوم وعدم الرضا عن الفعل، وليس ذلك إقرارًا للجلد أو العقاب البدني؛ بل إن وُجِدَ فهو من جنس الضرب بالسواك الذي لا يُقصَد به حقيقة الضرب بقدر ما يُراد منه إظهار العتاب واللوم.وهذا الضرب إنما أباحه الشرع بقيوده في بعض البيئات الثقافية التي تحتاج المرأة إلى ذلك وتراه بنفسها دلالة على رجولة زوجها، وهذه البيئات الثقافية لا يعرفها الغرب ولم يطلع عليها، والقرآن جاء لكل البشر ولكل زمان ومكان، ولكل الأشخاص إلى يوم الدين، فشملت خصائصه كل أنواع البيئات والثقافات المختلفة التي إذا لم تُرَاعَ أدى إلى اختلال ميزان الاستقرار في الأسرة وهدد بفشلها وانهيارها، فكان هذا للتقويم والإصلاح.
ومما يدل على صحة هذا الفهم للآية وأن إباحة ضرب الزوجة ليس على إطلاقه في كل الأحوال وفي جميع الأزمنة والبيئات: أن النبي -ﷺ- صح عنه أنه نهى عن ضرب النساء بقوله: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ»، فجاء عُمَرُ -رضي الله عنه- إِلَى رسولِ الله -ﷺ- فشكا إليه تمرد النساء على أزواجهن فرخَّص النبي -ﷺ- في الضرب الذي هو على هيئة العتاب، ففهم بعض الصحابة خطأ أن ذلك ترخيص في مطلق الضرب، فذهبت زوجاتهم للشكوى إلى رسول الله ﷺ، فعند ذلك عنف النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وغضب منهم، وقال لهم: «لَقَدْ أطَافَ بِآلِ بَيتِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كثيرٌ يَشْكُونَ أزْوَاجَهُنَّ، لَيْسَ أولَئكَ بخيَارِكُمْ».. (رواه أبو داود في سننه).
وهذا يشير إلى أن الضرب ليس مباحًا على جهة الإطلاق، بل هو ممنوع قطعًا إن كان على جهة الإهانة أو الإساءة أو الإيذاء وهو المعني في منع النبي -ﷺ- منه في أول الأمر، ثم رخص فيه على جهة العتاب وإظهار الغضب فقط بما ليس أداةً للضرب كالسواك -فرشة الأسنان- ونحوه على ما هو المعهود في البيئة الثقافية عند العرب في هذه الحالات، ثم غضب آخر الأمر من فعل بعض الصحابة له على جهة الإيذاء والإساءة للزوجات وسلَب الخيرية ممن يفعله بزوجته، فدل النهي عنه أولا والترخيص فيه ثانيًا ثم استهجان فعله ثالثًا على أن محل الإباحة الشرعية له هو ما يعده العرف عتابًا وإظهارًا لعدم الرضا، ومحل الحرمة ما يكون فيه إيذاء وإساءة للزوجة، وهذا قد يكون في البيئة التي يدخل مثل هذا التصرف في مكونها الثقافي ولا يعد فيها إهانة ولا إساءة، ومع ذلك فلا يفعله كرماء الرجال ونبلاؤهم.
قال الطاهر بن عاشور في تفسيره (التحرير والتنوير: 5/ 41- 42، ط. دار سحنون تونس): "وعندي أنّ تلك الآثار والأخبار مَحْمَل الإباحة فيها أنّها قد روعي فيها عُرْفُ بعض الطبقات من الناس، أو بعض القبائل، فإنّ الناس متفاوتون في ذلك، وأهل البدو منهم لا يعُدّون ضرب المرأة اعتداءً، ولا تعدّه النساء أيضًا اعتداء، فلا جرم أنّه أذن فيه لقوم لا يعُدّون صدوره من الأزواج إضرارًا ولا عارًا ولا بدعًا من المعاملة في العائلة، ولا تشعر نساؤهم بمقدار غضبهم إلا بشيء من ذلك".
كما أنه يجوز للحاكم أن يقيد هذا المباح ويمنع الأزواج من ضرب الزوجات عند إساءة استخدامه ويوقع العقوبة على ممارسه، فقد أجاز الشارع للحاكم تقييد المباح للمصلحة؛ حيث يتخذه بعض الأزواج تُكَأَةً للضرب المبرح، أو للتنفيس عن غضبهم وانتقامهم لا بغرض الإصلاح، فيحدث ما لا تُحمَد عقباه من نشر الروح العدوانية في الحياة الأسرية، ولذلك فللحاكم أن يَمنَعه سدًّا للذريعة، أو حتى عند عدم صلاحيته كوسيلة للإصلاح كما هو الحاصل الآن في أكثر البيئات؛ حيث أصبح الضرب في أغلب صوره وسيلة للعقاب البدني المبرح بل والانتقام أحيانًا، وهذا مُحَرَّمٌ بلا خلاف بين أحد من العلماء.
قال الطاهر بن عاشور في (التحرير والتنوير: 5/ 44):"وأمّا الضرب فهو خطير وتحديده عسير، بيد أنّ الجمهور قيّدوا ذلك بالسلامة من الإضرار، وبصدوره ممّن لا يعدّ الضرب بينهم إهانة وإضرارًا، فنقول: يجوز لولاة الأمور إذا علموا أنّ الأزواج لا يحسنون وضع العقوبات الشرعية مواضعَها، ولا الوقوفَ عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه العقوبة، ويعلنوا لهم أنّ من ضرب امرأته عوقب، كيلا يتفاقم أمر الإضرار بين الأزواج، لا سيما عند ضعف الوازع".
