يعتبر نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أحد الوجوه البارزة التي ترافعت لأجل تقنين الكيف، بل إنه تقدم رفقة عشرة برلمانيين استقلاليين منذ 2014 بمقترح قانون يتعلق بزراعة وتصنيع وتسويق عشبة الكيف، فضلا عن مقترح ثان حول العفو العام عن الأشخاص المحكوم عليهم والمتابعين في جرائم زراعة الكيف. ورغم أن كلا المقترحين لم يأخذا مسارهما التشريعي في ظل رفض الحكومة السابقة فتح هذا الملف، إلا أن ما تحقق اليوم في مسار التقنين – حتى في ظل اختلاف السياقين – لا يُلغي الزخم الذي أعطاه مقترحا قانون الاستقلاليين. لذلك يأتي هذا الحوار مع نور الدين مضيان الذي يتحدث بدراية في الموضوع، وهو النائب عن دائرة الحسيمة إحدى المناطق التاريخية لزراعة القنب الهندي. كنتم سباقين إلى إثارة موضوع تقنين الكيف، بعد تقديمكم قبل سبع سنوات مقترح قانون في هذا الصدد، لماذا ترافعون لأجل رفع تجريم زراعة القنب الهندي؟
مشروع قانون تقنين الكيف جاء متأخرا، ذلك أن زراعة القنب الهندي قديمة قِدَم الزراعة، وإثارة موضوعها تحيل مباشرة على هموم المزارعين وساكنة المنطقة برمتها وما يترتب عن ذلك من مشاكل قانونية وقضائية، بمعنى أن هذه الزراعة أمر واقع، والآثار المترتبة عنها اجتماعية واقتصادية وحقوقية، لذلك أضحى من الواجب علينا كسياسيين البحث عن مخرج، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا عن طريق المُشرع، أي الدولة أو البرلمان.
وقد ناشدنا الحكومة في أكثر من مناسبة بهذا الخصوص، وظل حزب الاستقلال يناضل من أجل التقنين منذ الاستقلال، ففي سنة 1959 استقبل المرحوم علال الفاسي وفدا من أعيان المنطقة وكلف محاميا ليترافع دفاعا عن هذه النبتة.
وقبل نحو سبع سنوات، تقدمنا بمشروع قانون لتقنين القنب الهندي، لكنه كان – مع الأسف الشديد – محل استهزاء من لدن رئيس الحكومة السابق ومكوناتها، وتم تصوير حزب الاستقلال كما لو أنه يدعو إلى التشريع للمخدرات، وهنا لابد من التمييز بين القنب الهندي والمخدرات، والتساؤل عن السبب وراء اختزال القنب الهندي في المادة المخدرة المستخرجة منه، علما أن دراسات أجنبية ووطنية تحدثت عن أن هذه النبتة فيها «العجب العجاب» ويمكن استثمارها في المجال الطبي والصيدلي والعطري والصناعي، لذلك كنا دائما نتساءل: لماذا لا تقوم الدولة بإخراج هذه النبتة من المجال غير النافع إلى النافع والمباح؟
والنتيجة وراء تردد الدولة هي وجود 60 ألفا من المزارعين المبحوث عنهم والمحرومين من أبسط الحقوق. بل أكثر من ذلك، فإن الساكنة والمزارعين في مناطق زراعة القنب الهندي يعتبرون أنفسهم في سراح مؤقت، لأن المشرع جمع في ظهير 1974 بين الزراعة والاتجار والاستهلاك والتعاطي، بل جمع بين المخدرات الصلبة والخطيرة والكيف، في حين أن الأممالمتحدة رفعت مؤخرا الصبغة التجريمية عن النبتة ووضعتها في الدرجة الرابعة من الخطورة في نفس مستوى السجائر من حيث الأضرار المختلفة المترتبة عنها.
