اسبانيا.. هذا ما صرح به المغربي الذي فجر احداث توري باتشيكو أمام المحكمة    دبلوماسيون: المغرب نموذج للتنمية متعددة الأبعاد تحت قيادة الملك محمد السادس    الملك محمد السادس يأمر بإرسال 180 طناً من المساعدات العاجلة إلى غزة دعماً للشعب الفلسطيني        المغرب أضحى ضمن "النخبة العالمية لكرة القدم" بفضل البنيات التحتية المتفردة التي أنجزها (إنفانتينو)            لماذا أجل ملك البلاد خطاب النصر؟    شاطئ الجديدة يلفظ جثة شاب مجهول الهوية قرب مصلحة تصفية المياه        موسيقى الراب والشعبي وكناوة تصدح في سهرة اليوم الثالث من صيف الاوداية    المغرب يستعد لإيصال مساعدات كبيرة إلى غزة    رصاص البحرية الجزائرية يقتل شابا من الريف خلال محاولة للهجرة    بنك المغرب: الأصول الاحتياطية الرسمية بلغت 375,5 مليار درهم خلال سنة 2024    الذكاء الاصطناعي.. توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة محمد السادس وطنجة المتوسط    تجربة احترافية جديدة لأبوخلال وعبقار    حصيلة الإنجازات وآفاق الريادة المغربية    بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد .. المؤسسة الملكية بين الثبات الداخلي والحركية الخارجية: حصيلة سنة من الفعل والتأثير    وضعية التحملات وموارد الخزينة .. عجز في الميزانية ب 31 مليار درهم عند متم يونيو    الميوعة والبؤس الجامعي… حين تتحول الجامعة إلى مسرح احتفال لا مختبر فكر    ضمنها هيئات مغربية.. 120 شبكة ومنظمة حقوقية عبر العالم تطالب بوقف الإبادة في غزة    الفن فقد أحد أكثر وجوهه نقاء وتواضعا .. وداعا لطفي لبيب الفنان الجندي الذي شارك في حرب أكتوبر ورفض تكريم الاحتلال    ترقية المتصرفين التربويين: بين تناقضات الجواب الوزاري والخرق الصريح للقانون    الخشوع الأخير.. إمام يغادر الحياة وهو ساجد خلال صلاة العشاء    الملك محمد السادس يُكرم لبؤات الأطلس بعد بلوغهن نهائي كأس إفريقيا    التلفزيون الروسي يبث لقطات لموجة "تسونامي"    احتفالات عيد العرش.. الاستعراض التقليدي بالمشاعل للحرس الملكي يضيء كورنيش المضيق    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    بتنسيق أمني.. توقيف 3 أشخاص يشتبه في ارتباطها بشبكة تنشط في التهريب الدولي للمخدرات    تغييرات جديدة تطال صفوف الوداد    مكتب المطارات يعين مديرين جديدين    ما مدة صلاحية المستحضرات الخاصة بالتجميل؟    ريفولوت تطرق أبواب المغرب في خطوة توسعية نحو المنطقة    بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية بمناسبة الذكرى ال26 لتربّع جلالة الملك على العرش            غابات المغرب بين رهانات الاستراتيجية وتحديات التنزيل    كيف غير لقجع قواعد اللعبة في القارة السمراء ؟    