وهذا هو المعنى الذي من أجله صرح جماعة من الفقهاء بمنع الضرب، كما قاله التابعي الجليل المفسر عطاء بن أبي رباح -فيما نقله عنه القاضي ابن العربي المالكي في (أحكام القرآن: 1/ 536، ط. دار الكتب العلمية)- حيث قال: "لا يضربها وإن أمرها ونهاها فلم تطعه، ولكن يغضب عليها"، وتأولوا الآية على معنى إظهار عدم الرضا، ووافقه على ذلك جمع من العلماء، قال ابن الفرس: وأنكروا الأحاديث المرويَّة بالضرب، نقله عنه الطاهر بن عاشور في تفسيره (5/ 43).
ولا شك أن الضرب المبرح أو الجلد أو العقاب البدني -وهو ما يطلق عليه: العنف الأسرى- محرم بالإجماع، ويجب على جميع البشر الوقوف ضده، وممارسة العنف ضد الزوجة لا علاقة لها بالإسلام، بل المصادر التشريعية للمسلمين تحثهم على الرحمة والمودة في الحياة الزوجية ولا تدعوهم بحالٍ إلى ضرب النساء وظلمهن، يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم: 21]، وفقهاء المسلمين يقفون ضد هذا الضرب والعنف، والنبي -ﷺ- يبين أن العلاقة بين الرجل والمرأة تقوم على المودة والرحمة، وهذا يتنافى مع الضرب والإيذاء؛ ولذلك يستنكر النبي -ﷺ- ذلك استنكارا شديدا، فيقول ﷺ: «أَيَضْرِبُ أَحَدُكُم امْرَأَتَهُ كَمَا يَضْرِبُ الْعَبْدَ، ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْم؟!» أخرجه البخاري في صحيحه، والبيهقي في سننه الكبرى واللفظ له، وفي ذلك رد على من زعم أن الإسلام أهان المرأة وأباح للرجل ضربها.
والأصل في الشرع حرمة الإيذاء بكل صوره وأشكاله، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.. [الأحزاب : 58]، وقال النبي صلى الله عليه سلم في حجة الوداع: «أَلا أُخْبِرُكُم بِالمُؤْمِنِ؟ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ على أموالِهِم وأنفُسِهِم، والمُسلِم مَن سَلِمَ النَّاسُ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ».. (أخرجه الإمام أحمد في المسند، وابن حبان في صحيحه، وغيرهما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ظَهْرُ المؤمنِ حِمًى إلا بِحَقِّه»، رواه الطبراني في (المعجم الكبير) من حديث عصمة بن مالك الخطمي، وبوب عليه البخاري في صحيحه: "باب ظهر المؤمن حِمًى إلا في حد أو حق"، قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري: 12/ 85 ط. دار المعرفة): "(حِمًى) أي مَحْمِيٌّ معصوم من الإيذاء، قوله: (إلا في حدٍّ أو في حق) أي لا يُضرَب ولا يُذَلُّ إلا على سبيل الحد والتعزير تأديبًا" .
ومن المعلوم أن هذا من سلطة القانون والنظام لا الأفراد، وما يوجد في المجتمعات الإسلامية من ذلك فهو ناتج عن عدم التزام الأزواج بتعاليم دينهم الحنيف، ولا يجوز أن ينسب إلى الإسلام ولا علاقة له بتعاليمه من قريب أو بعيد، وقوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في بلاد العالم الإسلامي اليوم والمستقاة من الشريعة الإسلامية، تجرم العنف ضد الزوجة، وتجعل ذلك ضررًا يعطي الزوجة الحق في طلب التعويض الجنائي والنفسي ويعطيها الحق في طلب الطلاق مع أخذ حقوقها كاملة غير منقوصة.
جاء في (ميثاق الأسرة في الإسلام) الذي أصدرته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل وأعدته لجنة من كبار العلماء في العالم الإسلامي منهم مفتي الديار المصرية (ص 50): "لا يجوز -مهما بلغت درجة الخلاف بين الزوجين- اللجوء إلى استعمال العنف تجاوزًا للضوابط الشرعية المقررة، ومن يخالف هذا المنع يكون مسؤولا مدنيًّا وجنائيًّا" .
وجاء في المادة (6) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985م: "إذا ادعت الزوجة إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة بين أمثالهما يجوز لها أن تطلب من القاضي التفريق" اه. ومن الأمثلة القانونية لهذا الضرر الذي يجيز التطليق: اعتداء الزوج على زوجته بالضرب أو السب.
جاء في أحكام محكمة النقض المصرية: "لئن كانت الطاعة حقًّا للزوج على زوجته إلا أن ذلك مشروط بأن يكون الزوج أمينًا على نفس الزوجة ومالها، فلا طاعة له عليها إن هو تعمد مضارتها، بأن أساء إليها بالقول أو بالفعل، أو استولى على مال لها بدون وجه حق" اه. نقض طعن رقم 116 لسنة 55 ق أحوال شخصية، جلسة 24/ 6/ 1986م.
وبناءً على ذلك: فإن ما يصدر من الزوج لزوجته من اعتدائه عليها وتهديدها وترويعها وكذلك الأولاد من الأمور التي أجمع المسلمون على تحريمها، ولا علاقة لها بتعاليم الإسلام ولا بالشريعة الإسلامية، وفاعل ذلك آثم شرعًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.