لقاء بين ترامب وزيلينسكي الاثنين المقبل بالبيت الأبيض    وقفات ومسيرات تضامنية مع غزة بعدد من المدن المغربية    رحلات طيران أرخص: جوجل تطلق أداة ذكاء اصطناعي للعثور على أفضل العروض    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    شكوك تحوم حول مستقبل نايف أكرد مع ويستهام    الطالبي يتألق في أول ظهور بالبريميرليغ ويقود سندرلاند لانتصار هام على وست هام    اكتشاف جيولوجي مذهل.. المغرب يكشف عن أقدم ديناصور من فصيلة "التورياسورات" بإفريقيا    يونس الكعبي: مباراة الكونغو الديمقراطية مواجهة يتعين الفوز بها    هل يدخل قيس سعيّد في "معركة كسر العظم" مع الاتحاد العام التونسي للشغل؟!    السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن في نيويورك    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    هل يقود لفتيت حكومة 2026؟‬    معركة غزة تدخل مرحلة جديدة .. "القسّام" تواجه أشرس هجوم إسرائيلي    الجزائر تعلن سحب الحافلات القديمة    بركة .. أول مغربي يسبح حول مانهاتن    "حق تقرير المصير" في السويداء .. شعار يُغري إسرائيل ويمزق سوريا    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية    وكالة الغابات تصدر خرائط للمناطق الحساسة المعرضة لخطر اندلاع الحرائق    أغلب الأمريكيين يعتبرون الكحول مضرا بالصحة    دراسة: عشاق القهوة في مزاج أفضل بعد الفنجان الأول بالصباح    فتح الله ولعلو: المغرب والصين تقاسما شرف المساهمة في انتصار الحلفاء            بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع        مريدو "البودشيشية" يؤكدون استمرار منير القادري على رأس الزاوية    برنامج "نخرجو ليها ديريكت" يناقش تحديات الدخول السياسي والاجتماعي المقبل    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    تغيرات متوقعة في طقس السبت بعدد من مناطق المملكة    الحرارة المفرطة تفاقم أزمة المياه بالمغرب.. حوض ملوية في وضع حرج    صفقتان لتأهيل مطاري تطوان والحسيمة استعدادًا لكأس العالم 2030    بوليف: التحويلات المالية لمغاربة العالم ينبغي ترشيد استثمارها ويجب إشراك الجالية في الانتخابات التشريعية    حموني: سنة 2026 ستكون "بيضاء" على مستوى إصلاح أنظمة التقاعد والمقاصة    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    ملتقى الثقافة والفنون والرياضة يكرم أبناء الجالية المغربية بمسرح محمد الخامس بالرباط    كيف أنسى ذلك اليوم وأنا السبعيني الذي عايش ثلاثة ملوك    غاب عن جل الأحزاب    في بلاغة الغياب وحضور التزييف: تأملات في بيان حزب الأصالة والمعاصرة بالعرائش !    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    سفارة الصين بالرباط تحتفي بالذكرى الثمانين لانتصار الحلفاء بعرض وثائقي صيني    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    كيوسك السبت | البطاطس المغربية تعود بقوة إلى الأسواق الدولية في 2025    دورة سينسيناتي لكرة المضرب: الكازاخستانية ريباكينا تتأهل لنصف النهاية على حساب بسابالينكا    موسم مولاي عبد الله... تكدّس، غياب تنمية، وأزمة كرامة بشرية    القصر الكبير: التنسيقية الجمعوية المحلية تدق ناقوس الخطر حول الوضع البيئي المقلق بالمدينة    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسجد الكتبية: مؤسسة دينية وسياسية هامة في عهد الدولة الموحدية
نشر في العلم يوم 21 - 07 - 2014

تجمع كتابات الإخباريين ومختلف الباحثين المهتمين بالدراسات الأثرية أن جامع الكتبية 'المتواجد في قلب مراكش بالقرب من ساحة جامع الفناء' يعتبر من أهم جوامع المغرب وأحد المساجد الجامعة "أي التي تقام فيها صلاة الجمعة"والتي كانت لها أهمية خاصة ضمن عمارة المدن الإسلامية 'ووظائف أساسية متنوعة أهمها الخطب الدينية "خطب صلاة الجمعة" 'مع ما يمكن أن تحمله هذه الخطب من مواضيع متنوعة تتجاوز أحيانا الصبغة الدينية لتمثل صبغة قرارات سياسية أو صبغة إعلان عن تشريعات جديدة سلطانية يراد إبلاغها للسكان حيث أعلنت فيه قرارات السلاطين المهيبة وجرت به كبريات الأحداث.