بريطانيا ترفض انتقادات بأن خطوة الاعتراف بدولة فلسطينية "تكافئ حماس"    المثقفون والمنصات... بين زواج العقل وزواج المصلحة    عبد الكبير عبقار يعزز دفاع خيتافي بعقد يمتد إلى غاية 2028    أسعار النفط تتراجع مع تقييم الأسواق لمخاطر المعروض بعد إنذار ترامب لروسيا    مشاهير مغاربة يهنئون الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى ال26 لعيد العرش    رحيل الفنان المصري لطفي لبيب عن 72 عاما بعد صراع مع المرض    زلزال قوي في أقصى شرق روسيا يتسبب في تسونامي وأوامر إجلاء باليابان وهاواي    أنفوغرافيك | ستلتحق ب 147 دولة.. أقوى دولة في أوروبا تستعد للاعتراف بفلسطين    15 دولة غربية تدعو البلدان الأخرى إلى إعلان عزمها الاعتراف بفلسطين    تقارير: قرعة المونديال في لاس فيغاس    كندا.. مونتريال تستضيف مهرجان "أوريونتاليس" في غشت المقبل بمشاركة المغرب    معرض فوتوغرافي يفحص تغيير "الصحون" أذواق ورؤى وذهنيات المغاربة    عضة كلب ضال تودي بحياة طفل نواحي الناظور    في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك    متى ينبغي إجراء الفحوص الدورية على العينين؟    استخدام الهاتف في سن مبكرة يهدد الصحة العقلية    تطوان تحتفي بحافظات للقرآن الكريم    على ‬بعد ‬أمتار ‬من ‬المسجد ‬النبوي‮…‬ خيال ‬يشتغل ‬على ‬المدينة ‬الأولى‮!‬    الوصول إلى مطار المدينة المنورة‮:‬‮ على متن طائر عملاق مثل منام ابن بطوطة!    اكتشافات أثرية غير مسبوقة بسجلماسة تكشف عن 10 قرون من تاريخ المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في شخصيات فيلم "كيليكيس" دوار البوم
نشر في العمق المغربي يوم 30 - 04 - 2021


2 – حميدة: الباحث عن الذات، والعلبة السوداء للقلعة
من الممثلين الذين ساهموا ببراعتهم وإتقان دورهم في نجاح فيلم كيليكيس نذكر الممثل المقتدر كمال كاضمي، الذي لعب دور حميدة الباحث عن الذات والعلبة السوداء للقلعة.
لعل من عوامل القوة في سيناريو فيلم كيليكيس هو عدم تقديم المعطيات بشكل بسيط وجاهز كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء، بل يفرض على الجمهور بذل الجهد للحصول على المعلومة كاملة ولكنه يضع أمامه رموزا وعلامات وإضاءات وأجزاء هنا وهناك وما على المشاهد أو الناقد إلا لململتها من أجل تكوين صورة متكاملة شاملة تحقق له المعنى المطلوب.
لذا، كما رأينا مع شخصية الفقيه، فالأمر يحتاج منا لجمع كل ما يتعلق ويرتبط بأي شخصية من شخصيات الفيلم كي نفهمها ونحدد بالتالي الموقف الصائب منها، خصوصا في وضع مرتبك مشحون، أحيانا يختلط فيه الظالم بالمظلوم، والحق بالباطل، والخائن بالوطني، والموت بالحياة كما هو الشأن بالنسبة للدلالات التي دل عليها النعش.
لعل التحري حول شخصية حميدة لتسليط المزيد من الضوء عليها لتشخيصها وفهم سلوكاتها يحتاج إلى أكثر من مجرد مشاهدة عابرة للفيلم، وذلك لكون الرجل رغم كونه مكلفا بمهمة حساسة للغاية جعلت منه العلبة السوداء للقلعة، وأكبر شاهد على جميع ما يقع فيها من تعذيب وتجويع وقتل، فهو أحيانا يتصرف تصرفات في قمة النبل والشجاعة ويرغب في الارتباط بوفاء المتعلمة والمتميزة بالعقل والفطنة والروح القتالية.
لنتحدث بداية عن حميدة الشرير والخائن لشعبه ووطنه، فلإثبات هذه التهمة الخطيرة لا يحتاج الجمهور إلى بذل الوسع للحصول على دليل أو برهان، لأن الأمر يكاد يبين لدى القاصي والداني والصغير والكبير في القرية، وذلك لكونه يقوم بأهم مهمة في القلعة/المعتقل والمكلف بالاستنطاقات وتدوين حتى أحلام السجناء كما قال هو نفسه.
