مراكش.. انتخاب الفرنسي لوكا فيليب رئيسا جديدا للأنتربول    الجيش الملكي ونهضة بركان يدخلان الجولة الثانية من دوري الأبطال بطموحات متباينة    الكاف تكشف لائحة حكام كأس أمم إفريقيا 2025 بالمغرب    تأجيل محاكمة الناصيري والبعيوي بسبب تعذر حضور أحد أعضاء هيئة الحكم    مولاي رشيد : مهرجان مراكش منصة عالمية للحوار وصناعة المواهب السينمائية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    المغرب ‬قدم ‬لإفريقيا ‬نموذج ‬التدبير ‬الترابي ‬المستدام ‬والتماسك ‬الاقتصادي ‬الصاعد    البيرو.. السجن 14 عاما للرئيس السابق مارتن فيزكارا في قضية فساد        إلياس المالكي يظفر بتنازل المشتكين    كتاب أبيض صيني جديد يحدّد ملامح سياسة بكين للسلام ونزع السلاح    الحسيمة.. وفاة أستاذ بعد تعرضه لنزيف على مستوى الرأس اثناء لقاء تربوي    الولايات المتحدة تعلق طلبات الهجرة من أفغانستان وترامب يصف إطلاق النار في واشنطن ب"العمل الإرهابي"        مصرع حارس ليلي في حادثة سير ضواحي الجديدة            حجيرة يدعو إلى تفكير إستراتيجي في سبل تعزيز الأثر الاجتماعي لقطاع الكهرباء    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الخميس    "الكاف" تطرح تعديلات تنظيمية أبرزها رفع عدد اللاعبين لكل منتخب    لقاء تواصلي لتبسيط التعديلات التي جاء بها "قانون المسطرة الجنائية" وضمان فعالية تنزيله    مطالب بفتح تحقيق حول شبهات فساد وتبديد مال عام في مشاريع "مراكش الحاضرة المتجددة    التامني لبنسعيد: كيف تحوّل اعتقال بوز فلو إلى عنوان ل"تضييق الدولة على الجيل Z"؟    كان بصدد تنفيذ مخطط إرهابي بالغ الخطورة.. توقيف موال ل"داعش" بتطوان    الدار البيضاء .. تفكيك شبكة إجرامية وحجز كمية مهمة من مخدر الشيرا    "المجلس الوطني لحقوق الإنسان" يطلق حملة لمناهضة العنف الرقمي ضد النساء تحت شعار "منسكتوش"    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    انقلاب عسكري في غينيا بيساو بعد أيام فقط من الانتخابات    "ميتا" تحدّث بيانات الملف الشخصي في "واتساب"    مؤسسة الدوحة للأفلام تُطلق برامج جديدة للتدريب المهني بالشراكة مع لافيميس وغوبيلان باريس والمعهد الفرنسي في قطر    إدارة مهرجان الدوحة السينمائي 2025: المهرجان يبرز حضور الأصوات السينمائية المهمة في عالمنا اليوم    المغربي دريوش يقود أيندهوفن لإذلال ليفربول ومبابي ينقذ الريال من أولمبياكوس    مصرع 44 شخصا اثر حريق مجمع سكني في هونغ كونغ    نقابات الطاكسيات بالجديدة تُقفل باب الجدل: ''لن نردّ على المتدخلين... والكلمة الفصل للقضاء!    مرجع لجبايات الجماعات من "ريمالد"    الذكاء الاصطناعي في ألعاب سحرية يبهر جمهور مهرجان الفنون الرقمية    كربوبي تودع الصفارة وتحرج الجامعة    سيدات المنتخب المغربي تفزن على الجزائر بنتيجة عريضة    قنبلة الدواء تنفجر في وجه التهراوي    المنتخب المغربي يتعرف رسميا على منافسيه في كأس العرب    دراسة علمية حديثة: المراهقة تستمر حتى الثلاثينات من العمر    كيف أنقذت كلبة حياة صاحبها بعد إصابته بتوقف قلبي أثناء النوم؟    