بوريطة: إفريقيا الأطلسية قطب استراتيجي    انفجار في مدينة لاهور الباكستانية وإسقاط مسيرة هندية    الدرك يحبط محاولة للهجرة السرية    المكتب الإقليمي للمنظمة الوطنية لحقوق الإنسان فرع العرائش يدين سرقة شركة النظافة للكهرباء    الأميرة للا حسناء تقيم بباكو حفل شاي على شرف شخصيات نسائية أذربيجانية من عالم الثقافة والفنون    «أول مرة»… مصطفى عليوة يطلق عرضه الكوميدي الأول ويعد الجمهور بليلة استثنائية من الضحك    الحكومة تراجع مدونة الشغل و تتجه نحو التأطير القانوني للعمل عن بعد    البرلمان يناقش رئيس الحكومة حول إصلاح وتطوير المنظومة التعليمية    بعد عام .. "الاستقلال" يترقب اختيار بركة الأربعة المبشرين باللجنة التنفيذية    محكمة الاستئناف بالرباط تُخفض عقوبة النقيب محمد زيان    امطار رعدية مرتقبة بمنطقة الريف والواجهة المتوسطية    مصرع شخص في حادثة سير بين مراكش وورزازات    مجلس عمالة طنجة أصيلة يعقد دورة استثنائية ويصادق على منح دعم لاتحاد طنجة ب1.4 مليارا    إيقاف شخصين يشتبه ارتباطهما بشبكة تنشط في الاتجار الدولي للأقراص المهلوسة وحجز 1170 قرص طبي مخدر    ترامب: الاتفاق التجاري مع لندن شامل    أشرف حكيمي يدوّن اسمه في التاريخ ويصبح المدافع الأكثر تأثيرًا هجوميًا بدوري الأبطال    توقعات بإنتاج 4800 طن من الورد العطري هذا الموسم    الدخان الأسود يتصاعد من الفاتيكان.. الكرادلة لم يتوصلوا لاختيار البابا الجديد    "كان" الشباب... المنتخب المغربي ينتظر وصيف المجموعة الأولى لمواجهته في ربع النهائي    المملكة المتحدة تجدد تأكيد التزامها بتعميق الشراكة مع المغرب    أبريل 2025 ثاني أكثر الشهور حرارة عالميا    منصات المخزون والاحتياطات الأولية.. بنيات جهوية موجهة للنشر السريع للإغاثة في حال وقوع كوارث    وداديون يحتفون بحلول الذكرى ال88 لتأسيس النادي    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    أداء إيجابي في تداولات بورصة البيضاء    السيد ماهر مقابلة نموذج رياضي مشرف للناشطين في المجال الإنساني    ارتفاع أسعار الذهب بعد تحذير المركزي الأمريكي من الضبابية الاقتصادية    محاكمة ناشطيْن من "حراك الماء" بفجيج    مهندس سابق ب"غوغل": غزة تشهد أول "إبادة جماعية مدعومة بالذكاء الاصطناعي"    تعزيزا للسيولة.. بورصة الدار البيضاء تستعد لإطلاق سوق جديدة للمشتقات المالية    لجنة: زيادة مرتقبة للأطباء الداخليين    ديكلان رايس بعد خسارة آرسنال ضد باريس سان جيرمان: "بذلنا قصارى جهدنا.. وسنعود أقوى"    الأميرة للا حسناء تزور بباكو المؤسسة التعليمية 'المجمع التربوي 132–134'    الذكرى ال22 لميلاد ولي العهد الأمير مولاي الحسن: مناسبة لتجديد آصرة التلاحم المكين بين العرش والشعب    ماكرون يستقبل الشرع ويسعى لإنهاء العقوبات الأوروبية على سوريا    صادرات المغرب من الأفوكادو تثير قلق المزارعين الإسبان ومطالب بتدخل الاتحاد الأوروبي تلوح في الأفق    فنانون مغاربة يباركون للأمير مولاي الحسن عيد ميلاده ال22    الغربة والذياب الجائعة: بين المتوسط والشراسة    بطولة انجلترا: الإصابة تبعد