تصنيف دولي يضع المغرب بمراتب متأخرة في مؤشر "الحرية الإنسانية" لسنة 2025            قمة نارية بين نابولي وميلان في كأس السوبر الإيطالية بالعاصمة السعودية    فارس الشايبي: الجزائر تسعى للتتويج بكأس إفريقيا في المغرب    إنريكي بعد هزم فلامينغو: نطمح لكي نواصل هذا الصعود نحو البطولات        خبراء التربية يناقشون في الرباط قضايا الخطاب وعلاقته باللسانيات والعلوم المعرفية    أمريكا توافق على أكبر مبيعات أسلحة لتايوان على الإطلاق بقيمة 11.1 مليار دولار    جلالة الملك يهنئ أمير دولة قطر بالعيد الوطني لبلاده    مجلس النواب.. افتتاح أشغال المنتدى الدولي حول الرياضة    بحضور محمد صلاح.. الفراعنة يصلون أكادير استعداداً لانطلاق المنافسات القارية    غوغل تطور أداة البحث العميق في مساعدها الذكي جيميناي    موجة البرد.. "الداخلية" تتكفل ب665 شخصا بلا مأوى و2790 امرأة حامل و18 ألف مسن    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الموت يفجع أمينوكس في جدته    ميزانية قياسية لكأس العالم 2026: 727 مليون دولار منها 655 مليونا جوائز للمنتخبات        أسعار الفضة تتجاوز 66 دولارا للمرة الأولى فيما يرتفع الذهب ب1 في المائة    جمعية حقوقية بمراكش تطالب بالتحقيق في تدبير النقل الحضري وتشكك في جدوى الحافلات الكهربائية    صحيفة "الغارديان" البريطانية: منظمات حقوقية تتهم المغرب بانتهاكات بحق متظاهري شباب "جيل زد" قٌبيل كأس أمم أفريقيا    حركة "جيل زد" تدعو لاحتجاجات جديدة نهاية الأسبوع استنكارا للتهميش والفواجع التي تشهدها مدن المغرب    تنتشر في 30 دولة.. "الصحة العالمية" تحذر من سلالة جديدة سريعة الانتشار للإنفلونزا    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار سريع لسلالة جديدة من الإنفلونزا        عدول المغرب يصعدون و يطالبون رئيس الحكومة بالسحب الفوري لمشروع القانون    المغرب في المرتبة 62 عالميًا ومن بين الأوائل إفريقيًا في رأس المال الفكري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    مركز موكادور يعلن فهرسة مجلة «ليكسوس» ضمن قاعدة DOAJ الدولية    مركز وطني للدفاع يواجه "الدرونات" في ألمانيا    ترامب يؤكد مواصلة المسار الاقتصادي    توقعات أحوال الطقس لليوم الخميس    انهيار منزل يخلف مصابَين بالدار البيضاء    عمر الصحراوي الثوري الوحدوي    أطر الصحة تحتج ببني ملال ضد تدهور الأوضاع وخرق الاتفاقا    التسجيل الأوتوماتيكي في اللوائح الانتخابية ضرورة ديموقراطية    الدار البيضاء.. "متحرش" يهاجم شرطيا وزوجته بالسلاح الأبيض والأخير يرد بالرصاص    عامل إقليم الجديدة ينهي مهام نائبين لرئيس جماعة أزمور    إحداث مصرف مائي سطحي على جنبات الطريق بين أولاد حمدان و الجديدة يهدد السلامة الطرقية.    الحوض المائي اللوكوس .. الأمطار الأخيرة عززت المخزون المائي بالسدود بأكثر من 26 مليون متر مكعب    الرباط تحتضن مهرجان "أقدم قفطان" .. مسار زي مغربي عابر للأجيال    لماذا تراهن بكين على أبوظبي؟ الإمارات شريك الثقة في شرق أوسط يعاد تشكيله    فرحات مهني يكتب: الحق في تقرير مصير شعب القبائل    ماجد شرقي يفوز بجائزة نوابغ العرب    أكادير تحتضن الدورة العشرين لمهرجان تيميتار الدولي بمشاركة فنانين مغاربة وأجانب    وفاة الفنانة المصرية نيفين مندور عن 53 عاما إثر حريق داخل منزلها بالإسكندرية    في حفل فني بالرباط.. السفيرة الكرواتية تشيد بالتعايش الديني بالمغرب    واشنطن توسّع حظر السفر ليشمل عددا من الدول بينها سوريا وفلسطين    تمارين في التخلي (1)    خلف "الأبواب المغلقة" .. ترامب يتهم نتنياهو بإفشال السلام في غزة    مركب نباتي يفتح آفاق علاج "الأكزيما العصبية"    التحكم في السكر يقلل خطر الوفاة القلبية    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    المغرب: خبير صحي يحدّر من موسم قاسٍ للإنفلونزا مع انتشار متحوّر جديد عالمياً    سوريا الكبرى أم إسرائيل الكبرى؟    الرسالة الملكية توحّد العلماء الأفارقة حول احتفاء تاريخي بميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم    تحديد فترة التسجيل الإلكتروني لموسم حج 1448ه    موسم حج 1448ه.. تحديد فترة التسجيل الإلكتروني من 8 إلى 19 دجنبر 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديث الجمعة‪: في ذكرى وفاة فيلسوف الذاتية محمد إقبال أبريل 1938 (4) النهضة وإحياء الدولة الإسلامية من خلال حديث الروح..؟-3-
نشر في العلم يوم 09 - 05 - 2014