محكمة النقض الفرنسية تؤكد إدانة ساركوزي    قيوح يبحث التكوين البحري بلندن    بورصة الدار البيضاء تتدثر بالأخضر    بعد مناورات دامت نصف قرن و24 يوما: فشل الحيلة الجزائرية في تأويل القرارات الأممية    654 مليون ورقة نقدية جديدة لتعزيز السيولة بالمغرب    سفيان أمرابط، لاعب أساسي في ريال بيتيس (وسيلة إعلام إسبانية)    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يستقبل 82 فيلماً من 31 بلداً ونجوماً عالميين    بعد ‬تفشيها ‬في ‬إثيوبيا.. ‬حمى ‬ماربورغ ‬تثير ‬مخاوف ‬المغاربة..‬    علماء يكتشفون طريقة وقائية لإبطاء فقدان البصر المرتبط بالعمر    مهرجان الدوحة السينمائي يسلّط الضوء على سرديات مؤثرة من المنطقة    آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجباري يكتب: الفقهاء الوَرائيون
نشر في الأول يوم 13 - 08 - 2020

كتبت منذ أيام مقالا ناقشت فيه بعض المقولات التي يرددها الأستاذ الناجي لمين، أستاذ الفقه وأصوله في دار الحديث الحسنية، خصوصا في حملته الفايسبوكية على مدرسة المنار، والتي تولى من خلالها الطعن في محمد عبده ورشيد رضا ويوسف القرضاوي وأحمد الريسوني وغيرهم، والذين وصفهم أو لمزهم بفقهاء الحداثة، أو المتأثرين بالحداثة، وذنبهم الوحيد أنهم اجتهدوا، والرجل مقلد يدعو إلى التقليد والجمود عليه، وأنهم يمموا وجههم نحو الأمام، والرجل لا يرى إلا إلى الوراء، بل يمكن اعتباره رمز الورائيين المغاربة.
ومن جملة المقولات التي يلمز بها مجتهدي العصر، نفيُهم لحد الردة، وهو متمسك به ويعض عليه بالنواجذ. ظنا منه أنه من الدين، وأنه من الفقه.
والفقهاء الورائيون؛ نسبةً إلى الوراء؛ نوعان:
1- الفقهاء الورائيون الذين يعودون إلى كتب الأقدمين ويتمسكون بها ويرفضون تجاوز مقولاتها وإن تجاوزها الزمان.
2- الفقهاء الورائيون الذين يريدون إرجاع المجتمع كله إلى الوراء، ويتبنون أفكارا وآراء ماضوية قروسطية، ظنا منهم أنها من الدين، رغم أن تلك الأفكار غير موجودة في المصنفات القديمة.
وفقيه دار الحديث الحسنية من النوع الثاني، أما النوع الأول فللمجتهدين معهم قواسم ومشتركات، منها نفي حد الردة، وأن عقوبة المرتد ليست حدا شرعيا.
لن نرى ما كتبه عبد المتعال الصعيدي أو طه جابر العلواني أو حسن الترابي رحمهم الله، ولن نلتفت إلى ما كتبه أحمد الريسوني بارك الله في عمره، وسنرجع مع الورائيين إلى الوراء، لنعطيهم درسا من التراث، ونبين لهم من خلال التراث نفسه أن حد الردة حد وهمي لا وجود له في الفقه، ولا مستند له من الشرع.
وبما أن قومنا إلى المالكية ينتسبون، فسنعود معهم وبهم إلى مصنفات المالكية ذاتها.
قال العلامة النفراوي عن المرتد في شرح الرسالة مدمجا مع المتن: "إن لم يتب بإسلامه قُتل كفرا لا حدّا"، وقال في موضع آخر:"قتلُ المرتد ليس كقتل الزنديق المستسر،لأن الزنديق يُقتل حدا،فترثه ورثته ويغسل ويصلى عليه،وأما المرتد، وكذلك الساحر المتجاهر،فيُقتل كُفرا، فلا يغسل ولا يصلى عليه".