وتبعا لذلك يعد مسجد الكتبية أحد المساجد الجامعة التي شكلت مؤسسة دينية وسياسية هامة ضمن مؤسسات الدولة التي لعبت دور الإعلام والتبليغ والتأطير في نفس الوقت.
كما مثل مسجد الكتبية'المشتقة تسميته 'بحسب مهتمين وباحثين من مهنة مزدوجة : الكتبة-الخطاطون الذين عملوا بجواره ولسوق لبيع الكتب يعتقد أنه كان على مقربة منه'كونه معلمة حضرية زخرت بأشكال جمالية عدة وأشكال هندسية وطرق زخرفة حيث مثل فضاء حضاري عام عكس طبيعة الذوق المغربي تداخلت وتلاحمت فيه عناصر مختلفة منها ما له علاقة بطبيعة المجال من جغرافية ومناخ 'ومنها ما له علاقة بالعقيدة "الإسلام"'إضافة إلى عنصر التواصل الثقافي والحضاري مع الأندلس .
موقع جامع الكتبيين:
تشير مجموعة نصوص لمصادر تاريخية أن موقع جامع الكتبية هو منطقة قصر الحجر المرابطي أو على الأقل المنطقة المشارفة لها .
ويبدو من خلال هذه النصوص أن هذه المنطقة عرفت تشييد وبناء مسجدين جامعين خلال الدولة الموحدية و عهد عبد المومن بن علي اصطلح على تسميتهما بالكتبية الأولى والكتبية الثانية.
ويذكر عبد الله علي علام في كتابه الدولة الموحدية في عهد عبد المومن بأن: " بناء هذا المسجد عقب فتح مراكش مباشرة سنة 541ه.
وهناك إشارات بأن المسجد الثاني قد تم بنائه من طرف السلاطين الموحدين بعد أن أمسكوا بزمام الحكم بعد عبد المومن 'ومنهم أبو يوسف يعقوب أي يوسف بن عبد المومن ويعقوب المنصور.
وفي هذا الصدد يشير صاحب الحلل المشية في ذكر الأخبار المراكشية :" وبقيت مراكش ثلاث أيام لا يدخلها داخل ولا يخرج منها خارج' وأبى الموحدون دخولها 'وان المهدي كان يقول لهم لا تدخلوها حتى تطهروها.فسأل الموحدون الفقهاء عن ذلك'فقالوا لهم تبنون أنتم مسجدا آخر 'فكان ذلك ةفبنى الخليفة عبد المومن بدار الحجر مسجدا آخر فجمع فيه الجمعة 'وشرع في بناء المسجد الجامع وهدم المسجد الجامع الذي كان أسفل المدينة".
وبغض النظر عن الغموض الذي يكتنف النص شيئا ما يمكن القول أن هذا النص قدم معلومات تفيد أسباب هدم جامع مرابطي كان قائما بالمنطقة 'وإن لم يعرف بالضبط من هو المسجد المقصود الذي استهدفته يد الهدم هل هو جامع علي بن يوسف الموجود في قلب المدينة العتيقة أي مسجد بن يوسف الحالي أم المسجد المرابطي الذي يفترض أنه كان موجودا بمنطقة قصر الحجر'وهو المسجد الذي لا يعرف اسمه ' كما لا يمكن تحديده بدقة هل هو مسجد الطوب أو مسجد صومعة الطوبة 'كما لا يمكن معرفة بدقة مؤسسه الحقيقي هل هو من بناء يوسف بن تاشفين أم علي بن يوسف أو كلاهما معا؟.
