الرباط.. توقيع اتفاقية إطار بشأن الشراكة والتعاون من أجل تطوير الحكومة الإلكترونية وتعميم استخدام ميزات الهوية الرقمية    بدعم تقني صيني وتمويل إماراتي أوربي ومن الأوبك: أنبوب الغاز المغربي النيجيري ينطلق من الداخلة    في الجلسة الافتتاحية للمنتدى الدولي الثالث للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين والديمقراطيين .. الكاتب الأول إدريس لشكر: الجيل الجديد من البرلمانيين الشباب مطالب بحمل مشعل الحرية والكرامة والتضامن في عالم مضطرب    وقفات الجمعة ال74.. المغاربة يجددون مطالبهم برفع الحصار وإنهاء "الإبادة" في غزة    الثقة التي وضعتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في الأطر الوطنية "عامل أساسي في النجاح الحالي لمنتخباتنا" (عادل السايح)    اللاعب المغربي إلياس أخوماش يشارك في جنازة جدته بتطوان    "إغلاق أخضر" في بورصة البيضاء    بعد 25 سنة.. شركة "FRS" تُعلن رسمياً توقف نشاطها البحري بين طنجة وطريفة    دراسة: هذه الأطعمة تزيد خطر الوفاة المبكرة    دراسة: مادة كيمياوية تُستخدم في صناعة البلاستيك قتلت 365 ألف شخص حول العالم    في كلمة حول جبر الأضرار الناجمة عن مآسي العبودية والاتجار في البشر والاستعمار والاستغلال بإفريقيا: آمنة بوعياش تترافع حول «عدالة تعويضية» شاملة ومستدامة    « بين التاريخ والرواية» كتاب جماعي يرصد مسارات أحمد التوفيق    دراسة تكشف عوامل جديدة مرتبطة بالخرف المبكر    «غزة على الصليب: أخطر حروب الصراع في فلسطين وعليها»    حادثة سير مميتة تنهي حياة سبعيني بالفقيه بن صالح والسائق يفرّ هاربا    العرائش تسجل أعلى نسبة تملك.. وطنجة تتصدر الكراء بجهة الشمال    مقاطعة مديري مؤسسات الريادة للعمليات المصيرية يربك مشروع الوزارة في الإصلاح التربوي    سفينة مساعدات لغزة تتعرض لهجوم بمسيرة في المياه الدولية قرب مالطا    تقرير: أخنوش يستخدم أمواله للسيطرة على الإعلام والصحافيون المستقلون يتعرضون لضغوط مستمرة    المغرب يودّع أحد رموزه الفنية.. محمد الشوبي يترجل بعد مسار طويل من الإبداع    "موازين" يعلن جديد الدورة العشرين    كلية الآداب بالجديدة وطلبتها يكرمون الدكتورة لطيفة الأزرق    عبد الله زريقة.. علامة مضيئة في الشعر المغربي تحتفي به "أنفاس" و"بيت الشعر"    سوريا: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي "تصعيد خطير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إجهاض محاولة لتهريب أزيد من 51 ألف قرص مخدر بميناء طنجة المتوسط    مجلس الدفاع في لبنان يحذر "حماس"    نجاح "خامس مهمة نسائية" خارج المحطة الفضائية الدولية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    كوريا: الرئيس المؤقت يقدم استقالته لدخول سباق الانتخابات الرئاسية    في ساحة مسجد بدر بطراسة… رجل يقبّل طفلًا والأب يتصل بالشرطة    رسالة مفتوحة إلى السيد محمد ربيع الخليع رئيس المكتب الوطني للسكك الحديدية    "الكورفاتشي" تستعد للتنقل إلى مدينة الدار البيضاء لحضور "الكلاسيكو" أمام الوداد    العلاقات التجارية بين المغرب ومصر.. وفد اقتصادي مغربي يزور القاهرة    تفاؤل تجاري ينعش أسعار النفط في الأسواق العالمية    لجنة الأخلاقيات توقف