دورتموند يهزم مونتيري بالموندياليتو    محسن متولي يُجدد عقده مع اتحاد طنجة لموسم إضافي    أطفال يفترشون الأرض أمام المركز الوطني للتخييم بالغابة الدبلوماسية.. مشاهد صادمة تستدعي تدخلاً عاجلاً!    سكان كتامة وإساكن يعيشون في ظلام دامس منذ أسبوعين.. والأجهزة معطلة بسبب انقطاع الكهرباء    31 قتيلا و2862 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    خمس سنوات حبسا نافذا في حق محمد بودريقة بتهم تتعلق بالنصب والتزوير    ملتقى فني وثقافي في مرتيل يستكشف أفق البحر كفضاء للإبداع والتفكير    إيلون ماسك يتوعد بتأسيس حزب جديد في أمريكا وترامب يهدد بقطع الدعم الفيدرالي    كاريكاتير في مجلة "LeMan" في تركيا يشعل حالة غضب ويؤدي إلى اعتقالات واسعة    عدد المستفيدين من برنامج دعم السكن بلغ 54 ألف شخص ضمنهم 3 آلاف في العالم القروي    مليون شاب دون تكوين أو تمدرس أو شغل... السكوري: أعداد "NEET" تشهد تراكما مقلقا    كأس أمم إفريقيا للسيدات (المغرب-2024): لاعبات المنتخب الوطني "متحمسات لانطلاق المنافسات" (خورخي فيلدا)    حكيم زياش مهدد بالسجن وحجز الممتلكات.. اكتشف السبب    الصويرة.. إحباط محاولة تهريب ثلاثة أطنان و30 كيلوغراما من مخدر الشيرا وتوقيف ثلاثة أشخاص    عاجل.. المحكمة تدين محمد بودريقة ب5 سنوات حبسا نافذا    ساكنة حي اشماعو بسلا تستنجد بالسلطات بسبب سيارة مهجورة    انطلاقة قوية للمناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي تُبرز طموح المغرب للريادة الرقمية (صور)    مهرجان موازين يستقطب أكثر من 3,75 مليون متفرج ويحتفي بأزيد من 100 فنان عالمي    حزب الاستقلال يكتسح الانتخابات الجزئية بإقليم الحسيمة    غبار كثيف يرافق هبوط طائرة بوينغ 747 بمطار الحسيمة ومصدر يوضح    نشطاء حقوقيون ينتفضون ضد "تعديلات تقييدية" على المسطرة الجنائية    الريال يتخطى اليوفي بمونديال الأندية    الحكومة تفلت من الإسقاط في فرنسا    المغرب يُعزز موقعه كشريك موثوق في مكافحة الاستغلال الجنسي داخل عمليات الأمم المتحدة    ميتا تعلن إحداث مختبر للذكاء الفائق    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية بمناسبة العيد الوطني لبلاده    المنظمة العالمية للأرصاد الجوية .. على الجميع التأقلم مع موجات الحر    تأكيد الحكم بالسجن خمس سنوات بحق الكاتب الجزائري بوعلام صنصال    عبد اللطيف حموشي يستقبل رئيس جهاز الاستخبارات الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    المغرب والسعودية عازمان على توطيد التعاون الاقتصادي    السغروشني: الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارا تقنيا بل ضرورة سيادية للمغرب    شيرين عبد الوهاب تتعثر فوق مسرح "موازين" وغادة عبد الرازق تصفق للظلّ    الكشف عن الأغنية الرسمية لكأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025    تقارير تفتيش تكشف تلاعبات مالية في شراكات "وهمية" بين جماعات ترابية وجمعيات يترأسها أقارب وزوجات المنتخبين    شيرين تهدد باللجوء الى القضاء بعد جدل موازين    عاجل.. بودريقة يشبّه محاكمته بقصة يوسف والمحكمة تحجز الملف للمداولة والنطق بالحكم    غوارديولا: بونو وراء إقصاء "السيتي"    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    بعد انخفاضات محتشمة... أسعار المحروقات تعود للارتفاع من جديد بالمغرب    "أونروا": 500 قتيل و4000 جريح أثناء محاولتهم الحصول على الطعام بغزة    الهلال السعودي يواصل الحلم