وعلى أية حال فهذه المنطقة عرفت تأسيس جامع موحدي على أنقاض جامع مرابطي مجهول التسمية والهوية حيث سلك الموحدون إزاء المساجد المرابطة هذا السلوك المتمثل في عملية هدم كل ما هو مرابطي وبخلفيات سياسية دينية أو دينية سياسية جوهرها روح الصراع الإيديولوجي المؤجج بين الموحدين والمرابطين .
تاريخ بناء الكتبية :
فيما يخص تاريخ بناء هذا المسجد الموحدي الأول ونعني به الكتبية الأولى' فقد كان في سنة 541 هجرية الموافق 1147 ميلادية حيث جاءت عملية بنائه مقترنة بدخول الموحدين إلى مراكش .
وقد كشفت التنقيبات الأثرية بناياته ومكوناته المعمارية التي تمت على أنقاض قصر الحجر المرابطي.
وهذا الجامع الأول قد تم تهديمه من طرف عبد المومن من طرف عبد المومن بعد اكتشافه لمسألة انحراف اتجاه هذا المسجد نحو القبلة حيث شرع بعد عملية هدم الجامع الأول في بناء جامع آخر هو المعروف حاليا بالكتبية الثانية 'وهو المسجد الذي لازال قائم الذات إلى يومنا هذا.
وفي هذا الصدد يقول صاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأمصار:" .. فإن الخليفة الإمام بنى فيها جامعا عظيما ثم زاد فيه مثله أو أكثر في قبلته كان قصرا 'ورفع بينهما المنار العظيم الذي لم يشيد في الإسلام 'وأكمله ابنه وخليفته أبو يعقوب رضي الله عنه ".
و يتضح من خلال هذا النص أن عملية البناء قد مرت بمراحل ليشير إلى إضافة مسجد ثان الأمر الذي يثير ويفرض طرح تساءل مرتبط بالسنة التي تمت فيها هذه الإضافة.
ونورد بهذا الخصوص إشارة وردت في كتاب نفح الطيب للمقري مفادها: ".. فبدأ ببنائه وتأسيس قبلته في القسم الأول من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة وكمل منتصف شعبان المكرم من العام المذكور على أكمل وجه وأغرب الصنائع 'وأفسح المساحة وابعد في البناء والنجارة ". وبذلك يكون بناء المسجد الثاني قد وافق سنة 1158م، وهو يشبه من حيث الحجم البناية الأولى
ومن بين الملاحظات التي تجب الإشارة إليها في هذا السياق لدى معاينة الجدار الشمالي لمسجد الكتبية الحالي كونه يعد – بحسب مهتمين - الجدار الذي شكل قبلة الجامع الموحدي الأول' حيث تبدو واجهة هذا الجدار الملتصق بالكتبية الحالية كانت مواجهة للجهة التي كانت موطنا للجامع الموحدي الأول 'الذي لا زالت آثار محرابه مشكلة في هذا الجدار 'الشيء الذي يعطي الانطباع بأن عبد المومن لم يهدم جامعه الأول تهديما كليا.
وفيما يخص الصومعة الحالية تشير مصادر بأنها هي التي كانت في زمن الموحدين حيث تم الشروع في بناءها من طرف عبد المومن بينما عمل يعقوب المنصور على إتمام القسم الأعلى منها.
خاصيات التصميم الهندسي ومرافقه:
يبدو أن تصميم هذا الجامع 'على العموم ' هو صورة مشابهة لتصاميم المساجد الموحدية كمسجد تينمل غير أن مسجد الكتبية الحالي يتميز عن كل تلك المساجد بشساعة مساحته وبأبعاد استثنائية حيث يشغل مساحة 5300 متر مربع ويتكون من 17 جناحًا و11 قبة مزدانة بالنقوش .
وقاعة الصلاة مستطيلة الشكل بها بزخرفة شبيهة بنفس أسلوب مسجد تينمل المتميز بقوته وبساطته وتراتبيته.
وهذه القاعة تضم سبعة عشر رواقا موجهة بشكل عمودي نحو القبلة، تحملها أعمدة وأقواس متناسقة وتيجان فريدة تذكر بتلك التي نجدها بجامع القرويين بفاس.
