يوم بيوم نور الدين مفتاح يكتب: المجلس الجنائي للصحافة نور الدين مفتاح نشر في 17 يوليو 2025 الساعة 19 و 01 دقيقة وبغض النظر عن ذبح المقاربة التشاركية، بدا مفهوما لماذا تم تهريب مشروع القانون بحيث لم يسرب نصه إلا ليلة عرضه على مجلس الحكومة، لقد كان فضيحة بكل المقاييس: انتخابات عامة على المشاع وبدون لوائح للصحافيين المهنيين و«التعيين» بالنسبة للناشرين بناء على وزن تمثيلية يقاس بحجم المقاولة ورقم معاملاتها السنوي، بحيث إن مقاولة لها 299 مليون سنتيم تحتسب كصوت واحد وأخرى لها أكثر من 900 مليون سنتيم يمكن أن تحتسب ك 20 مقاولة! وهنا انتهى كلام العقل ودخلنا إلى العبث مرة أخرى. نور الدين مفتاح [email protected]
ها هو إذن البديل الذي بشرونا به. ألصقوا كل كبوات المهنة بنظريات مؤامرة خلطوا فيها السياسي بالوطني والمهني والقانوني، وهلم إفكاً! ولكن الهدف كان واضحا: تقويض كل ما تراكم من بوادر إصلاح على قلّتها. واليوم ها هم مكشوفون أمام الجميع.
قد يمررون قانونا ويفصلون مجلسا على المقاس ويوزعون ملايير دعم بلا إنصاف، ولكنهم لن يظفروا أبدا بشرف الشرعية المهنية ولا نيشان المصداقية ولا الامتثال لمبادئ الحرية والحقوق والديموقراطية.
أتحدث عن آخر مخاض في قطاعنا الإعلامي الذي يتخبط منذ 5 سنوات في أكبر أزمة مفتعلة في تاريخه، وهو مخاض جبل ولد فأرا. فبعد انتهاء ولاية المجلس الوطني للصحافة المنتخب، رفضت الإدارة وجزء من المهنة تنظيم انتخابات جديدة بدعوى أن المجال يعاني من الفوضى، ولابد من إعادة النظر في المنظومة القانونية برمتها وبعدها نعيد تشكيل المجلس، وخرج شعار غريب يقول إن الديموقراطية ليست بالضرورة هي الانتخابات!
وقد تم التمديد للمجلس 6 أشهر، وفي المعمعة، زرع مقترح قانون للمجلس يفيد بتعيين رئيسه من طرف جلالة الملك، وصودق عليه في لجنة الإعلام بمجلس النواب قبل أن يتدخل أصحاب الشأن ليوقفوا هذا العبث. وحينها اهتدى السيد وزير الاتصال محمد المهدي بنسعيد إلى فتوى إخراج لجنة مؤقتة لتسيير شؤون الصحافة بقانون، عمرها سنتان قيل إنها ستقدم تصورا لإصلاح القطاع وتنظم الانتخابات. وبالطبع كانت لجنةً معينة من طرف الحكومة ومخالفة للدستور ومشكّلة من طرف واحد ووجهة نظر واحدة، وبدأ كسب الوقت في انتظار إيجاد مخرج جديد!
وفي الأسبوع الماضي، فوجئ الجميع بالإعلان عن إدراج مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة وتعديل النظام الأساسي للصحافي المهني دون أن يكون قد سمع بهما أحد في المهنة أو في المجال السياسي أو المدني من قبل، مع أن القانون يفرض أن يتم نشر كل مشاريع القوانين التي تكون بصدد المعالجة لدى الأمانة العامّة للحكومة، ليطلع عليها المعنيون والرأي العام، فما بالك بالمنظمات المهنية العريقة والوازنة، خصوصا وأن هذا القانون بالضبط هو للتنظيم الذاتي، فكيف لهذه الذات ألا تكون على علم بما يعنيها إذا كان تنظيم كالفيدرالية المغربية لناشري الصحف مثلا يضم 350 مقاولة مهيكلة و10 فروع جهوية وهو في الساحة منذ 23 سنة بالتمام والكمال، وهو آخر من يعلم.
وبغض النظر عن ذبح المقاربة التشاركية، بدا مفهوما لماذا تم تهريب مشروع القانون بحيث لم يسرب نصه إلا ليلة عرضه على مجلس الحكومة، لقد كان فضيحة بكل المقاييس: انتخابات عامة على المشاع وبدون لوائح للصحافيين المهنيين و«التعيين» بالنسبة للناشرين بناء على وزن تمثيلية يقاس بحجم المقاولة ورقم معاملاتها السنوي، بحيث إن مقاولة لها 299 مليون سنتيم تحتسب كصوت واحد وأخرى لها أكثر من 900 مليون سنتيم يمكن أن تحتسب ك 20 مقاولة! وهنا انتهى كلام العقل ودخلنا إلى العبث مرة أخرى.
