رغم كل الإجراءات الحكومية المتخذة لخفض أسعار الأدوية بالمغرب، إلا أنها تظل بدون أي جدوى. مصدر هذا الاستنتاج ليس مهنيي القطاع الصيدلاني أو فعاليات صحية مدنية، بل الجهاز التنفيذي، وذلك على لسان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، الذي أكد خلال التصويت على مشروع قانون مالية 2025، الارتفاع الصاروخي لأسعار الأدوية بالمغرب -صناعة محلية ومستوردة- مقارنة مع عدد كبير من دول العالم، بحوالي 3 إلى 5 مرات.
وتحدث لقجع عن أدوية تستورد منذ عشر سنوات بسعر 10 دراهم، لكن يتم بيعها في المغرب ب70 أو 80 درهما، منبها إلى احتكار السوق من طرف الشركات المصنعة لهذه الأدوية، علما أنه تقرر منذ يناير 2024 إعفاء الأدوية والمواد الأولية التي تدخل في تركيبها وكذا اللفائف غير المرجعة من الضريبة على القيمة المضافة ب7%.
ما أقر به المسؤول الحكومي المذكور، سبق أن خلصت إليه مؤسسات دستورية ولجان برلمانية وهي ترصد واقع السياسات الدوائية بالمغرب، راصدة اختلالات بالجملة في تدبير منظومة الأدوية بالمغرب، من بينها وجود 25 في المائة من هذه الأدوية في وضع احتكاري، تقول الشبكة المغربية للحق في الصحة والحق في الحياة، موجهة أصابع الاتهام إلى الحكومة التي تقف عاجزة أمام لوبي شركات الأدوية وهي تحقق أرباحا خيالية على حساب صحة وحياة المرضى.
المغرب.. جنة الأسعار الباهضة للدواء توقفت الشبكة في تقرير لها حول الموضوع، توصلت به "الأيام 24″، عند حقيقة وصفتها بالصادمة، تشير إلى أن جميع الأدوية التي يحتاجها المغرب، (باستثناء الأدوية الجنيسة) مستوردة، في حين أن الفاعلين الوطنيين قادرون على إنتاج ما لا يقل عن 50 في المائة التي تظهر في المراكز العشر الأولى من حيث الحجم وقيمة الأدوية المستوردة.
وأضاف التقرير، استنادا إلى ما كشفته الدكتورة لحلو الفيلالي نائبة رئيس الفدرالية المغربية للصناعة الصيدلانية والابتكار، أن الأدوية المستوردة تباع بسعر أعلى ثلاثة وأربعة إلى عشر مرات عن مثيلاتها في بلدان المنشأ، مؤكدا أن أثمان الأدوية بالمغرب أغلى من نظيرتها في بلجيكا وفرنسا بنسب مرتفعة جدا، تفوق أحيانا ما بين 250 و1000 في المائة، خصوصا تلك المستخدمة في علاج الأمراض المزمنة والخطيرة، وفقا كذلك لما كشفت عنه دراسة هامة قام بها الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي "الكنوبس" وإدارة الجمارك المغربية.
كثيرا ما وقفت تقارير الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، على ظاهرة ارتفاع أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية بالمغرب، مبرزة أنها أعلى من مثيلاتها في دول أخرى تتراوح ما بين 30 إلى 250 في المائة، كأدوية السكري والربو وضغط الدم وأمراض القلب والشرايين والسرطانات، لافتة إلى أن سعر دواء التهاب الكبد الفيروسي يبلغ ما بين 3000 درهم و6000 درهم، في حين لا يتجاوز سعره 800 درهم في مصر، وهناك اختلاف كبير بين أثمنة نفس الدواء المستورد تحت علامات تجارية مختلفة، بل إن بعض الأدوية الجنيسة سعرها يفوق سعر دواء اصيل في بعض الدول.
