في لحظة احتفالية انتظرها المغاربة طويلا، افتتح رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، جياني إنفانتينو، يوم السبت الماضي، المقر الجهوي الجديد للفيفا في العاصمة الرباط، وذلك داخل المجمع الرياضي الملكي محمد السادس، أحد أفخم مراكز كرة القدم في القارة الإفريقية. خطوة تعزز مكانة المغرب بصفته لاعبا إستراتيجيا في كرة القدم العالمية، وتؤكد مجددا أن الرباط لم تعد فقط محطة عبور، بل مركز قرار كروي دولي، لكن خلف عدسات الكاميرا، وفي التفاصيل التي لا يراها الجميع، تكمن مفارقة غريبة…. ديكور مكتب إنفانتينو الجهوي، كما ظهر في الصور الرسمية، يتضمن "جلسة عربية" مستوحاة من الطابع الخليجي.
والسؤال الذي يطرح نفسه بحدة.. كيف غاب عن المُشرفين على إعداد المكتب إدراج لمسة مغربية أصيلة، خصوصا أن العمارة والديكور المغربيين يحظيان بإعجاب عالمي ويُستخدمان في أفخم فنادق ومقرات دولية من مراكش إلى ميامي؟
ليست المسألة شكلية أو جمالية فحسب، فالمقر الجهوي للفيفا هو أكثر من مجرد مكتب. إنه تمثيل رمزي للموقع المغربي في الخارطة الكروية العالمية. واختيار الديكور فيه رسالة بحد ذاتها. لذا، بدا اعتماد "جلسة خليجية" على حساب الديكور المغربي وكأنه انزلاق عن هذه الهوية، بل وربما تقصير في ترجمة روح المكان والبلد المضيف.
وبالرغم من أن إنفانتينو أقام لفترة طويلة في قطر خلال التحضير لمونديال 2022، إلا أن ذلك لا ينفي واقعا معروفا. فالعديد من القطريين، والخليجيين، والعرب عامة يُبدون إعجابا كبيرا بالزخرفة المغربية وهندستها وديكورها الأصيل، بل إن بعضهم استلهمها لتصميم منازلهم الخاصة.
من الناحية السياسية والثقافية، يندرج المغرب ضمن الدول ذات التراث العريق في فنون الزخرفة والنجارة والنقش، ويكفي أن نذكر أن مدنا كفاس والصويرة ومراكش تعد مرجعا عالميا في الحرف الفنية. كما أن الزليج المغربي والأقواس والخشب المنقوش تُستعمل في مقار دبلوماسية وقصور في مختلف العواصم العالمية، فلماذا يُستبعد كل هذا الغنى البصري والثقافي لصالح طابع مستورد لا يعكس خصوصية البلد المضيف؟
قد يُقال إن الأمر قرار من إنفانتينو نفسه، أو تفضيل شخصي لطراز معين. لكن حتى في هذه الحالة، تقع مسؤولية الإقناع والتوجيه على من تولوا تجهيز المكتب، خاصة أن هذه المسألة تمس "البراند المغربي" في لحظة يتجه فيها البلد نحو تعزيز مكانته وجهة رياضية وسياحية وثقافية على السواء. وهو ما يجعل تضييع فرصة إظهار الهوية البصرية المغربية في واجهة مؤسسة بحجم الفيفا، بمثابة غياب غير مبرر.
الرسالة التي يبعث بها الديكور تتجاوز الجدران والكراسي. إنها تعكس منطق التمثيل والاعتراف والاعتزاز بالذات. وفي الوقت الذي يسعى فيه المغرب لتكريس ريادته قاريا وعالميا، من المفيد أن يُنقل ذلك ليس فقط في الملاعب، ولكن أيضا في التفاصيل الدقيقة التي تؤثث المشهد العام، وتروي روايتنا للعالم.