بقيادة ياسين بونو.. مباراة ملحمية وبصمة مغربية حاسمة    أكادير تحتضن أول مركز حضاري لإيواء الكلاب والقطط الضالة: المغرب يجسّد التزامه بالرفق بالحيوان    العصبة تحدد موعد فترة الانتقالات الصيفية وتاريخ إجراء قرعة البطولة الاحترافية    فتح بحث قضائي في ملابسات تورط أحد أفراد القوات المساعدة في قضية تحرش وابتزاز مادي    آسفي... كأس الفرح وصرخة المدينة المنسية    وقت الظهيرة في الصيف ليس للعب .. نصائح لحماية الأطفال    حرارة الصيف قد تُفسد الأدوية وتحوّلها إلى خطر صامت على الصحة    إصلاح نظام الصرف يندرج في إطار الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تعزيز مرونة الاقتصاد الوطني    إبداع بروكسل يفك الحصار عن غزة    الصويرة تحتضن مؤتمر المدن الإبداعية 2026    أكثر من 900 قتيل في إيران خلال الحرب مع إسرائيل    الخطوط الملكية المغربية توسع شبكتها الدولية بإطلاق أربع وجهات جديدة    الصحة العالمية تحذر: الهواتف ووسائل التواصل تعزز مشاعر الوحدة        ضجة الاستدلال على الاستبدال    التوفيق : تكلفة الحج تشمل خدمات متعددة .. وسعر صرف الريال عنصر حاسم    وزير الأوقاف: خدمات واضحة تحدد تكلفة الحج الرسمي وتنسيق مسبق لضبط سعر الصرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسجد الكتبية: مؤسسة دينية وسياسية هامة في عهد الدولة الموحدية
نشر في العلم يوم 21 - 07 - 2014

تجمع كتابات الإخباريين ومختلف الباحثين المهتمين بالدراسات الأثرية أن جامع الكتبية 'المتواجد في قلب مراكش بالقرب من ساحة جامع الفناء' يعتبر من أهم جوامع المغرب وأحد المساجد الجامعة "أي التي تقام فيها صلاة الجمعة"والتي كانت لها أهمية خاصة ضمن عمارة المدن الإسلامية 'ووظائف أساسية متنوعة أهمها الخطب الدينية "خطب صلاة الجمعة" 'مع ما يمكن أن تحمله هذه الخطب من مواضيع متنوعة تتجاوز أحيانا الصبغة الدينية لتمثل صبغة قرارات سياسية أو صبغة إعلان عن تشريعات جديدة سلطانية يراد إبلاغها للسكان حيث أعلنت فيه قرارات السلاطين المهيبة وجرت به كبريات الأحداث.
وتبعا لذلك يعد مسجد الكتبية أحد المساجد الجامعة التي شكلت مؤسسة دينية وسياسية هامة ضمن مؤسسات الدولة التي لعبت دور الإعلام والتبليغ والتأطير في نفس الوقت.
كما مثل مسجد الكتبية'المشتقة تسميته 'بحسب مهتمين وباحثين من مهنة مزدوجة : الكتبة-الخطاطون الذين عملوا بجواره ولسوق لبيع الكتب يعتقد أنه كان على مقربة منه'كونه معلمة حضرية زخرت بأشكال جمالية عدة وأشكال هندسية وطرق زخرفة حيث مثل فضاء حضاري عام عكس طبيعة الذوق المغربي تداخلت وتلاحمت فيه عناصر مختلفة منها ما له علاقة بطبيعة المجال من جغرافية ومناخ 'ومنها ما له علاقة بالعقيدة "الإسلام"'إضافة إلى عنصر التواصل الثقافي والحضاري مع الأندلس .
موقع جامع الكتبيين:
تشير مجموعة نصوص لمصادر تاريخية أن موقع جامع الكتبية هو منطقة قصر الحجر المرابطي أو على الأقل المنطقة المشارفة لها .
ويبدو من خلال هذه النصوص أن هذه المنطقة عرفت تشييد وبناء مسجدين جامعين خلال الدولة الموحدية و عهد عبد المومن بن علي اصطلح على تسميتهما بالكتبية الأولى والكتبية الثانية.
ويذكر عبد الله علي علام في كتابه الدولة الموحدية في عهد عبد المومن بأن: " بناء هذا المسجد عقب فتح مراكش مباشرة سنة 541ه.
وهناك إشارات بأن المسجد الثاني قد تم بنائه من طرف السلاطين الموحدين بعد أن أمسكوا بزمام الحكم بعد عبد المومن 'ومنهم أبو يوسف يعقوب أي يوسف بن عبد المومن ويعقوب المنصور.
