قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن عدم الاستقرار السياسي في فرنسا، وصعود اليمين المتطرف، وتدهور المالية العامة، يثير قلق الشركاء الأوروبيين، معتبرة أن تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسًا للوزراء مؤخرًا لا يبعث على الطمأنينة. وترى "لوموند"، أنه منذ اختراق حزب "التجمع الوطني" (RN) الفرنسي في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، وما تلاه من حل فاشل للبرلمان من قِبل إيمانويل ماكرون، يُنظر إلى الوضع السياسي في فرنسا على أنه مقلق.
وتابعت أنه من هذه الزاوية، فإن تعيين رئيس وزراء ثالث في غضون عام واحد لا يبعث على الاطمئنان. وهو ما أقرت به النائبة الأوروبية عن حزب ماكرون، فاليري هاير، قائلة: "لا يسعني إلا أن أشارككم قلقي بشأن الوضع السياسي في فرنسا، وكذلك القلق الذي ينقله إلينا زملاؤنا".
صحيح أن فرنسا ليست الدولة العضو الوحيدة التي تشهد عدم استقرار سياسي، حيث أصبح وصول اليمين المتطرف في الاتحاد الأوروبي إلى الحكم احتمالا قائما في عدة دول، غير أن فرنسا تحتل موقعا خاصا داخل التكتل، فهي من الدول المؤسسة، وثاني أكبر اقتصاد، والعضو الوحيد الذي يمتلك السلاح النووي، ويمثل الاتحاد في مجلس الأمن الدولي، تقول "لوموند".
كما أن الاتحاد الأوروبي، الذي تراجع اقتصاده، مقارنة بالولايات المتحدة والصين، يحتاج، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن تكون فرنسا قوية، في ظل الحرب على حدوده، ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تُشدد "لوموند"، التي نقلت عن النائب الأوروبي الإيطالي نيكولا بروكاتشيني، المقرب من رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني، قوله: "عدم الاستقرار السياسي في فرنسا يمثل مشكلة لأوروبا. أربع حكومات في أقل من عامين، هذا كثير".
وزادت "لوموند"، بأن تعيين ميشيل بارنييه، ثم فرانسوا بايرو، في منصب رئاسة الوزراء بفرنسا- وهما من المؤيدين الكبار للاتحاد الأوروبي- كان قد طمأن المؤسسات الأوروبية لبعض الوقت بشأن التوجه الأوروبي لباريس. غير أن كليهما فشل في إصلاح المالية العامة الفرنسية المتدهورة، وسقط بسبب عجزه عن تمرير ميزانية في الجمعية الوطنية. وتحت ضغط مارين لوبان، زعيمة حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، انجرّ الاثنان أيضًا إلى خطاب مشكك بالاتحاد الأوروبي.
وقبل سقوطه بأيام، كان فرانسوا بايرو قد لمّح إلى تقليص مساهمة فرنسا في ميزانية الاتحاد الأوروبي، وهو خطاب تقليدي لليمين المتطرف، ما أثار استياء كبيرا في بروكسل. فماذا عن سيباستيان لوكورنو، الذي يبدو أقل التزاما أوروبيا من سابقيه؟ تتساءل "لوموند".
وتنقل الصحيفة عن سيباستيان مايارد، من معهد جاك دولو، قوله: "من هو لوكورنو كأوروبي؟ هذا يبقى لغزًا، لا أتذكر أنه اتخذ موقفا واضحا، لا مؤيدا ولا معارضا". كما تنقل عن مسؤول أوروبي رفيع، قوله: "إنه أوروبي مُكرَه (...) يعتبر براغماتيا حين يتعلق الأمر بالبناء الأوروبي". وأيضا تنقل الصحيفة عن أحد المستشارين الوزاريين في فرنسا، قوله: "هو يعرف كيف يحصل على الأموال الأوروبية، وكوزير للجيوش لمدة ثلاث سنوات، دافع عن مبدأ التفضيل الأوروبي".
ومضت "لوموند" قائلةً إنه، على عكس الرئيس ماكرون، لا يدعو لوكورنو إلى مزيد من التكامل الأوروبي. ويؤكد أنه صوّت ب"نعم" في استفتاء 2005 حول الدستور الأوروبي، لكنه يحتفظ بمسافة من المؤسسات التي يعتبرها بعيدة عن المواطنين. ويصفه مقربون منه بأنه يؤمن ب"أوروبا فعالة، قوية، وذات سيادة"، لكنه صارم في احترام صلاحيات الدول الأعضاء.
وخلال فترته كوزير للجيوش، لم يكن بارزا في الاجتماعات الأوروبية، إذ لم يشارك إلا في اجتماع واحد لوزراء الدفاع الأوروبيين في عام 2022، وفضّل التفويض خلال باقي الاجتماعات. فبالنسبة له، فإن هذه اللقاءات "شكلية وغير فعّالة"، بينما فضل المشاركة النشطة في اجتماعات حلف الناتو وبناء علاقات ثنائية، خصوصًا مع نظيره الألماني بوريس بيستوريوس، تشير الصحيفة.
في الإليزيه يصرّون على أن "فرنسا على الساحة الأوروبية يمثلها الرئيس، لا رئيس الوزراء"، في إشارة إلى حضور ماكرون القمم الأوروبية. لكن في بروكسل يتحدث البعض عن تراجع تأثير فرنسا.