حديث الجمعة اليوم نحاول فيه إتمام تحليل ما ضمنه إقبال لقصيدتيه (شكوى وجواب شكوى) في تأكيد أن الإسلام له مستقبل قادم يعيد فيه المسلمون مجدهم القديم، وقد يظهر إقبال متفائلا أكثر من اللازم لدى البعض ولاسيما والحالة التي يذكرها حينذاك هي نفسها السائدة بين المسلمين اليوم، ولكنه كان يرى بالبصيرة النافذة أن مستقبل الأمة هو الانعتاق من الهيمنة الاستعمارية التي فرضت نفسها على الأمة.
واليوم يمكن أن نتساءل ما هو حظ الأمة من استعادة ما ضاع، واستعادة الدعوة النهضوية بالأساس التي ضاعت أو كادت بفعل الألاعيب التي طالما حذر منها وحذر منها غيره من المناضلين والقادة النافذين بفكرهم نحو آفاق المستقبل، فهل الوحدة بين المسلمين اليوم أقوى مما كانت عليه في تلك المرحلة؟ وهل المسلمون يدركون من مكائد الأجنبي أكثر مما يدرك رعاة النهضة الأولون؟ وهل الاستعداد الفكري والعلمي لدى المسلمين في المستوى المطلوب لمواجهة التحديات؟ وهل الحكم في ديار الإسلام حكم ديمقراطي شوري يسمع فيه لرأي الشعوب أم إن الواقع ازداد سوءا من ذي قبل؟ وهل أفهام المسلمين اليوم أكثر تقبلا لروح الإسلام الحقة ودوره في تحرير الشعوب الإسلامية وضمان العدالة الاجتماعية والكرامة للجميع؟ وهل المسلمون اليوم تحرروا من الطوابير الخمسة التي تدك حصون الإسلام من الداخل؟ إنها أسئلة كثيرة اشرنا إلى بعضها ونحن في ختام الكلام عن شكوى وجواب شكوى وملامح الدعوة النهضوية الإقبالية من خلالهما.
*********
خمول واختلال
ختمنا الحديث الأخير بأربع أبيات شعرية يستعرض ضمنها إقبال ما أصاب الفكر الإسلامي من خمول، وعدم القدرة على الإبداع والابتكار، وان الأمة أصبحت تعيش ما يكاد شبه عقما شاملا في كل مناحي حياتها الفكرية، سواء تعلق الأمر بالفقهاء والأدباء والمفكرين، فلم تعد الأمة تلك الأمة التي يتصدر حياتها علماء من صنف العز بن عبد السلام أو الصوفية العقلانية المتفلسفة ولكنها القادر على أن تفرز لكل واحد من هذه التوجهات مساحة معينة في منهاجها الفكري، دون أن يقع أي اصطدام بين كل ذلك.
انعدام الفعالية
والأدهى من ذلك أن المدن الإسلامية على امتداد شرق الأرض إلى مغربها ممتلئة بالمساجد التي تعلو منابرها وقبابها إلى عنان السماء والتي يصيح فيها المؤدنون من تباشير الفجر الأولى إلى العتمة التي يختمها الناس بأداء صلاة العشاء، ولكن هذه الأذان وأحرى الصلاة لا تتوفر على روح الصلاة وشروطها الضرورية التي يجب أن تتوفر لكل مصل فلا خشوع ولا امتثال لما تفرضه الصلاة من خشوع ومن استقامة وبالأحرى من فعالية لعلاج أوضاع المسلمين يقول:
وجلجلة الآذان بكل أرض ولكن أين صوت من بلال
منابركم علق في كل حي ومسجدكم من العباد خال
انعدام الفعالية
والواقع أن المساجد ليست خالية بل هي ممتلئة بل تشكو من الاكتضاض وما يلاحظه الإنسان هو أن الناس بنوا المساجد و أوقفوا لها أوقافا، وبنوا التكايا والزوايا ولكن كل ذلك لا يؤدي ما هو مطلوب منه في التأثير في الناس تأثيرا ايجابيا يستطيع الناس من خلاله أن يتلقوا الزاد الذي يحررهم من جمود العقل، وأغلال الخرافة، وسيطرة التقليد الذي لا يستطيع الناس معه أن يجدوا لأنفسهم طريقا لتدبير شؤونهم على النمط الذي كان عليه المسلمون عندما كانوا يدركون العمق الحقيقي للأذان والصلاة، ويعرفون أن المسجد مكان للثورة على الخرافة والتواكل، ومنطلق للحرية الفكرية والدينية بكل أبعادها.
منطلق الحرية
فالمسجد هو الذي كان المسلمون يتلقون من خلاله وبين أساطينه أو سواريه زادا من المعرفة الحقة التي تهيئ الناس للبذل والعطاء والتضحية بالحياة من اجل الحياة، فالمسجد كان يحرر الناس من الوهن ولكنه مع التخلف أصبح مبعثا لهذا الوهن بل منظرا له عند البعض باستخدام النصوص استخداما منحرفا فكراهية الموت وحب الدنيا هو الوهن وإذا شاء المسلمون العودة إلى دورهم ومكانتهم فعليهم بعكس ما هم عليه حيث يطلبون الموت لتوهب لهم الحياة:
وفي هذا يقول إقبال:
الحياة الحقة
جهاد المؤمنين لهم حياة
عقائدهم سواعد ناطقات
وخوف الموت للأحياء قبر
أرى ميراثهم أضحى لديكم
وليس لوارث في الخير حظ

