نشرة إنذارية: موجة حر مع الشركي من الاثنين إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    وزير التشغيل: خدامين باش نوسعو نطاق المستفيدين من التكوين بالتدرج المهني    الخطوط الملكية المغربية توسع شبكتها الدولية بإطلاق أربع وجهات جديدة    رئيس الوزراء الفلسطيني يشيد بالدعم الموصول للملك محمد السادس للقضية الفلسطينية    استئنافية الرباط تدين المهداوي بالحبس النافذ والغرامة    حالة تأهب في جنوب أوروبا لمواجهة حرائق الغابات جراء ارتفاع درجات الحرارة    شاطئ طنجة يلفظ جثة الشاب بعد 24 ساعة من غرقه بشاطئ الغندوري    شاطئ الفنيدق يسجل أول حالة غرق خلال صيف 2025    وهبي: المغرب صادق على كافة الاتفاقيات الدولية الرامية إلى حماية الممتلكات الثقافية    مجلس الحكومة يتدارس قطاع الصحافة    باريس تنتقد سجن صحافي في الجزائر    إسرائيل: نريد تطبيعا مع سوريا ولبنان    مقتل جندي إسرائيلي شمال غزة    الهجوم الإرهابي الأرعن على السمارة!    المعارضة البرلمانية تتهم أخنوش بخرق الدستور والاستخفاف بالمؤسسة التشريعية    أخنوش يؤكد تعزيز الإصلاح الأولوي    "إغلاق سلبي" في بورصة البيضاء    "الشركي" يلهب سواحل المغرب.. وحرارة غير مسبوقة في مناطق معتدلة    "كنادير" تتصدى لحريق بإقليم أزيلال    46 درجة بجنوب إسبانيا .. أعلى حرارة ليونيو منذ عام 1965    تراجع أسعار الإنتاج الصناعي بالمغرب    شيرين في "موازين" .. أداء باهت يثير انتقادات واسعة وتعاطفاً إنسانياً    البيضاء : حفل En Vogue يختتم ستة أيام من العروض الموسيقية المبهرة    تذاكر سهرة لمجرد تشعل النقاشات    الصحة العالمية تحذر: الهواتف ووسائل التواصل تعزز مشاعر الوحدة    حرارة الصيف تكشف أعطاب مكيف الهواء في السيارة    الجزائر تُصعّد القمع: سبع سنوات سجناً لصحفي فرنسي بسبب تحقيق رياضي    المتحدثة باسم مفوضية الاتحاد الأوروبي تقطع الشك باليقين: لا اعتراف ب"جمهورية البوليساريو".....    15 عملا من المغرب ضمن قائمة ال18 لأفضل الأعمال في مختلف فئات جائزة كتارا للرواية العربية    بعد حضورها الباهت في "موازين".. محامي شيرين يهدّد منتقديها    بعد أن توّج بكأس العرش لأول مرة في تاريخه .. أولمبيك آسفي يكتب اسمه في قائمة الأبطال ويفتح صفحة جديدة من تاريخه الكروي    محكمة الجديدة تستقبل وكيل الملك الجديد محمد مسعودي في جلسة رسمية    300 مليون أورو من البنك الإفريقي لدعم التشغيل ومواجهة تغير المناخ بالمغرب    الملك محمد السادس يهنئ رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية بالعيد الوطني لبلاده    المنتخب المغربي لمواليد 2000 فما فوق يخوض تجمعا إعداديا من 29 يونيو إلى 4 يوليوز    لشكر: هناك مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية    القضاء يواجه المتهم في حادث دهس الطفلة "غيثة" على شاطئ    بعد ضغوط مقاطعة منتدى الرباط.. الجمعية الدولية لعلم الاجتماع تُعلق عضوية الإسرائيليين    غوارديولا: "كأس العالم للأندية قد يدمرنا وربما ستحدث كارثة لأننا مرهقون"    تراجع أسعار الذهب إلى أدنى مستوى في شهر    الادخار الوطني يسجل 26.8% من الناتج الداخلي الإجمالي في الربع الأول من 2025    اختتام فعاليات رالي "Entre Elles" الأول بدرعة تافيلالت        حسين الجسمي: علاقتي بالمغرب علاقة عمر ومشاعر صادقة    التامني تحذر من تكرار فضيحة "كوب 28"    بايرن ميونيخ يتجاوز فلامنغو ويضرب موعداً مع سان جيرمان في ربع نهائي المونديال    الكاف يكشف عن المجسم الجديد لكأس أمم إفريقيا للسيدات الأربعاء المقبل    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    ميسي يقرر الاستمرار مع إنتر ميامي رغم اهتمام فرق الدوري السعودي    الأمير مولاي رشيد يترأس نهائي كأس العرش بين نهضة بركان وأولمبيك آسفي بفاس    بدر صبري يشعل منصة سلا في ختام موازين وسط حضور جماهيري    القفز بالرأس في الماء قد يسبب ضرراً للحبل الشوكي    طبيب يحذر من المضاعفات الخطيرة لموجة الحرعلى صحة الإنسان    ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    وزارة الأوقاف تحدد موعد قرعة الحج        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في جذور التحفظ على ترجمة القرآن الكريم عند المسلمين: ابن قتيبة المفترى عليه
نشر في العمق المغربي يوم 15 - 04 - 2021

لعل من مساوئ التوثيق الأكاديمي غير المباشر-وهو أمر يعلمه الباحثون جيدا- أننا لا نطلع كلية على كل المصادر التي نوردها في أبحاثنا، لاسيما إن كانت إشارات عابرة أو أنها تصل عبر وساطة باحث آخر. ومن ذلك ما حصل مع بحثنا في جذور تحفظ العقل الإسلامي في قضية ترجمة القرآن الكريم، فقد حصل أنه بعد كتابتنا للدراسة التأريخية التحليلية ل"نظرية" ترجمة القرآن الكريم من وجهة النظر الإسلامية ببضع سنين، كنا بصدد مطالعة كتاب ذ. مختار زواوي "فصول في تداوليات ترجمة النص القرآني"، فطالعتنا قراءة مميزة لأفكار العالم والفقيه والمفسر واللغوي أبو مسلم بن قتيبة الدينوري حول ترجمة القرآن الكريم، فرأيتني أسارع إلى إلى كتابه النفيس "تأويل مشكل القرآن"، فوجدت فيه ما سقط-دون وعي على الأرجح- مع كثرة النقل والإحالة غير المباشرة. وإليكم خلاصة التجربة.
