مؤسسة وسيط المملكة تلقت أزيد من 13 ألف شكاية وتظلم وطلب تسوية ومبادرة تلقائية خلال سنتي 2022 و2023    تدشين توسعة مصنع «ستيلانتيس» بالقنيطرة    توقيف مواطن فرنسي بالدارالبيضاء مبحوث عنه ويشكل موضوع أمر دولي بإلقاء القبض    حرمان 650 ألف طالب من التغطية الصحية يثير الاستنكار.. ومطالب بوقف إجهاز الحكومة على الحقوق    مجلس الحكومة يصادق على تعيينات جديدة في مناصب عليا    البلاوي: التحديات الوطنية والدولية تتطلب من فضاء النيابة العامة التأهيل على مستوى الممارسة القضائية    النفط يستعيد توازنه بدعم من انتعاش الاقتصاد الأمريكي    القضاء الفرنسي يأمر بالإفراج عن اللبناني جورج عبدالله بعد 40 عاما في السجن    الجيش الفرنسي يغادر السنغال مُنهيا وجوده الدائم في غرب إفريقيا    حصيلة القتلى جراء أعمال العنف في جنوب سوريا تجاوزت 500 قتيل    الأهلي يتعاقد مع اللاعب المغربي أيوب عمراوي ل 3 مواسم    بيلينغهام يغيب حوالي ثلاثة أشهر عن ريال مدريد بعد جراحة ناجحة في الكتف    اللبؤات في مواجهة مصيرية أمام مالي لحجز بطاقة نصف نهائي "كان السيدات"    الحكومة تصادق على مشروع قانون إحداث المؤسسة المحمدية لقضاة وموظفي العدل    أكثر من 1.5 مليون من الجالية دخلوا المغرب إلى غاية 10 يوليوز    النازيون الجدد يؤججون الشغب العنصري ضد المغاربة في تورّي باتشيكو بإسبانيا    بورصة الدار البيضاء تغلق على وقع الارتفاع        رئيس الحكومة وسؤال السنة المرجعية وصدقية الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية (12)    المحكمة تواجه الناصيري وبعيوي مع اليد اليمنى لإسكوبار الصحراء    موقع "الأول" يتوج بجائزة الصحافة البرلمانية لسنة 2025    إقليم زاكورة يستعد لاحتضان الدورة ال4 للملتقى السنوي للجالية المغربية بالخارج    الرجاء يحصّن عرينه بخالد أكبيري علوي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    مصرع سائق دراجة نارية في حادث سير قرب سوق السمك بطنجة    قيادة الأصالة والمعاصرة تستقبل جاكوب زوما    تزنيت تحتضن ندوة وطنية حول المجوهرات المغربية: تثمين التراث ومواكبة تحديات التحديث والتسويق الدولي    هل سيحمي الإسبان دستورهم؟    من الزغاريد إلى الزجر.. زفاف مغربي يُربك المرور في بلجيكا    رئيس سوريا يكشف عن وساطات أوقفت ضربات إسرائيل على بلاده    المغرب، بقيادة جلالة الملك، يؤكد مكانته كقوة اقتصادية صاعدة (رئيس البنك الإفريقي للتنمية)    وفاة صالح الباشا تحزن الأوساط الفنية    دراسة تكشف أكبر فجوات الأجور في تسع دول غربية متقدمة    دراسة تكشف العلاقة العصبية بين النوم وطنين الأذن    مسؤول فلسطيني يشيد بالدعم الدائم للمغرب بقيادة جلالة الملك للقضية الفلسطينية    لفضحها الإبادة.. منظمة مغربية تدعم ترشيح ألبانيز لجائزة نوبل للسلام    رحيل الأسطورة أحمد فرس.. والملك محمد السادس ينعي "أحد النجوم الكبار" لكرة القدم المغربية    تحذيرات من تسونامي بعد زلزال قوي يضرب ألاسكا وزلزال متزامن يهز الفلبين        بينما تحتفل الجزائر بالتوقيع .. آسيان تشيد بحكمة جلالة الملك    وفاة شاب في حادث داخل قاعة للرياضة بأزمور أثناء حصة تدريبية    تاحيف يتعاقد مع أم صلال القطري    مهرجان الشواطئ ينطلق من المضيق    المدافع معالي ينتقل إلى نادي الزمالك    تهنئة : سكينة القريشي تحصل على شهادة الدكتوراه في الإقتصاد والتدبير بميزة مشرف جدا    ماذا لو كان للشعب قادة؟؟؟    الدورة الثانية لمهرجان العيطة المرساوية تنطلق عبر ثلاث محطات فنية بجهة الدار البيضاء سطات    المساعدات الدولية للبلدان الفقيرة في مجال الصحة قد تسجل أدنى مستوياتها منذ 15 عاما    هل تكتب أو تنشر أو ترسم للأطفال؟..الجائزة الدولية لأدب الطفل ترحّب بالمواهب المغربية والعربية.    مسلسل "سيفيرانس" يتصدر السباق إلى جوائز إيمي بنيله 27 ترشيحا    دراسة: تناول البيض بانتظام يقلل خطر الإصابة بمرض الزهايمر لدى كبار السن    دراسة: المشي اليومي المنتظم يحد من خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    الإفراط في النظر لشاشات الهواتف يضعف مهارات التعلم لدى الأطفال    زمن النص القرآني والخطاب النبوي    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطفولة والتحصيل الدراسي
