يوم بيوم غشت لا يخلف الموعد نور الدين مفتاح نشر في 15 سبتمبر 2022 الساعة 14 و 38 دقيقة يقولون إن قدر المغرب أن يكون محاصرا، وهذا صحيح. فهذه الإمبراطورية السابقة مخيفة، لقد جزّأوها ويخافون أن تتقوى. إن المغرب بدون كلفة قضية الصحراء سيكون لاعبا خطيرا على المستوى الإقليمي والقاري، وهذا بدوره مخيف نور الدين مفتاح [email protected] لكل غشت في المملكة قضية رأي عام، وشهر هذه السنة القائظ لم يخلف موعده مع المفاجآت. وصانع المفاجأة غير السارّة هذه السنة كان هو الرئيس التونسي قيس سعيّد باستقباله لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، كرئيس دولة صحراوية ليشارك في القمة اليابانية الإفريقية «تيكاد 8». قيس صدمنا. قيس صدم التوانسة أيضا. قيس بعثر أوراق المحللين والمنجّمين وكتب نهاية سيناريو هيتشكوكي. قيس رمى بجرة قلم إرثا تونسيا عمره نصف قرن بُني على التوازن والحياد الإيجابي. قيس أفجعنا في روابط مع شعب تونسي نحبه بَرْشَة. ولكنه قيس سعيّد! وعندما نأخذ مسافة مما جرى، يبدو أننا نفخنا في الرجل، وألفنا الحكايات، ودورنا السيناريوهات، دون أن نعود إلى ما فعله الرجل ببلده أولاً، قبل أن نلتفت إلى ما رمانا به وهو مخمور بسلطته وغرائبياته. هذا الأستاذ الجامعي الذي حملته ثورة الياسمين إلى سدّة الرئاسة هو ببساطة غريب الأطوار، يتحدث بعربية مصطنعة مفخمة أو مفخخة، ويبني في القصر الرئاسي تصورا لحاكم بأمره قادم من القرن الثامن الهجري، ويعتقد أنه المنقذ من الفساد والضلال. ولهذا، مزّق الدستور الذي أوصله لرئاسة الدولة، وحلّ البرلمان، وجمع كل السلطات بيده بما فيها القضاء، ورتب استفتاء على دستور على مقاسه، وصار يحارب الجميع في تونس إلا المحيطين والمريدين وجزءًا من الدولة العميقة. رجل غريب الأطوار، وفي أول امتحان خارجي جدّي، برهن أنه قيس سعيد، وكسر مزهرية علاقات تونسية مغربية رعاها رؤساء متعاقبون ومختلفون في التوجهات، ولكنهم ظلوا أوفياء للعقل وللمنطق، ظلوا أوفياء فقط، من بورقيبة إلى بنعلي، ومن المرزوقي إلى الباجي قايد السبسي. سيدي الرئيس، إن من يتهمك بالتواطؤ مع الجزائر أو مع فرنسا يظلمك، لأنه يعطي لتصرفك باستقبال شخص كرئيس دولة غير معترف بها من طرف الأممالمتحدة معنى أكبر من رعونته ومجانيته وسخافته. وأنا أتفق مع رئيس الديبلوماسية التونسية الأسبق أحمد وَنّيس عندما يقول بأن ما قمت به هو قرار تونسي مستقل، ولأنه كذلك فهو كارثة. كارثة تونسية مغربية مغاربيّة وأنت جالس على حطامها تتفرج، وحتى عندما قامت القيامة، ظللت صامتا صمت البُلهاء، بدل أن تحسم، فإما سفارة في تونس العاصمة لهذه الدولة التي استقبلت شخصا يدعى إبراهيم غالي كرئيس لها، أو اعتذار للشعب المغربي. هل أنت مع دولة سادسة في المغرب الكبير؟ نحن لا ننفي أن لنا قضية في الأممالمتحدة حول الصحراء، فلماذا استبقت حكم المنظمة الأممية وحسمت أمر الدولة الصحراوية؟ لماذا هذا الهدر المجاني لصفة الدولة المغاربية التونسية الصديقة للجميع؟ نحن لا نؤاخذ الدول على علاقاتها مع الدول، والجزائر دولة ذات سيادة، ولك أن تتعامل معها غازا واقتصادا وسياحة كيفما تشاء، ولكن الجمهورية الصحراوية ليست دولة إلا في الأوراق، فلماذا هذا الاصطفاف وهذا الانجراف؟ الجواب بسيط: لأنك قيس سعيد، لأنك في السياسة الداخلية كما الخارجية غريب الأطوار. إن الذي زاد ما جرى في هذا المغرب الكبير إيلاما، بغض النظر عن شخصية الرئيس قيس، هو أنه جاء بُعيد خطاب ملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب، قدم لأول مرّة الحصيلة الشاملة للمكاسب المغربية في ملف استكمال الوحدة الترابية من الأرجاء الأربعة للكرة الأرضية، وأن تخرج هذه المفاجأة من ذوي القربى، فقد كانت قاسية ومُرّة مهما كانت شخصية الرئيس. لقد رفع جمهور فريق المغرب الفاسي لكرة القدم «تيفو» مبدع أعاد جملة جاءت في الخطاب الملكي وهي أن النظارات التي ينظر بها المغرب إلى العالم هي قضية الصحراء المغربية. والذي يعرف هامش الحرية الذي تتمتع به الجماهير الكروية في التعبيرات السياسية سيفهم أن هذه المعادلة الملكية ترجمت نبضا مجتمعيا لا يجب أن يخطئه من يريد أن يفهم المغاربة أو يتعامل معهم، وهنا جاء سعيد في الوقت الخطأ بالضبط، ولذلك كان رد الفعل الشعبي المغربي هادرا، يتجاوز قيس، ويتجاوز تونس الرسميّة، إنه رد من بلد مظلوم قزمه الاستعمار جغرافيّا، وكان عليه أن يحارب إلى الآن من أجل الحفاظ على جزء من ترابه بالدماء والتضحيات وما يزال. يقولون إن قدر المغرب أن يكون محاصرا، وهذا صحيح. فهذه الإمبراطورية السابقة مخيفة، لقد جزّأوها ويخافون أن تتقوى. إن المغرب بدون كلفة قضية الصحراء سيكون لاعبا خطيرا على المستوى الإقليمي والقاري، وهذا بدوره مخيف، ولذلك تجدنا اليوم مجبرين على الجلوس في منظمة قاريّة مع كيان وهمي لعبت المؤامرات لعبتها ليصبح عضوا مؤسسا للاتحاد الإفريقي! هذه المؤامرات هي التي تجعل للانفصال سفارة في نواكشوط وموطئ قدم في الجزائر وتجعل المغرب مطوقا بالأعداء وفي أحسن الأحوال بالأصدقاء المقنّعين. فما الذي تبقى اليوم من حلم المغرب الكبير؟ وهل تريد أوروبا أصلا مخاطبا قويا من حجم هذا المغرب العربي أو هذا الشمال الإفريقي؟ ولنطرح السؤال الصريح: هل اختفت في عالم اليوم أطماع الدول الكبرى في مقدرات الدول الصغرى؟ أبداً! هذا عالم يعيد إنتاج نفس المعادلة التي جرت في الحقبة الاستعمارية ولكن بإخراج جديد، وقيم جديدة. لم يعد مستساغا الاحتفاء بالرؤوس المقطوعة والتقاط الصور معها، بل أصبحت في طي الصداقات شفرات لقطع الأنفة واستقلالية القرار. ولا يمكن لدولة محدودة الإمكانيات أن تدعي بطولة الوقوف في وجه طغيان دول عظمى، ولكن، الدولة تسايس، تشد الحبل تارة، وتطلقه، ولكل دولة فينا تركوا مسمارا يوجعها، ونحن تركونا بحدود ملغمة، وها نحن لستين سنة مشغولون بقضية الصحراء حتى ضبطنا عليها إيقاع كل شيء يتحرك في البلاد. لا يختلف ما يجري اليوم مع فرنسا مثلا عن هذا العمق القديم في العلاقات الدولية الجديدة. من كان يتصور أن تصبح مياه العلاقات المغربية الألمانية أدفأ من المياه مع باريس؟ صحيح أننا لا نملك المعطيات لنحكم ولكن، الدرس الفرنسي في هذه الإهانة التي يُواجهها المغرب بصمت رسمي على الأقل في مسألة التأشيرات هي أن علينا ألا نبتهج كل مرّة وألا نعلن انتصاراً مع كل مكسب، لأن منطق الحصار والاستهداف والأطماع قائم. أنا لست مع تأجيج الأزمة مع فرنسا، فهذه الدولة ظلت دائما سند المغرب في مجلس الأمن الدولي قبل الولاياتالمتحدة وفي قضية الصحراء بالضبط، وبالتالي، فلباريس مصالح تدافع عنها في شمال إفريقيا، ولنا مصالح ندافع عنها أيضا، وأحيانا كثيرة نسجل أهدافا، وفي بعض الأحيان تسجل علينا الأهداف، والعبرة باللعب الجيد على المستوى الديبلوماسي، ووراء العمل الديبلوماسي، لابد أن يكون هناك جدار إسمنتي قوي متلاحم هو جدار الجبهة الداخلية، فكلما حققنا المكتسبات الاجتماعية والديموقراطية، كلما واجهنا بشكل أحسن.