تقف عدة أسباب وراء انحدار شعبية الرئيس فرانسوا هولاند وعدم قدرته على تحسين صورته في بورصة الشعبية التي انخفضت إلى مستويات قياسية مقارنة مع من سبقوه من رؤساء الجمهورية الخامسة، حسب آخر استطلاع أجراه معهد إيفوب. ومن هذه الأسباب ما هو ذاتي مرتبط بسلوكه الخاص وميله أحيانا إلى الاستفراد بمسؤولية الحكم مما جعل البعض ينظر إليه على أنه مزيج من رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكونى والرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، لانعدام القناعة المذهبية عند الأول، وعنف أساليب تدبير الشأن العام للثاني.. ومنها ما هو موضوعي ذو صلة بالمناخ الاقتصادي والاجتماعي العام والخيارات التي يستدعيها هذا المناخ محليا للتغلب على مشاكل البطالة وارتفاع الأسعار وتدني القدرة الشرائية. ويمكن حصر الأخطاء الاقتصادية "الهولاندية" في أربعة أخطاء يعتبرها المحللون "كارثية" بالنسبة لمصيره السياسي التي ستحدده الانتخابات الرئاسية القادمة: أولا : غداة توليه الرئاسة، كان الرئيس هولاند يحمل طموحات قوية في جعل فرنسا قوة اقتصادية وسياسية أعظم نفوذا مما كانت عليه في عهد من سبقوه. فقد راهن على النمو الاقتصادي وظن أن فوزه بالرئاسة سيعطي ثقة كبيرة بالاقتصاد وسيحث المواطنين على الاستهلاك، فجاء حساب الحصاد مختلف تماما عن حساب البيدر، حيث البطالة سجلت معدلات قياسية ومعها تراجعت القدرة الشرائية للفرنسيين الذين أغضبهم رئيسهم على جبهتين: جبهة الركود الاقتصادي وجبهة القدرة الشرائية. ولم يكن للإجراءات الإصلاحية التي تبنتها الحكومة أي تأثير على هاتين الجبهتين حيث 20 في المئة من العجزالمالي، أي 14 مليار أورو، هي مرتبطة مباشرة بسياسة الحكومة التي لا يمكنها أن تعول اليوم على وصفة عجائبية ولا على خطة إنعاش اقتصادي، بل عليها الاكتفاء بوسائل محدودة لمكافحة ارتفاع البطالة وغلاء المعيشة. ثانيا : التردد في اتخاذ القرارات في أوقاتها المناسبة أو اتخاذ قرارات "وسطية" بغرض عدم إغضاب الدوائر المالية والمستثمرين وإرضاء الأسواق. ويمكن تفسير ذلك بكون الرئيس هولاند يجد نفسه بين وزير أول براغماتي متقشف اسمه مانويل فالس، وبين مستشار يُعتبر من كبار الخبراء الماليين لكنه مبذر اجتماعي، هو جان بيير جويي، الكاتب العام للإليزيه. فالأول هو من دعاة شد الحزام وعدم التبذير، بينما الثاني يريد الإنفاق على مشاريع كبرى لدفع الاستهلاك والنمو، تماما كما فعل ديغول في السنوات الذهبية في الستينيات مع موجة المشاريع الكبرى. إلا أن فرنسا اليوم لم تعد فرنسا أمس من جهة، فضلا عن كون هولاند بدا فور توليه الحكم مرتبطا بتعهداته تجاه الطبقات الوسطى والفقيرة.. تعهدات تبلورت في أولى قراراته من خلال زيادة الضرائب على الثروات والفئات الميسورة، كما اختار في الإصلاحات طريقا وسطيا بين فالس وجويي، بشكل حرمه من جني فوائد كلا التوجهين. ثالثا : في أوج الأزمة المالية التي ألقت بثقلها على العالم المصنع، اختار هولاند طريق الاقتراض للخروج منها، فأعلن خطة تنمية مستندة على قروض بمليارات الأوروهات، ذهب نصفها لدعم الشركات والأبناك، والنصف الثاني لمشاريع كبرى لم تساعد في حل البطالة المتفشية وبالتالي لم تدعم الاستهلاك مما سبب تراجعا كبيرا في النمو. رابعا: عند الموجة الثانية من الأزمة، انطلق هولاند في إصلاحات تطال الجوانب الاجتماعية، يتفق الجميع على ضرورتها، إلا أنها سببت هزات اجتماعية وعطلت الأعمال لشهور طويلة، كما تسببت في تراجع نسبة النمو ومدخول ضريبة الاستهلاك. وظل سد العجز يعتمد على الاقتراض وسط تراجع متانة الهيكلية الاقتصادية الفرنسية. في هذه الأثناء كان هولاند ينتقل بين باريس وبرلين ويعقد القمم الأوروبية في محاولة لصرف النظر عن الوضع الفرنسي وجذب انتباه مواطنيه إلى "مجهوده لإنقاذ الأورو". ربما ربح "هالة دولية" كمنقذ محتمل لأوربا المتأزمة، لكنه خسر مع الفرنسيين على جبهات اقتصادية عديدة. واليوم، وبعد مرور ثلاث سنوات على ولايته، بدأ الفرنسيون يدركون أن رئيسهم لم يعد قادرا على الاستجابة لتطلعاتهم أو الإصغاء إليهم. فالأسعار في تزايد مستمر بدءا من المواد الأساسية التي سجلت ارتفاعا ما بين 8 إلى 10% مرورا بالمواد شبه الضرورية التي تجاوزت الزيادة في بعضها عتبة ال15%، مما انعكس بشكل كبير على قطاع الخدمات والنقل والصحة وباقي القطاعات ذات الارتباط بالحياة المعيشية اليومية للفرنسيين، وما رافق ذلك من تراجع على مستوى الاستهلاك الذي يعتبر المحرك الأساسي للنمو. وفي سياق متصل، نشرت الحكومة قبل أسبوع على موقعها الإلكتروني وثيقة تكشف بالأرقام عن الوعود والالتزامات ال66 التي تم تجسيدها على أرض الواقع مثل قانون "الزواج للجميع" وتعزيز حرية القضاء. لكن الوعود الأخرى لا تزال حبرا على ورق، ومنها الالتزام بمعالجة مشكلة البطالة وتقليص نسبتها وتحسين القدرة الشرائية للفرنسيين لاسيما الفئات ذات الدخل الضعيف، إضافة إلى قانون منح حق التصويت للمهاجرين الشرعيين في الانتخابات المحلية، وهو الوعد رقم 50 في سلّم الالتزامات الانتخابية.. وحول هذا الوعد تحديدا، والمطروح للنقاش منذ وصول الرئيس الراحل فرانسوا ميتران إلى السلطة في 1981، قال رئيس الحكومة إن مناقشته في البرلمان ستحصل عندما تتوفر شروط المصادقة عليه.