أيها السلاوي لا تمت فلا قبر لك ...وأنت تظن أن مآسيك قد انتهت بموتك، وأنك تركت الدنيا خلفك غير آسف عليها لترقد بسلام في مأواك الأخير... لا عزيزي المواطن لا تكن مطمئنا.. فلن تنعم بالراحة والأمان حتى وأنت مقبور...، فقد تفاجأ بأقدام الأحياء تطأ قبرك و قد أضناهم البحث عن قبر ميتهم ليترحموا عليه..، أو تفاجأ بفأس تهدم جزءا من قبرك في عملية بحث يائسة عن مكان بجوارك ليدفن فيه ميت آخر ...، مهلا أتظن ان هذا منتهى مآسيك.... لا لن تهنأ أبدا فالجهة الآخرى لقبرك سينالها حظها من الهدم لتفسح المجال لقبر جديد،. ولن تتوقف الأقدام عن أذيتك وانتهاك حرمتك، ولن تنجو حتى من المطر الغزير يتسرب إليك أو من سيول جارفة قد تكشف مكنونك أو تغير معالمك أو تجرف ماتبقى من رفاتك... أتدري لماذا أيها المواطن؟!! ... مكتوب عليك أن تعيش من دون كرامة حيا وميتا فلسان الحال يردد: عش مهانا ومت مهانا فإكرامك بدفنك أضحى محالا. هل تصورت هذا المشهد عزيزي المواطن، للأسف هذا هو واقع المقابر في مدينة سلا، المدينة المليونية التي تسجل معدل وفيات يتجاوز 40 حالة يوميا، مقابل 12 مقبرة موزعة على مختلف المقاطعات والتي أُغلق معظمها بعد استنفاد طاقتها الإستيعابية: مقبرتا باب لمعلقة وسيدي بنعاشر بمقاطعة لمريسة – مقابر سيدي الضاوي ودوار رياح وسيدي بوكطاية بأحصين – مقبرة سيدي الضاوي بالعيايدة.... في حين ظلت مقبرة سيدي بلعباس (12 ألف متر مربع) فاتحة أبوابها للمزيد من الموتى رغم ماتعانيه من اكتظاظ يضطر معه القائمون على عملية الدفن إلى استغلال الممرات بين القبور بشكل عشوائي، في غياب المعايير الشرعية والمهنية المعتمدة في هذا المجال.
أصل الحكاية لطالما شكلت أزمة الدفن نقطة قارة في جدول أعمال مجلس المدينة من أجل إيجاد حل لها، خاصة وأن المقبرة الوحيدة التي لازالت مفتوحة، لم تعد قادرة على استيعاب موتاها بعد استنفاد الدفن بمقابر أخرى مثل باب معلقة وسيدي الضاوي بالعيايدة والقرية.
ولحل هذه المشكلة، طرحت مقترحات مشاريع لإحداث مقابر جديدة فكان ايجاد الوعاء العقاري أكبر تحدي أمامها. وفي هذا الصدد رصدت وزارة الداخلية، خلال الفترة ما بين شتنبر 2022 وغشت 2023، مبلغا يقدر ب50.70 مليون درهم (5 مليارات و70 مليون سنتيم) لفائدة الجماعات من أجل اقتناء "قطع أرضية لتخصيصها كمقابر جماعية وبناء أسوار وقائية وتجهيز البوابات"
خلال دورته العادية لشهر أكتوبر 2019 وافق المجلس الجماعي على اتفاقية شراكة بين جماعة سلا وجماعة السهول من أجل إحداث مقبرة مشتركة بالملك المسمى "اعبيبو 2" ذي الرسم العقاري عدد 7268/ر بجماعة السهول على مساحة تناهز 20 هكتارا.
وفي ماي 2021 أبرم مجلس جماعة سلا اتفاقية شراكة بينه وبين جماعة السهول من أجل إحداث و تدبير وصيانة مقبرة مشتركة لدفن أموات المسلمين بين جماعة سلا وجماعة السهول في وعاء عقاري حدد في عشرين (20) هكتارا شاملة للقبور المتواجدة سابقا، وتقتطع من الملك المسمى "اعبيبو2" ذي الرسم العقاري عدد 7268/R الكائن بجماعة السهول البالغة مساحته 101 هكتار و40 آر في ملكية الخواص.
غير أن هذا المشروع توقف بسبب اعتراض وكالة الحوض المائي لأبي رقراق والشاوية بدعوى وجود الوعاء العقاري في منطقة وقائية تابعة لسد سيدي محمد بن عبد الله.
في الدورة العادية لشهر أكتوبر 2023 أعلن مجلس المدينة عن مشروع إحداث المقبرة الكبيرة لسلا على عقار بمساحة 14 هكتار تابعة لأراضي الجموع البراهمة الكائنة بجماعة عامر في إطار مشروع تصميم التهيئة الموحد لجماعتي عامر و بوقنادل.
وهو حل لا يبدو أنه قريب بالرغم من المصادقة على تصميم التهيئة بعد أكثر من عقدين من الانتظار،.لما ينتظره من مساطر خاصة، تتطلب مدة زمنية ليست بالقصيرة ليعرف طريقه إلى المصادقة النهائية ثم التنزيل والتنفيذ، فضلا عن المدة التي ستستغرقها إجراءات نزع الملكية وأشغال التهيئة.