ماديسون عن توتنهام حتى نهاية الموسم    الوداد يسخر الأموال للإطاحة بالجيش    سان جيرمان يقصي أرسنال ويمر لنهائي رابطة الأبطال    13 قتيلا في الهند جراء قصف باكستاني    إسرائيل تهدد طهران ب "نموذج غزة"    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    ارتفاع أسهم شركة "تشنغدو" الصينية بعد تفوق مقاتلاتها في اشتباك جوي بين باكستان والهند    مكناس تبدأ في بناء محطة قطار حديثة بتكلفة 177 مليون درهم    منتدى التعاون الصيني الإفريقي: كيف أرسى أسس شراكة استراتيجية؟    استهلك المخدرات داخل سيارتك ولن تُعاقبك الشرطة.. قرار رسمي يشعل الجدل في إسبانيا    باكو.. الأميرة للا حسناء تزور المؤسسة التعليمية "المجمع التربوي 132–134"    دراسة علمية تكشف قدرة التين المغربي على الوقاية من السرطان وأمراض القلب    لأول مرة في مليلية.. فيلم ناطق بالريفية يُعرض في مهرجان سينمائي رسمي    من المليار إلى المليون .. لمجرد يتراجع    تشتت الانتباه لدى الأطفال…يستوجب وعيا وتشخيصا مبكرا    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محافظون في تنظيم حداثي وحديقة خلفية شاسعة.. أسلحة العدالة والتنمية لمواجهة صواريخ خصومه الانتخابية
نشر في الأيام 24 يوم 02 - 07 - 2021


* محمد كريم بوخصاص
يبدو الحزب الإسلامي الذي قاد الحكومة لمدة عشر سنوات منهكاً، وهذه هي سُنة ممارسة الشأن العام. إلا أن منافسيه لا يطمئنون إلى هذا الإنهاك الظاهر، ويخوضون حربا ضارية ليسقطوا الإخوان من رتبتهم الأولى التي تبوؤوها خلال ولايتين تشريعيتين.
صحيح أن البيجيدي سيتراجع، ولكن بكم؟ هذا هو السؤال المؤرق للخصوم الذين يستحضرون اليوم نقاط قوة خصمهم أكثر من نقاط ضعفه ليواجهوها. هنا محاولة لمسح أولي للآلة البيجيدية التي تستعد لدخول المباراة التشريعية الأكثر تشويقا في هذا العقد.
رغم أن الإسلاميين يشغلون بال المملكة قبل ميلاد حزبهم بشكله الحالي منتصف تسعينيات القرن الماضي، بل قبل حتى أن تعتنق قيادتهم مذهب المشاركة السياسية، وتشكل قوتهم عبئا ثقيلا على الدولة بلغ ذروته بعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، باستدعاء قيادة العدالة والتنمية لاجتماع «الإنذار الأخير» في منزل وزير الداخلية آنذاك مصطفى الساهل بحضور فؤاد عالي الهمة وياسين المنصوري، بوصف الأول كاتب الدولة في الداخلية والثاني مديرا عاما للشؤون الداخلية، فإن 2011 شكلت منعطفا في مسار الحزب حين «سُمِح» له ببلوغ مركز صناعة القرار الحكومي مستفيدا من الزخم الذي كان يعرفه الشارع العربي.
وبينما اعتبر البعض أن الحزب وصل إلى قيادة الحكومة بفضل موجة الربيع العربي، فقد برهن في 2016 أن فوزه لم يكن صُدفة بل نتيجة تراكم، بعدما فاز بأغلبية مُطلقة في جل المدن الكبرى ورفع حصته ب18 برلمانيا عكس المتوقع من حزب قاد الحكومة. ومنذ تلك الفترة تبين أن لدى الحزب قوة وأسلحة فتاكة تُبقيه في الصدارة، في ظل تراجع الأحزاب التاريخية وعجز أحزاب الإدارة عن القيام بأي دور، وفشل كل مهمات إسقاطه، بما فيها تأسيس «البام» سنة 2009 وتجربة «جي 8» في 2011 ومحاولة «بام العماري» في 2016.
