مجلس الأمن يكرس مغربية الصحراء في جلسة الحسم الدبلوماسي رقم 10028    النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية    الكيان الصهيوني يخرق اتفاق وقف إطلاق النار ويشنّ غارات لا تُبقي ولا تَذر على غزة    إعصار "ميليسا" يودي بحياة 19 شخصا في جامايكا    السجن لسبعيني وزوجة ابنه العشرينية بعد ضبطهما بجريمة زنا المحارم في ورزازات    سباتة ومولاي رشيد وسيدي عثمان تتأثر بانقطاع جزئي للماء بسبب عطب مفاجئ    فتاح: مشروع مالية 2026 يترجم إرادة ترسيخ مسيرة "المغرب الصاعد"    من غوادالاخارا... تأملات في زمن الرقمنة والمسؤولية القانونية    جدل حول "تعيين المديرة لطيفة أحرار لنفسها" أستاذة في المعهد العالي للفن المسرحي    الذهب يواصل الارتفاع ويتجه لتحقيق مكاسب للشهر الثالث على التوالي    كوريا: انطلاق قمة أبيك على وقع التوافقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين    بوتين: يوم الوحدة يجسد تماسك الروس    المنتجات الصيدلانية والتكنولوجيا الحيوية تتصدر براءات الاختراع في المغرب    النفط يتجه إلى انخفاض للشهر الثالث مع صعود الدولار ووفرة المعروض    توقعات أحوال الطقس اليوم الجمعة بالمغرب    زيارة متطوعين وخبراء هولنديين لمنطقة الريف:    المفتش العام يقود افتحاصا وزاريا للمؤسسات التعليمية بالحسيمة    كيوسك الجمعة | 12 ألف مستفيد من برنامج فرصة وتحفيزات جديدة في الأفق    الحسيمة تحتضن النسخة 4 من ملتقى المقاولة تحت شعار "العدالة المجالية والتنمية الاقتصادية"    أرفود.. توزيع جوائز تقديرية على عدد من العارضين في الملتقى الدولي للتمر    الجزائر بين المناورة والخيانة: كيف انقلب النظام الجزائري على روسيا بعد الحرب الأوكرانية؟    السمارة تشجع على "تعاون الجنوب"    نقاش حاد في "لجنة المالية" حول التخفيضات الجمركية للأدوية المستوردة    خاص l مشروع قرار أممي يدعو إلى مفاوضات "بدون شروط مسبقة" استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي (نص توصيات المشروع)    لقجع: المغرب بحث عن تنظيم كأس العالم لمدة 30 سنة وأول الالتزامات المقدمة ل "الفيفا" كانت في القطاع الصحي    البطولة: الفتح الرياضي يرتقي إلى المركز السابع بانتصاره على أولمبيك آسفي    ميناء الداخلة الأطلسي، مشروع ضخم يفتح عهدًا جديدًا للربط والتجارة البينية الإفريقية (وزيرة خارجية إسواتيني)    إيداع مالكة حضانة ومربية السجن على خلفية وفاة رضيعة بطنجة    الركراكي يكشف عن لائحة الأسود لمواجهة الموزمبيق وأوغندة في 6 نونبر القادم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بشأن المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي    "المطاحن" تبدي الاستعداد لكشف حقيقة "التلاعبات في الدقيق المدعم"    علي بوعبيد ينتقد استمرار تولي وزير داخلية تكنوقراطي بلا شرعية انتخابية اعداد القوانين الانتخابية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    وفاة نجم" ذا فويس" بهاء خليل عن 28 عاما    الرباط تستعد لاحتضان الدورة 30 للمهرجان الدولي لسينما المؤلف    تصويت فرنسي ضد اتفاقية مع الجزائر    مرسيليا يعلن أن لاعبه المغربي بلال نذير "في صحة جيدة" بعد حادث سقوطه    بعثة المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة تحل بالدوحة استعداداً للمشاركة في نهائيات كأس العالم    تيزنيت : التعاون الوطني ينظم نهائي البطولة الوطنية الرياضية 49 للمؤسسات والمراكز الاجتماعية بالإقليم    فادلو: الشهب الاصطناعية أفسدت إيقاع الديربي أمام الوداد    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي بفارق كبير عن الآخرين    ترامب يعلن تخفيض "رسوم الصين"    فيلمان مغربيان ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان بروكسيل للفيلم    عرض فني بالدارالبيضاء بمناسبة المؤتمر العالمي للفلامنكو    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وَداعاً يا أغْلَى الحَبايبِ

وفاء لروح والدتي وإلى كل الأمهات اللاتي حرمن من توديع أبنائهن*
..كان يوم الإثنين لم تلمَّني ملابسي فرحاً، لأَنِّي حجزت على الطائرة لأَضمَّكِ بعدَ أيَّامٍ إلى صَدرِي للأبَدِ، وبعدَ غُربةِ رُبْعِ قَرْنٍ. ولكن صباحَ اليوم التالي (الثلاثاء 20/6/2006) أَحْسَسْتُ أَنَّ قلبي يَكادُ أَنْ يَنْفَجرَ، بينَ دمعةٍ تسقطُ وأُخرى تُولَدُ، وَضِيقِ نَفَسٍ ما كُنتُ أعرِفُهُ، وإِنَّ الدُّنيا قدِ اظلمَّتْ رغمَ صَفائِها..
