"المالية" تكشف وضعية سوق غاز البوطان .. والدعم يحافظ على الأسعار    زامير يهدد باغتيال قادة حماس بالخارج    لقاء "الأصدقاء القدامى" في الصين .. خريطة التحالفات العالمية تتغير    أمريكا تدرس خطة للسيطرة على غزة    بنصغير ينضم رسميًا إلى باير ليفركوزن    حادثة سير مأساوية بإقليم ميدلت    بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحليين.. الصحافة الكينية تشيد بأداء أسود الأطلس    المغرب.. مركز استراتيجي لتعافي الشركات الأوروبية بعد الكوارث    هذه حقيقة المغرب أجمل بلد في العالم !    اعتقال 5 نساء ضمن مجموعة "تخريبية" بالدار البيضاء    مع بداية الدخول المدرسي.. تجدد الجدل حول فرض مدارس خاصة بيع الكتب المدرسية مباشرة للأسر    الأمم لا تتقدم بالحجر و إنما بالبشر، اليابان نموذجا..    بلاغة الدعاية الأمريكية الموجهة إلى العرب: من القيم إلى الهيمنة    تقليد جديد سنته بعد انتخاب مكتبها .. الجديد المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تقدّم حصيلة 100 يوم من عملها بعد مؤتمرها الوطني الثاني عشر    رغم الصعوبات التي عاشها قبل وأثناء البطولة .. المنتخب المحلي يكرّس هيمنته على «الشان» بتتويج ثالث تاريخي    «جنان إماس» بخنيفرة: مؤهلات سياحية تواجه وضعية التهميش وقسوة العزلة    بلال الخنوس على أعتاب شتوتغارت الألماني    الأصول الاحتياطية للمغرب ترتفع إلى 409,6 مليار درهم    هل يتحقق هذه السنة حلم تكريم أبو القناطر بأحد أكبر مهرجانات السينما بالمغرب؟    الدورة الثامنة لمهرجان أناروز تحتفي بالهوية الأمازيغية من أعالي تافراوت    الفنان طلال الأزرق.. حين يتحول البحر إلى قصيدة لونية تنبض بالحياة    منع منتجات تجميل تحتوي على مادة TPO السامة    ارتفاع ملء سدود حوض ملوية في الجهة الشرقية    الفقيه بن صالح.. وفاة محتجز أثناء نقله من الحراسة النظرية    أكبر أسطول دولي لكسر الحصار عن غزة ينطلق اليوم الأحد من برشلونة    رسميا.. أوناحي ينتقل إلى جيرونا الإسباني في صفقة ب6 ملايين يورو    انخفاض مرتقب في أسعار المحروقات في محطات الوقود بالمغرب    حموشي يواسي أسرة "شهيد الواجب" الشرطي ضحية اعتداء إيموزار    التتويج الإفريقي ب"الشان" يُرسخ ثقافة الانتصار لدى الأجيال المغربية الناشئة    قانون أوروبي جديد يهدد تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج    باحثون روس يطورون نظاما ذكيا لتعزيز سلامة الطيران    تقرير إخباري: الأحزاب المغربية تقدّم مقترحاتها الانتخابية لوزارة الداخلية استعداداً لاستحقاقات 2026    أبو عبيدة.. صوت المقاومة الملثم الذي أرّق إسرائيل لعقدين    تهمة العشق للوطن حين يُصبح الدفاع عن الوطن ونظامه جريمةً بنظر العابثين    الكاتبة الفرنسية فرانس كول كوغي: مقالات لوموند عن المغرب تحمل إساءة للملك وتفتقد للمصداقية    الجيش المغربي يحبط محاولة تسلل لعناصر من بوليساريو على الحدود الجنوبية ويؤكد جاهزيته الكاملة    الكاتب المغربي بنزين وصاحب مكتبة في غزة.. لا يمكن استعمار المتخيَّل    الملك يتمنى الرخاء للشعب الماليزي    تطوان تحتضن المهرجان الدولي للفن التشكيلي في دورته الخامسة ما بين 5 و7 شتنبر    هجمة شرسة على الفنان الجزائري "خساني" بتحريض من إعلام الكابرانات بسبب "الرقص" في كليب دراكانوف        إضراب وطني لعمال "غلوفو" لمدة 48 ساعة ابتداء من غد