" لمسنا في هذه الحكومة الاستعداد من أجل حوار جدي للنهوض بأوضاع الشغيلة، ونثمن ما قامت به…" ، " هذه الحكومة ترسم معالم الدولة الاجتماعية، وأول حكومة تفتح الحوار قبل قانون المالية…" ، " الحكومة استمعت إلى مطالبنا…" ، تلكم هي تصريحات زعماء النقابات الثلاث "الأكثر تمثيلا " (على التوالي ا م ش، وا ع ش م، و ك د ش) عقب مشاركتها في الحوار الاجتماعي ل 15 شتنبر 2022، فتساءلت مع نفسي ، بعد ان قرأت وتمعنت في نتائج الحوار الاجتماعي وماذا جاء به من "مكتسبات للطبقة العاملة" في القطاعين العام والخاص والتي استأثرت بتصريحات إيجابة للنقابات المشاركة في الحوار.
فقبل أن أتطرق النتائج العجيبة للحوار الاجتماعي والتي قوبلت بالترحاب النقابي، وفي إطار المقارنات، أتذكر الحوار الاجتماعي لسنة 2016 والذي كانت الحكومة ستؤدي عنه أكثر من 10 مليار فرُفضت مخرجاته. هذا الحوار وقتا كبيرا من الجلسات الحوارية، فأفضى إلى مكتسبات ذات أهمية بالغة لكنها، وفي إطار المفارقات، قوبلت بالرفض من طرف نفس النقابات !!! ومن بين ما جاء به ذاك الحوار من مكتسبات: التزام الحكومة بأداء نسبة 4% ، عوض أن يؤديها الموظف، في الزيادة التي تقررت في نسبة اقتطاعات صندوق المغربي للتقاعد والتي انتقلت من 10%إلى 14%؛ واعتماد 300 درهم للتعويضات العائلية الثلاث الأطفال الأوائل عوض 200 أي بزيادة 100 درهم عن كل طفل، و 100 درهم عن كل طفل في حدود ثلاثة آخرين عوض 36 درهم عن كل طفل أي زيادة 64 درهم عن كل طفل؛ والتغطية الصحية للوالدين لتدخل ضمن التغطية الصحية التي يؤدي عنها الموظف أو الأجير المؤمّن؛ والدرجة الجديدة للسلاليم الدنيا؛ والزيادة في الحد الأدنى للأجور بالنسبة للقطاع الخاص…، أكرر أن كل هذه المكتسبات رفضت، ومن المفراقات أيضا، كانت تتلا تصريحات من طرف النقابات الثلاث المذكورة سابقا ، مع كامل احتراماتي لها، بشكل غريب، فبالإضافة أنها كانت تضرب في كل ما جاءت به الحكومة ، تُظهر للرأي العام وكأنها قامت بإنجاز كبير "يخدم" الشغيلة !!
أضيف أيضا ما أتذكره في إطار المقارنات، الحوار الاجتماعي لسنة 2019 والذي خصصت له الحكومة حوالي 11 مليار لكن لم تكن جولاته سهلة بل استغرقت أسابيع عديدة وصلت في مرات عديدة إلى عدم "التفاهم" مما جعل وزارة الداخلية تدخل على الخط لإقناع النقابات أفضى إلى اتفاق 25 أبريل 2019 و وقعت عليه ثلاث مركزيات نقابية (الاتحاد المغربي للشغل والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ) في حين(في إطار المفارقات) رفضت الكنفيدرالية الديمقراطية للشغل التوقيع عليه!!
ومن باب المقارنة دائما فن بين ما تحقق في هذا الاتفاق: زيادة عامة في أجورة الموظفين ب 400 درهم او500 درهم (حسب السلاليم)، وزيادة 100 درهم في تعويضات الأبناء لتصبح 300 درهم للثلاثة الأوائل؛ وإحداث درجة جديدة للسلاليم الدنيا، ومعالجة إشكال فئات متضرر في قطاع التعليم والمعروف بضحايا النظامين والذي تعود إشكاليته إلى سنة 1985 (والتي سكتت عنها حكومات سابقة)، والزيادة في الحد الأدنى للأجر بنسبة 10% لأجراء القطاع الخاص ….
فبالرجوع إلى ما ذكرته في الفقرة الأولى أعلاه من تصريحات المنظمات النقابية حول الحوار الاجتماعي ل 15 شتنبر الأخير وما قيل باستفاضة سابقا حول اتفاق 30 أبريل 2022، فقد خُيّل إلي أن الحكومة قد خصصت ميزانية تفوق سابقاتها مكنت الشغيلة المغربية من تجاوز الغلاء الفاحش، وتنامت عندها القدرة الشرائية وانخفضت نسبة التضخم، وتحطمت جبال معاناة الأجراء وغيرها…
لكن الحقيقة المرة، وخلافا على ما كان مع الحكومتين السابقتين، وبسرعة مكوكية تم توقيع النقابات "الأكثر تمثيلا" على عرض أخنوش رقم أنه الأقل من سابقيه، مما شكل هذا الاتفاق خيبة أمل كبيرة في صفوف الشغيلة المغربية، وأفرز موجة غضب تجسدت في حجم الانتقادات اللاذعة التي ووجهت بها القيادات النقابية في فضاءات التواصل الاجتماعي والنقاشات المباشرة .
