رغم سلسلة الانتصارات الأخيرة التي حققها المنتخب المغربي في تصفيات كأس العالم 2026، بقيت عدة تساؤلات حول شخصية الفريق وأسلوبه التكتيكي. فوز المغرب بخماسية نظيفة على النيجر ثم بهدفين دون رد أمام زامبيا أظهر قوة هجومية واضحة وفاعلية كبيرة للأساسيين والبدلاء، لكنه في الوقت نفسه كشف عن بعض الثغرات التي لم تختف مع كل نتيجة إيجابية. الأداء الجماعي مازال غير ثابت، والتحولات بين الدفاع والهجوم متقطعة في بعض اللحظات، مما يعكس غياب أسلوب تكتيكي محدد يفرض إيقاع الفريق على أرض الملعب. كما أن فلسفة وليد الركراكي في إدارة اللاعبين تثير الجدل، فهو من جهة يشدد على ضرورة منح اللاعبين الجدد وقتا للتأقلم، ومن جهة أخرى يمنح بعضهم فرصة اللعب كأساسيين منذ أول مباراة.
هذا التناقض في إدارة التشكيلة يطرح علامات استفهام حول كيفية استغلال كامل إمكانيات اللاعبين الشباب والمحافظة على توازن الفريق بين الخبرة والدماء الجديدة. أمام هذه الصورة المزدوجة، يظل السؤال الأكبر هو ما إذا كان المنتخب المغربي قادرا على مواجهة منافسين أقوى في كأس الأمم الإفريقية بكفاءة تكتيكية وشخصية واضحة، بعيدا عن الاعتماد على المهارات الفردية والنتائج الظاهرة على الورق .
فعلى الرغم من أن المنتخب المغربي واصل تألقه في تصفيات كأس العالم 2026، محققا فوزين متتاليين، الأول بخماسية نظيفة ضد النيجر، والثاني بهدفين دون رد أمام زامبيا، غير أن هذه النتائج الإيجابية، تكشف التحليلات الدقيقة عن نقاط ضعف تكتيكية وشخصية تحتاج إلى معالجة قبل مواجهة منتخبات إفريقية أقوى في كأس الأمم المقبلة. في مباراة النيجر، بدا المنتخب المغربي مسيطرا على مجريات اللعب، لكن الهدف الأول لم يأت إلا بعد طرد أحد لاعبي الخصم، ما منح الفريق أفضلية عددية واضحة وسهل بناء الهجمات المنظمة. استغل اللاعبون هذه الفرصة للتحرك بشكل أكثر حرية بين خطوط الدفاع والهجوم، مع تنفيذ تحركات فردية وسريعة من الوسط إلى المرمى.
نسبة الاستحواذ على الكرة والتمرير والتسديد كلها أظهرت تفوقا واضحا لصالح النخبة المغربية اعتبارا لتواضع مستوى لاعبي النيجر المفتقدين للتنافس مع مطلع الموسم الرياضي الجديد. وبالتالي فقد كان الانتصار تحصيل حاصل.
على الرغم من هذا التفوق، كشف اللعب أمام منتخب ضعيف عن بطء بعض التحولات الدفاعية والهجومية، واعتماد الفريق بشكل كبير على المبادرات الفردية للاعبين الأساسيين. وبالتالي، ورغم النتيجة الكبيرة، لم تمثل المباراة اختبارا حقيقيا للتكتيك الجماعي أو القدرة على مواجهة ضغط المنتخبات الأقوى.
بعد ثلاثة أيام، واجه المغرب منتخب زامبيا في مباراة بدت أكثر تحديا من الناحية التكتيكية، وانتهت بفوز بين بهدفين دون رد. افتتح يوسف النصيري التسجيل بعد استغلاله لخطأ دفاعي من مدافعي زامبيا، ما منح المغرب الأفضلية العددية على أرض الملعب وفتح المساحات للهجوم. هذا الهدف ساهم في تعزيز التفوق المعنوي للفريق والسيطرة على مجريات اللعب. وفي بداية الشوط الثاني، أضاف حمزة إيغمان الهدف الثاني بلمسة شخصية أكد من خلالها أنه ورقة رابحة للهجوم المغربي في المستقبل.
وكما كان عليه الأمر في المباراة الأولى فقد تسيد أسود الأطلس مجريات المباراة من بدايتها رغم التغييرات التي أجراها وليد على التشكيلة الأساسية في مجموعة من المراكز خاصة عمق الدفاع والوسط.