وإذا كانت الأنظار تتجه اليوم إلى عزيز أخنوش الذي يجرب حظه بإسقاط الإسلاميين، معتمدا على المال الغزير والاستثمار في مواقع التواصل الاجتماعي، فإن السؤالين الذين يطرحان بإلحاح هما: ماذا أعد العدالة والتنمية للحفاظ على موقعه مرة أخرى؟ وما هي أسلحته لمواجهة خصومه الجدد والقدامى؟
سؤال صعب في سياقين !
الجواب عن السؤالين المطروحين يحكمهما سياقان دالان أولهما إيجابي وثانيهما سلبي، فأما الإيجابي فهو حالة الانتشاء التي يشعر بها الحزب هذه الأيام بعد نجاحه في تنفيذ اختراق أعاد التوازن لمسار التطبيع مع إسرائيل، يتمثل في استقبال وتدبير زيارة وفد حركة «حماس» بقيادة رئيسها إسماعيل هنية للمغرب الأسبوع الماضي، والتي تمت برعاية ملكية وبإخراجٍ كامل لإخوان العثماني، ويرجح أن ترفع هذه الزيارة أسهم الحزب وتمتص الغضب من توقيع العثماني اتفاق التطبيع الثلاثي في يناير الماضي على بعد أقل من مائة يوم عن محطة 8 شتنبر الحاسمة.
وقد أظهر قادة الحزب تطورا أثناء استقبال وفد حماس، حيث غابت عنهم العفوية المعهودة فيهم وتعاملوا بمنطق رجال الدولة، وظهر ذلك بشكل واضح في بروتوكول الاستقبال والوقوف والابتسامة وحتى الكلام خلال الاستقبال الرسمي في مقر إقامة رئيس الحكومة بحي الليمون، الذي حضرته «الأيام».
السياق الثاني هو الهزيمة المدوية التي تلقتها نقابة «الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب» في انتخابات اللجان الثنائية أو المتساوية الأعضاء، والتي تُعتبر مؤشرا رئيسيا لما قد يكون عليه المشهد الانتخابي القادم، خاصة أن النقابة خسرت مقاعد في قطاعات مؤثرة انتخابيا، مثل قطاع التعليم الذي فقدت فيه موقعها كنقابة أكثر تمثيلية، ورغم سعي البعض إلى التقليل من تأثير هذه الهزيمة على حظوظ الحزب في الاستحقاقات المقبلة بالتلويح باستقلاليتها التنظيمية إلا أنها تمثل الحزب، فرئيسها هو عضو بالصفة في الأمانة العامة ومجموعة النقابة في مجلس المستشارين مندمجة في فريق الحزب بالغرفة الثانية للبرلمان.
وبين هذه الإطلالة من نافذتي استقبال حماس وهزيمة النقابة، يطفو إلى السطح المشهد السلبي الذي يخيم على الحزب منذ البلوكاج الشهير سنة 2016، وآخر فصوله استقالة المصطفى الرميد من الحزب جراء خلافه العميق مع العثماني عكس ما كان يُعتقد من تماهي الرجلين مع بعضهما البعض، وقبله تنحي الرجل الثاني في الهرم التنظيمي للحزب إدريس الأزمي قبل أن يعود تحت ضغط برلمان الحزب، بينما كبيرهم عبد الإله بن كيران مازال منزويا في الخلف رغم تراجعه عن تجميد عضويته.
أسلحة ناعمة
رغم أن وضعية الحزب الداخلية هي الأسوأ على الإطلاق منذ بداية مشاركته في الانتخابات، إلا أن العدالة والتنمية يملك أسلحة ثقيلة تجعله رقما صعبا في المنافسة الانتخابية، ولا تتوفر لدى غيره من الأحزاب الأخرى، على رأسها «حركة التوحيد والإصلاح» التي تُشكل قاعدة انتخابية صلبة لا تتزحزح بفعل انتشارها الواسع على التراب الوطني وانضباط أعضائها لتوجيهات القيادة التي تصدر في كل استحقاقات انتخابية بالتصويت لفائدة العدالة التنمية، وفق ما أورده مصدر من داخل الحركة، بغض النظر عما تعلنه من دعوتها للتصويت على الأصلح.