وفي هذا الصدد يشير صاحب الحلل المشية في ذكر الأخبار المراكشية :" وبقيت مراكش ثلاث أيام لا يدخلها داخل ولا يخرج منها خارج' وأبى الموحدون دخولها 'وان المهدي كان يقول لهم لا تدخلوها حتى تطهروها.فسأل الموحدون الفقهاء عن ذلك'فقالوا لهم تبنون أنتم مسجدا آخر 'فكان ذلك ةفبنى الخليفة عبد المومن بدار الحجر مسجدا آخر فجمع فيه الجمعة 'وشرع في بناء المسجد الجامع وهدم المسجد الجامع الذي كان أسفل المدينة".
وبغض النظر عن الغموض الذي يكتنف النص شيئا ما يمكن القول أن هذا النص قدم معلومات تفيد أسباب هدم جامع مرابطي كان قائما بالمنطقة 'وإن لم يعرف بالضبط من هو المسجد المقصود الذي استهدفته يد الهدم هل هو جامع علي بن يوسف الموجود في قلب المدينة العتيقة أي مسجد بن يوسف الحالي أم المسجد المرابطي الذي يفترض أنه كان موجودا بمنطقة قصر الحجر'وهو المسجد الذي لا يعرف اسمه ' كما لا يمكن تحديده بدقة هل هو مسجد الطوب أو مسجد صومعة الطوبة 'كما لا يمكن معرفة بدقة مؤسسه الحقيقي هل هو من بناء يوسف بن تاشفين أم علي بن يوسف أو كلاهما معا؟.
وعلى أية حال فهذه المنطقة عرفت تأسيس جامع موحدي على أنقاض جامع مرابطي مجهول التسمية والهوية حيث سلك الموحدون إزاء المساجد المرابطة هذا السلوك المتمثل في عملية هدم كل ما هو مرابطي وبخلفيات سياسية دينية أو دينية سياسية جوهرها روح الصراع الإيديولوجي المؤجج بين الموحدين والمرابطين .
تاريخ بناء الكتبية :
فيما يخص تاريخ بناء هذا المسجد الموحدي الأول ونعني به الكتبية الأولى' فقد كان في سنة 541 هجرية الموافق 1147 ميلادية حيث جاءت عملية بنائه مقترنة بدخول الموحدين إلى مراكش .
وقد كشفت التنقيبات الأثرية بناياته ومكوناته المعمارية التي تمت على أنقاض قصر الحجر المرابطي.
وهذا الجامع الأول قد تم تهديمه من طرف عبد المومن من طرف عبد المومن بعد اكتشافه لمسألة انحراف اتجاه هذا المسجد نحو القبلة حيث شرع بعد عملية هدم الجامع الأول في بناء جامع آخر هو المعروف حاليا بالكتبية الثانية 'وهو المسجد الذي لازال قائم الذات إلى يومنا هذا.
وفي هذا الصدد يقول صاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار:" .. فإن الخليفة الإمام بنى فيها جامعا عظيما ثم زاد فيه مثله أو أكثر في قبلته كان قصرا 'ورفع بينهما المنار العظيم الذي لم يشيد في الإسلام 'وأكمله ابنه وخليفته أبو يعقوب رضي الله عنه ".
و يتضح من خلال هذا النص أن عملية البناء قد مرت بمراحل ليشير إلى إضافة مسجد ثان الأمر الذي يثير ويفرض طرح تساءل مرتبط بالسنة التي تمت فيها هذه الإضافة.
ونورد بهذا الخصوص إشارة وردت في كتاب نفح الطيب للمقري مفادها: ".. فبدأ ببنائه وتأسيس قبلته في القسم الأول من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وكمل منتصف شعبان المكرم من العام المذكور على أكمل وجه وأغرب الصنائع 'وأفسح المساحة وابعد في البناء والنجارة ". وبذلك يكون بناء المسجد الثاني قد وافق سنة 1158م، وهو يشبه من حيث الحجم البناية الأولى
ومن بين الملاحظات التي تجب الإشارة إليها في هذا السياق لدى معاينة الجدار الشمالي لمسجد الكتبية الحالي كونه يعد – بحسب مهتمين - الجدار الذي شكل قبلة الجامع الموحدي الأول' حيث تبدو واجهة هذا الجدار الملتصق بالكتبية الحالية كانت مواجهة للجهة التي كانت موطنا للجامع الموحدي الأول 'الذي لا زالت آثار محرابه مشكلة في هذا الجدار 'الشيء الذي يعطي الانطباع بأن عبد المومن لم يهدم جامعه الأول تهديما كليا.