في دراستنا ذات الطابع التأريخي التحليلي حول التنظير لترجمة القرآن الكريم في العقل الإسلامي، والمنشورة بصورتها الأكثر تحيينا في كتابنا "معالم نظرية تأصيلية لترجمة القرآن الكريم"، قسمنا هذا الموضوع نظريا إلى ثلاثة مراحل: الخلاف الفقهي المتعلق بالقراءة بالترجمة في الصلاة، ثم ما سميناه ب"التقعيد للتحفظ"، لنختم بالمرحلة الثالثة وهي إرهاصات النهوض.
وبخصوص المرحلة الثانية، فإن مراجعة أقوال العلماء التي بلغتنا يمكن أن تنتظم أساسا في تقسيم معين لمعاني الكلام في اللغة العربية ولأنواع الترجمة.
وبخصوص التقسيم الأول، يقول الشاطبي:
"للغة العربية-من حيث هي ألفاظ دالة على معان- نظران:
أحدهما- من جهة-كونها ألفاظا وعبارات مطلقة، وهي الدلالة الأصلية.
والثاني- من جهة-كونها ألفاظا وعبارات مفيدة، دالة على معان خادمة، وهي الدلالة التابعة.
فالجهة الأولى هي التي يشترك فيها جميع الألسنة وإليها تنتهي مقاصد المتكلمين، ولا تختص بأمة دون أخرى، فإنه إذا حصل في الوجود فعل لزيد مثا القيام، تأتى له ما أراد من غير كلفة. (…)
وأما الجهة الثانية، فهي التي يختص بها لسان العرب في تلك الحكاية وذلك الإخبار. فإن كل خبر يقتضي في تلك الجهة أمورا خادمة لذلك الإخبار، بحسب المخبر والمخبر به والمخبر عنه والمخبر به ونفس الإخبار في الحال والمساق ونوع الأسلوب: من الإيضاح والإخفاء والإيجاز والإطناب.. وغير ذلك"
وتبعا لذلك، يرى هذا العالم الأندلسي أنه إذا أمكن نقل القرآن الكريم بلسان غير عربي على الوجه الأول، فإنه " لا يمكن من اعتبر هذا الوجه الأخير أن يترجم كلاما من الكلام العربي بكلام العجم على حال، فضلا عن أن يترجم القرآن وينقل إلى لسان غير عربي، إلا مع فرض استواء اللسانين في اعتباره ما تقدم (…) وإثبات مثل هذا بوجه عسير جدا".
وبناء على ما سبق، تبنى الشاطبي رأي ابن قتيبة، عالم اللغة المشهور، بناء على هذا التقسيم، قائلا" وقد نفى ابن قتيبة إمكان الترجمة في القرآن- يعني على الوجه الثاني- فأما الوجه الأول فهو ممكن، ومن جهته صح تفسير القرآن وبيان معناه للعامة (…) وكان ذلك جائزا باتفاق أهل الإسلام فصار هذا الاتفاق حجة على صحة الترجمة على المعنى الأصلي".
ولدى عودتنا إلى الكتاب، وقد وجدناه منشورا بتحقيق السيد أحمد صقر، عن دار التراث 1973م، حيث يقول المؤلف في الصفحة 21 ، في معرض الكلام عن اتساع العربية في "المجاز" وإمكان الترجمة:
" وبكل هذه "المذاهب" نزل القرآن، ولذلك لا يقدر أحد من التراجم على أن ينقله إلى شيء من هذه الألسنة، كما نقل الإنجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية، وترجمت التوراة والزبور، وسائر كتب الله تعالى باللغة العربية، لأن العجم لا تتسع في المجاز توسع العرب".