ألا إن الحياة هي الجهاد 
وبالأعمال يثبت الاعتقاد
وخوف الله للأحرار زاد
مضاعا حيث قد ضاع الرشاد
إذا لم يحفظ الإرث اتحاد

سيطرة الوهن
إن إقبال في هذه الأبيات الخمسة يقلب المعادلة التي كانت سائدة أسباب الانحطاط الذي أصابت الأمة الإسلامية حيث الناس يرددون قوله تعالى: «لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» وهذا استعمال للآية في غير محلها كما ورد في الأثر أن الناس يفسرون هذه الآية على غير ما هو مقصود منها فإن جلوس الناس عن الجهاد والاشتغال بأمور أخرى يترك الأمة دون الاستعداد الضروري لمواجهة الأعداء والخصوم وبذلك يعرضون أنفسهم للتهلكة، لان العدو الذي استعد لهم بوسائل تمكنه من التغلب والانتصار عليهم يستطيع في لحظة ما أن ينقض عليهم ويستولى على أرضهم ومن تم القضاء على الدين وأهله ويستبيح أرضهم وديارهم، وهذا له نماذج كثيرة وأهم نموذج واضح ما حصل للمسلمين في الأندلس.
نخلة الإسلام
ثم يقول:
فكم زالت رياض من رباها
ولكن نخلة الإسلام تنمو
ومجدك في حمى الإسلام باق
وإنك يوسف في أي مصر
تسير بك القوافل مسرعات

وكم بادت نخيل في البوادي
على مر العواصف والعوادي
بقاء الشمس والسبع الشداد
يرى كنعانه كل البلاد
بلا جرس ولا ترجيع حادي