العديد من المسؤولين عن كرة القدم بين سنة وثلاث سنوات بسبب اختلالات في التسيير    كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة: المغرب يستهل مشواره بفوز مثير على كينيا    الحوار الاجتماعي بالمغرب بين الشكلية والفعالية    وفاة الممثل المغربي محمد الشوبي    خُوسّيه سَارَامَاغُو.. من عاملٍ فى مصنعٍ للأقفال إلى جائزة نوبل    الذهب يتعافى بعد بلوغ أدنى مستوى في أسبوعين    تفاصيل إحداث قطب تكنولوجي جديد بالدار البيضاء يوفر أزيد من 20 ألف منصب شغل    عيد العمال.. الكونفدرالية ببني ملال "تحتج" في مسيرة حاشدة    كرة القدم.. توتنهام يضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    اللاعب المغربي الذي أبهر العالم بأدائه المجنون … !    الصين تدرس دعوات أمريكية لاستئناف الحوار بشأن الرسوم الجمركية    حين يتحول الانفعال إلى مشروع سياسي: في تفكيك خطاب بنكيران حول "القضية" و"الحمار"    احتراق شاحنة على الطريق السيار طنجة المتوسط    منتجو الفواكه الحمراء يخلقون أزمة في اليد العاملة لفلاحي إقليم العرائش    الزلزولي يساهم في فوز بيتيس    هل بدأت أمريكا تحفر "قبرها العلمي"؟.. مختبرات مغلقة وأبحاث مجمدة    القهوة تساعد كبار السن في الحفاظ على قوة عضلاتهم (دراسة)    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجزائر رحلت صحراويين مغاربة بحجة حمايتهم من الجيش المغربي
محمد بشير عائد من مخيمات حمادة تندوف يكشف ل «العلم» عن حقائق صادمة:
نشر في العلم يوم 25 - 12 - 2010

«... خلال زيارتي كنت خائفا جدا على خلفية ما شحنت به في المخيمات، من عداء وحقد على المغرب والمغاربة، فلم أجده ذلك التنين الشرس الذي ينفث النار على الأخضر واليابس، يبتلع الأطفال، يكسر جماجم الكهول، يقتل الرجال ويغتصب النساء، هكذا صوروا لي وطني وأنا طفل في المدرسة، وأثقلوا مفكرتي بمصطلحات عدائية تجاهه، حقنوني حقدا وكراهية عليه حتى اختنقت أنفاسي، وعشت شبابي أخطط ضمن خليات سياسية كيف أنتقم وأسترجع التراب المسلوب مني كي أسترجع أنفاسي، ولم أكن أعلم أنني أنا من سُلب من ترابه قسرا وليس العكس، لقد سلبني من ينصب نفسه حامي كل حقوقي في مغربيتي وانتمائي، في فكري وتاريخي، إن ما فعلوه بنا لا يمكن لأي عقل تصوره، فهو أقل ما يمكن تسميته بإرهاب وحصار فكري قبل أن يكون احتجازا جسديا بالمخيمات لمدة 35 سنة من المعاناة في منفى هو «اختياري» عن جهل بالحقيقة.. زيارتي للمغرب منحتني أكبر استنتاج، هو أن الحياة في المخيمات ضرب لكل القيم الأخلاقية والإنسانية وأن كل ما درسوه لنا وقيل لنا كان ضرباً من الخيال وكذباً في كذب».
هي أكبر حقيقة يقف عليها العائد محمد البشير خلال اكتشافه لوطنه، يدرجها لنا في أول حوار له مع الصحافة خص به جريدة «العلم»، كاشفا عن عدة خروقات اقترفتها البوليساريو والجزائر في أكبر جريمة ضد الصحراويين، ضربوا عليهم الحصار الفكري قبل الحصار الجسدي، وحولوهم إلى ملف وقضية للتسول بهم لدى محافل دولية، لجمع الهبات والمعونات التي لا يصلهم منها غير الفتات على حساب نواصيهم، وإلى مخطط بشري لبلوغ أهداف اقتصادية - عسكرية، في حواره أيضا يكشف لنا فلسفة العودة التي اعتبرها ثورة فكرية تتنامى في المخيمات نحو الاتجاه المعاكس..