إنه رجل متعلم، ولكن تعليمه لم يجعل منه شخصية قوية متزنة أو شجاعة، تستطيع أن تتبنى موقفا واضحا من الظلم من أجل الحرية والانعتاق، فهو يخاف خوفا مبالغا فيه من الكولونيل رغم أنه يملك أقوى سلاح كان من الممكن أن يجعله قويا وبارزا وندا للكولونيل، وذلك السلاح يتجلى في كونه يمثل أمين سر القلعة، والعالم بكل ما يتعلق بالمعتقلين. أي: يملك ملفا حساسا للغاية، من شأن هذا الملف أن يجعله يحضى ببعض التقدير والاحترام، ولكن ربما العقلية الاستبدادية لدى الكولونيل هي من جعلت هذا الأخير يستعبد الناس حتى ولو كانوا عمالا بالقلعة وأعوانا له وشركاء في الجريمة، أي ليس للمخزن صديق.
لو قمنا بإحصاء جميع اللقطات التي يظهر فيها حميدة، لوجدنا مطاردته لوفاء اللقطات الأكثر بروزا وإثارة، فماذا كانت تمثل له وفاء يا ترى؟ ولماذا بالضبط يريد وفاء زوجة له؟ مع علمه بأنها تختلف عنه في الأفكار والمواقف، أليس في القلعة أخريات ربما هن أكثر جمالا ورشاقة، أليست أمه قادرة على أن تأتيه بأيهن شاء، وقد عرضت عليه ذلك؟
بدا واضحا بأنه لم يكن يريد سوءا بوفاء، ولو كانت رغبته كذلك لأغلق الباب، وقد أتيحت له العديد من الفرص ليفعل ذلك، ولكنه كان يطمح للظفر بقلبها وجعلها تميل إليه تماما كما يميل إليها، فكلماته لها كلها كانت تعبيرا عن شرف القصد وجدية الرغبة في تكوين أسرة للخروج من مأساة الوحدة وتذويب جليد الغربة، ولكن عزوفها قد حيره ولم يجد له تفسيرا إلا كونه ابن سفاح.
ولكن ما الذي جعل حميدة يصر في التقرب من وفاء مع علمه بوجود هوة بينهما أعمق من الهوة التي تفصل القرية عن القلعة.
لقد بدا واضحا أن حميدة يعاني من شيء ما، وهذا الشيء جعله يقف في منزلة بين المنزلتين بين حمل ثقل أسرار القلعة وشؤون المعتقلين وأسمائهم وبالتالي الانخراط الكلي في نادي الظالمين، وبين عدم القدرة على الإفصاح للفقيه، الذي يراه يتألم ألما شديدا، بأن ابنه أمين معتقل في القلعة.
ربما قد لاحظ الجمهور الذي تتبع خطوات حميدة ودقق في أفعاله وسلوكاته بأنه، رغم احتسابه ضمن عصابة الإجرام والتنكيل بالمعتقلين بشتى أنواع التعذيب، فقد صدرت عنه سلوكات جميلة غير مألوفة في زبانية القلعة ومجرميها، منها أخذ الحقيبة وتسليمها لوفاء دلالة على أنه لا يريد بها شرا، فضفضته للفقيه وهو يقول له: "لست أدري من أين جاءنا هذا الحمق حتى سيطر علينا وتلبس بنا، فما من باب أطرقه إلا وأجده مغلقا، حتى صرت من حين لآخر أحسد هؤلاء المعتقلين لدينا في القلعة: لا يرون الشمس، ويعانون بالليل والنهار، ورغم ذلك أراهم مطمئنين، فلست أدري من أين يأتون بهذه القوة؟" إن هذا الكلام ليس كلاما عاديا ينطق به أحد أعوان الظلم الذين يمعنون في الظلم بشكل سادي مقيت، وسيرد على الفقيه حين ذكره بأنه هو المتعلم في الدوار بقوله: " متعلم !! متعلم كي أصنع لهذا سجلا، وأدون ماذا يقول الآخر تحت التعذيب، وأصنع لهذا تقريرا…حتى إذا نام أحدهم ورأى رؤيى فمفروض علينا أن ندون ما رآه في حلمه، وعندما نعيده لزنزانته كأننا أدخلناه في قبره" ويعقب قائلا ببكاء وحسرة: "واش هادي هي لقراية..الله يلعن جد بوها قراية" لقد نطق وإن صح التعبير أقر بكل هذا طالقا لقلبه الإذن في أن يفصح عما أثقل كاهله، في لحظة غفلة وتماهي مع الضمير وصحوة الفطرة. ولكنه عندما سمع سؤال الفقيه عن هؤلاء المعتقلين، أدرك حينها أن الأمر قد خرج عن السيطرة، وأنه على وشك أن يفضي بأسرار القلعة، لذلك مسح دموعه وانصرف.