وهذا نص صريح من إمام مالكي مات قبل الحداثة، وقبل الانبهار بالغرب، يميز بين نوعين من القتل:
** القتل كفرا.
** القتل حدّا.
وكلامه صريح واضح في أن المرتد يقتل كفرا لا حدا. فهل كان هذا الفقيه نابذا للمذهب المالكي وفروعه؟ أم أن الورائيين لا يفقهون مذهبهم؟
والفرق بين القتل حدا والقتل كفرا، أن المقتول حدا مسلمٌ تسري عليه أحكام الإسلام، إرثا ودفنا وصلاة على الجنازة …، والمقتول في الردة لا يصلى عليه، ولا تسري عليه تلك الأحكام، قال العلامة الصاوي في معنى القتل حدّا: "يُحكم له بالإسلام، ويصلى عليه".
وميز فقهاء المالكية بين تاركَيْ الصلاة:
** أولهما: تارك الصلاة دون جحود، يقتل حدّا.
** ثانيهما: تارك الصلاة جحودا، وهذا مثل المرتد، يقتل كفرا.
قال الشيخ خليل فيهما: "ومن ترك فرضا أخّر لبقاء ركعة بسجدتيها من الضروري، وقتل بالسيف[حدا]، … والجاحد[كافر]".
ولو كان حد الردة موجودا في المذهب، لقالوا بأن جاحد الصلاة يُقتل حدا لا كفرا، لأنه مرتد ضرورةً.
وإذا تجاوزنا المذهب المالكي المعمول به في الديار المغربية، فإن المذاهب الأخرى ليست على خلاف مذهبنا.
فالمذهب الحنفي صريح في أن المرتد لا يُحدّ، لذلك ميزوا بين المرتد والمرتدة، وقالوا بقتله وعدم قتلها، والسبب في ذلك أن الرجل حربي والمرأة ليست كذلك في الأصل، ولو كان القتل حدا لما ميزوا بين المرتدين بناء على الذكورة والأنوثة، مثل السرقة والزنا، فإن الرجال والنساء في حدّيهما سواء.
وفي المذهب الشافعي نصوص تتضمن عبارة "حد الردة"، لكنها عند التحقيق، مجرد توسع في العبارة وتجوز فيها، لذلك حكى الجويني قولا في المذهب: "المرتد وإن لحق بالحدود فليس في معناها"، يعني أن حكم الردة ليس من الحدود، وإنما أُلحق بها، ولعله تبنى هذا الرأي وانتصر له، لذلك قال: "باب حكم المرتد"، ولم يقل: "باب حد المرتد"، كما أنه أدرجه قبل كتاب الحدود، ولم يدرجه فيه. وقال الخطيب الشربيني في التمييز بين تارك الصلاة تكاسلا، والمرتد: "جريمةالمرتدّتقتضيالخلودفيالنار،فوجبتالاستتابةرجاءنجاتهمنذلك،بخلافتاركالصلاة،فإنعقوبتهأخف،لكونهيقتلحدّا"، ومفهوم النص أن المرتد لا يُقتل حدا، وهو منطوق كلامه في موضع آخر: "ولايُردّالمرتدإذاتاب،حيثتُقبلتوبته،ويسقطالقتل،لأنهإذاأصرّيُقتلكفرالاحدّا".
بهذا يتبين توافق الشافعية والحنفية والمالكية، ويتبين شذوذ الورائيين.
أما السادة الحنابلة، فيصرحون بأوضح عبارة على أن قتل المرتد تعزير وليس معدودا من الحدود. قالوا في أكثر من مصدر: "من ارتد مكلَّفا مختارا ولو أنثى،دعي واستتيب ثلاثة أيام وجوبا، وينبغي أن يضيق عليه ويحبس، فإن تاب لم يعزر،وإن أصر قتل بالسيف"، ومعناه أن المرتد المُصرّ على ارتداده يُقتل تعزيرا، وإن تاب لم يعزر.
