الريسوني توضح شروط الاستفادة من العقوبات البديلة والفئات المستثناة منه    بعد المصادقة على إحداث مؤسسات جامعية بالحسيمة.. جهان الخطابي: نترافع من أجل كلية الطب    الملك يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    بنك المغرب: القروض أرخص والودائع أقل ربحًا بعد تخفيض الفائدة    من خطاب العرش إلى ضمير الأمة.. مغرب لا يُقصي أحدًا    الملك محمد السادس يأمر بإرسال مساعدة إنسانية وطبية عاجلة لفائدة ساكنة قطاع غزة    طنجة.. مصرع سائق دراجة نارية بعد اصطدامه بحاجز حديدي    محاولة تهريب "الكوكايين" تسقط سيدة بمركز باب سبتة    بعد زلزال روسيا "تسونامي" مفاجئ يهدد سواحل الناظور..دراسة علمية تدق ناقوس الخطر    حريق وانفجارات داخل مطعم يثير استنفارا بإمزورن    دبلوماسيون: المغرب نموذج للتنمية متعددة الأبعاد تحت قيادة الملك محمد السادس    اسبانيا.. هذا ما صرح به المغربي الذي فجر احداث توري باتشيكو أمام المحكمة        المغرب أضحى ضمن "النخبة العالمية لكرة القدم" بفضل البنيات التحتية المتفردة التي أنجزها (إنفانتينو)            موسيقى الراب والشعبي وكناوة تصدح في سهرة اليوم الثالث من صيف الاوداية    المغرب يستعد لإيصال مساعدات كبيرة إلى غزة    رصاص البحرية الجزائرية يقتل شابا من الريف خلال محاولة للهجرة    بنك المغرب: الأصول الاحتياطية الرسمية بلغت 375,5 مليار درهم خلال سنة 2024    الذكاء الاصطناعي.. توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة محمد السادس وطنجة المتوسط    حصيلة الإنجازات وآفاق الريادة المغربية    ضمنها هيئات مغربية.. 120 شبكة ومنظمة حقوقية عبر العالم تطالب بوقف الإبادة في غزة    بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد .. المؤسسة الملكية بين الثبات الداخلي والحركية الخارجية: حصيلة سنة من الفعل والتأثير    تجربة احترافية جديدة لأبوخلال وعبقار    الميوعة والبؤس الجامعي… حين تتحول الجامعة إلى مسرح احتفال لا مختبر فكر    ترقية المتصرفين التربويين: بين تناقضات الجواب الوزاري والخرق الصريح للقانون    الفن فقد أحد أكثر وجوهه نقاء وتواضعا .. وداعا لطفي لبيب الفنان الجندي الذي شارك في حرب أكتوبر ورفض تكريم الاحتلال    وضعية التحملات وموارد الخزينة .. عجز في الميزانية ب 31 مليار درهم عند متم يونيو    الملك محمد السادس يُكرم لبؤات الأطلس بعد بلوغهن نهائي كأس إفريقيا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    تغييرات جديدة تطال صفوف الوداد    مكتب المطارات يعين مديرين جديدين    ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟            غابات المغرب بين رهانات الاستراتيجية وتحديات التنزيل    بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال26 لتربّع جلالة الملك على العرش    كيف غير لقجع قواعد اللعبة في القارة السمراء ؟    بريطانيا ترفض انتقادات بأن خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية "تكافئ حماس"    المثقفون والمنصات... بين زواج العقل وزواج المصلحة    عبد الكبير عبقار يعزز دفاع خيتافي بعقد يمتد إلى غاية 2028    أسعار النفط تتراجع مع تقييم الأسواق لمخاطر المعروض بعد إنذار ترامب لروسيا    مشاهير مغاربة يهنئون الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال26 لعيد العرش    رحيل الفنان المصري لطفي لبيب عن 72 عاما بعد صراع مع المرض    15 دولة غربية تدعو البلدان الأخرى إلى إعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    تقارير: قرعة المونديال في لاس فيغاس    زلزال قوي في أقصى شرق روسيا يتسبب في تسونامي وأوامر إجلاء باليابان وهاواي    كندا.. مونتريال تستضيف مهرجان "أوريونتاليس" في غشت المقبل بمشاركة المغرب    معرض فوتوغرافي يفحص تغيير "الصحون" أذواق ورؤى وذهنيات المغاربة    عضة كلب ضال تودي بحياة طفل نواحي الناظور    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقليات في الدولة العلمانية الحديثة

بنت الدولة العلمانية الحديثة أحد مرتكزاتها على فكرة النظر إلى الدين باعتباره ذلك "الآخر"، الآخر النقيض، حيث يتداخل في استراتيجية "الآخرية" Othering ما هو لاهوتي بما هو سياسي. الدين الآخر لاهوتيا يفترض أن للنظرية العلمانية لاهوتها التعويضي، والدين الآخر سياسيا يفترض أن الدولة الحديثة هي وحدها الكفيلة بتعيين حدود اللاهوت ومداه في تكوين "الحس المشترك".