لقد كانت بحوزة الإدارة كل وثائق الدعم العمومي، وتم احتساب التمثيلية والحسم فيها في المكاتب قبل أن يصل القانون إلى منتهاه، وإلا لماذا 300 مليون سنتيم وليس 100؟ أو لماذا مليار وليس ملياران؟ وهذا بالطبع جزئي لأن المبدأ هو الأكثر إيلاما، فما علاقة رقم المعاملات بأخلاقيات المهنة، وهل لمؤسسة معينة الشرعية القانونية والدستورية والمهنية لتحكم على زميل بسحب بطاقته لمجرد أن لديها موارد إشهارية ضخمة وتتحصل على دعم كبير قد يصل إلى مليار و500 مليون في السنة حسب معايير الدعم الجديد التي فصلت بنفس الشكل على المقاس وضدا على المادة 7 من قانون الصحافة؟!
والغريب أن هذا القانون الذي كان بالإمكان أن يفبركوه في شهرين بدل سنتين، جنح بالمجلس إلى تعميق اتجاهه الزجري بدل أن يقوي منحاه التحسيسي والتخليقي التوعوي، ورفعت فيه العقوبة من سحب البطاقة لمدة سنة إلى 3 سنوات في حالة العود، مع أننا خضنا معركة كبيرة ضد رفع العقوبة في قانون الصحافة في حالة العود على اعتبار أن المخالفة في الصحافة خطأ مهني وليست جريمة حق عام، وبالتالي لا يمكن أن تشدد العقوبة على ممارسة مهنية تنطبق عليها معادلة من لا يعمل هو من لا يخطئ.
والأخطر هو أن في تعديلات النظام الأساسي للصحافي المهني المعروضة اليوم على البرلمان والتي لم نطلع عليها إلا هذا الأسبوع، تمت إضافة سحب بطاقة الصحافة من طرف المجلس إلى إمكانية المتابعة القضائية بالقانون الجنائي إذا اعتبر المجلس أن المعني بالعقوبة لم يستجب للسحب! وصلنا أيها السادة إلى التجريم الجنائي للزملاء بعد أن أضافوا عقوبة في مشروع قانون المجلس هي إمكانية توقيف الصحف لمدة شهر، وبالتالي، أصبح قانون المجلس أسوأ بكثير من قانون الصحافة والنشر في مجال العقوبات!
وعلى ذكر قانون الصحافة والنشر الذي اعتبروه الداعم الرئيسي للاندحار المهني، نسألهم اليوم أين هو مشروع تعديله؟ أين هي جهود السنتين الكاملتين من الاجتهاد الفقهي لتخليص القطاع من رواسب الماضي؟ سنتان كاملتان لتشديد العقوبات على الزملاء والتراجع عن انتخاب الناشرين وإقحام المال والإشهار والدعم العمومي في معايير التنظيم الذاتي وأخلاقيات المهنة !!
هل هذه في النهاية هي الوصفة السحرية للنهوض بالقطاع بعدما تم ضرب ما تبقى له من مصداقية، وسقطنا من 200 ألف نسخة مبيعة ومليون نسخة مقروءة قبل كورونا إلى ما يناهز 10 آلاف نسخة مبيعة لكل الصحف، فيما الصحافة الإلكترونية الجادة تقاتل بإمكانيات بسيطة ويتم إقصاؤها وجزء من هذه الصحافة يكاد يشبه العلب الليلية وقد سارت بذكر تفاهته وميوعته الركبان.
لقد بدأنا نقاشا قبل سنوات اعتبرنا فيه أن المجال الإعلامي هو انعكاس للمجتمع وبالتالي فالاختلاف فيه صحي، ولكن كان الرد هو أنك إذا اختلفت بفكرة واجهوها بالتشهير، تقول إن «اللجنة المؤقتة غير دستورية» فيجيبونك ب: مع من كنت أمس ليلا؟ ومع من تعشيت؟ ويخوضون في ذمتك المالية، مع أن الموضوع هو خرق الدستور وخرق القانون وتفصيل الدعم العمومي على المقاس والسطو على المؤسسات التمثيلية للمهنيين خارج الشرعية الحقوقية، أو بالتخويف والتخوين.
وهنا نطرح السؤال المؤرق: لماذا كل هذه الجلبة من أجل مؤسسة للتخليق من المفروض أن الذي سيتحمل فيها المسؤولية نيابة عن الزملاء يكون مشفقا على نفسه قبل أن يشفق عليه إخوانه، لجسامة الأمانة وثقل الوزر؟
الجواب واضح، وهو أن هناك مرعوبين من مجلس حقيقي لتخليق المهنة، وقد وجدوا حلفاء في الحكومة في سنة انتخابات يريد فيها نوع من السياسيين زبناء، ولهذا خاضوا حربا بلا هوادة للسيطرة على تنظيم ذاتي بلا انتخابات ولا شرعية ولا وازع أخلاقي ليتم في النهاية إفراغه من محتواه.
لا تهم اليوم تراجعات المجلس ولا الدعم العمومي الذي وصل إلى 30 مليار سنتيم توزع 80٪ منها على 10٪ من النسيج الصحافي الوطني. المهم هو أن كلمة الرأي العام عموما، والمهني على الخصوص، قد حسمت الموضوع وأقرت بأن الأمر أكبر من فضيحة. والحكم الأخير سيبقى للتاريخ، وهو لا يرحم.