درجات الحرارة يوم عيد الأضحى بالمغرب    "فيفا" يعلن عن الموعد الرسمي لكأس العالم للأندية 2025 في نسخته الجديدة    عيد الأضحى.. دعوة إلى ترشيد استهلاك الماء واستعماله بشكل مسؤول ومعقلن        كيف يمكن التعامل مع موجات الحر المتكررة؟    إدريس لشكر كابوس يزعج بنكيران وتابعيه في الحلم واليقظة    الرصاص يلعلع بالفنيدق بتوقيف شخص عرض حياة المواطنين للخطر    الحجاج يؤدون "طواف الإفاضة" في أول أيام عيد الأضحى    المغرب يغيب عن مؤتمرين لدعم أوكرانيا ضد روسيا ويواصل دبلوماسية الحياد    الوداد البيضاوي يستنكر قرار استبعاده من كأس الكونفدرالية الإفريقية    في عيد الأضحى.. تحضير التوابل المتنوعة تقليد عريق لدى المغاربة    تقرير: المغرب ليس ضمن أسوأ بلدان العمالة لكنه يشهد انتهاكات مُنتظمة للحقوق الأساسية للعمّال    خطيب عرفة يثير جدلا بعد اعتباره أن "الحج ليس مكانا للشعارات السياسية"    في خطبة العيد.. السديس يدعو للفلسطينيين من الحرم المكي    طقس الأحد.. رياح قوية مع تناثر غبار بهذه المناطق من المملكة    اتفاقية تدمج المعاهد التعليمية للمنظمة العلوية لرعاية المكفوفين ضمن المؤسسات التعليمية التابعة لوزارة التعليم    الحزب المغربي الحر يندد بسياسة الحكومة ويحملها مسؤولية ترك المواطنين عرضة لعصابات السمسرة في الأضاحي    بلا أضاحي ولا أفراح.. سكان غزة يحيون عيد الأضحى بين الركام وتحت القصف    فرنسا.. الرئيس السابق فرانسوا هولاند يقدم ترشيحه للانتخابات التشريعية    عطلة عيد الأضحى تملأ مؤسسات فندقية بمراكش بنسبة 100 في المائة    مرض "الإنهاك الرقمي" .. مشاكل صحية تستنزف الذهن والعاطفة    منظمة الصحة العالمية تشخص أعراض التسمم بالكافيين    الرحالة عياد المفتحي يُعيد إحياء تقليد الحج القديم برحلة مميزة على دراجة هوائية    عيد الأضحى بالصور من غزة إلى موسكو    سعد لمجرد وحاتم عمور يثيران حماس جمهورهما ب"محبوبي"    قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج    الحجاج يتوافدون على مشعر منى لرمي جمرة العقبة ونحر الهدي في أول أيام عيد الأضحى    الحجاج يرمون "جمرة العقبة" الكبرى في مشعر منى    3 أندية تتنافس للظفر بخدمات وليد شديرة    تطبيق "واتسآب" يضيف خصائص جديدة إلى خدمة مكالمة الفيديو    حجاج بيت الله يرمون الجمرات في منى    لندن.. خبراء بريطانيون يشيدون بجهود المغرب لحل النزاع حول الصحراء    الجيش الإسرائيلي يعلن "هدنة تكتيكية" في جنوب قطاع غزة    مَهزَلة محمد زيان.. يَستجدي التضامن من المُتمرنين والمُبتدئين    المنتخب النسوي لأقل من 17 سنة يفشل في بلوغ المونديال    ميناء الحسيمة يستقبل أول رحلة ل"مرحبا"    عودة فريق الدفاع الحسني الجديدي للدوري المغربي الاحترافي الأول لكرة القدم : تألق وإصرار يجسدان العزيمة والإرادة    فيدرالية اليسار تستنكر إغلاق ممرات عمومية تؤدي لشواطئ المضيق    عامل الجديدة الخمليشي.. رجل الظل الذي كان له الفضل في عودة الفريق الدكالي إلى قسم الصفوة    الأكاديمي شحلان يبعث رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة .. "ما هكذا تؤكل الكتف"    القنصلية العامة للمملكة المغربية ببروكسل تحتفل بالذكرى الستين لتوقيع الاتفاقية الثنائية لليد العاملة بين المغرب وبلجيكا    المواشي المستوردة تضعف الإقبال على أسواق الأضاحي بالجنوب الشرقي    للنهوض بمستقبل رقمي شامل ومنفتح وآمن في القارة الإفريقية.. المغرب يعلن عزمه تقليص الفجوة الرقمية    فوز صعب لحامل اللقب إيطاليا على ألبانيا في اليورو    أطروحة بالإنجليزية تناقش موضوع الترجمة    لفتيت يفوض صلاحيات جديدة للولاة والعمال    أزيد من مليون و833 ألف حاجا وحاجة ضيوف الرحمن هذا العام    الملك محمد السادس يهنئ عاهل المملكة