الفجر القادم
إذا كان الشاعر الفيلسوف قد بين في الأبيات السابقة أن النار الجديدة ويعني الشرك والإلحاد والطغيان النمرودي الذي يمثله الاستعمار ومن سير في ركابه أن الإيمان هو الذي يتم به مواجهة الطغيان به فإنه في الأبيات أعلاه يرسم خطوط النهضة في الفجر القادم للإسلام والمسلمين إذا هم بالفعل كانوا في مستوى إيمان المسلمين الأولين، وكانت عقائدهم عقائد ثابتة ويضرب لذلك مثلا بما حصل لكثير من الرياض والحدائق الغناء ولكنها أصابها الفناء والبوار.
الدين المخلص
ولكن نحلة الإسلام تنمو على مر العواصف والعوادي وإقبال ليس متفائلا بمستقبل الإسلام كدين يخص المسلمين، ولكنه يرى أن هذا الدين هو المنفذ الحق للإنسانية من هذا التردي الذي تعاني منه ويصيبها بما أصاب به الوثنية السابقة الأمم السابقة ان إقبال في هذه اللحظات التي يسطر فيها ضعف الأمة وهو أنها على أعدائها يرسل شعاعا من نور يضيء للناس طريقهم، وينقذهم كما أنقذ آباؤهم وأوايلهم الإنسانية وأسسوا الحضارة التي سرد إقبال كثيرا من أفضالها وأمجادها.
النقد الذاتي
وإقبال لم يغب عن باله وهو سيطر ما سيطره ما هو عليه حال الناس في ديار الإسلام بل هو يتحدث عن المستقبل بتفاؤل وهو يرى أن الأقوام التي تغدو وتروح أمامه تخلت عن كل مقومات الحضارة الحقة التي كانت لأسلافهم، فهو يتفقد قرطبة كما أسلفنا ليكتب مراتي وقصائد في شأنهم، ولكنه القائد الذي لا يريد من خلال النقد السياسي والتحليل الفكري وبسط أوضاع التخلف الديني لدى الإنسان المسلم إلا أن يوقظ الهمم ويبصر الأمة بمآل أمرها بعدما فرطت في الإرث الذي ورثته ن الآباء والأجداد ولذلك يذكر الناس بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم مؤكدا أن مجد الأمة وهي ستظل بطل الإسلام وتعيش في كنفه وحماه يستمر مثل ما يستمر ضياء الشمس، وبقاء السبع الشداء فهذا في الواقع يتدارك ويوجه خطابه إلى المسلم أين ما كان وأينما وجد، الذي يبينهم في ظل إسلامه وعدله وشريعته، وان الإسلام كما صنع الأجيال التي حملت رايته إلى كل الدنيا قادر اليوم على فعل نفس الشيء، وأن ما تعانيه الإنسانية من فقدان الأمن والسلام سيعود بإرادة المسلمين الحقة وعزيمتهم الصادقة.
نماذج من الماضي
وقد اثر ذلك في الشاعر تأثيرا كبيرا سجله في عدة قصائد التي تناول فيها مآثر قرطبة والأندلس وقد استوحى من ذلك التاريخ الكثير من العبر والأفكار وهي ما عبر عنه بشكل صريح وواضح في تلك القصائد الطويلة والمعبرة تعبير صريحا وواضحا وحكم هذه القصائد بقصيدة بعنوان:
دعاء طارق
وكتب تحتها نظمت في ساحة المعركة في الأندلس
هدى الكماة عبادك الأخيار
أصحاب سرك والسيادة طبعهم
فعلت كموسى في البحار عصيهم
البحر حبة خردل في كفهم
عزفوا عن الدارين إلا أنهم
نيل الشهادة للموحد مطمح

حملوا عناء العالمين وساروا
والنور في نظراتهم والنار
وتراجعت لخطاهم الأنهار
والعشق في أرواحهم إعصار
علم على الدارين لا ينهار
وإذا تقحم فالجراح غبار

ولذلك فإن الشاعر في هذه القصيدة التي نحن بصددها «جواب شكوى» ذكر من عيوب المسلمين ما يجب عليهم تفاديه إن شاء والعزة من جديد.
الجهاد حياة المؤمنين
وإن العقائد هي المحركة لهم ولكن العمل هو الذي يثب الاعتقاد ومعنى ذلك أن الإيمان هو ما وفر في القلب وصدقة العمل والشاعر هنا يفصل في قضية من القضايا الكبرى في علم الكلام وهو الإيمان هل يثب ويتأكد بدون عمل أو أن الإيمان لا يمكن أن يكون كاملا إلا مع العمل سير مع الأثر الإيمان ما وفر في القلب وصدقة العمل الذين امنوا وعملوا الصالحات.
النار الجديدة
هي النار الجديدة ليس يلقى
خذوا إيمان إبراهيم تنبت
ويذكو من دم الشهداء ورد
ويلمع في سماء الكون لون
فلا تفزع إذا المرجان أضحى 

لها حطب سوى المجد القديم
لكم في النار روضات النعيم
سني العطر قدسي النسيم
من العناب مخضوب الأديم
عقودا للبراعم والكروم