محمد بشير من العائدين الجدد إلى أرض الوطن، رجل احترف الفن والسياسة، كان مسؤولا على لجنة الدعاية لمشروع الاستفتاء الذي لم ير النور، وشغل عدة مهام ووظائف أخرى فيما يسمى بوزارات تابعة للبوليساريو أو مؤسسات دبلوماسية، في أول خروج له للصحافة الوطنية، ينقلنا محمد بعيدا عن صعوبة قرار العودة من ناحية الخطورة الأمنية أو وعورة المسالك الطرقية، ولكن إلى أعمق بعد فلسفي للقرار العودة، فالعودة ليست مجرد خطى نحو الوطن، لكنها خطى نحو نور الحقيقة، و خروج من نفق مظلم لقضية زائفة كان صحراويو المخيمات لعبتها، فهي صحوة فكرية و ثورة في الاتجاه المعاكس قبل أن تكون رحلة عبور...في هذا الحوار سنقف على أكثر من قضية تكشف حقيقة البوليساريو والجزائر في أكبر عملية تهجير وإبادة فكر جماعيين لصحراويين مغاربة غرر بهم.
حوار مع عائد يكشف أن الجزائر رحلت صحراويين مغاربة بحجة حمايتهم من الجيش المغربي وحقائق أخرى صادمة
يقول محمد بشير: «كنا دمى كراكيز في أكبر مسرحية سياسية لجمع الهبات وتهجير سافر وإبادة فكر جماعي تلعبها البوليساريو والجزائر وآخرون على المسرح الدولي».
س: قبل الحديث عن بعض التفاصيل المتعلقة بفكرة العودة كقرار مصيري ذي فلسفة وأبعاد، كيف تولدت لديك فكرة العودة إلى أرض الوطن بعد 35 سنة من العيش هناك، خصوصا و أنك كنت من بين الناشطين في الحقل السياسي والثقافي داخل فضاء البوليساريو؟
ج:إن أصعب قرار يمكن أن يتخذه الإنسان وهو هناك بمخيمات حمادة تندوف، هو الفصل في قرار العودة إلى المغرب، خصوصا بالنسبة للذين لم يسبق لهم أن زاروا المغرب وعايشوا أناسه أو احتكوا بهم، فليس من رأى كمن سمع، لأن الفكرة تكون مستبعدة جدا أمام الحصار الفكري المضروب عليه من طرف جبهة البوليساريو، و حجم التأطير الممنهج، سواء منه العسكري أو السياسي، والذي تفرضه الجبهة على صحراويي المخيمات، فالجبهة منذ نشأتها حولت الأشخاص إلى فئران تجارب داخل مختبراتها، أو معتقلاتها، إن صح التعبير، العسكرية ، السياسية، الإيديولوجية والسيكولوجية.. إلخ، كي تحولهم إلى أشخاص «آليين» مشحونين بالحقد والغل والكراهية للمغرب والمغاربة، فباتوا كأي قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة أمام أي مغربي أينما كان، وحولتهم إلى مناصرين ومجاهدين في سبيل قضية سياسية «مفبركة»، هي في العمق تخدم أهدافاً مصلحية راهنة، لصالح قيادة البوليساريو بدرجة أولى، وأخرى مستقبلية ذات طابع اقتصادي بتغليف عسكري، تخدم الجزائر وحلفاءها، ولا تخدم في الأساس صحراويي المخيمات، هؤلاء «المهجرون» الذين قضوا ما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف من الترحيل يتنفسون الحلم والوهم تحت خيام مهترئة، شابت رؤوسهم وهم يعتقدون أنهم أصحاب قضية، وتحملوا طيلة عقود قساوة العيش بالمخيمات على رمق احتضان ترابهم المسلوب و«المستعمر» من طرف المغرب، كما جعلوهم يعتقدون، بقدر ما هم، في الحقيقة، مجرد أداة مسخرة لهذه الأهداف المذكورة، ودمى «كراكيز» في أكبر مسرحية سياسية لجمع الهبات، تزوير التاريخ، إبادة فكر وتهجير جماعيين، تلعبها الجبهة والجزائر ومن معها، على ساحة المسرح الدولي.