المتحدة        "الجسر الثقافي بين المغرب وإيطاليا"، معرض للصور الفوتوغرافية يحتفي بالخصائص الثقافية بين البلدين    خضع لحصص كيميائية.. تفاصيل جديدة حول وضع الفنان الزعري بعد إصابته بالسرطان    بورصة البيضاء تنهي تداولات الأسبوع على وقع الانخفاض    صديقي: المغرب اعتمد سياسة استباقية لتحسين النجاعة المائية في خدمة السيادة الغذائية    الحجاج يقفون على جبل عرفة    "الصردي".. سلالة تحظى بإقبال كبير خلال عيد الأضحى    حفلٌ مغربي أردني في أكاديمية المملكة يتوّج دورات تدريبية ل"دار العود"    الفنانة بطمة خالة للمرة الثالثة    التعاون الثقافي بين الرباط وبكين يجمع بنسعيد بنظيره الصيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شرعنة العنف : عنف الدولة
نشر في طنجة الأدبية يوم 22 - 12 - 2009

يقول برودون : " ...أن تكون خاضعا للحكومة يعني أنك توجد تحت الحراسة ، وأنك مراقب وخاضع للتوجيه ومطلوب من طرف أفراد ليس لديهم العلم ولا الشجاعة والفضيلة ...إن وضعيتك كمحكوم تجعلك خاضعا للمراقبة في كل عملية أو صفقة قمت بها ...وفي كل حركة ...هذا هو عمل الحكومة
وعدالتها ...."

ليس الهدف من بداية هذه المقالة بشهادة برودون هو مناقشة أرائه وفلسفته ،وهو الذي يصنف من بين أهم رواد التيار الفوضوي ،لكن هدفنا هو طرح سؤال هام : هل شكلت الدولة مصدرا للعنف وما تزال ؟ أم أن عنف الدولة مشروع بحكم سهرها على إحترام قانون متعاقد عليه ؟
لقد إرتبط العنف كظاهرة بالإنسان منذ ظهوره ، عنف مارسته الطبيعة بمختلف ظواهرها ، وعنف مارسه الإنسان ضد الطبيعة بدافع الرغبة في البقاء ،عنف جماعة إتجاه أخرى وعنف فرد ضد ذاته وضد الآخر. إن ظاهرة العنف كانت دائما موجودة وإتخذت صورا وأشكالا مختلفة تطورت أساليبها وآلياتها عبرالتاريخ...إن تركيزنا في هذه المقالة سيكون على عنف الدولة ، أي الضغط والإكراه الذي تمارسه قوة حاكمة على مجموعة من الأفراد الخاضعين لسلطتها، وهو إكراه مشروع ( إرغامهم على التقيد بقوانين تحد من حرياتهم ) وإكراه غير مشروع ( عندما تستغل سلطتها لتجاوز هذه القوانين ).
إن العنف بأشكاله المختلفة يمارس بطرق متعددة تطورت بتطور المجتمعات وتقدم العلوم ،وكما أشرنا سابقا ، لا يهما في هذه المقالة العنف الفردي ( الموجه من فرد لآخر أو ضد جماعة ) ،بل عنف الدولة كمؤسسة حاكمة والذي تمارسه في إتجاه عمودي ( على الفئات الخاضعة لسلطتها ) وفي إتجاه أفقي( على باقي الدول الأخرى ).
ونتساءل ألم يبدأ تاريخ البشرية بالعنف في أخطر مظاهره ( قتل قابيل لأخيه هابيل )، ألم يكن العنف في المجتمعات البدائية معمما ، الم يشكل قيام الإجتماع والدولة إطارا لتقنين العنف وإحتكاره ؟....إن العنف بدأ كمؤسس للتاريخ وشكل أحد أهم دعائم سيرورته ...وهو مادة التاريخ الأساسية ...كما حدد مسار التاريخ وأثر فيه ( طرد العرب من الأندلس ، غزو الغرب الأمريكي ،الثورة الفرنسية ، إلقاء قنبلة ذرية على هيروشيما....) . إن جوهر السلطة ( سلطة الدولة ) هو ممارسة العنف وللدولة وحدها الحق في إحتكاره ، وتبرر ذلك بالتعاقد الإجتماعي الذي يتنازل بموجبه الأفراد ( الشعب ) عن حق إستعماله مقابل توفير الأمن والعدالة. إن العنف بمختلف أشكاله لم يتطور بشكل واضح و" مشروع " إلا في إطار سلطة الدولة ،وإستمرار وجود الدولة رهين بممارسة العنف ضد الأفراد والجماعات ، وللدولة مبررات لذلك ...مبررات دينية وسياسية وإيديولوجية ...ألم تمارس الإمبراطورية الرومانية عنفا ضد مواطينيها الذين خالفوا دينها الرسمي ، ألم تمارسه ضد باقي الشعوب التي خضعت لها ، ألم يقم عدد كبير من الخلفاء الأمويين والعباسيين بإضطهاد معارضيهم وقتلهم ( أفراد وجماعات )، ألم يتعرض اليساريون للعنف
في الأنظمة الليبرالية والليبراليون للموقف نفسه في الأنظمة الشيوعية ....