نشر في العمق المغربي يوم 23 - 11 - 2019

يعتبر التحصيل الدراسي للأطفال والمتعلمين عموما مُحصلة لعدة عوامل، منها عاملين أساسيين: مستوى تطور (التطور الجسمي والعقلي والاجتماعي والتطور الانفعالي..) نموهم الناتج المُركب للنضج والرعاية، ومستوى التعلم أو الخبرات التي تزودهم بها البيئة (الأسرة، المدرسة..) التي يعيشون فيها، فهو عبارة عن تفاعل بين استعداد كامن لدى الطفل وبين الخبرة او التعلم أو الرعاية التي يمر بها،
وهما عاملين بالإضافة الى اختلاف فرص التعلم أمامهم أسباب قادرة على خلق الفروق بين الأطفال والمتعلمين على مستوى التحصيل.
كما أن التحصيل يأتي بالتدرج والاستعداد، فمثلا القدرة على القراءة عند الطفل تحصيل تراكمي يبدأ في أشهره الأولى بعد الولادة باكتساب اللغة التي هي عملية تتمثل أولى مراحلها في الخبرة الحسية من سمع وبصر وذوق وشم وحس، تليها بعد ذلك قدرته على فهم وتمييز الأصوات التي تتحول الى كلمات طبيعية في محيط الأسرة، وتعتبر الكلمات التي تصبح عندئذ جزءا من محصوله اللغوي أساسا جوهريا تقوم عليه القدرة على القراءة فيما بعد، وما أن يحين موعد التحاقه بالمدرسة حتى يكون قد اكتسب قدرة فائقة على التحدث باللغة وضبط قواعدها، وتنمو بذلك قدرته على التعمق في فهم مختلف مواد القراءة والاستفادة منها بما يتناسب مع نموه.
يقول إبن خلدون : “في وجه الصواب في تعليم العلوم وطريق افادته: ” اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدريج شيئا فشيئا وقليلا قليلا يلقى عليه …. ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه…”
إن اكتساب القدرة على القراءة عند الطفل متلازمة مع النمو، فنتائج بعض الأبحاث التي قامت على عدد من الأطفال الذين تعلموا القراءة بطريقة تلقائية نهاية مرحلة ما قبل الدراسة أظهرت أنهم سريعوا النمو في مختلف الاتجاهات، والذين لم يُحرزوا تقدما ملموسا رغم بلوغهم المستوى الثاني أو الثالث في المدرسة الابتدائية تبين أنهم بطيئوا النمو في مختلف الاتجاهات كذلك. بمعنى أن عملية القراءة عملية تطورتدخل فيها السرعة التي يحقق بها الأطفال نضجهم، فليس بوسع التعليم وحده أن يخلق التجانس في جميع الأطفال وأن يصل بهم الى نفس مستوى القراءة في سن معينة، فهم يتفاوتون في سرعة نموهم وتبايُن استعدادهم وقدراتهم على التعلم ولو مروا بذات التجارب والخبرات،
فتميز بعض الأطفال باستطاعتهم القراءة في سن مبكرة أو الابداع فيها وهم ما يزالون في الصف الأول، يعتقد البعض أن هذه النتيجة مَردُها الدروس الخصوصية أو مجهودات الأبوين داخل البيت، وإن كان السببين داعمين، فما يحدث بالفعل هو أن الطفل يبدي اهتمامه بالحروف أو الأرقام فيساعده من حوله، وسرعان ما يستطيع معرفة الكلمات والعبارات فنسمعه يتساءل عما تعنيه هذه او تلك، وقد يعمد أبواه او المعلم الى تزويده بالكتب السهلة أو إلى كتابة الكلمات وقراءتها له، فيصبح الأمر عملية تبادل بين جانبين: طفل يبدي استعدادا فيساعده من حوله، فيطلب منهم المزيد من المساعدة، والجهد الكبير الذي يبذله البعض في تعليم الطفل بافتراضهم ان يخلقوا فيه الاستعداد وينموا لديه المهارة، لكن الذي يحدث هو أن الطفل الذي يعوزه الاستعداد يقابل مثل هذا التعليم بالعزوف وعدم الاكتراث.