لقد طالبنا الحكومة باستمرار أن ترفع هذا الموضوع من قائمة «الطابو»، لأننا كنا نتفاجأ كلما أثرناه بهروب الحكومة وعدم تفاعلها مع النقاش، في حين تتسع المناطق التي تستغل هذه النبتة يوما بعد يوم، فبعد أن كانت زراعة هذه النبتة محصورة في ثلاث قبائل هي بني حداد وكتامة في إقليمالحسيمة وبني خالف في باب برد بإقليم الشاون، امتدت إلى تسعة أقاليم، حيث باتت زراعة النبتة متوفرة في كل مناطق الشمال إضافة إلى إقليمتاونات وجزء من إقليمسيدي قاسم المحاذي لوزان.
إذن، لا يمكن أن نقبل استمرار هذا الوضع في ظل دستور 2011، كما لا يمكن أن نقبل أن يبقى المزارع محاصرا ويعيش في رعب وخوف دائمين، وأن نقبل أيضا مداهمة المنازل ليلا والأطفال نيام، علما أن المزارعين عبروا لنا مرارا وتكرارا أنهم مستعدون للتخلي عن زراعة هذه النبتة إذا قدمت لهم الحكومة بديلا يضمن لهم العيش الكريم، ويؤكدون أنهم مجرد «خماسة» عند الكبار من المهربين الذين يحمل معظمهم جنسيات أجنبية. ويبقى المزارع في المناطق التاريخية الحلقة الأضعف في سلسلة الإنتاج التي يستفيد منها المُهرب وبدرجة أقل المُجمع، حيث تشير التقديرات إلى أن ما يجنيه هؤلاء المزارعون بالكاد يكفيهم لتأمين قوت يومهم لثلاثة أشهر في أحسن الأحوال، لكنهم مهددون بالسجن في كل وقت وحين.
كيف تلقيتم مشروع القانون الذي صادقت عليهم الحكومة وستتم إحالته على البرلمان في قادم الأيام؟
باستحضار معاناة هذه الفئة الهشة، لا يمكننا إلا أن نحيي الحكومة على تقديمها مشروع القانون الذي يستهدف حل مشكلة ومعضلة حقوقية واجتماعية في المنطقة، ولكن نعيب عليها ما نعيب ونتمنى أن تكون إحالته إلى البرلمان فرصة لفتح نقاش جديد بإشراك الفاعلين الرئيسيين في هذا المجال، وهم المزارعون، لأنه لا يمكن ضمان أي نجاح لأي قانون دون إشراك المعنيين، وهو ما لم يحصل حتى الآن من جانب الحكومة التي لم تشرك أثناء إعداد مشروع القانون المزارعين والمنتخبين والغرف الفلاحية بالمناطق المعنية.
أتمنى أن يكون مشروع القانون هذا منطلقا لفتح نقاش حول أهمية التقنين، خاصة في ظل مخاوف حقيقية في صفوف المزارعين، وأن تكون الآليات واضحة وعمليات التفتيش أوسع.
هناك من يقول إن ما تقدمت به الحكومة هو الخيار الأصح، بعدما كنتم طالبتم في مقترح القانون الذي تقدمتم به في 2014 برفع التجريم عن زراعة القنب الهندي بالمطلق؟
لقد وقعت اليوم (الاثنين) مقترح قانون يرمي إلى إعادة النظر في ظهير 1974 الذي يجرم زراعة القنب الهندي، لأنه لا يعقل أن يستمر التعامل مع زراعة نبتة القنب الهندي بشكل مختلف عن باقي المواد الفلاحية الأخرى، والكيف يستخرج منه الداء والدواء، لذلك نطالب باستغلاله في المجال الإيجابي. ومن حقنا أن نتساءل لماذا نعاقب مزارعي الكيف في الوقت الذي لا نعاقب مزارعي الشعير الذي تستخرج منه الجعة ومزارعي العنب الذي يستخرج منه النبيذ ونحن دولة إسلامية وأيضا مزارعي التين الذي تستخرج منه «الماحيا».
نحن نعتبر أن الخطوة الأولى في مسار تقنين القنب الهندي هي رفع الصفة الجرمية عن زراعة هذه النبتة و»إطلاق سراح» المبحوث عنهم، وهي أساسية لإبداء حسن النية، ولا يمكن للدولة أن تنجح في هذا المشروع دون إباحة هذه الزراعة حصريا في المناطق التاريخية، ولا داعي للخوف مادامت ستشرف على العملية وكالة وطنية كما جاء في مشروع القانون.