الاثنين    ريتشارلسون على بعد خطوة من حمل قميص إشبيلية الإسباني    طقس الأحد.. أجواء حارة نسبياً في السهول والجنوب والشرق    المكتب الشريف للفوسفاط يحقق عائدات قياسية في الربع الثاني من 2025    قرائن إرهابية جديدة تطوق الجبهة الانفصالية و حاضنتها الجزائر :    الداخلة تستقبل القنصل العام لجمهورية ليبيريا في إطار تعزيز الشراكات الإفريقية    مهنيو الصيد وسكان لبويردة يناشدون الأوقاف تعيين خطيب جمعة بالمسجد المحلي    الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم.. تشلسي يتعاقد مع غارناتشو من مانشستر يونايتد        جديد العلم في رحلة البحث عن الحق    الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية تمنع منتجات التجميل المحتوية على أكسيد ثنائي الفينيل ثلاثي ميثيل بنزويل الفوسفين    منظمة الصحة العالمية تحذر من تفشي حاد للكوليرا في العالم    طرح دواء "ليكانيماب" لعلاج الزهايمر في السوق الألمانية    كيف تحوّل "نقش أبرهة" إلى أداة للطعن في قصة "عام الفيل"؟    الزاوية الكركرية تنظم الأسبوع الدولي السابع للتصوف بمناسبة المولد النبوي الشريف    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقابر المغرب تضيق بموتاها
نشر في أخبارنا يوم 27 - 02 - 2012

تستبد بنادية وعائلتها نفس الحيرة في كل مرة تنتقل لزيارة قبر الوالد بمقبرة الغفران في ضاحية الدارالبيضاء الجنوبية. تحتاج نادية والعائلة إلى تمضية وقت طويل قبل الاهتداء إلى قبر المرحوم المدفون قبل 13 سنة. بين متاهات الطريقات العديدة بين قبور الموتى تسبح أرجل نادية في بحر شاسع من الشواهد واللحود المتشابهةن وفي كل مرة تتغير معالم المقبرة. العشرات من الصفوف الجديدة تفاجئها في كل زيارة بإغراق قبر الوالد في الابتعاد أو الاختفاء. حتى العلامات التي تستدل بها نادية على مكان قبر والدها، والتي تصر على تذكرها في كل مرة تغادر فيها أرض المقبرة لتشكل علامتها في رحلة البحث القادمة، ما تلبث أن تصبح بلا معنى في الاستهداء إلى مكانه، بعد أن تتدارى داخل الخريطة المتجددة يوميا داخل مقبرة الغفران. نادية تعرف أكثر من غيرها أن معدلات الدفن في الغفران ترتفع يوما بعد آخر بحكم المعايشة الميدانية، في مدينة مليونية تضيق مقابرها بموتاها … وقد لا تجد لهم مكانا في القادم القريب من السنوات.
بالأمس فقط، كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن المُوزَّعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن، أغلقت أغلبُها أبوابها بعد أن فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس، غيرَ بعيد عن «لهجاجمة»، في حي بوركون، ومقبرة أولاد زيان، المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي، على مقربة من «ملعب فيليب»، قبل أن «تموت»، بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن، القريبة من كاريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية في شارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء في شارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان، قرب الضريح، ومقبرة حي سباتة في شارع الجولان، ومقبرتا عين حرودة وسيدي أحمد بلحسن في مديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، بينما ظلت مقبرتا «الرحمة» و«الغفران» الوحيدتان في مواجهة القادمين من عالم الأحياء إلى استراحة عالم الأموات.