إن هذا الإفصاح الخطير والذي يفصل في أشكال وأنواع التعذيب الذي يتلقاه المعتقلون داخل القلعة، قد خرج من فمه وهو رفقة الفقيه وكلاهما ينظر إلى الكاميرا وكأنه يحكي للجمهور ويخبره بأحد أخطر الأسرار التي تؤرقه وتذهب النوم من أجفانه.
كما أنه حاول مرات إقناع أمه على أن لا تشتغل في الحانة، وذلك واضح عندما دخل عليها وأخبرها بأنه يريد أن يتحدث إليها فقالت: "لا تحدثني مرة أخرى عن العمل"، أي هو يريد أن تكون أمه في البيت كباقي الأمهات، أو أن تشتغل شغلا شريفا ومقبولا اجتماعيا.
هناك جانب في هذا الرجل مشرق، ولكن الظلام ورعب ما يعيشه في القلعة وما يراه ويشاهده، فضلا عن كونه ابن زنا وتشتغل أمه في حانة، وشعوره بأنه ابن حرام ينفر الناس منه لذلك…كل هذه الأشياء جعلته يعيش صراعا مع الذات.
فمن أوجه الصراع الذي يعيشه حميدة أنه يدون كل ما له علاقة بالمعتقلين مما جعله شاهدا على أشنع عمليات انتهاك للإنسانية، وفي نفس الوقت يرأف بأمين ابن الفقيه المعتقل ويعطيه الثمر خفية،
فالحل من الخروج من هذا الصراع يراه حميدة متجسدا في شيئين اثنين: شيء يملكه بيده والآخر لا قبل له به، فأما الأول فهو تعذيب نفسه وجلدها بشتى وسائل التعذيب التي جهز بها بيتا خاصا لعله يستيقظ بعد غفلة، ويتوقف عن خدمة الظالمين والمجرمين، وأما الشيء الآخر فهو رغبته في الاقتران بوفاء الشابة المتعلمة لعل ذلك يساعده في أن يبدأ حياة جديدة بعيدة عن الصراع الدائم الذي يأكل ذاته.
في آخر الفيلم، وبعد تسريب أسماء السجناء وملفات التعذيب والاستنطاقات، وبعدما اعتبر هو شريكا في القضية، طلب منه سعيد العفو والصفح لكونه ورطه معه في عملية تهريب وسرقة سجل المعتقلين، هنا سيطلق حميدة ابتسامة جميلة خفيفة وكأنه يعبر عن فرح وأن في أعماق أعماقه كان يريد لهذا السر أن ينكسف ولهذا الظلام الجاثم على نفسه أن ينجلي. فنال حظه من التعذيب ونهش الكلاب تماما كما يُفعل بكل مناضل شريف رضي أن يقدم نفسه فداء للحرية والعزة والكرامة.
ربما حميدة أخيرا قد وجد ذاته وهذا ما يليق بإنسان متعلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.