وفيما يخص الصومعة الحالية تشير مصادر بأنها هي التي كانت في زمن الموحدين حيث تم الشروع في بناءها من طرف عبد المومن بينما عمل يعقوب المنصور على إتمام القسم الأعلى منها.
خاصيات التصميم الهندسي ومرافقه:
يبدو أن تصميم هذا الجامع 'على العموم ' هو صورة مشابهة لتصاميم المساجد الموحدية كمسجد تينمل غير أن مسجد الكتبية الحالي يتميز عن كل تلك المساجد بشساعة مساحته وبأبعاد استثنائية حيث يشغل مساحة 5300 متر مربع ويتكون من 17 جناحًا و11 قبة مزدانة بالنقوش .
وقاعة الصلاة مستطيلة الشكل بها بزخرفة شبيهة بنفس أسلوب مسجد تينمل المتميز بقوته وبساطته وتراتبيته.
وهذه القاعة تضم سبعة عشر رواقا موجهة بشكل عمودي نحو القبلة، تحملها أعمدة وأقواس متناسقة وتيجان فريدة تذكر بتلك التي نجدها بجامع القرويين بفاس.
ويشكل التقاء رواق القبلة بقببه الخمسة والرواق المحوري تصميما وفيا لخاصيات العمارة الدينية الموحدية التي كان لها بالغ التأثير في مختلف أرجاء الغرب الإسلامي.
والمقصورة عبارة عن قطعة من الخشب المزخرف بالنقوش.ولهذه المقصورة وظيفة أساسية داخل المسجد تتمثل في عزل البقعة المخصصة للسلطان وحاشيته عن جماهير المصلين داخل قاعة الصلاة حيث تم إخضاع هذه المقصورة لنفس النظام الآلي الذي خضع له منبر الكتبية.
أما البلاط الموازي لجدار القبلة، فقد اتخذ نفس عرض البلاط الأوسط وتمت تغطيته بخمس قبب. ويعطي تقاطعهما شكل حرف "T" اللاتيني، وهو نفس تصميم مسجدي تينمل والقيروان حيث كان هذا النوع من التصميم معروفا في بلاد مابين النهرين في القرن التاسع الميلادي.
أما الصحن فيتخذ شكل مستطيل مقاييسه هي 46 متر عرضا و 18,75متر عمقا.
والمسجد محاط من الجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية بامتدادات البلاطات الأربعة التي تشغل جانبي قاعة الصلاة.
وبالنسبة للتيجان القريبة من المحراب فهي تمثل استثناءا، فأوراق الأقنثة تمنح تصبيعات مختلفة، وإن يبدو كشكل قديم، فأنها شديدة الدقة.
وتسمح تيجان جامع الكتبية وجامع تينمل بفهم نشأة التيجان الأندلسية المغربية التي تطورت من نموذج مركب إلى تاج ذو عصابة زخرفية، انتشر بشكل كبير في عهد الخلافة الأموية بالأندلس وفي القرن 11 م. ونلاحظ تشابها كبيرا مع قصر الجعفرية في سرقسطة (القرن 11 م) المميز بزخرفته الغنية بالسعيفات التي تغطي التيجان القرطبية.
والجهة الشمالية الغربية محاطة برواق واحد على شكل مثلث قائم. ويتم الولوج إلى المسجد عبر ثمانية أبواب جانبية مفتوحة في حائطي الشمال الشرقي والجنوب الغربي تتقابل فيما بينها. وتوجد الصومعة المربعة الشكل في الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد كما هو الحال بمسجد مدينة الجزائر المرابطي، ومسجد تازة الموحدي.
ويزيد عدد أعمدة الجامع عن أربعمائة لازالت تحتفظ بالأصالة التي تظهر مهارة الصانع الفنان المغربي حيث تعلو هذه الأعمدة تيجان متنوعة غنية بالزخارف.
وتبعا لذلك فمسجد الكتبية يعد متحفا للأعمدة والتيجان وهناك من يعتبرها أعمال فنية لا نظير لها في الفن المغربي.
منبر الكتبية تحفة فريدة من نوعها
يعد منبر الكتبية تحفة فريدة من نوعها وأحد روائع فن النجارة الإسلامية التي تم إنجازها أولا من طرف الأمير علي بن يوسف لتتم عملية نقله إلى مسجد الكتبية الأولى نحو سنة 1150م في عهد الخليفة الموحدي عبد المومن.
