بعد الجدل الذي أثاره صحافي تونسي سابقا، طالع الرأي العام طرح إعلامي جديد صادر عن صحافي بمؤسسة الشرق الأوسط، حاول من خلاله نسج سردية مفادها أن توقيف مباريات كأس الأمم الإفريقية، اليوم الخميس، جاء "احتفاء بعيد ميلاد المسيح". طرح وظّف، وفق متابعين، في سياق استهداف غير مباشر للمملكة المغربية، رغم أن دستورها ينص صراحة على أن الإسلام هو دين الدولة، ودون أي سند رسمي أو مهني يؤكد هذا الادعاء، فبدل العودة إلى مصادر اللجنة المنظمة أو الوثائق التنظيمية المعتمدة، جرى الارتكاز على افتراضات لا تستند إلى معطيات واقعية، في إخلال واضح بواجب التحري والدقة الذي يُفترض أن يحكم العمل الصحافي. كاتب المقال أشار إلى أن منافسات كأس الأمم الإفريقية توقفت، اليوم الخميس، بمناسبة عيد الميلاد، في استراحة قصيرة لا تتجاوز 24 ساعة، قبل الدخول في جدول مزدحم بالمباريات خلال الأسبوع المقبل. واعتبر أن البطولة، التي انطلقت بالمغرب الأحد الماضي، سارت نتائجها الأولى وفق التوقعات، مع بروز المنتخبات المرشحة، وعلى رأسها المنتخب المغربي الذي افتتح مشاركته بفوز مريح على جزر القمر، وسط ضغط جماهيري وتطلعات كبيرة، في ظل استثمارات ضخمة في البنية التحتية واستعدادات مرتبطة أيضاً بطموح استضافة مونديال 2030.
ورغم أن إشارته للتوقف أدرجها بشكل عرضي من استنتاجاته، فهي تحمل مغالطات وتضليل، غير أن الحقيقة، التي كان من السهل التوصل إليها بمجرد قراءة دقيقة لجدولة المباريات، التي تكشف أن هذا التوقف لا علاقة له بأي اعتبارات دينية. فالافتتاح اقتصر على مباراة واحدة يوم الأحد، في حين جرت العادة على برمجة ثلاث مباريات يوميا. هذا المعطى خلق خصاصا بمباراتين في البرمجة العامة، وكان من شأن تعويضهما يوم الخميس أن يخل بتوازن أيام الراحة بين المنتخبات. لذلك، ارتأت اللجنة المنظمة إضافة مباراة في كل من يومي الثلاثاء والأربعاء، لترتفع الحصيلة إلى أربع مباريات في اليوم الواحد، بما يضمن تكافؤ فترات الاستشفاء بين جميع المنتخبات، باستثناء المنتخب المنظم الذي يستفيد تقنيا من يوم إضافي.
وتندرج هذه البرمجة في سياق توسع البطولة إلى ست مجموعات بدل أربع، مع الحفاظ على المدة الزمنية نفسها تقريبا، التي كانت تمتد سابقا من يناير إلى فبراير، وأصبحت اليوم من دجنبر إلى يناير مع الإمكانات اللوجستية والبنى التحتية التي وفرتها المغرب والمتمثلة في تسع ملاعب عالمية لم توفرها أي دولة من الدول المستضيفة للنسخ السابقة. وعليه، فإن ربط التوقف المؤقت للمباريات ب"عيد ديني معيّن" لا يعدو أن يكون قراءة مؤدلجة ومجتزأة، تغيب عنها أبسط قواعد التحقق المهني، وتسيء إلى فهم السياق التنظيمي الحقيقي لأكبر تظاهرة كروية في القارة الإفريقية.