ويعد ارتفاع هامش الربح في المغرب الثاني في دول شمال أفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط، مما يجعل من المملكة "جنة للأسعار الباهظة للدواء"، وقبلة للشركات متعددة الجنسيات، مما يعمق نزيف الاحتياطات من العملة الصعبة ويعرقل مسيرة المملكة نحو التغطية الصحية الشاملة، تسجل الشبكة الصحية ذاتها، موردة أن صناعة الأدوية بالمغرب واصلت نموها وبلغ حجم مبيعاتها السنوية 17 مليار درهم سنة 2024، على الرغم من عدم توفر أرقام حقيقية عن أرباح شركات الأدوية، فإنها تحقق أرباحا كبيرة جدا.
أوجه الاحتكار
بناء على معطيات صادرة عن مجلس المنافسة، يضم قطاع صناعة الأدوية بالمغرب 54 مختبرا، فيما تتحكم في سوق الأدوية 15 مختبرا، بنسبة 70 في المائة من حصص السوق، مع وجود احتكارات جد ممركزة واحتكارات ثنائية واحتكارات تحتل وضعية شبه هيمنة، تقول الشبكة المغربية للحق في الصحة، مشددة على أن سوق الأدوية بالمغرب ضعيف الشفافية، في ظل غياب سياسة عمومية حقيقية للدواء الجنيس وشبكة توزيع ملائمة.
واعتبرت الشبكة أن هذه السوق في المغرب تعد عالما يسود فيه الاحتكار والريع والجشع، وغياب الشفافية في مراقبة أرباح الشركات وفي مراقبة جودة المواد الأولية المستوردة التي تستخدم في صناعة الدواء الأصلي أو الجنيس، ومراقبة علمية لجودة المنتوج الدوائي وللمستلزمات الطبية، مع العلم أن عدد الأدوية المنتجة محليا قد انخفض بشكل ملحوظ لفائدة الأدوية المستوردة في السنوات الأخيرة، بسبب التعقيدات المساطير الإدارية التي تتطلب 3 سنوات على الأقل بالنسبة للإنتاج المحلي، ويتم تسهيل الاجراءات بالنسبة لاستيراد أدوية جاهزة، تباع بأسعار باهظة تحت حماية الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات والمستفيدين من صناع القرار السياسي.
من جهة أخرى، سجلت الشبكة أن ارتفاع أسعار الأدوية لا يثقل كاهل الأسر المغربية فحسب، بل يهدد أيضا على المدى القريب والمتوسط توازن نظام التغطية الصحية، وكذا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالعجز المالي، بعد أن كانت السبب الرئيسي في عجز وتراجع احتياطات الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، محذرة من الانعكاس السلبي لهذا الواقع على المنظومة الصحية بأكملها إن لم يتدخل صناع القرار السياسي لوضع حد للاحتكار وفرض أسعار باهظة على المواطن المغربي والنفخ غير المشروع في حسابات الشركات المتعددة الجنسية.
توصيات من أجل التصدي لهذا الواقع، توصي الشبكة الصحية سالفة الذكر، بالمراجعة الجذرية للمرسوم/الصفقة الذي نسج خيوطه لوبي شركات الأدوية المستوردة مع وزير سابق بغرض الحفاظ على هوامش ربح عالية، والذي تم تمريره في عهد حكومة عبد الإله بنكيران، ويتعلق الأمر بالمرسوم رقم 2.13.852 الصادر سنة 2013، والخاص بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليا أو المستوردة للعموم.
كما دعت إلى تحقيق السيادة الصحية والدوائية وضمان الأمن الدوائي، بالإضافة إلى إصلاح المنظومة القانونية للأدوية والصيدلة وتعديل عيوبها وثغراتها وتقديم مشروع قانون مدونة الأدوية ونظام جديد لتحديد أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية للبرلمان، حتى لا تبقى مستغلة من طرف لوبي مصنعي الأدوية، مع محاربة الإثراء غير المشروع وجعل أسعار الأدوية في متناول القدرة الشرائية للمواطنين.
كذلك، شددت الشبكة على وجوب تشجيع الصناعة الوطنية والاستثمار الوطني في الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية، والعمل على مراقبة أسعار الأدوية عن طريق وضع معايير محددة سلفا يتم مراقبة تأثيرها كل سنتين على الأقل، ورصد التغيرات الطارئة على الأسعار مقارنة مع العوامل المختلفة، مثل أسعار صرف العملات ونسبة التضخم. ومصدر المواد الأولية وتكلفة التصنيع.