وقد صنع هذا المنبر في قرطبة في بداية القرن الثاني عشر الميلادي بطلب من الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين 'آخر السلاطين المرابطين بحسب نقيشة المسند' من أجل الجامع الذي انتهى من بنائه في مراكش.
يتكون هذا الصرح 'المزوّد بنظام آلي للحركة' من قطع قابلة للتفكيك، ورفع فوق عجلات صغيرة، مما يسمح بإخراجه يوم الجمعة بواسطة طريقة آلية.
ويتكون المنبر ' الذي يصل طوله إلى ثلاثة أمتار وستة وأربعين سنتمترا (3.46 م)، وعرضه تسعون سنتمترا (90 سم)، وارتفاعه ثلاثة أمتار وستة وثمانون سنتمترا (3.86 م)'من ترصيعات من مختلف أنواع الخشب والعظم، متبعا في ذلك تقنية تعود إلى الفترة القديمة والتي مورست في الإسلام منذ الفترة الأموية.. ويشتمل على مجموعة من اللوحات الخشبية المنقوشة بدورها، بتقنية تقترب من نقش اللوحات العاجية الأسبانية.
وكل اللوحات مختلفة، وإذا كانت أغلبها تحمل عناصر نباتية، فإنها في بعض الحالات تسجل داخل عُقيدات متعددة الفصوص.
وما دام أن المنبر كان مخصصا لفضاء ديني، فإن زخرفته تبقى مخروطية. فالألواح المنقوشة مسطرة بواسطة أشرطة ترصيعات تخلق عناصر هندسية معقدة ومنظمة، حول نجمة ثمانية الرؤوس.
وتزخرف المنبر أنواع كثيرة من الأقواس. ترتفع من جهتي الدرج الأخير والأول أقواس من بينها العقد الكامل الذي يتناسق مع الآخر الذي يزخرف دعامة الدرج.
وخلال تسعينيات القرن الماضي، قررت وزارة الثقافة المغربية بشراكة مع «الميتروبوليتان ميوزم» ترميم هذا المنبر بالولايات المتحدة الأمريكية.
عملية ترميم المنبر هاته كانت دقيقة استوجبت تدخل فناني صنعة تطعيم الخشب المغاربة وأخصائيي الترميم الأمريكيين،أنقدت هذه التحفة من الضياع جراء الإهمال الذي لحقه'ليعود المنبر بعد ذلك إلى مراكش حيث يعرض حالياً بإحدى قاعات قصر البديع.
صومعة الكتبية
يفيد مهتمون وباحثون بأن الشكل المعماري للصومعة المغربية تميز بنوع من التطور عبر المراحل التاريخية.
وإلى غاية القرن الرابع الهجري أخذت الصومعة المغربية شكلا تميز بنوع من البساطة في التركيب المعماري لتلحقه تغييرات مع بداية القرن السادس الهجري وفي مختلف المجالات سواء فيما تعلق بالمعمار أو فيما تعلق بالزخرفة 'لتظهر صوامع شامخة تتميز بأبراجها المربعة والضخمة لتعكس بذلك مرحلة من الفن المعماري المغربي امتزجت فيها تقاليد فنية مغربية بأخرى فنية و زخرفية أندلسية.
وبني منار الكتبية على مرحلتين حيث توقفت عملية البناء في الثلث الأول منه ولمدة ثلاث سنوات وذلك بهدف تحقق المشرفين على بنائه من مثانة وسلامة الأساس.
وبعد تسجيل حدوث أي خلل استأنف العمل في بناء الصومعة إلى النهاية حيث يبلغ طولها أربع وستين دراعا تقريبا أي ما يعادل ثلاثين متر 'وسمك جدارها ثلاثة عشر دراعا أي سبعة أمتار واثني وثمانين سنتيمتر. وهي مزخرفة في أجزائها العليا بإفريز خزفي مطلي بلون الفيروز لتشكل رمزًا مميزا للمدينة.
خاصيات مواد البناء
تفيد مصادر تاريخية أن من بين المواد الأساسية التي استعملت في بناء الكتبية الأولى هناك الأجور واللباط المكون من خليط متنوع يدخل فيه الرمل والكلس السلس بحيث نجد أن مختلف سواري هذا المسجد قد تم تشكيلها من هذه المواد.
وبالإضافة إلى هذه المواد هناك الطوب المجفف بالشمس الذي لعب هو الآخر دورا في تشكيل بعض سواري المسجد.