فهل سيتوقف الموت عن قبض الأرواح الي حين إنتهاء الإجراءات؟ وهل سيجد مجلس المدينة حلا مستعجلا لهذا الوضع؟ أم سيسعى إلى توسيع مقبرة سيدي بلعباس في انتظار بئيس لإطلاق سراح تصميم تهيئة جماعة مجاورة تجود بمقبرة بأحواز المدينة تبعد ب 17,5km عن سلا، دون تفكير في حجم المعاناة التى سيعيشها أهالي الموتى من أجل قطع كل هذه المسافة لدفن ميتهم، لتنضاف هذه المعاناة إلى الحزن وألم الفراق الذي ألم بهم، ودون الأخذ بعين الإعتبار ما سوف يشكله ذلك من عبء على الزائرين الذين سيضطرون إلى التنقل خارج المدينة من أجل الترحم على أمواتهم.
في الدورة العادية لشهر أكتوبر 2024 وافق المجلس الجماعي على مقرر يقضي بنزع ملكية قطعتين أرضيتين: P1 بمساحة 2842.00 م2 و P2 بمساحة 5959.29 م2 من الرسم العقاري عدد55097/ 20، من أجل توسيع مقبرة سيدي بلعباس مع تقديم طلب لوكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق من أجل مباشرة مسطرة نزع الملكية ووافقت مصالح الوكالة على مباشرة المسطرة الخاصة بالجزء P1 لكونه مخصص لمقبرة بتصميم التهيئة الحالي في حين امتنعت عن مباشرة المسطرة بالجزء P2 لكونه مخصص لمنطقة مشاريع .
وهذا مايطرح إشكالية إعداد مخططات لا تستجيب للنمو السكاني والمصالح العامة المتجددة، لأن حل الأزمات يبدأ بالتخطيط السليم قبل أن تتفاقم المشكلة، وإلا ماجدوى المخططات إن غاب عنها البعد الإستراتيجي والرؤية الإستشرافية... خاصة وأن هذه البقعة لن تتمكن من سد الخصاص المهول في المقابر، ولا تلبية الطلبات المتزايدة لدفن الموتى، ولن تحل الأزمة إلا لمدة قصيرة لن تتجاوز بضعة أشهر.
ومن جهة أخرى أليس من سبيل لإعادة النظر في هذا الجزء المخصص لمنطقة مشاريع، الذي كان من الأولى أن يكون مخصصا للمقبرة كحل جذري وملائم لمشكل كان مطروحا على طاولة المسؤولين منذ مايزيد عن عقد من الزمن؟ ام أن إغراق المدينة بالإسمنت والعمارات أجدى وأنفع؟
وفي الدورة الإستثنائية المنعقدة بتاريخ 5 غشت 2025 وافق المجلس على نزع ملكية الجزء (P1) من القطعة الأرضية ذات الرسم العقاري عدد 55097/20، بمساحة 2842.00 م2 وبالإحتلال المؤقت من أجل توسيع مقبرة سيدي بلعباس وفقا لتقديرات اللجنة الإدارية للتقييم، مع تقديم طلب لوكالة تهيئة ضفتي ابي رقراق من اجل مباشرة مسطرة نزع الملكية.
وهكذا وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه أن يترافع المجلس بقوة من أجل الإستجابة لمقترحه لدى الجهات المسؤولة، رضي بهذا الحل الترقيعي، بعد أن فشلت كل محاولاته لايجاد وعاء عقاري مناسب، وبطاقة استيعابية أكبر.
وإذا كان الظهير الشريف المتعلق بمدونة الأوقاف والشؤون الإسلامية ينص في المادة 50 على أن الإشراف على المقابر اختصاص حصري لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مما يعني ان عقارات المقابر وحرمة الموتى من صميم اختصاص الوزارة الوصية على القطاع، إلا أن وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية يرفض تفويت بعض أراضي الحبوس لإحداث المقابر معلنا تحت قبة البرلمان أن وزارته غير ملزمة بتوفير مقابر للدفن، ليتفاجئ الجميع سنة 2021 بأن وزارة الأوقاف تهب لبلدية الرباط 18 هكتارا مساهمة منها لإحداث "المقبرة الكبيرة" للرباط، على وعاء عقاري مساحته 26 هكتارا والتي يمكن أن تستوعب 5000 جثمان في السنة، وهو ما يعني إمكانية استغلالها لمدة تتراوح بين 26 و30 سنة. وذلك بمبلغ 5 ملايين درهم
فضلا عن توسيع مقبرة الصديق بمقاطعة اليوسفية على وعاء عقاري يزيد على هكتارين ونصف، مما سيمكن من استغلال هذه المقبرة لمدة عامين آخرين بنسبة ملء تبلغ 50 في المائة".وكل ذلك في إطار الجهود المبذولة لتجاوز مشكل امتلاء المقابر،
أما في سلا فستظل مقبرة سيدي بلعباس تعاني والساكنة تعاني والميت يعاني ومجلس الجماعة "يعاني"...والله المستعان.