س: جميل جدا أن تعطينا هذه الأرضية حتى نعي المناخ العام الذي تتمخض عنه فكرة العودة، إذن في نظرك، مَن منهم القادرون على ركوب جماح هذه الفكرة؟
على ضوء ما شرحت، ورغم تعدد القصص و اختلاف المرجعيات التي تدفع بعض صحراويي المخيمات إلى اتخاذ قرار الرجوع إلى الوطن، فإن من يركب مغامرة العودة يكون غالبا ضمن الخانات التالية: فهو إما محظوظ، زار المغرب فاكتشف حقيقته الطيبة والمضيافة، أو التقى مع من فتح عينيه على حقيقة وطنه أو مكنه من استيعاب مفهوم مقترح الحكم الذاتي، واستطاع بذلك الخروج من نسق الفكر الواحد والقطبية الأحادية لإيديولوجية النهج الذي يعتمده البوليساريو بالتحديد، أو أشخاص ملوا واقع العيش المزري بالمخيمات، وسمعوا بالامتيازات التي يمنحها المغرب للعائدين من أبنائه إلى الديار، وقد يكون هؤلاء على صلة ببعض أهاليهم أو أقاربهم ممن سبقوهم إلى العودة، أو زاروهم في إطار تبادل الزيارات، أو متهما أو مجرما فر من حكم قضائي ليحتمي بالمغرب مستغلا القضية، أو عائدا مدسوسا مسخرا من طرف جبهة البوليساريو أو المخابرات العسكرية الجزائرية، ليشكل خلايا نائمة لأجندة سياسية أو عسكرية، تستيقظ في الوقت المناسب، و أظن أن أحداث العيون كفيلة بتأكيد هذا الصنف الأخير، الذين استغلوا هامش الحرية الذي يمنحه المغرب للعائدين تحت لواء إن الوطن غفور رحيم. هذا طبعا دون الحديث عن العائدين الذين لا يمتون لصحراويي المخيمات بصلة إطلاقا.
س:بخصوص تجربتك، أين تحدد موقعك بين هؤلاء، ثم إنك لم تحدثنا بعد عن دوافعك الشخصية، اروي لنا قصتك الخاصة؟
ج:ربما أصنف نفسي ضمن خانة المحظوظين، إذ قبل سنة من اليوم، زرت المغرب رفقة أحد إخوتي قادمين إليه من إسبانيا، وقد جلناه شمالا وجنوبا، دون أن ألقى أي سوء معاملة من أي كان سواء من المسؤولين أو الأشخاص العاديين، وانتهت زيارتي بلقاء أحد أصدقاء الطفولة الذي سبقني للعودة منذ سنوات، وتحدثنا عن الحكم الذاتي لأفهم خلفياته وأهدافه لأول مرة ، وخلال زيارتي كنت خائفا جدا على خلفية ما شُحنت به في المخيمات، من عداء وحقد على المغرب والمغاربة، فلم أجد ذلك التنين الشرس الذي ينفث النار على الأخضر واليابس، يبتلع الأطفال، يكسر جماجم الكهول، يقتل الرجال ويغتصب النساء، هكذا صوروا لي وطني في المدرسة وأنا طفل، وأثقلوا مفكرتي بمصطلحات عدائية تجاهه، حقنوني حقدا وكراهية عليه حتى اختنقت أنفاسي، وعشت شبابي أخطط ضمن خليات سياسية كيف أنتقم واسترجع التراب المسلوب مني، كي أتنفس الصعداء وأتخلص من ذلك الحقد الذي كان يطبق على أنفاسي، ولم أكن أعلم أنني أنا من سلب من ترابه قسرا وليس العكس، لقد سلبني من ينصب نفسه حامي كل حقوقي، مغربيتي، وانتمائي، فكري وتاريخي.
إن ما فعلوه بنا لا يمكن لأي عقل تصوره، فهو أقل ما يمكن تسميته بإرهاب وحصار فكري قبل أن يكون احتجازاً جسدياً بالمخيمات لمدة 35 سنة من المعاناة في منفى هو»اختياري» عن جهل بالحقيقة. فآخر بلد كنت أتصور العيش فيه هو المغرب. وما كنت لأصله لولا استقراري لمدة بإسبانيا رفقة طفلتي المعاقة التي اضطررت لترحيلها من المخيمات حتى أضمن لها العناية، ولولا إصرار صديق الطفولة على زياته بالداخلة، ولم أكن أعلم أنه يدبر لي فخا سيقلب كل الموازين لدي. زيارتي للمغرب منحتني أكبر استنتاج، هو أن الحياة في المخيمات ضرب لكل القيم الأخلاقية والإنسانية وان كل ما كان يقال لنا هناك عن المغرب كذب في كذب.