كما يستفيد الحزب من شبكة واسعة من الجمعيات التي أسسها أعضاء هذه الحركة أو التي لا تخفي تبعيتها لها، والتي يقدر عددها بالمئات في غياب إحصاء دقيق لها، وبعضها ذو طابع وطني، خاصة المتعلقة بالعمل الطفولي أو المختصة في العمل النسائي.
وينخرط عدد كبير من الجمعيات الموالية لحركة التوحيد والإصلاح في برامج إشعاعية تجذب آلاف المواطنين من قبيل «محو الأمية» وتحفيظ القرآن الكريم، والذين لا تختلط عليهم الانتماءات أو الميولات السياسية للمشرفين عليها.
كما يستفيد الحزب من قاعدة انتخابية صلبة من المستفيدين من العمل الخيري والإحساني للجمعيات التابعة للحركة، وإن كان ليس بنفس التمويل الذي تتوفر عليه الجمعية التابعة للتجمع الوطني للأحرار.
تحدّي ليس له دواء !
رغم امتلاك حزب الإسلاميين أسلحة ثقيلة في مواجهة خصومه في الانتخابات المقبلة، إلا أن فوزه هذه المرة سيكون مكلفا أكثر من أي وقت مضى، لذلك عليه أن يواجه تحديا موضوعيا يلخصه سؤال: هل تقوى الدولة على فتح باب قيادة الحكومة للإسلاميين للمرة الثالثة؟ الجواب ب»نعم» يعني دخول البلاد عمليا مرحلة «هيمنة» حزب وحيد على المشهد السياسي وهو تحدٍ قد لا يقوى عليه بلد بالكاد يتلمس طريقه نحو الديمقراطية، فضلا عن اصطدامه بالتقاليد المرعية، فعلى امتداد التاريخ السياسي للمملكة لم يثبت أن صمدت قوة سياسية لولايتين حكوميتين كاملتين فما بالك بثلاثة، وحتى عندما قاد حزب الاستقلال الحكومة مرتين متتاليتين في السنوات الأولى لاستقلال البلاد، فإن ذلك لم يمتد سوى إلى عامين، حيث قاد أحمد بلافريج الحكومة سبعة أشهر فقط (من 12 ماي إلى 16 دجنبر 1958) وتلاه في نفس المنصب رفيقه عبد الله إبراهيم لعام ونصف (من 16 دجنبر 1958 إلى 20 ماي 1960).
وبعد تجربة حزب علال الفاسي القصيرة، لم يتول أي حزب قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، بما فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي فاز بانتخابات 2002 ولم يعين اليوسفي أو غيره وزيرا أول، إلى أن جاء العدالة والتنمية الذي خالف القاعدة، ويستمر إلى اليوم في قيادة سفينة الحكومة رغم الرياح العاتية التي عصفت بها لمرات عديدة.
التركيبة الثلاثية
هناك ثلاثة عناصر تجعل الحزب في حملة انتخابية دائمة، عكس بقية الأحزاب، أولاها خلقه أجهزة إدارية وتنظيمية على مستوى الجهات والأقاليم تتمتع بالشخصية المعنوية، وتتولى تأطير القواعد وتخفيف الهيئات المركزية من الأعباء التنظيمية ذات الطبيعة المحلية حتى تتفرغ لرسم السياسات والتوجهات العامة ومتابعة الشؤون على المستوى الوطني، وتساهم هذه العملية في «خلق قيادات وسيطة بين المركز والقاعدة»، بتعبير قيادي بالحزب.