ويبدو أن هذه المادة كانت دائمة الحضور من بين كل مختلف مواد البناء الأخرى'حيث كشفت الحفريات التي جرت بهذا الموقع بأن مساقط الأقواس القريبة من باب الإمام والمنبر كلها مبنية بهذه المادة.
وفي وسط الجدار الشمالي 'أي الجدار الحالي الذي كلن يشكل قبلة مسجد الكتبية الأولى 'يمكن ملاحظة قوسين لهما شكل مستطيل وعر يصل إلى 85, 2 'وقد تم تشكيل وبناء هذين القوسين من الأجور' وقد بدا الأجور الذي يشكل القوس الأول يتميز بالطول شيئا ما على غير العادة.
وبالإضافة إلى هذه المواد يلاحظ أن هناك الحجارة وتقنية الطابية حيث يسجل نوع من الانسجام فيما يخص استعمال هاتين المادتين. والجدار الشمالي للكتبية مثلا هو مبني بالحجر والطابية'إضافة إلى أن أساس هذا الجدار كله من الحجر.
كما دخل هذين العنصرين في تشكيل الجدار الجانبي والواجهة الشرقية للمسجد بحيث أن ثلثي هذا الجدار هي من الحجارة والثلث الأعلى من الطابية.
عناصر الزخرفة
تشير عدة مصادر إلى أن زخرف المقرصنات والقراميد تعد من بين أشكال الزخرفة التي احتوتها مساجد مراكش.
وتزخر به قباب جامع الكتبية بالمقرصنات فيما القراميد حاضرة بقوة وكثرة.
ومن بين مواد الزخرفة نجد مادة الجبص التي تستعمل في جنبات العقود وفي تيجان الأعمدة.وأصل نوع زخرفة التيجان يعود إلى عهد الخلافة الأموية بالأندلس.
ومن بين الأشكال المعمارية الوسيطية داخل المساجد المغربية التي كانت تفتح آفاقا رحبة للزخرفة نجد العقود التي توجد بكثرة في واجهة منارة الكتبية 'وقد اتخذت عدة أشكال منها ما هو على شكل حدوة فرس'ومنها عقود أخرى أخرى مدبية.
وفي واجهات النوافذ الخارجية لصومعة الكتبية نجد عقود اتخذت شكلا مستديرا وأشكال مكسرة'إضافة إلى أخرى اتخذت شكلا شبكيا حيت تمت زخرفة كل هذه العقود بمجموعة من الفصوص تكون مرة في شكل إما متصل أو شبكي 'تليها أشرطة من الزليج الأخضر مؤطر بزليج أبيض.
وبصفة عامة فالمسجد يحفل بذلك النوع من الزخرفة المتباعدة المعتمدة أشكال هندسية وأشكال نباتية حيث يمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح على تيجان أعمدة الجامع الغني بهذا النوع من الزخرفة.
كما لعبت الصباغة والرسوم الزخرفية دورا هاما في إغناء هذا السجل الزخرفي بالمسجد والذي يعكس ذوق الموحدين الميال للزخارف المصبوغة ذات الأشكال المزهرة.
والأكيد أن مسجد الكتبة يبقى تحفة فنية فريدة من نوعها لها تاريخ ضارب في القدم من عهد حضارات فنت لكنه بقي شاهداً على تاريخ مرحلة زاهية من عهد الدولة الموحدية التي فرضت سلطتها على ضفتي المتوسط، بعد عقود من الصراع.
استقطاب أعداد كبيرة من المصلين أيام رمضان
إذا كانت مساجد مراكش تشهد أيام شهر رمضان الأبرك إقبالا مكثفا للمصلين لأداء
صلاة العشاء والتراويح فإن مسجد الكتبية يبقى الأوفر حظا لاستقطاب أعداد كبيرة من المصلين 'ذكور وإناث' ومن مختلف الأعمار'يفدون عليه من مختلف أحياء المدينة لتمتلئ بذلك كل فضاءاته المجاورة وحتى الشارع الرئيسي المؤدي إلى شارع محمد الخامس حيث المناسبة لاسترجاع 'في جو من الخشوع والسكينة' نفحات إيمانية وروحانية بهذا الصرح الحضاري الحافل بعبق التاريخ والحضارة الإسلامية 'وأيضا للاستمتاع بتلاوة آيات الذكر الحكيم التي تجود بها أصوات شجية وعذبة لأفضل مقرئي المدينة والمتميزة بالإتقان في المخارج والحروف والقواعد خاصيات تزيد من خشوع المصلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.