س:إذن قرار العودة لم يكن صعبا كما زعمت، فيكفي أن تطرق الباب وتسمح بمحاورة الآخر أو من عشت لسنوات تخاله عدوا لذوذا؟
ج: لن أنكر أن قرار العودة كان صعبا جدا، فهو كذلك لأنه يعني قطيعة مع 35 سنة من العيش في المخيمات، بما تحويه هذه الفترة العمرية من حمولات ثقافية و إنسانية، وارتباطات أسرية، وأخرى مع الفضاء والمكان، بل صحوة صادمة من ثقل معتقدات وفكر مازلت أتكيف العيش دونه، والتخلص من إدمانه، حالي كحال مدمن كوكايين يحاول جاهدا مقاومة ألم الإدمان، وألمي أنني لم أتقبل بعد فكرة أن أكون، طيلة هذه السنوات، ضحية إبادة فكر جماعي، محا البوليساريو والجزائر جزءا كبيرا من حقيقته وذاكرته، وأنني لم أكن أبدا صاحب قضية، أخذت من وقتي ومن تفكيري الكثير، في الوقت الذي لم تكن هناك أي قضية من الأساس، فأن أستيقظ اليوم على حقيقة أن المغرب وطني الحقيقي، ولم يطردني في يوم من الأيام كما صوروا لي وأنا طفل، في حد ذاته صراع داخلي يخلط كل الأوراق بعضها البعض، ويمزج الحب بالحقد ويجعلني مظلوما وظالما في نفس الوقت، فأنا ضحية وأيضا مدان في حق نفسي وفي حق الآخر لأنني لم أعط لنفسي فرصة البحث عن ما غيبوه عني، فيخنق الصمت الصراخ بداخلي باحثا عن خط الفصل بين المتناقضات، وتصبح الحقيقة كما تبدو لي اليوم أنني اختطفت من وطني وأنا طفل عاجز عن تقرير مصيري، كل ذلك ليصنعوا منى ملفا وقضية تخدم مراميهم الاستعمارية، لم أتقبل أنني كنت مجرد بيدق في لعبة سياسية حقيرة، اغتصبت شبابي وأعدمت حقي في الانتشاء بحلاوة الانتماء لوطني الحقيقي طيلة هذه السنين، إن قرار العودة ليس فقط مجرد خُطى نحو الوطن لكنه خُطى نحو نور الحقيقة، خروجا من نفق مظلم لقضية زائفة كنت ومن معي لعبتها، فالعودة هي صحوة فكرية إن لم نقل ثورة في الاتجاه المعاكس قبل أن تكون رحلة عبور، هذا من جهة ومن جهة أخرى لم يكن أبدا من السهل التخلي عن أطفالي وزوجتي، أمي وأبي بعدما بلغا من السن عتيا، فلا الأخلاق ولا القيم الدينية والإنسانية تسمح لي بذلك، خاصة وان ظروف العيش بالمخيمات كارثية ومزرية للغاية، كما أنني كنت على وعي تام بالمضايقات والمعاملة السيئة التي سيتلقونها من بعدي، لأنهم سيدخلونهم في خانة الخونة، وهذا ما حصل فعلا.