الإصلاح البروتيستاني تكيف مع سيرورة انبثاق الدولة العلمانية، أي أنه توافق مع التعريف العلماني لحدود الدين ومكانته في المجتمع، إذ قبلت البروتاستانية أن تتخذ لها موقعا ضمن الفضاء الخصوصي، وتترك تدبير العمومية لصالح الدولة.
هذا الحسم التاريخي لماهية الدين ضمن النظرية العلمانية لم يكن ليضع في حسبانه، أو يتخيل، وجود "وجهات نظر عالمية" نابعة من الدين صادرة عن رؤى دينية، لذلك شكلت اليهودية مأزقا للطرح العلماني وللدولة العلمانية وللمصالحة التاريخية بين الدولة والمؤسسة الدينية، وعلى الرغم من أن اليهود شكلوا أقلية في السياق الأوربي الحديث، إلا أنها أقلية إشكالية ما دامت تحمل وجهة نظر عالمية لا تتطابق كلية مع النظر العلمانية المسنود بعملية الاصلاح البروتيستاني.
نفس الواقع، ستواجهه الكاثوليكية في أمريكا في بداية القرن الماضي، حيث نظر إليها منذ البداية كأقلية إشكالية تهدد التوافق التاريخي بين الدولة والمذهب البروتيستاني، وعندما طرحت النقاشات حول مدى قدرة الكاثوليك على القبول بمبادئ الديموقراطية الأمريكية، بالنظر إلى ولائهم لمؤسسة البابا، كانت ردود اغلب المثقفين الامريكييين تنفي إمكانية وجود مثل هذا التوافق، بل وصل الأمر لدى بعض المثقفين الامريكيين اللامعين الى ايجاد علاقة بين الكالثوليكية والنازية وجميع الشرور الكبرى.
وطبعا في كلتا الحالتين: اليهود في السياق الاوربي ثم بعدها في السياق الأمريكي والكاثوليك في السياق الأمريكي، سنجد التقاءا بين الموقفين الليبرالي والأصولي في رفض التصالح مع اقليات حاملة لوجهات نظر عالمية، كما سنجد أن هذا المواقف ستشرعن لسياسات كبرى في هذه السياقات، كانت نتيجتها المزيد من تضخم الدولة العلمانية، التي افترض منظروها أن تكون "محايدة" تجاه رؤى العالم الدينية وغير الدينية.
لا يهمني هنا التأريخ للأقليات الإشكالية في السياق الأوربي والأمريكي، فهذه المهمة أنجزت بما فيه الكفاية، لكن الأهم بالنسبة إلي أن "الوعي الجمعي" الذي صاغته السياسات العلمانية، وتجربتها التاريخية تجاه الأقليات الإشكالية ليست وليدة الظرف الراهن، بل هي متجذرة في المسلمات التاريخية للحسم مع الاقليات بتطبيعها ضمن النسق الأغلبي، وهو ما تعيشه اليوم الاقلية المسلمة اليوم في الغرب باعتبارها أقلية إشكالية جديدة. عندما يتحدث السياسيون في الغرب عن ضرورة اندماج المسلمين، فالأمر لا يتعلق بدعوتهم للمشاركة في السياسات الديموقراطية، بل القبول بالتعريف الذي تحدده الدولة العلمانية ل "الإسلام الحق".
يقبل التأويل العرفاني القبول بمثل هذه التعريفات، ويحاول التأويل التقليداني مناورتها من خلال تاسيس شروط العيش البراغماتي ضمن إطارين للهوية، هوية سياسية مندمجة ضمن هذا التعريف، وهوية ذاتية تعيش في زمنيتها الروحانية الخاصة، ويرفض الاصولاني هذه التعريفات من خلال فتح مواجهة مع "النسق المهيمن" والتشكيك في مسلماته.
قد يظهر من خلال هذا التصور التأويلات الإسلامية المختلفة هي جواب على تحدي "التعريف الرسمي" لجوهر الدين، وهذا صحيح لحد كبير. كما قد يظهر أن السياسات العلمانية إذ تحدد إطارا تعريفيا لجوهر الدين فإنها تمتلك لاهوتها المطلق الخاص بها. كما يظهر أيضا أن التأويل الاصولاني هو جواب حدي وتحدي للتعريف الرسمي لجوهر الدين، بحيث يساهم هذا التعريف في تشكيله وتبريره، بحيث امكن القول أن الاصولانية هي جواب سياسي على التعريف العلمانية الشمولي للدين من خلال استدعاء جوهراني مضاد للدين ولماهيته.
إن فهم وضعية المهاجرين المسلمين في الغرب، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التعددية التأويلية في الاستجابة للتحدي الثقافي، ولكن وهذا هو الأهم بالنسبة إلى على الأقل أن مأزق الاقلية المسلمة (التي لم تعد أقلية في بعض البلدان الاوربية)، يتعين أن يفهم لا من زاوية النظر التيولوجي للمسلمين وحدوده، ولكن أيضا من زاوية حدود النظر العلماني للدولة الوطنية الحديثة وسياساتها المؤسسة "للاهوت دهراني" شمولي كامن.
عز الدين العزماني - أوهايو / الولايات المتحدة الأمريكية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.