....كنتُ أَدورُ كالمَلدُوغِ في مَنزلي. وأيّ منزلٍ ! تباً للأقدارِ !، متراً واحداً في كلِّ سنةٍ مَنَحَتْنِي إيَّاه الغربةُ خلالَ رُبعِ قَرنٍ !. حمداً للَّهِ، وإن كانتْ مُهترِئة جدرانهُ، لكنَّها مزدحمةٌ بالكتبِ، بعد أَنْ نَزَعَ صَدَّامُ مِنِّي كلَّ شيءٍ حتَّى شَهادةِ الوَطَنِ، واستَولَتْ "ميليشياتُ الأقاربِ" على بَيْتَيَّ في بغدادَ.. أُقَلِّبُ بعضَ هذه الكتبِ عبثاً فلا أرَى إلا صُورتَكِ.. أَعُودُ مُشاغلا نفسِي، لِصَدِيقي الحاسوب لأُواصِلَ مَلحمةَ كتابِي (العربية الفصحى) (الآن مطبوع: وصدر منه طبعتان باللغتين الإسبانية والعربية في 2008).. لم تسعفَنِي قِواي.. أَشعرُ بِغَمَامةٍ على بَصَرِي، وتخنقُنِي عَبرةٌ..
ولم تَمُرْ سِوَى ساعَتينِ أطْوَل من قَرْنَينِ، حتَّى رَنَّ هاتِفي.. رَجَفَ قَلبي.. لم أَسْمَعْ سوى نَشِيجِ يُسرى: ”خَالِي.. تَوَفَّتْ "بِيْبِي" (جَدَّتِي) في مُستَشْفَى الكاظِمِيَّةِ، ولم يكنْ مَعِي بٍجَنْبِها سوى أُمِّي“.. عِنْدَها أَحْسَسْتُ أَنَّ الأرضَ قَد رُجَّتْ، وتَغيَّرتْ كلُّ الإتجاهاتِ، ولم أتَمالَكْ نَفسِي حَتَّى جَهَشَتُ بالبُكاءِ..
آه يا زهرةَ الأُمَّهاتِ.. آه يا نَبْعَ الحنانِ والحُبِّ.. آه يا كَوثَرَ حَياتِي.. آه يا سَلْسَبِيلَ الوَطَنِ.. آه وَقَدْ وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي واشتَعَلَ الرَّأسُ شَيباً، وقد حُرِمْتُ من دُعائِكِ للأَبَد..
ربَّاه ! سلامٌ عَلَيها يَومَ وُلِدَتْ وَيومَ ماَتَتْ ويومَ تُبْعَثُ حَيَّا..
التأريخ ظالمٌ يا أُمُّاه ! لا يُؤرِّخُ لِمُستحِقِّيهِ.. بينَ زَواجِكِ مِنْ أَبِي وَرَحيلِكِ (1937-2006) إلى لِقاءِ ربِّكِ، رَبًّيتِ جَيشاً جَرّاراً من الأحفاد من سبعةِ رِجالٍ وثلاثِ بناتِ.. كان منزلُكِ الرِّيفيُّ على تَعَدُّدِ حُجْراتِهِ كَخَليَّةِ نَحْلٍ، تحتضنُهُ نَخيلُ بُستانِكِ الغافيَةُ على شَطِّ الفُراتِ، لَمْ يَخْلُ يَوماً مِنْ ضُيوفٍ أو أَقاربٍ أو أَصدِقاء..
