بعد خمس سنوات على توقيع الاتفاق الثلاثي بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة في ديسمبر 2020، تكشف حصيلة تقنية شاملة عن اتساع مسارات التطبيع بين الرباط وتل أبيب، وانتقالها من مستوى دبلوماسي رمزي إلى اختراق بنيوي شمل قطاعات استراتيجية، من الاقتصاد والزراعة والطاقة إلى الأمن والدفاع والثقافة، وسط جدل داخلي متواصل وتنامي الاعتراض الشعبي، لا سيما في ظل الحرب على غزة. ووفق التقرير، الذي يغطي الفترة ما بين 2020 و2025، فقد شهدت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين نموا متسارعا، إذ ارتفع حجم التبادل التجاري من نحو مليون دولار سنويا قبل التطبيع إلى 56.2 مليون دولار سنة 2022، ثم إلى أكثر من 116 مليون دولار في 2023، فيما بلغ خلال الأشهر الخمسة الأولى من 2024 حوالي 53.2 مليون دولار، بزيادة قدرها 64 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من السنة السابقة، رغم استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة.
وسُجل توسع لافت في الاستثمارات المشتركة، خصوصا في مجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة الذكية، حيث دخلت أكثر من عشر شركات إسرائيلية السوق المغربية، سواء عبر اتفاقيات رسمية أو شراكات صناعية واستثمارية. ففي القطاع الفلاحي، وُقعت مذكرة تفاهم رسمية في سبتمبر 2023 بين وزيري الزراعة في البلدين، شملت التعاون في إدارة المياه والزراعة المائية وإنشاء مركز دراسات زراعية مشترك. كما أبرمت الوكالة الوطنية لتنمية الاستزراع المائي اتفاقا بقيمة 11 مليون دولار مع شركة إسرائيلية لإنجاز مشروع لتربية الأسماك قرب طنجة، إلى جانب استثمارات أخرى في الزراعة الذكية تغطي أكثر من 3 آلاف هكتار. ويشير التقرير إلى هيمنة شبه كاملة لشركات إسرائيلية على مدخلات زراعية استراتيجية، إذ تسيطر شركات إسرائيلية على أكثر من 80 في المئة من سوق البذور بالمغرب، فيما تستحوذ شركة واحدة على أكثر من 90 في المئة من سوق الري بالتنقيط، مع افتتاح مصنع لها بالقنيطرة في 2023، يوفر نحو 200 وظيفة. كما سجل دخول استثمارات مباشرة في الإنتاج الفلاحي، من بينها مشروع لزراعة الأفوكادو على مساحة تناهز 500 هكتار باستثمار يقارب 80 مليون درهم. وفي مجال الطاقة، توسع التعاون ليشمل مشاريع الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والريحية، إضافة إلى الغاز الطبيعي، حيث استحوذت شركة إسرائيلية في 2023 على 45 في المئة من رخصة حقل غاز بحري قبالة السواحل المغربية، ضمن مشروع يُرتقب ربطه بالشبكات الإقليمية مستقبلا. كما وقّع الطرفان اتفاقا ثنائيا للطاقة في سبتمبر 2022، اعتُبر الإطار المؤسس للتعاون الطاقي بينهما. أما في المجال التكنولوجي والعلمي، فقد أصبحت جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببنجرير منصة مركزية للتعاون الأكاديمي، مع توقيع اتفاقيات مع جامعات ومراكز بحث إسرائيلية، شملت الذكاء الاصطناعي والزراعة الذكية والطاقة. كما وُقعت اتفاقيات للتعاون في الأمن السيبراني، شملت تبادل الخبرات وإنشاء مراكز مشتركة، بمشاركة شركات إسرائيلية متخصصة في الصناعات الدفاعية والتقنيات الحساسة. وسجّل التقرير أن التعاون الأمني والعسكري يُعد من أكثر مجالات التطبيع حساسية وعمقا، إذ وقع البلدان في نوفمبر 2021 أول اتفاق دفاعي رسمي من نوعه بين إسرائيل ودولة عربية، شمل تبادل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري وتطوير الصناعات الدفاعية. وقدّرت قيمة صفقات السلاح الموقعة بين الطرفين خلال الفترة 2021–2024 بأكثر من ملياري دولار، من بينها صفقة أنظمة دفاع جوي بقيمة 500 مليون دولار، إضافة إلى طائرات مسيّرة وأنظمة اتصالات عسكرية، مع العمل على إنشاء مركز إقليمي لصيانة الطائرات بدون طيار بالمغرب. وفي المجال الجوي، فُتحت خطوط طيران مباشرة منذ 2021 بين الدارالبيضاء ومراكش وتل أبيب، قبل أن تُعلّق جزئيا بعد اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 لأسباب أمنية. وقبل ذلك، بلغ عدد السياح الإسرائيليين الوافدين على المغرب نحو 200 ألف زائر سنة 2023، فيما قدّرت عائدات السياحة المرتبطة بهذا المسار بنحو 150 مليون دولار سنويا. وعلى المستوى الدبلوماسي، انتقلت العلاقات من مكاتب اتصال إلى مستوى تمثيل دبلوماسي كامل، مع موافقة المغرب في 2023 على تحويل مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط إلى سفارة، عقب إعلان إسرائيل اعترافها بمغربية الصحراء. كما شهدت المحافل الدولية تنسيقا متزايدا، حيث دعمت إسرائيل الموقف المغربي في ملف الصحراء، بينما امتنع المغرب عن التصويت على بعض القرارات الأممية المنتقدة لإسرائيل. وسجل التقرير أيضا تصاعد ما وصفه ب"التطبيع الناعم"، عبر توظيف الذاكرة اليهودية المغربية في السياحة والثقافة والتعليم، حيث رُصدت ميزانية تقارب 12 مليون دولار لإعادة تأهيل مواقع التراث اليهودي في أكثر من 15 مدينة، وإدراج تاريخ اليهود المغاربة في المناهج الدراسية، إلى جانب تنظيم مهرجانات فنية وفعاليات ثقافية مشتركة، وبث برامج إعلامية تروّج لفكرة "الذاكرة المشتركة". ورغم هذا التوسع المتعدد المستويات، يشير التقرير إلى أن التطبيع ظل محاطا بانتقادات سياسية وأخلاقية حادة داخل المغرب، خصوصا بعد الحرب على غزة، حيث شهدت مدن عدة مظاهرات تطالب بقطع العلاقات، في وقت حافظت فيه السلطات على مسار التطبيع مع الاكتفاء بمواقف رسمية تندد باستهداف المدنيين. ويخلص التقرير إلى أن ما جرى خلال خمس سنوات لا يمكن اختزاله في اتفاق دبلوماسي، بل يمثل مسارا بنيويا لإعادة تشكيل علاقات المغرب الخارجية، مع ما يرافق ذلك من رهانات اقتصادية وأمنية، وأسئلة مفتوحة حول السيادة والقرار الاستراتيجي، في ظل استمرار الجدل الشعبي والحقوقي حول كلفة هذا المسار وتداعياته الإقليمية .