أما العنصر الثاني فيتمثل في حرص قيادة الحزب على «التواصل المستمر مع القواعد» رغم التزاماتها الحكومية أو التدبيرية، مما يمنع حصول أي قطيعة بين القاعدة والمركز ويطفئ أي نار غضب من تدبير الشأن العام. فيما يتعلق العنصر الثالث بعدم اتهام القيادة في ذمتها، حيث أن أعضاء الحزب قد يتهمون القيادة ب»الضعف» أو «الفشل» كما يحصل مع العثماني وإخوانه، لكن لا يصل ذلك حد التخوين أو اتهامهم في إيديولوجيتهم، وهو الأمر الذي فسره باحث منتمٍ للحزب بأنه «الحنين إلى المشترك في اللاشعور الجماعي لأعضاء الحزب».
سر قوة البيجيدي.. محافظون في تنظيم حداثي
حين اختلف الاستقلاليون في مؤتمر 2012 الوطني الذي انتخب حميد شباط، خَرج تيار وازن حمل اسم «بلا هوادة» اشتغل مدة أربع سنوات كتنظيم مواز للحزب، ولما غضب اتحاديون من طريقة انتخاب إدريس لشكر كاتبا أول في دجنبر 2012 أسسوا «تيار الزايدي» الذي انسحب نهائيا من «الوردة» وجرب تأسيس حزب بديل. لكن حين بلغ الخلاف ذروته داخل العدالة والتنمية بعد بلوكاج 2016 لم يطل شيء بنيته التنظيمية ويستمر الحزب حتى اليوم موحد التنظيم رغم كونه «ممزق» الصفوف، مما يؤكد أن لدى حزب الإسلاميين ما لا يمتلكه غيره، إنها البنية التنظيمية الحامية من الصدمات.
تعتبر البنية التنظيمية للعدالة والتنمية أهم عناصر قوته، والتي أكدت تجارب الأعوام الخمسة السابقة أن فيها نوعا من «السِّحر»، ظهر بشكل واضح في المؤتمر الوطني الذي عرف انتخاب العثماني ودورات المجلس الوطني التي تلته، ففي كل محطة كان يراهن كثيرون بمن فيهم أعضاء ومتعاطفون – على انقسام الحزب قبل أن يظهر العكس ويخرج الإخوان المختلفون موحدين، حتى أن أحد الأعضاء قال ساخرا ل»الأيام»: السر موجود في نشيد «ربنا إياك ندعو ربنا آتنا النصر الذي وعدتنا!» الذي يختتم به الحزب محطاته التنظيمية الكبرى.
قد يكون مفعول هذا النشيد أو غيره حاسما داخل تنظيم كانت العضوية فيه تسوق حتى وقت قريب بمنزلة «الفئة التي اصطفاها الله!»، لكن المؤكد أن هناك أشياء أخرى تتفاعل لخلق «الجُندية» في الانتماء وفرض امتثال تام للقرارات المتخذة في الهيئات الأعلى من طرف الجميع على حد سواء، والتي تؤكدها تجربة استقالة إدريس الأزمي من رئاسة المجلس الوطني في فبراير الماضي والعدول عنها، فبعد أن اعتقد كل من اطلع على الحيثيات التي دونها الأزمي في رسالة استقالته أن بينه وبين الاستمرار في منصبه مسافة الأرض والسماء، عاد الرجل لممارسة مهامه مباشرة بعد رفض برلمان الحزب استقالته.
هذه الأشياء عبر عنها مراقبون ب»الديمقراطية الداخلية» التي يتمتع بها الحزب والمتأتية من نجاحه في بناء تنظيم «حداثي» بمفردات «إخوانية» مثل «الشورى» و»عدم طلب المسؤولية»، وبنية مهيكلة بطريقة دقيقة جدا ومواكبة بقوانين ومساطر تحمي الحزب من التفكك والانقسام والانشقاق.