استمر يوسف النصيري في التألق مستفيدا من المساحات بين المدافعين وحركته الذكية داخل مربع العمليات. قدرته على التمركز واستغلال الفرص جعلت منه عنصرا حاسما في المباريات. أما حمزة إيغمانفقد أثبت قيمة البدائل، حيث دخل بديلا في مباراة النيجر وسجل هدفا مهما بعد دقيقة من بداية الشوط الثاني فاستحق ثقة وليد في مباراة زامبيا وسجل هدفا جميلا توج من خلاله أداء رائعا أكد من خلاله علو كعبه وحضوره التقني والبدني للمشاركة أساسيا في المستقبل.
كان خط الوسط محور تحركات الكرة وبناء الهجمات وشكل في بعض اللحظات عنصر أمان وإن لم يتعرض لاختبار حقيقي في اللقاءين معا. ومع ذلك، ظهر ضعف في التنسيق الجماعي عند فقدان الكرة، إذ لم يكن هناك ضغط مستمر على حامل الكرة أو دعم سريع للخطوط الدفاعية، وهو ما قد يستغل من قبل فرق تعتمد على التحولات السريعة والهجمات المرتدة.
حافظ الدفاع المغربي على شباكه نظيفة في المباراتين، مع انضباط تكتيكي جيد وقدرة على التراجع المنظم. ومع ذلك، لوحظ بطء في الاستجابة الدفاعية أحيانا، خصوصا عند مواجهة التحركات السريعة أو الكرات العرضية، ما يشير إلى ضرورة تحسين التغطية الجماعية والتواصل بين الدفاع وحارس المرمى.
عموما أظهر المنتخب المغربي قوة في الاستحواذ والتحكم بالكرة، وقدرة على تحويل الفرص لأهداف، مع مرونة واضحة في إدارة البدلاء. لكن افتقار الفريق إلى شخصية جماعية واضحة وأسلوب تكتيكي محدد لا يزال قائما، إذ غالبا ما يعتمد على المبادرات الفردية، ما يقلل من فعالية الأداء أمام منافسين أكثر قوة. صعوبة قراءة أسلوب لعب المنافسين والتكيف معه بسرعة تبقى أحد أكبر التحديات التي تواجه الجهاز التقني قبل كأس الأمم الإفريقية.
مواجهة النيجر أظهرت تفوق المغرب العددي والتقني بشكل مطلق، لكنها أخفت بعض البطء في التحولات الدفاعية والهجومية واعتماده الكبير على جودة اللاعبين الأساسيين. مواجهة زامبيا كانت أكثر اختبارا للتكتيك، حيث ظهر الفريق قادرا على السيطرة المبكرة واستغلال التحولات السريعة، لكنه لم يحافظ على الفاعلية الهجومية طوال المباراة، ما يشير إلى الحاجة لتعزيز الانضباط التكتيكي والثبات على مدار التسعين دقيقة.
خيارات وليد تعرض وليد الركراكي لانتقادات واسعة حول تشكيلته الأخيرة للمنتخب المغربي، حيث أشار محللون إلى تناقض واضح في أسلوب اختيار اللاعبين، بإهمال لاعبين مميزين أثبتوا جدارتهم في البطولة الوطنية أو البطولات القارية الأخيرة.هذا التباين بين تهميش البعض وتفضيل آخرين أثار التساؤلات حول المعايير التي اعتمدها الركراكي في اختيار التشكيلة، وهل كانت قائمة على الأداء التقني الفعلي أم على اعتبارات شخصية أو تكتيكية مؤقتة.
الانتقادات لم تقتصر على الأسماء المستبعدة فحسب، بل طالت أيضا فلسفة الركراكي في إدارة التوازن بين الخبرة والدماء الجديدة. ففي الوقت الذي كان يشدد فيه على ضرورة منح اللاعبين الجدد وقتا للتأقلم مع أجواء المنتخب والتكيف مع الضغط القاري، يبدو أنه أقدم على الدفع ببعضهم كأساسيين من البداية، مما خلق شعورا بعدم الانسجام في التشكيلة وأثر على دينامية الفريق داخل الملعب.
هذا التباين في المعاملة يطرح تساؤلات حول قدرة الركراكي على تحقيق الانسجام التكتيكي المطلوب واستغلال كامل إمكانيات اللاعبين الشباب، ويؤكد أن قائمة المنتخب لم تكن خالية من الجدل، سواء على مستوى الاختيارات أو على مستوى الرسائل التي توجهها للاعبين حول فرص المشاركة والتقدير داخل الفريق.