ويشكل التقاء رواق القبلة بقببه الخمسة والرواق المحوري تصميما وفيا لخاصيات العمارة الدينية الموحدية التي كان لها بالغ التأثير في مختلف أرجاء الغرب الإسلامي.
والمقصورة عبارة عن قطعة من الخشب المزخرف بالنقوش.ولهذه المقصورة وظيفة أساسية داخل المسجد تتمثل في عزل البقعة المخصصة للسلطان وحاشيته عن جماهير المصلين داخل قاعة الصلاة حيث تم إخضاع هذه المقصورة لنفس النظام الآلي الذي خضع له منبر الكتبية.
أما البلاط الموازي لجدار القبلة، فقد اتخذ نفس عرض البلاط الأوسط وتمت تغطيته بخمس قبب. ويعطي تقاطعهما شكل حرف "T" اللاتيني، وهو نفس تصميم مسجدي تينمل والقيروان حيث كان هذا النوع من التصميم معروفا في بلاد مابين النهرين في القرن التاسع الميلادي.
أما الصحن فيتخذ شكل مستطيل مقاييسه هي 46 متر عرضا و 18,75متر عمقا.
والمسجد محاط من الجهة الشمالية الشرقية والجنوبية الغربية بامتدادات البلاطات الأربعة التي تشغل جانبي قاعة الصلاة.
وبالنسبة للتيجان القريبة من المحراب فهي تمثل استثناءا، فأوراق الأقنثة تمنح تصبيعات مختلفة، وإن يبدو كشكل قديم، فأنها شديدة الدقة.
وتسمح تيجان جامع الكتبية وجامع تينمل بفهم نشأة التيجان الأندلسية المغربية التي تطورت من نموذج مركب إلى تاج ذو عصابة زخرفية، انتشر بشكل كبير في عهد الخلافة الأموية بالأندلس وفي القرن 11 م. ونلاحظ تشابها كبيرا مع قصر الجعفرية في سرقسطة (القرن 11 م) المميز بزخرفته الغنية بالسعيفات التي تغطي التيجان القرطبية.
والجهة الشمالية الغربية محاطة برواق واحد على شكل مثلث قائم. ويتم الولوج إلى المسجد عبر ثمانية أبواب جانبية مفتوحة في حائطي الشمال الشرقي والجنوب الغربي تتقابل فيما بينها. وتوجد الصومعة المربعة الشكل في الزاوية الشمالية الشرقية للمسجد كما هو الحال بمسجد مدينة الجزائر المرابطي، ومسجد تازة الموحدي.
ويزيد عدد أعمدة الجامع عن أربعمائة لازالت تحتفظ بالأصالة التي تظهر مهارة الصانع الفنان المغربي حيث تعلو هذه الأعمدة تيجان متنوعة غنية بالزخارف.
وتبعا لذلك فمسجد الكتبية يعد متحفا للأعمدة والتيجان وهناك من يعتبرها أعمال فنية لا نظير لها في الفن المغربي.
منبر الكتبية تحفة فريدة من نوعها
يعد منبر الكتبية تحفة فريدة من نوعها وأحد روائع فن النجارة الإسلامية التي تم إنجازها أولا من طرف الأمير علي بن يوسف لتتم عملية نقله إلى مسجد الكتبية الأولى نحو سنة 1150م في عهد الخليفة الموحدي عبد المومن.
وقد صنع هذا المنبر في قرطبة في بداية القرن الثاني عشر الميلادي بطلب من الأمير المرابطي علي بن يوسف بن تاشفين 'آخر السلاطين المرابطين بحسب نقيشة المسند' من أجل الجامع الذي انتهى من بنائه في مراكش.
يتكون هذا الصرح 'المزوّد بنظام آلي للحركة' من قطع قابلة للتفكيك، ورفع فوق عجلات صغيرة، مما يسمح بإخراجه يوم الجمعة بواسطة طريقة آلية.