وللورائيين من الحنابلة الوهابية، نهدي نصا أكثر وضوحا لإمام من أئمتهم، وهو الشيخ ابن العثيمين، صدح بأعلى صوته في مواضع من كتبه بأن المرتد ليس عليه حد شرعي، ومن نصوصه في الباب: "في فصل المؤلف كتاب الحدود عن قتل المرتد دليلٌ على أن قتل المرتد ليس من الحدود، وما يكتبه بعض الكُتّاب المعاصرين من أن قتل المرتد من الحدود وهمٌ منهم، وليس من الحدود في شيء، لأن الحدود إذا وصلت السلطان وجبت إقامتها على كل حال، أما المرتد إذا وصل إلى السلطان واستتابه وتاب، وجب رفع القتل عنه".
فهل كان الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة كلهم منبهرين بالحداثة، جاثين بالرُّكَب أمام الغرب القوي؟ أم أنه الفقه والشرع والدين، وللورائيين الجهلُ ونشرُ الجهل والدفاع عن الجهل؟
وليشكرنا هؤلاء الورائيون على هذه التوضيحات التي لم تكن لتخطر لهم على بال، لأنهم سمعوا قولا ورددوا صداه، دون بحث أو تمحيص أو تحقيق، وحين يُعرِض أمثال عبد المتعال الصعيدي وطه جابر العلواني وأحمد الريسوني عن المنهج الببغاوي، ويعودون إلى الأصول بحثا وتنقيبا وتحقيقا وتأصيلا، لا يجدون أمامهم إلا الجامدين الورائيين الذين يسلقونهم بألسنة حداد، وهذا جزاء المجددين في كل عصر ومصر.
نعم، يقول جمهور فقهاء المذاهب بقتل المرتد، وأحيانا يعبرون بقولهم: "يُقتل سياسةً"، يمعنى أنه حكم قانوني سياسي تعزيري، وليس حدا من الحدود.
ولو كان قتل المرتد حدا من الحدود، لطأطأنا الرأس، ولما تجاوزنا قول: سمعنا وأطعنا. أما أنه حكم تعزيري، فالأحكام التعزيرية ليست لها الحجية الأبدية، بحيث لا يجوز تغييرها وتبديلها، لذا كان المعاصرون في حِلٍّ من اجتهاد المتقدمين الذي لا إلزام فيه، ولنا الحق أن نجتهد في إطار المؤسسات التشريعية المعاصرة في قضية المرتد، وقد نشرع قتله كما شرعوا، وقد نشرع له عقوبة أخف، وقد لا نشرع له أية عقوبة، ولا نعاب على اجتهادنا، كما لا نعيب السابقين على اجتهادهم، والمشكلة العويصة لا توجد إلا عند الورائيين، الذين لا يحققون، وللمحققين محاربون.
هذه جولة في بعض المصنفات الفقهية المذهبية قبل الحداثية، أحببنا من خلالها مداواة داء الورائية، من خلال قضية الردة التي يهولون بها وفيها، وقد تبين لنا أن مدرسة المنار ومن معها من المجتهدين النافين لحد الردة هُم أسعد بمصنفات الأقدمين وبفقه الأقدمين من الورائيين الجامدين، وهي مناسبة ندعو من خلالها فقهاءنا الذين يستصعبون الاجتهاد، ويتوهمون عسره ووعورته، أن يمارسوا الاجتهاد الأيسر والأسهل، وهو ضبط مقولات الأقدمين وفهمها دون الزيادة فيها، كما ندعوهم إلى أن يمارسوا الاجتهاد في ضبط ألسنتهم، والاجتهاد في ضبط أقلامهم، فإنه اجتهاد ميسر لا صعوبة فيه، وقد نسدد لهم مقابلا ماديا عن هذا الاجتهاد، لأنه اجتهاد يصون الأمة من داء الورائية العضال، حفظ الله مجتمعنا وسلّمه من هذا الداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.