صحيح أن المنتخب على أعتاب رقم قياسي من حيث عدد الانتصارات المتتالية التي بلغت 14 حتى الآن إلا أن ضعف المنافسين يفرض إعادة قراءة أوراق المنتخب بموضوعية أكثر تحضيرا لمواجهة كبار القارة في كأس إفريقيا للأمم المقبلة التي ستقام في المغرب شهري دجنبر ويناير المقبلين.
لغز حريمات رغم النتائج الإيجابية على الورق، يبرز تناقض واضح في أسلوب إدارة وليد الركراكي للتشكيلة المغربية، وهو ما يثير تساؤلات حول قراراته التكتيكية والشخصية تجاه اللاعبين. على سبيل المثال، تم تجاهل اللاعب محمد ربيع حريمات، الذي أظهر مستوى رائعا خلال بطولة "الشان" وحصل على لقب أفضل لاعب، إذ لم يتم منحه الفرصة لإثبات نفسه داخل التشكيلة الأساسية، رغم مستواه المتميز وقدرته على ضبط إيقاع اللعب في وسط الميدان بشخصيته القيادية وقدرته على قراءة اللعب.
بالمقابل، شهدنا استدعاء لاعبين آخرين ومنحهم فرصة اللعب كأساسيين منذ المباراة الأولى، مثل نايل العيناوي، الذي شارك مباشرة في المباريات الرسمية، في حين ظل الركراكي يكرر في كل مناسبة أنه لا يرغب في استعجال الدفع بالوجوه الجديدة حتى يتمكنوا من التأقلم تدريجيا مع أجواء المنتخب.
هذا التناقض يطرح علامات استفهام حول فلسفة المدرب في إدارة الموارد البشرية داخل الفريق، إذ يبدو أن القرارات أحيانا تعتمد على الاعتبارات الشخصية أو الرغبات اللحظية بدل أسس تقنية واضحة، وهو ما قد يؤثر على دينامية الفريق واستغلال كامل إمكانيات اللاعبين الشباب المتألقين. كما يضع هذا التباين اللاعبين الجدد في موقف نفسي صعب، إذ يخلق شعورا بعدم التقدير أو التوقعات الغامضة حول فرص المشاركة، ما قد يؤثر على جاهزيتهم التقنية والذهنية في المباريات المقبلة.
الواقع أن وليد الركراكي لم يتمكن حتى الآن من تجاوز الخلاف السابق مع محمد ربيع حريمات، الذي يعود لفترة تدريبه له في فريق الفتح، وهو موقف يثير التساؤلات حول مدى حرصه على مصلحة المنتخب الأول وضمان حد أدنى من المسؤولية والعدل بين لاعبي البطولة الوطنية .
الشخصية المفتقدة
يمتلك المنتخب المغربي جودة فردية وعمقا تكتيكيا واضحا، لكنه بحاجة إلى تعزيز شخصيته الجماعية على أرض الملعب وتحديد أسلوب لعب متماسك يعتمد على التحركات الجماعية بدلا من المبادرات الفردية.
تحسين القدرة على قراءة أسلوب لعب المنافسين والتكيف معه سيكون أمرا حاسما قبل مواجهة فرق أقوى في كأس الأمم الإفريقية المقبلة. التحضير لهذه الجوانب سيحول الانتصارات من مجرد أرقام إلى دليل على فريق متكامل يتمتع بالمهارة والانضباط والشخصية التكتيكية المطلوبة للمنافسة على المستوى القاري.
رغم الانتصارات المتتالية، يبدو أن لمسة المدرب التقنية والتكتيكية لم تظهر بوضوح في أداء المنتخب المغربي. فالفريق غالبا ما يعتمد على المهارات الفردية للاعبين وفاعلية البدلاء بدل استغلال خطط جماعية واضحة أو تنفيذ أسلوب هجومي محدد.
التحولات من الدفاع للهجوم تبدو متقطعة في بعض اللحظات، والضغط على حامل الكرة لدى الخصم غير متسق طوال المباراة، ما يبرز غياب توجيه تكتيكي واضح قادر على فرض إيقاع اللعب والسيطرة على مجريات اللقاء بشكل دائم.
هذا النقص في التخطيط والتنسيق التكتيكي قد يضع الفريق في موقف صعب أمام المنتخبات الأكثر انضباطا تكتيكيا وخبرة على المستوى القاري.