ويعود الفضل في ذلك إلى قيادات اضطلعت بمهمة بناء التنظيم الداخلي عندما كانت أخرى تمارس السياسة والخطابة والتأطير، في مقدمتها «عبد الله بها» الذي تركت وفاته في دجنبر 2014 في حادث قطار فراغا لم يملأه غيره حتى اليوم، والذي قال عنه عضو بالأمانة العامة اشتغل تحت إمرته: «لقد كان يمتلك قدرة على إجراء مسح تنظيمي لكل هيئات المشروع وفهم مكامن الخلل الواجب إصلاحها». ويأتي في المرتبة الثانية كل من سليمان العمراني أكثر من يعرف ممارسة دور «نائب للرئيس» ويمسك بكل خيوط التنظيم داخل الحزب، وأيضا عبد القادر اعمارة الذي يبرع في المسؤوليات «التقنية» التي يتولاها حتى أصبحت المسؤولية المالية مسجلة باسمه، يتولى تدبيرها منذ 2004 حتى اليوم.
الفكر التنظيمي الحداثي الذي يتبناه إسلاميو المؤسسات جعلهم يختلفون عن كل تجارب الإسلاميين في العالم العربي الذين يتبنون منهج «الإرشاد»، حيث لا يمكن التنبؤ بمن سيخلف الرئيس قبل الجمع العام، وتبقى كل التكهنات مطروحة حتى يَحسم المؤتمر في اسم الرئيس الجديد. ويعتبر مراقبون أن هذه الطريقة تشكل ضمانا حقيقيا للثقة في العملية الانتخابية ويعزز مشروعية وسلطة المسؤولين المنتخبين.
ويظهر من خلال تقليب أدبيات الحزب أنه قام منذ ميلاده على مبدأين أساسيين، وهما: «القرار بالأغلبية» و»المسؤولية بالانتخاب»، وفي المبدأ الأول يعتبر أن ما ينتج عن إعمال ما يسميها «الشورى» ملزم وقد بنى عليه قاعدة «الرأي حر والقرار ملزم»، وهو ما يعني نقل عملية النقاش من حوار فكري أشبه ما يكون بحوارات النوادي والمنتديات الثقافية إلى حوار مؤسساتي يفضي إلى قرارات ملزمة وفق قاعدة التصويت بالأغلبية.
أما عن المبدأ الثاني، فقد حدد الحزب عدد ولايات الأمين العام ومختلف المسؤولين في ولايتين، وتبين مسطرة انتخاب المسؤولين بمن فيهم الأمين العام بأنه لا يحق لأحد ترشيح نفسه، ولا لأي هيئة أن ترشح أحدا، وإنما تبقى هذه المهمة من اختصاص الجمع العام وحده، حيث يقوم كل عضو من أعضاء الجمع العام بترشيح ثلاثة أسماء على الأقل أو خمسة على الأكثر بطريقة سرية، وبعد فرز الأصوات، يعتبر الخمسة الأوائل مرشحين للمسؤولية المعنية بالتصويت.
وانطلاقا من هذين المبدأين لم يكن ممكنا التنبؤ بمن سيخلف الأمين العام. حصل ذلك في كل مؤتمرات الحزب منذ نشأته، فخلال المؤتمر الوطني لسنة 2008 لم يكن أحد يتصور أن عبد الإله بن كيران سيفوز برئاسة الحزب، قبل أن تحصل المفاجأة المدوية بإسقاطه العثماني، ونفس الأمر حصل في المؤتمر الوطني الأخير حين كاد الأزمي أن يصل لقيادة الحزب وفاز العثماني المرشح فوق العادة بفارق أقل من 2 في المائة من عدد الأصوات.
وهناك شيء عجيب يؤمن به الحزب ويجعل المفاجأة تحصل دائما، هو إمكانية أن يتقدم عضو بالجمع العام أمام الحاضرين ليعدد سلبيات المرشحين، حتى إن تطلب الأمر تجريحه، وهي العملية التي يعتبرها المنتمون أشبه بطقس «عبادة»، حيث يحرم أن يكبت الشخص شهادته خوفا من «الإثم» حتى يسهم في اختيار الأصلح لقيادة ما يسمونه «المشروع الإصلاحي»، وفي النهاية يمكن أن تجد الشخص الذي كان في الجمع يكيل التهم للآخر واقفا معه يتمازحان أو حتى يتعانقان وهما مزهوان كما لو أنهما أديا فريضة مقدسة، كما يمكن للشخص أن يتقدم بنفسه ليعدد خصاله السلبية التي لا يعلمها إلا ربه كي لا يتم إثقاله بالمسؤوليات، وإن كانت مثل هذه الأمور قد بدأت تخفت شيئا فشيئا داخل الحزب، كما تؤكد مصادر، بعدما أصبح عسل التعويضات في المهمات الانتدابية يسيل لعاب الغالبية.