ففي هذا الشأن، أسرد، إطار المقارنات ) خلاصة ما جاء به اتفاق 30 أبريل و حوار 15 شتنبر حتى يتضح الأمر أكثر:
أولا ، اتفاق 30 أبريل:
على المستوى الميزانية التي خصصتها الحكومة فهي ضعيفة جدا إن لم أقل منعدمة :
● فلا زيادة في أجور اللموظفين ● بالنسبة للحد الأدنى للأجر في الوظيفة العمومية ، فقد ذكر الاتفاق أن هذا الأخير قد أصبح في الوظيفة العمومية 3500 درهم، لذلك أتساءل، هل نسيت أو تناست المنظمات النقابية أنه من بين ما أفرزت عنه نتائج الحوار الاجتماعي سنة 2014 الذي كان في عهد حكومة بنكيران هو الحد الأدنى للأجر في الوظيفة العمومية والذي حدد في 3000درهم، وإذا أضفنا على هذا الأخير 500 درهم التي تقررت في عهد حكومة العثماني كزيادة عامة في أجور السلاليم الدنيا في اتفاق 25 أبريل 2019 فسيصبح الحد الأدنى للأجر للموظفين منذ عهد حكومة العثماني هو 3500 درهم، فعن أي إنجاز يتحدثون؟
● زيادة هزيلة في التعويضات العائلية وتخص المولود الرابع والخامس والسادس والتي لا تتجاوز 64د ● رخصة الأبوة !!! ● زيدة 10%في الحد الأدنى للأجر في القطاع الخاص (5% في شتنبر2022 و 5% في شتنبر 2023 وهذه الزيادة الأخيرة مشروطة بتمرير القانون التنظيمي للإضراب وتعديل مدونة الشغل خلال شهر يناير 2023)، علما أن هذه الزيادة لا تدخل ضمن الميزانية العامة للدولة بل المشغل بالقطاع الخاص هو من يؤديها.
ثانيا حوار 15 شتنبر والذي اكتفى بوعود انجازات وبدون توقيع أي اتفاق:
– أشير أن الحكومة والنقابات "بشروا" الموظفين على أنه ستكون زيادة عامة في الأجور خلال حوار شتنبر وهو الذي لم نلمسه ولم نجده في بلاغ رآسة الحكومة بل فقط إشارة إلى دراسة تخفيض الضريبة عن الدخل لكن في المقابل تم التأكيد على إصلاح أنظمة التقاعد وما أدراك ما إصلاح أنظمة التقاعد، الذي لا محالة سيأتي بتراجعات عن مكتسبات وأخشى أن يُغَنَّى بها كأنها مكتسبات.
بالنسبة لمراجعة الضريبة عن الدخل IR والتي يعتبرها البعض أنها ستحسن من دخل الموظف والأجير، أذكر أنه ذلك كان من بين مقترحات حكومة بنكيران خلال الحوار الاجتماعي لسنة 2016 عوض الزيادة العامة في الأجر فرفضنا كالاتحاد الوطني للشغل بالمغرب ذلك وفضلنا أن تكون زيادة عامة في الأجر. فرَفْضُنا للمقترح لم يأت من فراغ بل بعد دراسة معمقة حول مدى استفادة الموظف والأجير من ذلك؟ فقد تبين لنا أن مجموعة من الموظفين والأجراء معفيين من الضريبة عن الدخل وبالتالي لن يستفيدوا بأي درهم كزيادة، والموظفون الآخرون الغير معفيين سيستفيدون، بعد تقليص نسبة الاقتطاع المنصوص عليها في جدول الضريبة على الدخل، بزيادة في الأجر تتراوح ما بين 22 درهم و330درهم وتخص هذه الأخيرة السلاليم العليا !!! فنحن كنقابة لسنا ضد اقتراح تخفيض الضريبة على الدخل، لكن هذا الاقتراح لن يكون له تأثير على أجرة شريحة عريضة من الشغيلة إن لم يكن مصاحبا بالزيادة العامة في الأجر.
– الزيادة في معاش متقاعدي القطاع الخاص بنسبة 5% على أن لا يقل عن 100 درهم بأثر رجعي يعود ليناير 2020: اعتبرت الحكومة أن هذا إنجاز كبير وعظيم، فأذكرها أن هذا المكتسب تحقق في دجنبر 2019 بعد أن صادق عليه المجلس الإداري للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وكنت أتمنى ان لا يعلن عليه كإنجاز في الحوار الاجتماعي لقيمة ومكانة هذا الأخير ليضل إنجاز خاص بمؤسسة عمومية ثلاثية الأطراف التي مالية صندوقها تأتي من الأجراء والمشغلين وليس للحكومة درهما واحد فيه. فهذا الإنجاز كان ممكن أن يكون له قيمة داخل الحوار الاجتماعي لو أضافت الحكومة زيادة أخرى على الزيادة المعلنة سابقا منذ حكومة العثماني سنة 2019 والتي(الزيادة) كانت تحتاج فقط إخراج مرسوم. قلت كان على الحكومة ترك نتائج هذا الإنجاز للمجلس الإداري ل ص و ض ج وذلك أنه حوالي 480 ألف متقاعد (أي 70% ) من أصل حوالي 680 ألف متقاعد يتراوح معاشهم ما بين 1500 و2000درهم سيتلقون زيادة 100 درهم فقط وحوالي 176800 (26%) ستتوصل من 101 درهم إلى أقل من 220 درهم و حوالي 27200 فقط (4% ) من المتقاعدين ستوصلون ب 220 درهم تضاف إلى معاشهم المحدد 4200 درهم.
في الأخير، ومع كل الاحترام والتقدير الواجب لكل النقابات "الأكثر تمثيلا" ومواقفها ، أقول أن العمل النقابي يبقى جادا ومسؤولا طالما بقي في دائرة وقاعدة اهتمامه بهموم وقضايا الشغيلة دون الالتفات إلى الطبيعة الإيديولوجية والسياسية للجهة المسيرة للحكومة ومدى علاقة المنظمة النقابية قرابا وبعدا عنها …