ويتكون المنبر ' الذي يصل طوله إلى ثلاثة أمتار وستة وأربعين سنتمترا (3.46 م)، وعرضه تسعون سنتمترا (90 سم)، وارتفاعه ثلاثة أمتار وستة وثمانون سنتمترا (3.86 م)'من ترصيعات من مختلف أنواع الخشب والعظم، متبعا في ذلك تقنية تعود إلى الفترة القديمة والتي مورست في الإسلام منذ الفترة الأموية.. ويشتمل على مجموعة من اللوحات الخشبية المنقوشة بدورها، بتقنية تقترب من نقش اللوحات العاجية الأسبانية.
وكل اللوحات مختلفة، وإذا كانت أغلبها تحمل عناصر نباتية، فإنها في بعض الحالات تسجل داخل عُقيدات متعددة الفصوص.
وما دام أن المنبر كان مخصصا لفضاء ديني، فإن زخرفته تبقى مخروطية. فالألواح المنقوشة مسطرة بواسطة أشرطة ترصيعات تخلق عناصر هندسية معقدة ومنظمة، حول نجمة ثمانية الرؤوس.
وتزخرف المنبر أنواع كثيرة من الأقواس. ترتفع من جهتي الدرج الأخير والأول أقواس من بينها العقد الكامل الذي يتناسق مع الآخر الذي يزخرف دعامة الدرج.
وخلال تسعينيات القرن الماضي، قررت وزارة الثقافة المغربية بشراكة مع «الميتروبوليتان ميوزم» ترميم هذا المنبر بالولايات المتحدة الأمريكية.
عملية ترميم المنبر هاته كانت دقيقة استوجبت تدخل فناني صنعة تطعيم الخشب المغاربة وأخصائيي الترميم الأمريكيين،أنقدت هذه التحفة من الضياع جراء الإهمال الذي لحقه'ليعود المنبر بعد ذلك إلى مراكش حيث يعرض حالياً بإحدى قاعات قصر البديع.
صومعة الكتبية
يفيد مهتمون وباحثون بأن الشكل المعماري للصومعة المغربية تميز بنوع من التطور عبر المراحل التاريخية.
وإلى غاية القرن الرابع الهجري أخذت الصومعة المغربية شكلا تميز بنوع من البساطة في التركيب المعماري لتلحقه تغييرات مع بداية القرن السادس الهجري وفي مختلف المجالات سواء فيما تعلق بالمعمار أو فيما تعلق بالزخرفة 'لتظهر صوامع شامخة تتميز بأبراجها المربعة والضخمة لتعكس بذلك مرحلة من الفن المعماري المغربي امتزجت فيها تقاليد فنية مغربية بأخرى فنية و زخرفية أندلسية.
وبني منار الكتبية على مرحلتين حيث توقفت عملية البناء في الثلث الأول منه ولمدة ثلاث سنوات وذلك بهدف تحقق المشرفين على بنائه من مثانة وسلامة الأساس.
وبعد تسجيل حدوث أي خلل استأنف العمل في بناء الصومعة إلى النهاية حيث يبلغ طولها أربع وستين دراعا تقريبا أي ما يعادل ثلاثين متر 'وسمك جدارها ثلاثة عشر دراعا أي سبعة أمتار واثني وثمانين سنتيمتر. وهي مزخرفة في أجزائها العليا بإفريز خزفي مطلي بلون الفيروز لتشكل رمزًا مميزا للمدينة.
خاصيات مواد البناء
تفيد مصادر تاريخية أن من بين المواد الأساسية التي استعملت في بناء الكتبية الأولى هناك الأجور واللباط المكون من خليط متنوع يدخل فيه الرمل والكلس السلس بحيث نجد أن مختلف سواري هذا المسجد قد تم تشكيلها من هذه المواد.
وبالإضافة إلى هذه المواد هناك الطوب المجفف بالشمس الذي لعب هو الآخر دورا في تشكيل بعض سواري المسجد.
ويبدو أن هذه المادة كانت دائمة الحضور من بين كل مختلف مواد البناء الأخرى'حيث كشفت الحفريات التي جرت بهذا الموقع بأن مساقط الأقواس القريبة من باب الإمام والمنبر كلها مبنية بهذه المادة.