الحديقة الخلفية التي يحصد منها البيجيدي ناخبيه
رغم حرصه الدائم على إبراز تمايزه مع حركة «التوحيد والإصلاح»، فإن هذه الأخيرة تعتبر أهم خزان انتخابي لحزب العدالة والتنمية، فضلا عن اضطلاع أعضائها بأدوار تأطيرية خلال الانتخابات، لذلك يصلح توصيفها ب»الحديقة الخلفية التي يغتنم منها البيجيدي الأصوات».
وإذا كان المؤتمر الوطني للحركة في 2014 قد قطع مع انتخاب أعضاء الأمانة العامة للحزب في مكتبها التنفيذي، فإن ذلك لا يعني انفراط عقد علاقتها مع البيجيدي، والمحكومة بأدبيات راسخة، فالعدالة والتنمية هو تنظيم في «المشروع الإصلاحي العام» الذي تقوده حركة التوحيد والإصلاح باعتبارها التنظيم الأم، ويتفرع عنه عدد من التنظيمات التي لها أعضاء مشتركون، حتى مع هيمنة الحزب بفعل الزخم الذي يتميز به العمل السياسي عادة.
وأظهرت التجربة في كل المحطات الانتخابية السابقة تحول أعضاء الحركة والتنظيمات التابعة لها إلى فاعلين في الحملة الانتخابية للعدالة والتنمية أو مصوتين في أسوأ الأحوال، لذلك ينتظر أن يستفيد الحزب من هذا الامتياز غير الموجود عند غيره في محطة 8 شتنبر الحاسمة، رغم تنديد قيادة الحركة بعدد من القرارات الحكومية التي ساهم البيجيدي في تمريرها من قبيل فرنسة التعليم وتقنين الكيف والتطبيع.
ورغم أن الإسلاميين المغاربة اختاروا مبكرا تحقيق التمايز بين العمل السياسي والدعوي، عكس حركات إسلامية في دول عربية تنهج خيار الدمج الكامل بين الدعوي والسياسي، فإن ذلك لم ينعكس على مستوى الانتماء والعضوية، حيث تجد قياديا في الحزب هو عضو في الحركة والعكس، وحتى عهد قريب، كان هناك جمع لقيادات لمناصب المسؤولية في كلا التنظيمين، حيث كان عبد الإله بن كيران على سبيل المثال أمينا عاما للحزب وفي نفس الوقت عضوا بمجلس الشورى (أعلى هيئة بالحركة)، وكان محمد يتيم ومصطفى الخلفي وزيران وأعضاء بالأمانة العامة وفي نفس الوقت أعضاء بالمكتب التنفيذي للحركة.
غير أن ما لا يعرفه كثيرون في ظل سيطرة الحزب على المشهد السياسي في الأعوام السابقة، هو أن حركة «التوحيد والإصلاح» هي التي صنعت الحزب، وهذا الأخير هو ذراعها السياسي وليس العكس، أي أن الحركة ذراعه الدعوية، فقرار الالتحاق بحزب الخطيب صيغ في اجتماعات المكتب التنفيذي للحركة، ومازالت أدبيات الحركة تعكس ذلك، حيث تعلن أنها تتبنى سياسة «تفويت التخصصات» المبنية على التفويض أو الشراكة أو التعاقد أو المناولة وشعار «وحدة المشروع عوض وحدة التنظيم»، وهكذا فإن التخصص السياسي «فوتته» إلى العدالة والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.