إن الاحتفال بذكرى الاستقلال، يجب أن نراجع فيه ذاكرتنا لأخذ العبرة والحفاظ على ما حققه الشعب المغربي بقيادة الأحرار الوطنيين، وفي طليعتهم جلالة الملك المنعم سيدي محمد الخامس نور الله ضريحه، وأثابه على ما قدّم من الصالحات. لقد خاض الوطنيون الصادقون في حزب الاستقلال معارك طويلة ومتعددة، وقدموا تضحيات جسيمة، مختلفة الأشكال والألوان، للظفر بحرية بلادهم وانعتاقها من ربقة الاستعمار، ولقد قدم الشباب الوطنيون أرواحهم ضحايا في سبيل، عزة بلادهم، واسترجاع كرامتها، والحفاظ على ذاتيتها وهويتها. إن الأوضاع في المغرب كانت مخيفة، وكان الاستعماريون الفرنسيون جادين في القضاء على هويتنا وماضينا وقيمنا وتاريخنا الحضاري بما فيه لغتنا العربية، وديننا الإسلامي الحنيف. لقد كانت أمنية الاستعمار الفرنسي أن يخرجنا من حظيرة المجموعة الاسلامية العربية الحضارية، ويدمجنا فيما كان يسميه بالوحدة الفرنسية، لنصبح دولة تابعة له ثقافة وحضارة ولغة ولنصبح فرنسيين من الدرجة الثانية، مثل ما وقع في جنوب افريقيا، عندما كانت مستعمرة انجليزية ومثل ما كان يريد أن يطبقه الفرنسيون في تونس الشقيقة لدى حركة التجنيس التي قاومها التونسيون الوطنيون بكل ما يملكون من قوة. ولكي يصل الاستعمار إلى تحقيق أغراضه ومراميه الاستعمارية تدخل تدخلا سافرا في قضايا التعليم والثقافة، فصار يضع البرامج والتوجيهات التي من شأنها أن تصور المغرب بصورة الشعب المتخلف المنحط، المتفرق الذي ليست له ثقافة، ولا حضارة سالفة، ولا يقيم إنسانية شريفة، وانه عبارة عن قبائل متناحرة، وطوائف متخالفة، لا يقر لها قرار إلا بالاعتداء على بعضها بعضا، وظلم بعضها بعضا، وأنها لكي تصل إلى الحضارة الحقيقية، لابد أن يتربي أبناؤها على السير في نطاق الحضارة الفرنسية، والتكلم باللغة الفرنسية، والاندماج والتبعية للسياسة الفرنسية، والادارة الفرنسية، والتعليم الفرنسي، زيادة على تبعية اقتصادها للاقتصاد الفرنسي ليكون مكملا له. وحتى يتحقق ذلك صار الفرنسيون يتدفقون على المغرب، ويأخذون مراكز التحكم فيه. فاتجهوا إلى الأراضي الزراعية ينزعونها من أصحابها والجماعات والأحباس يستولون عليها ويطورونها لصالحهم وصالح بلادهم، مستخدمين أصحابها كعمال مأجورين في أراضيهم، واتجهوا إلى التجارة والصناعة الكبيرة فاحتكروها لأنفسهم، فصارت المعامل والمصانع الكبرى في الدارالبيضاء كلها تقريبا في قبضتهم، واتجهوا بعد ذلك إلى إضعاف رمز الشخصية المغربية، وهي شخصية ملك البلاد فصاروا يتحكمون في شؤون البلاد بأجمعها، دون رجوع للسلطة المغربية وصار المقيم العام الفرنسي والمراقبون المدنيون والعسكريون في مختلف انحاء المغرب، هم المتحكمون المتصرفون، وحاربوا حتى راية المغرب الحمراء، فصارت الراية المثلثة الألوان، هي المرفوعة على الادارات والمحاكم كثيرا وحدها، وأحيانا قليلة بجانبها بعض الرايات المغربية. إلى غير ذلك من الأعمال والتوجهات التي يضيق المقام على تعدادها، للقضاء على الشخصية المغربية، والذاتية الوطنية. هذه التصرفات التي تصرفها الفرنسيون هي التي جعلت كتلة العمل الوطني، ثم الحزب الوطني ييأس من تحقيق مطامح الشعب المغربي في دائرة الحماية الفرنسية، وهي التي جعلتنا نقتنع بأن تطوير المغرب وإصلاحه، لا يكون إلا بيد أبنائه، ولذلك كان يوم 11 يناير 1944، هو رفض الحجر والحماية، والمطالبة بالاستقلال والحرية. ولقد خاض الشباب الاستقلالي في معركة المطالبة بالاستقلال معارك قوية، وأبانوا عن إيمان قوي ببلادهم، والدفاع عن استقلالها والحفاظ علي هويتها وقيمها وحضارتها، وقدم الكثيرون من الشباب في كل أطراف المغرب أرواحهم ودماءهم في سبيل عزة بلادهم واسترجاع حريتها واستقلالها. وكانت مدينة وجدة من المدن المجاهدة الصامدة في مجال النضال والكفاح والتضحية، وكان شبابها يعطي المثال في الفداء، والدفاع عن الكرامة والعزة والحرية، ولا أستطيع في هذه العجالة أن أعدد الأسماء، وأضرب الأمثال فالشارع لا ينسى ما قدموه. فعسى أن يدرك شبابنا مسؤوليتهم في هذا الظرف الذي تجتازه بلادهم فيرجعوا بذاكرتهم إلي ما قدمه أباؤهم وإخوانهم، فيصمموا العزم على الاهتداء بهديهم، فيعملوا مثل ما فعلوا، يضحوا كما ضحّى آباؤهم. نبني كما كانت أوائلنا ٭ تبني ونفعل مثل ما فعلوا