س: ما هي التحولات التي استشعرتها بعد هذا القرار المصيري، بل إن صح القول ماذا صنعت منك العودة؟
ج:حولتني من صاحب قضية «مبتذلة» إلى صاحب قضية حقيقية، وقضيتي أن أنقذ أطفالي وأهلي وكل ساكنة المخيمات من التنويم المغناطيسي الذي تفرضه عليهم الجبهة، وأخلصهم من المعاناة التي يعيشونها هناك كلاجئين، قضيتي أيضا أن أقاضي أولئك الجلادين الذين سلبونا حضن الوطن لسنوات، وجعلونا ضحايا أكبر عملية سافرة للحصار الفكري والتهجير القسري وإبادة الفكر الجماعي، وحولتني من صحراوي لاجئ ودون هوية يسكن الخيام، يقتات من بقايا صحون الطغاة، إلى شخص له هوية ووطن، تجاوز الصحراء الغربية ليشمل كل الأقاليم من طنجة إلى الكويرة، حولتني العودة من شخصية مأساوية خلقها البوليساريو ليتسولوا بها على محافل الدول، ويجمعون وهم واقفون على رقبتها الإعانات والهبات و يرشونها بالفتات، إلى مواطن له انتماء وتاريخ وكرامة. لهذه الأسباب قررت العودة و الالتحاق بالوطن تلبية للنداء السامي لجلالة الملك، فعدت وكلي أمل للمساهمة الفعالة في بناء وطني بما أوتيت من طاقة وإمكانيات كبقية الأطر التي التحقت من قبلي.
س: لماذا أصررت أن يكون اسمك مستعارا خلال حوارنا هذا، رغم قولك أنك صاحب قضية، وأنك ستدافع عنها ما حييت، فكما يقول المثل المغربي: واش اللي تيشطح يغطي ليحيتو؟
ج: والله.. للظروف أحكام في الوقت الحالي، فأنا صاحب قضية فعلا ولن أتراجع عن هذا، لكن في التلة الأخرى يوجد فلذات كبدي وزوجتي ووالدي ووالدتي، وهذا من بين المعيقات الكبرى التي تحول أيضا دون عودة العديد من اللاجئين الذين اقتنعوا بقرار العودة إلى الوطن، فالظروف القاسية التي عشناها بالمخيمات علمتنا أولا كيف نصمد، وقوت لدينا الارتباطات الأسرية، لأن المأونة الشهرية القليلة جدا، والتي تعطى حسب عدد أفراد داخل الخيمة، علمتنا كيف تقتسم رغيفك مع طفلك أو والدك حتى لا تراه يشكي من الجوع إن كان مريضا أو عيانا، وأن تضاعف حصة زوجتك الحامل من الأكل من رمقك وجوعك، كل هذه التضحيات علمتنا التماسك مع بعضنا كي نعيش، وبالتالي فإن مجرد عودتي اليوم هي نقمة عليهم هناك، فبالأحرى الإدلاء بتصريحات تفضح واقع العيش بالمخيمات وبالانتهاكات الحقوقية هناك، فذلك يعني حرمانهم من المأونة أو تقليص حصتهم منها، وإذا لم يتطور الأمر إلى التعذيب الجسدي، فكل أنواع المضايقات والتنكيل موجودة، كحرمان الأطفال من المدرسة ونعتهم بعائلة الخائن إلى غير ذلك، وقد حصل هذا فعلا عندما نشر أحد الصحافيين الأمريكيين اسمي في حوار أجريته معه بجريدة « نيويورك تايمز»، فأطفالي حاليا محرومين من التمدرس لأن المعلم كان ينكل بهم وينعتهم بأبناء الخائن.
س: هل من إمكانية لإحضارهم إلى المغرب ؟
ج:في الظروف الراهنة لا يمكن لأنني أتقاضى فقط راتب بطاقة الإنعاش الوطني التي لن تمكنني من إعالة أسرة من ثمانية أشخاص، لكن ربما مستقبلا حين أحسن ظروفي وأبحث عن وظيفة. فأنا أرفض مبدأ «الكارطيه».