كان العنف يبرر دائما بصيانة وحدة الدولة والحفاظ على قوتها ،وبالتالي فهو عنف" مشروع " ،لأن هدفه هو حماية الأغلبية من أقلية " مارقة، كافرة، خائنة وعميلة ...." وإذا سلمنا بمشروعية هذا العنف عندما تمارسه دولة ديموقراطية ذات مؤسسات حقيقية ، وتحاول تقنينه وتضييق دائرته والتحكم فيه
وإحتكاره ....فكيف هوالحال في باقي الأنظمة التي ليس لها من الديموقراطية إلا الإسم ( بما فيها عالمنا العربي ) ،ألا يصبح العنف مركبا : عنف وجودها الذي لايستند على أي حق وعنف يمارس يوميا وبأشكال مختلفة على أفراد المجتمع .
عندما تسمح الدولة بإحتكار فئة قليلة للثروة على حساب باقي الفئات ( كما هو الحال في عالمنا العربي) وحمايتها وإضفاء المشروعية على هذا التوزيع ،ألا يعتبر ذلك عنفا ؟ وعندما تندلع الإنتفاضات والإحتجاجات الشعبية وما تخلفه من خسائر ،ألايعتبر ذلك عنفا مضادا ؟ وعندما تقوم الدولة بقمعها ، ألا يصبح العنف مركبا ( إستعمال العنف المادي للحفاظ على عنف إجتماعي ) ؟
لقد نظر الإشتراكيون لهذا الواقع وأعتبروا إنقسام المجتمع إلى طبقات لايولد سوى العنف ،وهذا العنف لن يزول إلا بزوال الطبقات وتأميم وسائل الإنتاج وبالتالي تحقيق المجتمع الإشتراكي ، لكن هذا المجتمع بدوره لا يقل عنفا ،فالسلطة تصبح جهاز ضغط وإكراه ( نزع الملكية ، فرض أيديولوجية معينة ، مصادرة الحريات....) والمبررات دائما جاهزة ولها قوانين " تشرعنها " .
إن العنف غريزة إنسانية ،وتطور الإنسان من حالة الطبيعة إلى حالة الثقافة مكنته من إكتساب آليات التحكم فيه وتقنينه ،إن برودون لم يكن مخطئا عندما إعتبر الدولة قوة ظالمة ،وإعتبر الحكومات لا نبل لها ولافضيلة ،لكن لا يمكن إلغائها كما يدعو إلى ذلك ،بل الدولة ضرورة ملحة والظلم والنبل قضايا نسبية ( أبطال شعب أو فئة إجتماعية ليسوا سوى جبناء في عيون آخرين ).لقد إرتبط العنف بالقوة والسلطة ،سواء كانت هذه السلطة فكرية ( فرض دين أو إيديولوجية...) أوسلطة مالية
( إستغلال الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج لباقي الفئات ) أو سلطة سياسية ( فرض نظام حكم معين ، مؤسسات شكلية ...) وإرتباط العنف بالسلطة والقوة طبيعي ،لذلك ليس غريبا أن الدولة التي تكون ضحية للعنف ،وتقاومه وتشجبه ما تلبث أن تمارسه وتلجأ إليه عندما تستبد وتصبح في موقع قوة .
إن العنف كان دائما حاضرا في سيرورة التاريخ ،عنف مادي ومعنوي ،عنف الأفراد والجماعات والدول، والقضاء عليه ليس سوى أحلام نرددها لنتمكن من قبول وجوده في مختلف مظاهر الحياة. و بالتالي فبالرغم من أن الدولة مصدر عنف متعدد الأشكال ، إتجاه شعبها وإتجاه الدول الأخرى ،وهو مبرر كاف لإلغائها ( كما ينادي بذلك برودون )، إلا أن هي الوحيدة القادرة على تقنينه وتقليص حدوده ،وهو مبرر أكبر لضرورة وجودها . وهنا نقصد الدولة الديموقراطية الحقيقية ، وليست الدولة الديموقراطية الشكلية ،كما هو سائد في معظم دول العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.