‘‘الغفران‘‘ : بوادر اختناق قادم
تقوم مقبرة الغفران على امتداد مساحة تقدر ب138 هكتارا من الأراضي المُسترجَعة في ضواحي الدار البيضاء. استقبلت مقبرة ”الغفران”الواقعة على تراب جهة الدار البيضاء الكبرى منذ افتتاحها سنة 1989 إلى عام 2010 وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات ما مجموعه 136 ألف و839 جثة، منها 68 ألف و377
جثة للرجال، 47 ألف و 397 جثة للنساء، و 21 ألف و 65 جثة للأطفال، وذلك من مختلف المقاطعات المستفيدة من دفن الأموات بهذه المقبرة : عين السبع، الحي المحمدي، سيدي البرنوصي، الصخور السوداء، سيدي مومن، الفداء، مرس السلطان، ابن امسيك، سيدي عثمان، سباتة، مولاي رشيد، عين الشق، جماعة الهراويين، جماعة المشور. وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات الذين يدفنون بمقربة الغفران وحدها فعددها يصل إلى ما لا يقل عن 25 جثة يوميا وقد يصل العدد إلى 40 جثة خلال فصل الصيف وكذا أثناء شهر رمضان والمعدل الشهري للدفن هو 750 جثة وقد يصل أحيانا إلى 1000 جثة مما يجعلها سنويا قد تصل إلى عشرة آلاف جثة مدفونة. ويصل عدد المقابر الخاصة ب ”الغفران”حوالي 110 تباع بثمن 40 ألف درهم بمساحة 25 مترا مربعا، وهي بقعة تتسع ل 12 قبرا .
أمام عدم وجود سياسة واضحة بخصوص المقابر في الدارالبيضاء، إن على المستوى الوطني أو المحلي، قررت بعض العائلات، في إطار تضامني بين أفرادها، حجز مَدافنَ عائلية تحسبا لأي طارئ داخل فضاء مقبرة الغفران، التي تشير تقديرات المهتمين بأنها قد تغلق أبوابها بعد عقد من الزمن. وهو ما سيخلق في حالة تأكيدة أزمة حقيقية في العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن تقادم المقابرالذي يتم بمرور 40 سنة عن آخر عملية دفن،سيحول دون إعادة استعمال المقابر الكاملة التي أغلقت في وجه الدفن منذ أزيد من ثلاثة عقود، كمقبرتي أولاد زيان وأهل فاس في بوركون. وقد انتبه المشرع إلى بوادر هذه الأزمة منذ زمن، حيث نص الظهير الشريف رقم 986.68، بتاريخ 19 شعبان 1389 (31 أكتوبر 1969) المتعلق بنظام دفن جثت المسلمين إلى أزمة المقابر، فقرر «السماح لكل شخص بالدفن في ملكه، شرط أن يبتعد القبر ب50 مترا عن السكنى أو عن البئر القريبة، وشرط حصوله على إذن بخصوص ذلك من سلطة العمالة أو الإقليم الذي يوجد الملك المذكور في دائرة نفوذه».
الرباطسلا : مقابر تتقلص يوميا
النقص الحاد في العقار… تشابك الخيوط والمصالح بين عدة مؤسسات وجهات رسمية واقتصادية … المضاربة المحمومة على الأراضي… كلها أسباب تفاقم من مشكل اختناق المقابر في الرباط وسلا وماجاورهما. تنضاف إليها كثرة المتدخلين في قطاع المقابر، فتدبير قطاع المقابر لا يقتصر على سلطات الولاية والجماعات الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف، وتتدخل الوكالة الحضرية أيضا باقتراحاتها في الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون مع السلطات الولائية، ودخلت على الخط في الآونة وكالة تهيئة حوض أبي رقراق التي حصلت على أزيد من 6000 هكتار أغلبها تابع لوزارة الأوقاف.
يلقي الكثير من المسؤولين في الرباط اللوم في الزيادة في أزمة الوعاء العقاري على كل هذه الأسباب محاولين إثارة الانتباه إلى الخصاص الوشيك في هذا المرفق الاجتماعي الحيوي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، بعيدتان عن مرحلة الأزمة، تقارب المقابر الأربعة الأخرى الرئيسية في العاصمة : مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت، ثم مقبرة مرجان من الامتلاء نهائيا.
في مدينة سلا، تحولت مقبرة سيدي عبد المظلوم بباب الخميس، ومقبرة سيدي مسعود أمسار بباب سبتة الى طرق للمرور، وأدخلت مقبرة باب معلقة ومقبرة سيدي بنعاشر الى مشاريع ضخمة، فيما أتلفت مقابر بالكامل أو جزئيا كمقبرة سيدي موسى، ووظفت مقابر للاستغلال الشركات الكبرى كمقبرة باب شعفة التي حولتها ريضال الى مآرب لسياراتها فيما حولت وظائف مقابر أخرى في إطار الاستغلال للمنفعة العامة الى طرق أو مشاريع أخرى. الأرقام تشير إلى أن مدينة سلا لوحدها تحتاج سنويا إلى 17000 متر مربع في السنة من المقابر إذا ما اعتبرنا أنها تشهد حوالي 70 حالة وفاة يوميا.