يقول إبن خلدون : “وإذا ألقيت عليه الغايات في البدايات وهو حينئذ عاجز عن الفهم والوعي وبعيد عن الاستعداد له كل ذهنه عنها، وحسب ذلك من صعوبة العلم في نفسه، فتكاسل عنه وانحرف عن قبوله وتمادى في هجرانه”.
“… لا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتى يعيه من أوله إلى آخره ويحصل أغراضه ويستولي منه على ملكة بها ينفذ في غيره. لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول ما بقي، وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلى ما فوق، حتى يستولي على غايات العلم، وإذا خلط عليه الأمر عجزعن الفهم وأدركه الكلال وانطمس فكره ويئس من التحصيل، وهجر العلم والتعليم…”
هذا كله لا يعني أن الطفل سيعرف القراءة ويحقق التحصيل الدراسي دون تعليم أو مرانة، وانما يعني أن معظم الأطفال يُقبلون على القراءة في تحمس وشغف إذا ما حانت لهم الفرصة وكانوا على درجة من الإستعداد والنضج والرعاية.
والى جانب الطفل كمحور في عملية القراءة والتحصيل الدراسي، هناك مادة القراءة او الكتاب المدرسي، فإعداد المادة التي يتوفر فيها المعنى المرتبط بخبرات الاطفال واهتمامهم، مع استخدام الصور والايضاحات المناسبة، وترتيب أولها عن أخرها وبسط عامها ثم خاصها، والأخذ في ذلك بعين الاعتبار خصائص قارئها، سُبل لتحقيق تيسير الفهم والادراك والتشجيع على القراءة والتحصيل.
فلكل من الجسم والعقل حكمته التي تجعل الأطفال يختارون ما يلائمهم من الخبرات وهكذا نجد أن الطفل سريع النمو بدلا من أن ينتظر الى سن متأخرة يُبكر باختيار كتب صعبة، والطفل بطيء النمو يلتمس الأشياء البسيطة التي يستطيع أن يشتق منها خبرات ناجحة، ومهمة المدرس أن يتيح بيئة الاثارة الملائمة لتقدم الطفل بخطوات مناسبة حسب استعداده.
يقول إبن خلدون: “هذا وجه التعليم المفيد وهو كما رأيت إنما يحصل في ثلاث تكرارات. وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه. وقد شاهدنا كثيراً من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفاداته، ويحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم، ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها، ويحسبون ذلك مراناً على التعليم وصواباً فيه، ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله، فيخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها، وقبل أن يستعد لفهمها، فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجاً. ويكون المتعلم أول الأمر عاجزاً عن الفهم بالجملة، إلا في الأقل وعلى سبيل التقريب والإجمال وبالأمثال الحسية. ثم لا يزال الاستعداد فيه يتدرج قليلاً قليلاً، بمخالطة مسائل ذلك الفن وتكرارها عليه، والانتقال فيها من التقريب إلى الاستيعاب الذي فوقه، حتى تتم الملكة في الاستعداد، ثم في التحصيل ويحيط هو بمسائل الفن.”
فمن الطبيعي أن تجد فروقا بين بعض الأطفال وبعض، ومن الطبيعي أيضا أن يستسيغ المعنيون التدرج بالطفل في المراحل الأولى لتعلمه القراءة بدلا من دفعه وقهره، فالحاجة ماسة لتتبع طرق ومناهج تقوم على تيسير الخبرة للطفل في الوقت الذي يبدي فيه استعداداه للمرور بها والسعي إليها، الأمر الذي يترتب عليه تحقيق التعلم الناجح المؤدي إلى الإشباع، كما أن الحصول على المستوى المطلوب من القراءة والتحصيل الدراسي يحتاج الى النضج والرعاية المناسبين اللذين يتطلبان الاهتمام أكثر بالطفولة المبكرة ابتداء من فترة الحمل ثم الولادة وحتى سن السادسة في كل ما يتعلق برضاعته وأكله وشربه ونموه الجسمي والعقلي والإجتماعي والانفعالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.