وهذه العبارة هي التي عرج فيها المؤلف على علاقة الترجمة بالقضايا اللغوية التي يفصل فيها الكتاب. بيد أن نظرة الباحث في مجال الترجمة من وجهة نظر تواصلية تداولية يمكن أن يرى فيها إشارات إلى قضايا غاية في الأهمية يمكن إجمالها في النقط التالية:
المجاز والترجمة: خلاصة كلام العالم واللغوي الجليل تحيلنا أولا على طبيعة تصور استحالة الترجمة: أن العرب توسعوا في استخدام المجاز في لغتهم أكثر من اللغات الأخرى، وعليه فإن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأخرى تستحيل، ولا يمكن ترجمتها إلا بالمعنى. ومن الجانب اللساني البحت، فإن النقاش حول العباريات ذات الأصل المجازي المتكلس اعتبارا وتصنيفا وترجمة، شكل مجالا للجدل في النظريات البنيوية في النصف الثاني للقرن العشرين. ونخص بالذكر مجال الترجمة، حيث إن الترجمة الحرفية في هذه الحالة لا تؤدي المعنى المرجو بل تشكل مصدرا للالتباس لدى المتلقي. ومع التحولات التدريجية التي قادت إلى اعتماد النصية والتداولية أساسا نظريا للسانيات، اعتمدت مقاربة جديدة في التعامل مع المجاز باعتباره دالا على استخدامات ثقافية خاصة بجماعة لسانية معينة تتطلب نوعا من الوساطة الثقافية التي يقوم بها المترجم، والتي تتأرجح بكل دائم بين الخصوصية والمشترك اللساني العالمي. ولطالما تم استخدام هذه العبارات المجازية دليلا على استحالة الترجمة بمعنى التطابق التام بين النص الأصل والهدف، فما طبيعة العلاقة بين هذا الموضوع اللساني المخصوص والإمكانية والاستحالة في حالة الترجمة القرآنية؟ أول ما يخشى من هذا القول هو التعميم، فليس النص القرآني بأكمله مجازا، بل هذه قضية تهم عبارات بعينها ولا يمكن سحبها على النص بأكمله.
التكافؤ المستحيل: لكن بغض النظر عن هذه القضية اللغوية الحدية التي تم استخدامها تقليديا لتخوين الترجمة والمترجمين أو إثبات نسبيتها في أفضل الأحوال، فإنها في رأينا لا تمس جوهر مسألة ترجمة القرآن الكريم. لنفرض جدلا أنه تم حل هذه القضية بطريقة من الطرق أو أن الباحثين لم يتنبهوا إليها وأقروا أنها تدخل ضمن إمكان المترجم وقدرته. في هذه الحالة، هل يكفي ذلك لإمكان التكافؤ اللغوي الكلي بين النص القرآني باللغة العربية والنص المترجم؟ لا شك عندنا أن كل مطلع على تصور العقل الإسلامي لترجمة القرآن الكريم لا يمكن أن يقول بذلك لاعتبار عدم التكافؤ المبدئي الأساسي بين المصدر المطلق واللامتناهي للقرآن الكريم، والمصدر الإنساني النسبي القاصر للنص المترجم.
إذن النقاش اللغوي لا يمس جوهر عدم التكافؤ المبدئي بين النص القرآني والنص المترجم، ولا مجال للدخول في نقاش الإمكان والاستحالة لاعتبارات لغوية بحتة.
مرجعية الترجمة: وهذه النقطة هي الأكثر جدة في هذه السطور، فأثناء مطالعة المصادر التي وصلت إلى يدي وآراء العلماء المسلمين قديما وحديثا، لطالما استثارني موضوع المرجعية للقيام بالمقارنة وتصور إمكان ومآلات ترجمة القرآن الكريم. أو بعبارة أخرى، ما نموذج الترجمة لنص ديني مؤسس ليقيسوا عليه تصورهم للإمكان والاستحالة، وقد كنت أرجح دوما فرضية الأناجيل وترجماتها حتى أني أفردت لترجمة الأناجيل دراسة تاريخية نقدية في كتابي المذكور، لكني لم أجد نصا يسند صراحة هذه الفرضية. وهذا النص لابن قتيبة أول ما طالعت في هذه النقطة، وقد كان في تطرقه لها تدقيق شديد وتقييد لقوله باستحالة الترجمة باللفظ وإمكان الترجمة بالمعنى. فهذا يجعل القرآن الكريم مخالفا لحالة ترجمة الأناجيل عن السريانية إلى الحبشية والرومية في هذه النقطة بالضبط أي اتساع العربية في المجاز دون هذه اللغات.
وعليه، يكون حاصل الكلام أن تأمل قول ابن قتيبة كاملا والتمحيص فيه على النحو الذي قلنا يجعل كلام العديد من الباحثين المعاصرين فيه نوع من الجزئية أو المبالغة دفاعا عما سميته "التحفظ المعاصر"، إلى جانب مؤاخذات أخرى وتفصيلات قد نتطرق لها في مناسبات قادمة بحول الله.
(*) أستاذ جامعي ومترجم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.