س: قرار العودة إلى أرض المغرب، يحمل في لعمق أكثر من دافع وهو أيضا نتاج عدة تفاعلات، تنتقل من السياسي إلى الاقتصادي إلى الاجتماعي والحقوقي،ألا يشكل ذلك نشأة واضحة لفكر جديد يتنامى داخل المخيمات، من شأنه قلب كل موازين القضية، وأخص هنا بالذكر العودة المبنية على الاختيار الصادق، فهل الأرضية مواتية بالمخيمات؟
ج:أظن أن الأرضية جد مواتية لخدمة القضية الوطنية هناك، وعلى المغرب استغلال ذلك، فظروف العيش المزرية التي تعاني منها ساكنة المخيمات جعلتهم يعانون من نوع من القنوط والملل، ويئسوا من الاحتجاز الفكري، النفسي والجسدي المضروب عليهم، وهم يجهلون تماما مفهوم الحكم الذاتي أو أهمية الالتحاق بالوطن، لأنهم معزولين عن المعلومة، لكن المغرب للأسف لا يملك عصى موسى ليحل القضية من داخل المخيمات. ففي غياب أي إستراتيجية سرية تنشر داخل المخيمات خطابا وفكرا يوضح مواقف المغرب من القضية وتصحح المعلومات الخاطئة التي روجت عنه، يستحيل تماما حل القضية من داخل المخيمات ، لأن الأمر صعب نوعا ما أمام سياسية الفكر الوحيد التي تعتمدها جبهة البوليساريو للسيطرة على عقول المحتجزين والمراقبة الدائمة.
س: استغرب كثيرا لكونك ترفض « الكارطية» هل هذا مبدأ أم أنها لا تكفي احتياجاتك؟
ج:من حيث أنها لا تكفي فذلك أمر فيه نظر، لكنني أفضل العمل والحصول على وظيفة مادمت قادرا على العطاء و البناء، و أتوفر على شواهد عليا وتقلدت عدة مسؤوليات بعدة مجالات كالثقافة،الصحة والتعليم، فانا أرفض مبدأ الإتكالية والعيش من الريع، لذلك لابد من إدماج فعلي للعائدين القادرين العمل والإنتاج، وترك الاستفادة من الإنعاش للأشخاص غير القادرين على الإنتاج من الشيوخ وذوي الاحتياجات الصعبة، فلابد للعائد أن يشعر أنه مواطن فعلا، ولا بد لباقي المواطنين أن لا يشعروا بأنهم من الدرجة الثانية، كما أن خلق إدماج شامل للعائدين يتطلب آليات خاصة.
س: كيف ذلك ..هل لديك مقترحات؟
ج:تعلمين الآن بعد كل ما ذكرت أننا هناك بالمخيمات تعرضنا لأكبر عملية غسل دماغ، وشحنا بكل أنواع الحقد على المغرب، فلا بد من التعامل مع هذه النقطة بشىء من المسؤولية والاهتمام ، وأظن أن على الدولة إنشاء هيئات أو مؤسسات خاصة تهتم بإدماج العائدين وتأطيرهم و الاهتمام بقضاياهم وتشغيلهم ومراقبتهم حتى يزول الخطر و يتخلصوا من حقن الإدمان العدائي الذي سهرت البوليساريو على إعطائه لهم منذ الصغر. كما أن إشراك العائدين الصادقين في لجن إثبات الهوية ضروري، لأن أهل مكة أدرى بشعابها، حتى لا تكون هناك تسربات لعائدين مدسوسين وليسو من أهل المخيمات.
س: تحدثنا كثيرا عن العودة ولم نتحدث عن الرحيل قبل 35 سنة، خاصة وأنك تصف ساكنة المخيمات ب «المهجرين» ألم يكن رحيلهم عن قناعة تامة بنهج من ينعتوه بمفجر الثورة مصطفى الوالي؟
ج: لم يكن خيار الرحيل نابع عن قناعة أي صحراوي آنذاك، بل كان نتيجة شحنات من الإشاعات التي لعبت فيها البوليساريو الدور الرئيسي، مفادها أن «المد» المغربي قادم من الشمال وانه يحرق الأخضر باليابس، وان الرحيل هو هروب من اجل البقاء، وسيكون ذلك لمدة وجيزة حتى يزول الخطر وبعد ذلك تعود الأهالي إلى ديارها، مستغلين طيبة وجهل المجتمع الصحراوي، وهناك من كان ضحية الترحيل الجماعي الذي كانت تقوم به شاحنات الجيش الجزائري، وهو الأمر الذي عشته شخصيا حين كان عمري ثماني سنوات، حيث جاءت شاحنات عسكرية جزائرية إلى بلدة أمكالا بسمارة وأرغمتنا على الرحيل، تحث حجة إنقادنا من الجيش المغربي، حيث نقلت أسرتي وبعض الأهالي إلى بلدة تفاريتي حيث بقينا فيها مدة 20 يوما ومنها إلى حمادة تندوف، وقد تم تأطير الكبار في وحدات الجيش الصحراوي والصغار في مدارس يشرف عليها جزائريون، و كان الترحيل يتم بتنسيق مشترك بين نشطاء من البوليساريو والجيش الجزائري.