ولَم أَحسّ بِطَعْمِ هذا إلا بعدَ أنْ هُجِّرْتُ مُرغَماً بَعِيداً عن حُضْنِكِ.. وزُرِعْتُ مِنْ جَدِيدٍ في أرض نائية ليس فيها عطرك.. إنَّ إدراتَكِ الحكيمةَ لإسْرَتِكِ، وإِحْسَانَكِ للمُحتاجِينَ، وإطعامَكِ للفُقراءِ، ورِعايَتَكِ للمَرْضَى، وزِيارةَ الأَحِبَّةِ، أكسَبَتْكِ شَعْبِيَةً وَحُبّاً وَحَسَداً، فلم يَخلُ مجلسٌ نسائيٌّ إلا وهَيْبَتُك تَتَصَدَّرُهُ..
كنتِ السيدةَ العُظمَى في مَمْلَكَتِكِ حتَّى سنة 1967، تأمُرينَ فَتُطاعينَ، وَتنهينَ فتجابِينَ، وعشراتٌ من جاراتِكِ والصبايا والفتيان والرجال حَولَكِ..
وها أنتِ اليومَ أَخالُكِ مُمَدَّدَةً وَحِيدَةً بين حفيدةٍ وأُمِّها، أَينَ ؟: في مُسْتَشْفَى، بعد أَن كانَ حُلْمِي أَن أَرْعاكِ بِيَدَيَّ، لا سِيَّما وأَنَّ تَرَدِّي حالةِ "عراق صَدَّام والإحتلال" قد أَفْسَدَت أَخلاقَ بعض مَنْ رَبَّيتِ، وأَبْعَدَتْ آخَرِينَ، وَنَسُوكِ الذينَ أَحْسَنْتِ إِلَيهم..
في تلكَ السَّنَةِ ابْتَعَدْتُ عنكِ للدراسَةِ، عندَها لبستِ الأسودَ، لأنَّكِ بغريزةِ الأُمومةِ أدركْتِ أنَّنا لن نَلتقِي.. ولم تُفارقِ الدُّموعُ مدامعَكِ، ولا النواحُ بيتَكِ، فإذا لم تشاطري فيهِ مَصابَ إحدى جاراتِكِ، من إعدامٍ أو سجنٍ أو إغتيال، شاركتِ فيهِ – وهذا نادرٌ -المطبخَ تعددينَ وتنحبينَ..
وَمَعَ جَرائم "البَعث والقادِسِيَّة وأمّ الحَواسِم وأمّ أسْلِحةَِِ الدَّمارِ" تَأَصَّلَ حُزْنُكِ واتَّسَعَ، وبَدَأَتْ قامَتُكِ المَمْشُوقَةُ تَنْحَنِي، وَذؤابتاكِ الطَّويلتانِ المُتدَليتانِ خَلفَكِ تقصرانِ، وَتَحَوَّلَ وَجهُكِ الحِنْطِيُّ القَمَرِيُّ كُسُوفاً، وابتِسامَتُك الفُراتيَّةُ خُسُوفاً..
قد فارقتِ الضِّحْكَةُ شَفَتَيكِ.. ولم أَسْمَعْكِ إِلاّ تَشعُرِينَ وتَنعينَ، وَلَمْ أَدْرِ أَنَّكِ شاعرةٌ، حُزْناً على ولدِكَ الذي اغتالوهُ في "قادسية الطَّاغِيَةِ" مع جارة السوء إيرانَ... وَكلَّما خابَرْتُكِ مِنْ بلدان المنافي تَسبقُ دمُوعِي نَحِيبَك بعدَ أنْ فقَدْتِ ابناً آخرَ في "عَاصِفَة صَحراء الأَوغَادِ".. وزادَ جُرْحُكِ عُمقاً وحزنُكِ أَلَماً مُرّاً، عنْدَما اسْتَشْهَدَ رَفِيقُكِ والِدي عندما احتَلَّ المَغولُ الجُدُدُ بلدَكِ سنةَ 2003..
أُمّاه سلامٌ عليكِ.. سأستغفر لَكِ رَبِّي ما دُمتُ حَيّا، إِنَّه كان بي حَفِيّا.
*كتبت هذه الرسالة صباحَ الثلاثاء (20/6/2006).. ولم أذعها في حينها تأثراً.. وها أنا أنشرها وفاء ببعض دين لروح والديّ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.