وفي وسط الجدار الشمالي 'أي الجدار الحالي الذي كلن يشكل قبلة مسجد الكتبية الأولى 'يمكن ملاحظة قوسين لهما شكل مستطيل وعر يصل إلى 85, 2 'وقد تم تشكيل وبناء هذين القوسين من الأجور' وقد بدا الأجور الذي يشكل القوس الأول يتميز بالطول شيئا ما على غير العادة.
وبالإضافة إلى هذه المواد يلاحظ أن هناك الحجارة وتقنية الطابية حيث يسجل نوع من الانسجام فيما يخص استعمال هاتين المادتين. والجدار الشمالي للكتبية مثلا هو مبني بالحجر والطابية'إضافة إلى أن أساس هذا الجدار كله من الحجر.
كما دخل هذين العنصرين في تشكيل الجدار الجانبي والواجهة الشرقية للمسجد بحيث أن ثلثي هذا الجدار هي من الحجارة والثلث الأعلى من الطابية.
عناصر الزخرفة
تشير عدة مصادر إلى أن زخرف المقرصنات والقراميد تعد من بين أشكال الزخرفة التي احتوتها مساجد مراكش.
وتزخر به قباب جامع الكتبية بالمقرصنات فيما القراميد حاضرة بقوة وكثرة.
ومن بين مواد الزخرفة نجد مادة الجبص التي تستعمل في جنبات العقود وفي تيجان الأعمدة.وأصل نوع زخرفة التيجان يعود إلى عهد الخلافة الأموية بالأندلس.
ومن بين الأشكال المعمارية الوسيطية داخل المساجد المغربية التي كانت تفتح آفاقا رحبة للزخرفة نجد العقود التي توجد بكثرة في واجهة منارة الكتبية 'وقد اتخذت عدة أشكال منها ما هو على شكل حدوة فرس'ومنها عقود أخرى أخرى مدبية.
وفي واجهات النوافذ الخارجية لصومعة الكتبية نجد عقود اتخذت شكلا مستديرا وأشكال مكسرة'إضافة إلى أخرى اتخذت شكلا شبكيا حيت تمت زخرفة كل هذه العقود بمجموعة من الفصوص تكون مرة في شكل إما متصل أو شبكي 'تليها أشرطة من الزليج الأخضر مؤطر بزليج أبيض.
وبصفة عامة فالمسجد يحفل بذلك النوع من الزخرفة المتباعدة المعتمدة أشكال هندسية وأشكال نباتية حيث يمكن ملاحظة ذلك بشكل واضح على تيجان أعمدة الجامع الغني بهذا النوع من الزخرفة.
كما لعبت الصباغة والرسوم الزخرفية دورا هاما في إغناء هذا السجل الزخرفي بالمسجد والذي يعكس ذوق الموحدين الميال للزخارف المصبوغة ذات الأشكال المزهرة.
والأكيد أن مسجد الكتبة يبقى تحفة فنية فريدة من نوعها لها تاريخ ضارب في القدم من عهد حضارات فنت لكنه بقي شاهداً على تاريخ مرحلة زاهية من عهد الدولة الموحدية التي فرضت سلطتها على ضفتي المتوسط، بعد عقود من الصراع.
استقطاب أعداد كبيرة من المصلين أيام رمضان
إذا كانت مساجد مراكش تشهد أيام شهر رمضان الأبرك إقبالا مكثفا للمصلين لأداء
صلاة العشاء والتراويح فإن مسجد الكتبية يبقى الأوفر حظا لاستقطاب أعداد كبيرة من المصلين 'ذكور وإناث' ومن مختلف الأعمار'يفدون عليه من مختلف أحياء المدينة لتمتلئ بذلك كل فضاءاته المجاورة وحتى الشارع الرئيسي المؤدي إلى شارع محمد الخامس حيث المناسبة لاسترجاع 'في جو من الخشوع والسكينة' نفحات إيمانية وروحانية بهذا الصرح الحضاري الحافل بعبق التاريخ والحضارة الإسلامية 'وأيضا للاستمتاع بتلاوة آيات الذكر الحكيم التي تجود بها أصوات شجية وعذبة لأفضل مقرئي المدينة والمتميزة بالإتقان في المخارج والحروف والقواعد خاصيات تزيد من خشوع المصلين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.