س: كم عدد ساكنة مخيمات حمادة تندوف اليوم؟
ج:إذا ما حذفنا الموريتانيين والجزائريين فإن البوليساريو يزعمون أن عددهم يتجاوز المائة ألف، فوق مساحة لا تتجاوز 35 كلم مربع جنوبا وشمالا، شرقا وغربا، ولكوني عشت لسنوات في المخيم فأجزم أن أعدادا هائلة من قبائل سلام وقبائل بكرة مسخرة لرفع العدد، كما أن الموظفين المتواجدين في مدينة تندوف، بشار، المنيرة وغيرها لا يمتون لأهل المخيمات بصلة فهم جميعا يحملون بطاقات تعريف جزائرية.
س: رحلت وأنت طفل وعدت وعمرك يتجاوز الأربعين كيف وجدت الديار؟
ج:لا أخفي عليك، فحين وطأت قدماي مدينة العيون بعد قطيعة دامت 35 سنة دمعت عيناي، ودهشت لقمة الجهود التي بذلها المغرب لتنمية أقاليم الجنوب، وعادت بي الذاكرة حين كنت أزورها بمعية والدي، لقد قاومت هذه المدينة كل المراحل الصعبة التي مرت عليها وبقيت ذاكرتي حافظة لتلك الأزقة التي كنت ألعب فيها، وتلك الأرصفة التي كانت تعج بالتجار المتجولين الذين كانوا هدفا سهلا بالنسبة للأطفال، تركتها لا تتعدى براريك ايت باعمران جنوبا والمطار شمالا والزملة غربا إلى غاية واد الساقية شرقا، فوجدتها مدينة حضارية كبيرة ، وتساءلت بالمقابل ماذا أعطت القيادة العسكرية الجزائرية لبناء مدنها وبنياتها التحتية، فأغلب العمران سواء في الجزائر العاصمة أو وهران أو غيرها من المدن المعروفة لازالت تعيش على مخلفات عمرانية شيدها الاستعمار الفرنسي، وماذا أعطت قيادة البوليساريو لساكنة المخيمات طيلة 35 سنة غير فتات ما حصدته من الهبات والمنح الدولية وخيام توزعها كل خمس سنوات.. وهنا يكمن بيت القصيد !!!
على الهامش
..أن أستيقظ اليوم على حقيقة أن المغرب وطني الحقيقي، ولم يطردني في يوم من الأيام كما صوروا لي وأنا طفل، هو في حد ذاته صراع داخلي يخلط كل الأوراق بعضها البعض، ويمزج الحب بالحقد ويجعلني مظلوما وظالما في نفس الوقت ... فيخنق الصمت الصراخ بداخلي باحثا عن خط الفصل بين المتناقضات..
.. قضيتي أيضا أن أقاضي أولئك الجلادين الذين سلبونا حضن الوطن لسنوات، وجعلونا ضحايا أكبر عملية سافرة للحصار الفكري والتهجير القسري وإبادة الفكر الجماعي، وحولوني من صحراوي مغربي إلى صحراوي لاجئ يسكن الخيام ودون هوية....
... قبل 35 سنة جاءت شاحنات عسكرية جزائرية إلى بلدة أمكالا بسمارة وأرغمتنا على الرحيل، بحجة إنقاذنا من الجيش المغربي، حيث نقلت أسرتي وبعض الأهالي إلى بلدة تفاريتي حيث بقينا فيها مدة 20 يوما ومنها إلى حمادة تندوف...
حين وطأت قدماي مدينة العيون بعد قطيعة دامت 35 سنة دمعت عيناي، تركتها أزقة معدودة ولاتتعدى براريك ايت باعمران جنوبا والمطار شمالا والزملة غربا إلى غاية واد الساقية شرقا، فوجدتها مدينة حضارية كبيرة ودهشت لقمة الجهود التي بذلها المغرب لتنمية أقاليم الجنوب...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.