الإجهاز على مكتسبات الموظفين والمتقاعدين بالكنوبس    استثمار تجربة هيئة أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير    أَسيرُ حرب: السَّرد الجريح    أسعار النفط تتراجع وسط تقييم اقتصادي لتأثير الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة    دراسة: التغير المناخي زاد وفيات الحر 3 مرات في المدن الأوروبية    إسرائيل تعلن اغتيال مسؤول عسكري في حزب الله جنوب لبنان    الصين تعتزم توسيع شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة لتصل إلى 50 ألف كيلومتر بنهاية 2025    تجدد الدعوات لمقاطعة المنتدى العالمي لعلم الاجتماع بالرباط بسبب مشاركة إسرائيل    ألمانيا تعلن إحباط "مخطط إرهابي"    بينهم أطفال.. مقتل 26 فلسطينيا بغارات إسرائيلية على قطاع غزة    سايس يعود إلى التداريب بعد غياب دام لأربعة أشهر بسبب الإصابة    رياض: "أبذل قصارى جهدي للعودة للميادين وهدفي هو المشاركة في "الكان"    الناظور.. إحباط محاولة تهريب 4382 قرصا طبيا مخدرا إلى داخل التراب الوطني كانت على متن سيارة نفعية لنقل البضائع تحمل لوحات ترقيم مغربية.    عندما ينقلب "الحياد الأكسيولوجي" إلى سلسلة ثنائيات شاردة!    هل يمكن للفن أن يوجد بدون مُشاهد؟    ظاهرة "طوطو" هل نُربي جيلاً لتمجيد الصعلكة!؟    طقس الأربعاء: أجواء حارة بعدد من الجهات    كيوسك الأربعاء | إجراءات جديدة بميناء طنجة المتوسط لتسهيل عبور الجالية    بركة: نسبة تقدم أشغال إنجاز سد الرتبة بإقليم تاونات تصل إلى حوالي 30 في المائة    الجديدة: أزقة سيدي بوزيد تسائل جماعة مولاي عبد الله وعمالة الإقليم    كأس العالم للأندية لكرة القدم.. تشلسي يحجز بطاقة النهائي بتغلبه على فلوميننسي (2-0)    الدوري الإنجليزي لكرة القدم.. سندرلاند يضم الظهير الأيسر رينيلدو ماندافا قادما من أتلتيكو مدريد الإسباني    مجلس المستشارين يصادق في قراءة ثانية على مشروع قانون المسطرة المدنية    فرص أكثر للشباب والنساء .. التشغيل يتصدر أجندة حكومة أخنوش    من أين جاءت هذه الصور الجديدة؟ .. الجواب داخل واتساب    الشاعر حسن نجمي يفوز بجائزة ابن عربي الدولية للأدب العربي    إقليم شفشاون .. تنظيم يوم تواصلي حول تفعيل الميثاق المعماري والمشهدي لمركز جماعة تنقوب    حادثة سير مروعة بطنجة تخلف وفاة سيدة وإصابة ثلاثة أشخاص    "اللبؤات" يجهزن للقاء الكونغوليات    تورونتو تحتفي بعبق السوق المغربي    تحقيقات أمنية في حادث رشق بالحجارة بحي مغوغة تسفر عن استدعاء أطراف مشتبَه فيها    مجلس المستشارين يصادق على مشروع القانون المتعلق بالمسطرة الجنائية    المغرب يؤكد بجنيف التزامه بنظام ملكية فكرية "شامل وداعم للتنمية"    الطالبة ماجدة بن علي تنال شهادة الدكتوراه في الكيمياء بميزة مشرف جدا    قيوح: القطارات المغربية وصلت إلى نسبة انتظام في السير بلغت 85.6%    أخنوش يتتبع تنزيل خارطة التشغيل    انخفاض معدل الاعتقال الاحتياطي بالمغرب إلى أقل من 30% من الساكنة السجنية        مجلة فرنسية: المغرب يرسخ موقعه كوجهة مفضلة لكبار المستثمرين    أداء الثلاثاء إيجابي في بورصة البيضاء    قطر: مفاوضات الهدنة تحتاج إلى وقت    لوكا مودريتش يعزز صفوف ميلان الإيطالي    مجلس ‬المنافسة ‬يكشف ‬عن ‬هوامش ‬الربح ‬في ‬المواد ‬الغذائية ‬وعن ‬الأسواق ‬المتحكمة ‬فيها    قطاع الإسمنت بالمغرب يسجّل أداء إيجابيا في النصف الأول من 2025    المغرب ‬يواصل ‬تعزيز ‬صمود ‬المقدسيين ‬في ‬مواجهة ‬الاحتلال    جواد الزيات يعود لرئاسة الرجاء الرياضي لكرة القدم    مبابي يسحب شكوى المضايقة الأخلاقية ضد سان جرمان    بعودة حنان الابراهيمي.. سعيد الناصري يصور "تسخسيخة"    ممارسة الرياضة بانتظام تقلل الشعور بالاكتئاب والتوتر لدى الأطفال    حين تصعد وردية من رمادها وتمشي فوق الخشبة    دراسة ألمانية: فيروس التهاب الكبد "E" يهاجم الكلى ويقاوم العلاج التقليدي    التوصل إلى طريقة مبتكرة لعلاج الجيوب الأنفية دون الحاجة للأدوية    دراسة: ليس التدخين فقط.. تلوث الهواء قد يكون سببا في الإصابة بسرطان الرئة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سقوط الأوراق