الطبع الكنود
ويواصل إقبال تحليل واضع المسلمين على ضد ما تلقاه على جواب على شكواه وتظلمه من لدن الملك الذي عرف صوته وهو يواصل شدوه عند المساء، هذا الملك الذي عرف من تصرفات الإنسان ومخالفته لأمر الله ما جعل الملائكة في اليوم الأول يطرحون طبيعة هذا الإنسان الكنود عندما قالوا لرب العزة وأن تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح نحمدك ونقدس لك». ولكن الخالق وهو أعلم بمن خلق أجابهم بما هو من المسلمات لديهم وهم الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون».
السلف والمجد
وإقبال الذي حلل ما كان عليه السلف الصالح من الطاعة والامتثال، وما كانوا عليه من بذل وعطاء، وما كان لديهم من قدرة على الجهاد والمجاهدة، وما كانوا يملكون من إيمان صادق، وقدرة على أن يتجاوبوا مع تكاليف الإيمان وهو ما جعلهم يحتلون المكانة التي كانوا يحتلونها، وينعمون بما يجب أن ينعموا به من طمأنينة الضمير، وما لديهم طاقة جهادية جعلت أعداءهم يطأطئون لهم الرءوس، ويسعون لإرضائهم، هذا الذي كانوا عليه هو ما يفتقده المسلمون في زمانه الردئ الذي كانوا عليه ولا يزالون، ويذكر إقبال ان كل ما ورثوه المسلمون من ماض تليد وما لديهم من رصيد هائل في هذا المضمار يتعرض لزلزال كبير واندثار محقق ما لم تكن هناك وحدة صادقة بينهم حيث يقول:
وليس لوارث في الخير حظ إذا لم يحفظ الإرث اتحاد
النار الجديدة
وإقبال يتحدث عن رسالة ودوره ودور غيره من الداعين إلى النهضة فيقول:
هي النار الجديدة ليس يلقى لها خطيب سوى المجد القديم
وهذه النار القديمة هي الشرك والانحراف عن العقيدة ودعوات الحادية وتطرف علماني مفرط كل هذا ليس له من علاج إلا إيمان إبراهيم وعقيدة التوحيد الخاص.
إن إقبال في هذا المقطع ينعي على المسلمين في عصره انحرافهم عن نهج التوحيد وهذا تقرر عنده عدة مرات في كثير من قصائده الشعرية ولذلك يؤكد أن العودة إلى نهج السلف ونهج إبراهيم لقي في النار وتم إنقاذه بفعل عقيدة التوحيد وركائز الإيمان التي تجعل الإنسان يلقي كل ما يصادفه من محن وأهوال وهو رض مطمئن.
الجهاد
ولاشك أن هذا المقطع من قصيدة إقبال قد لا ترضي الكثير من الناس الذين يرون الجهاد اليوم والتضحية في سبيل الله إرهابا وتطرفا وخروجا عن الجادة والواقع ان الدعوة التي حملها إقبال في هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي التي كتب فيها قصائده كانت تتطلب ذلك أكثر مما تتطلب الموادعة والمساكنة مع الاستعمار وأذنابه.
وإذا كان دعاة المقاومة ومواجهة الأطماع الأوروبية الاستعمارية الجديدة يواجهون نفس التهمة تهمة الإرهاب و العصبية فإن ذلك لم يكن ليثني المخلصون الذين يرون مقاومة الطغيان فرض عين في حالة مداهمة العدو لأرض المسلمين.
التعصب والإرهاب
ان إقبال كغيره من دعاة الإصلاح لم يسلم من تهمة التعصب والتحريض على المواجهة ولكنه مع ذلك واصل رسالته، ولم يعبأ بما يروج له من كانوا موالين للإدارة الاستعمارية في وطنه الهند وبصفة خاصة من المسلمين الذين برز منهم آنذاك من يسقط فريضة الجهاد، ويرى أن ذلك ليس من مقاصد الإسلام وكانت هذه الدعوة آنذاك منتشرة في بعض الأوساط الإسلامية وكان يتولى كبيرها والدعوة إليها أحمد خان وبعض أتباعه، رغم أن علاقة إقبال بهذا الرجل لم تكن سيئة ولكنه كان في اتجاه والآخر في اتجاه ومواجهة احمد خان كانت بينه وبين جمال الدين الأفغاني كذلك، وفي هذا يقول جمال الدين الأفغاني:
سرقة الحكم
«... لما استقرت أقدامهم –الانجليز- في الهند وألقوا به عصاهم، ومحيت آثار السلطنة التيمورية (نسبة الى تيمورلنك مؤسس دولة المغول في القرن السادس عشر الميلادي)، نظروا إلى البلاد نظرة ثانية فوجدوا فيها خمسين مليونا من المسلمين، كل واحد منهم مجروح الفؤاد بزوال ملكهم العظيم، وهم يتصلون بملايين كثيرة من المسلمين شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وأحسوا أن المسلمين ما داموا على دينهم، وما دام القرآن يتلى بينهم، فمحال أن يخلصوا في الخضوع لسلطة أجنبي عنهم، خصوصا أن كان ذلك الأجنبي خطف المُلك منهم بالخديعة أو المكر تحت ستار المحبة والصداقة!
ويواصل جمال الدين الأفغاني تحليله للأوضاع فيقول:
توهين الاعتقاد الإسلامي
فطفق –الانجليز- يفتشون بكل وسيلة لتوهين الاعتقاد الإسلامي، وحملوا القسس والرؤساء الروحانيين على كتابة الكتب ونشر الرسائل، محشوة بالطعن في الديانة الإسلامية، مفعمة بالشتائم والسباب لصاحب الشريعة –برأه الله مما قالوا- فأتوا من هذا العمل الشنيع ما تنفر منه الطباع، ولا يمكن معه لدى غيره أن يقيم على أرض تنتشر فيها تلك الكتب، وأن يسكن تحت سماء تشرق شمسها على مرتكبي ذلك الافك العظيم!
ويواصل جمال الدين قائلا:
محو المؤسسات الإسلامية
«وما قصدهم بذلك الا توهين عقائد المسلمين: وحملهم على التدين بمذهب الانكليز! هذا من جهة، ومن جهة أخرى أخذوا في تضييق سبل المعيشة على المسلمين وتشديد الوطأة عليهم والأضرار بهم من كل وجه: فضربوا على أيديهم في الأعمال العامة، وسلبوا أوقاف المساجد والمدارس، ونفوا علماءهم وعظماءهم إلى جزيرة «اندومان» رجاء أن تفيدهم هذه الوسيلة –ان لم تفدهم الأولى- في رد المسلمين عن دينهم بإسقاطهم في أغوار الجهل بعقائدهم حتى يذهلوا عمل فرضه الله عليهم!
ثم يقول جمال الدين:
صناعة النخبة
«فلما خاب أمل أولئك الحكام الجائرين في الوسيلة الأولى، وطال عليهم الأمد في الاستفادة من الثانية، نزعوا إلى تدبير آخر في إزالة الدين الإسلامي من ارض الهند أو إضعافه، لأنهم لا يخافون إلا من المسلمين أصحاب ذلك الملك المنهوب والحق المسلوب، فاتفق أن رجلا اسمه «أحمد خان بهادور» -لقب تعظيم في الهند- كان يحوم حول الانكليز لينال فائدة من لديهم، فعرض نفسه عليهم وخطا بعض الخطوات لخلع دينه، والتدين بالمذهب الانجليزي.»
امة المجد الدائم
فباسم محمد شمس البرايا
تلألأ في الرياض وفي الصحاري
ونبض الكون منه مستمد
ومن مراكش يغزو صداه
وما مشكاة هذا النور إلا

أقيمت خيمة الفلك المنير
وفوق الموج والسيل المغير
حرارته على مر العصور
ربوع الصين بالصوت الجهير
ضمير المسلم الحر الغيور

إن إقبال في هذه الأبيات يؤكد وحدة الأمة الإسلامية من طنجة إلى جاكارتا بل إلى الصين وهو بهذا يحدد مسؤولية أمة محمد ومصيرها ومستقبلها الزاهر ويقول:
خلافة هذه الأرض استقرت
وفي تكبيرك القدسي يبدو
فيا من هب للإسلام يدعو
سترفع قدرك الأقدار حتى
وقيل لك احتكم دنيا وأخرى

بمجدك وهو للدنيا سماء
صغيرا كل ما ضم الفضاء
وأيقظ صدق غيرته الوفاء
تشاهد أن ساعدك القضاء
وشأنك والخلود كما تشاء

وهنا وتوجه صادق من الشاعر ببعث الأمل في نفوس المسلمين الذين ستنشر حياة المجد بينهم إذا كانوا بالفعل يسعون لذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.