لايمكن الحديث عن الديمقراطية إذا لم تجد انتخابات حرة ونزيهة تتجسد فيها هذه الديمقراطية، ولا معنى نهائيا لانتخابات إذا لم تفرز مؤسسات تشريعية وتنفيذية قوية وذات مصداقية تضمن تصريف الديمقراطية ، ولكن قبل ذلك لاجدوى من الديمقراطية ولا من انتخابات، ولا موقع للديمقراطية إذا لم تكن هناك لوائح انتخابية سليمة. قد يعتقد البعض وهو على خطإ في ذلك أن التسجيل في اللوائح الانتخابية أمر ثانوي لايكتسي أية أهمية، وأنه مجرد اختيار ثانوي، قد نجد عذرا لشريحة من المواطنين البسطاء الذين نتحمل جميعا مسؤولية إقناعهم بعكس ذلك، ويمارس البعض الآخر حقه في التعبير من خلال الإصرار على مقاطعة التسجيل في هذه اللوائح بدعوى عدم جدوى الانتخابات نفسها وعدم جدوى وجود مؤسسات دستورية عجزت لحد الآن عن تأكيد الفعالية وتجسيد المصداقية، وهو اعتقاد خاطىء أيضا. فاللوائح الانتخابية هي أحد أهم مرتكزات العملية الديمقراطية برمتها، وهي أحد مظاهر تجسيد واجبات المواطنة، وهي أحد أهم البيانات المعتمدة في المسلسل الديمقراطي برمته. في السابق كانت السلطات تصر على اعتماد أساليب تقييد الناخبين في اللوائح بطرق متخلفة إذ كانت تعمد إلى تجييش أجهزتها وآلياتها لإرغام المواطنين على التسجيل في اللوائح، وكانت هذه المنهجية تكرس النفور والعزوف، فلم يكن المواطن على استعداد للخضوع إلى ضغوطات المقدمين والشيوخ، وحتى وإن فعل تحت الإكراه فإنه كان يضطر لمقاطعة المسلسل الانتخابي برمته، هذا كان يحدث في الماضي الذي أفرز لنا مؤسسات دستورية بدون روح، ومهم جدا أن نسجل أننا تجاوزنا هذه المرحلة السوداء من تاريخنا والتجأنا إلى اعتماد مناهج وآليات جديدة للتسجيل في هذه اللوائح لكن لايمكن الاكتفاء بها والارتهان إلى التجاوب العارم للمواطنين والمواطنات بل لابد من الانخراط في تعبئة وطنية لمواجهة هذا الاستحقاق، وهذه مسؤولية جميع الفرقاء بدون استثناء. إنها مسؤولية السلطات التي نسجل لها إقدامها على عدة مبادرات، فهي مطالبة الآن بإرفاق التسجيل في هذه اللوائح بحملة إعلامية فعالة، إذ لايعقل أن تبقى وسائل الاعلام خصوصا العمومية منها محايدة في هذه العملية، ثم إنها مسؤولية الأحزاب السياسية الوطنية المطالبة الآن بتسخير جميع إمكاناتها البشرية والاعلامية واللوجيستيكية والتنظيمية من أجل ضمان تعميم الاقتناع لدى أكبر شريحة من المواطنين للتسجيل في هذه اللوائح ، وإنها أيضا مسؤولية المنظمات الحقوقية الوطنية التي يجب أن نؤكد بهذه المناسبة على مقاربتها الشمولية للمسألة الحقوقية في البلاد، فمن حق المواطن أن يمارس الديمقراطية، ومن حقه أن تكون لديه مؤسسات دستورية قوية، ومن حقه أن يمارس انتخابا إراديا حرا ونزيها، ولايمكن أن تتحقق كل هذه الحقوق التي تتكفل بتدبير الحقوق الفردية والجماعية الأخرى إذا لم يبادر بتسجيل اسمه في اللوائح الانتخابية، بل ومن حق الدولة والمجتمع عليه أن يسجل نفسه. إن مرحلة التسجيل في هذه اللوائح سترهن المسلسل الانتخابي السياسي برمته ذلك أن نجاحه يتوقف على نجاح هذه المحطة المصيرية، لذلك كله فإن جميع المواطنين الذين لم يسجلوا أنفسهم، وجميع الشباب الذي وصل السن 18 من عمره وجميع الذين كانوا مسجلين في غير محل إقاماتهم مدعوون الآن وقبل اليوم الثالث من شهر فبراير الإسراع بتسجيل أسمائهم في اللوائح الانتخابية.