صمتُ العاشرة والربع مساءً يضرب في الأعماق ويتطاول في السماء.. لم يترك النعاس له حيّزًا للبقاء على أرض اليقظة، ولو لدقيقة واحدةٍ.. وودّ لو يستطيع تصفّح ما تبقى من صفحات هذا الكتاب. نظراته تتأرجح بين الرموز والمعاني حتى تجمّدت الكلمات في مكانها. وهذا الكتاب الذي بحث عنه طويلاً صار بين يديه، عثر عليه بعد بحث مضنٍ في إحدى مكتبات نابلس القديمة.. ومن ذلك الوقت أخذ يشم رائحة الحياة.. عيناه الذابلتان صارتا على قيد أنملة من الغرق.. استسلم.. طوى كتابه.. ثم ألقى بنفسه في فراشه بعد أن ألقى نظرة خاطفة من النافذة وألفى المكان موحشًا تخامره ظلمة الليل البهيم، يزاحمها ضوء مصباح خافت مثبّت فوق الباب الخارجي للبيت. يرمي بثقل رأسه على الوسادة، ويستشعر بسكون الليل الذي مزقته طلقات رصاص تلتها صرخات ناريّة. قفز من مكانه ظانًّا أن أحدًا يحاول تمزيق كتابه بهذه الرصاصات. صوّب ناظريه إلى الكتاب نظرة طويلة وهو يرهف سمعه.. شيء ما دفعه إلى الشارع من غير وجلٍ ليستطلع الخبر فإذا برجلٍ يتضرج بالدماء.. إنّه يعرفه.. هذا جاره الأستاذ "خالد".. ساعتئذ، شلالات من الغضب أخذت تتدفق من قلبه.. ينابيع من الحزن تفجّرت من أعماقه.. أعمدة من الكآبة المنبعثة باتت تعانق عنان السماء.. الكلمات الكثيرة تصلّبت فتعثّرت في حلقه.. كادت تحبس أنفاسه.. لم تجد لها مخرجًا لتنفذ منه.. أيُعقل أن يقتل هذا؟ هو آخِرُ من يغضبُ، وآخِرُ من يَغضَبُ منه الناسُ.. لهيب القتل الذي اندلع منذ سنوات صار يحصد الأخضر واليابس.. آهٍ عليك يا دنيا، يولد الإنسان ليموت.. قبل أيام فارقنا "فؤاد" برصاصة أُعدّت لغيره.. أأنت يا "خالد" تفارقنا اليوم برصاصات أُعِدّت لك!؟ لا أصدّق كلّ هذا.. أستاذ في اللغة يفارقنا. كلماته التي كان يرددها حين كان يدخل غرفة الصفِّ تمركزت في ذهنه.. "أنتم رجال المستقبل وعليكم أن تكونوا ذخرًا لمجتمعكم متماسكين مترابطين متحابين".. تذكّر ابتسامته التي لم تفارقه في سرّائه وضرّائه، تفل على الأرض ثم أخذ يردد:
واحَسْرَتاهُ عَلى الأُسْتاذِ وَالْعَلَمِ واحَسْرَتاهُ عَلى مَنْ جادَ بِالْقِيَمِ
الأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِ تَبْكي مِنَ الأَلَمِ وَاللَّيْلُ مِنْ فَوْقِهِ غَريبٌ في الظُّلَمِ
كَمْ كانَ يَنْصَحُنا بِالْعِلْمِ وَالأَدَبِ وَالْخَيْرُ مَنْهَجُهُ كَالثَّلْجِ في الْقِمَمِ
يا خالِدًا أَنْتَ لِلأَحْرارِ مَدْرَسَةٌ إِنَّ الْكَريمَ غَدًا يَدومُ بِالْكَرَمِ
شريط الذكرى يمرّ في خياله ويعرض له صورًا اختلفت فيها المعاني: لقد كان المرحوم مدرسةً في التقوى يداوم على الصلاة في أوقاتها وفي المسجد، ينفق بيمينه دون أن تعلم يسراه.. مدرسةً في التربية، إن رأى اعوجاجًا يقوّمه بكلماته العذبة.. لا يأبه من سلطان جائرٍ.. مدرسةً في الأخلاق، يلقي التحيّة على الصغير والكبير.. مدرسة في الفكر، ويكثر من قراءة الكتب.. يحترم الإنسان لا لأنه إنسان فحسب بل لأنه يحسّ ويفكر .. باتت مواقفه المشرفة نماذج للآخرين.
كأنّ التحدّيات الكبيرة قد تبخّرت وها هم "أبطال الليل" يقفون في وجوه من يسمّون أنفسهم أهل العلم والفكر. هه... أي علم وأي فكر هذا؟ يقولون إنهم يريدون إصلاح المجتمع بعلمهم وتطلعاتهم. هؤلاء رموز المجتمع. تصوّرهم خاطيء، فلا مالٌ ولا أمل إلا بالنهج الذي نسير نحن عليه.. نحن الصادقون وهم الكاذبون. ثمّ لماذا يقفون في وجوهنا؟
علم الجميع أن ثمّة ورقة كانت تنضب بالحياة والأمل، تسقط في ظلمات الليل وتتيبّس. يحضر أفراد من الشرطة الجنائية الإسرائيلية.. بحثوا عمّن أسقطوها وقالوا إنهم لم يجدوهم. قال أحد المتفرّجين في مرارةٍ: " يا سبحان الله لو كان القتيل من بني جلدتكم، لأقمتم الدنيا ولم تقعدوها.. وظلّ الناس يفدون من ناحية المقاهي.. يقفون.. يتفرّجون.. صمتوا.. حزنوا.. ولا يزالون صامتين.. لقد انعقدت ألسنتهم.. ".. ثم انحبست الكلمات في بطونهم وعادوا إلى مقاهيهم.. ولا زالت الأوراق تسقط قبل أن يأتيها الخريف..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.