في الآونة الأخيرة طفت الى السطح دعوة رئيس مقاطعة أكدال الرياض، بإتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، بدل الشكل الأفقي المعتمد الآن في المدافن المغربية. وفيما ينتظر مقترحو ومصممو الفكرة في انتظار ما ستلقاه الفكرة من قبل لجنة الإفتاء في المجلس العلمي الأعلى، لازال الكل يعيش على أمل إيجاد شبر ارض يأوي سوأته يوما من الأيام. الفكرة الثانية الموضوعة على طاولة الإفتاء للمجلس العلمي الأعلى هي الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المتعارف عليها حاليا ما يعني الدفن في أماكن لقبور استعملت فيما مضى.
طنجةأصيلة : خريطة متغيرة للمقابر
أموات يدفنون فوق بعضهم … مقابر تحولت إلى أماكن لرمي النفايات… قبور تجتث لخلق مدافن أخرى…خريطة قبور تتغير باستمرار … هذه حالة المقابر في محور طنجةأصيلةتطوان. حسب تقرير أعدته اللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية بالمجلس السابق لعمالة طنجة أصيلة ، فإن سكان المدينة سيجدون صعوبة كبيرة من أجل دفن موتاهم في السنوات القليلة المقبلة ، وهو ما أثارت انتباهه أيضا المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بطنجة ، حول تدهور وضعية المقابر بالمدينة ، باعتبار أن مساحتها المتبقية بالمدار الحضري تشارف على الانتهاء أمام استمرار ضعف الوعاء العقاري ، فيما لا تتعدى نسبة استغلالها بالمدار القروي حوالي 60 بالمائة.
رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجةتطوان، تؤكد في تقريرها أن مجلسي الجماعة الحضرية لطنجة والجماعة الحضرية لأصيلة، يحاولون إعادة النظر بشأن حال مقابر هاتين المنطقتين من أجل حل مشكل دفن الأموات. ويتعلق الأمر بحال مقبرة «المجاهدين» في طنجة، التي امتلأت عن آخرها خصوصا جناحها القديم، الذي بدأ الدفن به منذ بداية السبعينات، ثم مقبرة «الريحان» بأصيلة. الأخطر يضيف التقرير، أنه «يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى، ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل محيط المقبرة». وغالبا ما يفاجأ زوار المقبرة بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر. وتتكون أراضي مقبرة «الريحان»، من عقارات تابعة لأملاك الخواص، وأراضي وقفية قدمت في شكل هبة لم تكتمل بشأنها مسطرة الاقتناء عن طريق الحيازة من قبل المجلس.
وضعت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة مخططا لإقامة مقبرة جماعية نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه، من أجل تدبير جيد لعمليات الدفن في مقابر تراعي حرمة الأموات. ويأتي مخطط الجماعة الحضرية لمدينة طنجة تنفيذا لتوصيات سابقة للمجلس على إثر إغلاق مقبرة حي “مرشان” وصعوبة مواصلة عمليات الدفن بمقبرة “المجاهدين” نظرا لوجود إكراهات عقارية على هذه القطعة الأرضية.
وقد سبق وأن قررت سلطات طنجة، خلال نهاية سنة 2008 ، تعويض أماكن الدفن المتوفرة حاليا. لكن بالرغم من الإعلان عن هذا القرار الذي انتظره سكان طنجة طويلا لازال سكان طنجة يجدون صعوبة في دفن موتاهم. وكان الاتفاق على إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية , حسب ما أعلن عنه الكاتب العام للولاية ، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة و السواني و مغوغة وبني مكادة ، حيث خصص لهذا المشروع ، مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة, كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية ، كل هذا لم يتحقق ، نتيجة تأخر تخصيص اعتماداته.
سيدي يحي – الجديدة : جثث جديدة فوق جثت قديمة
تشهد المقبرة الوحيدة لسيدي يحيى الغرب حالة غير مسبوقة من الإكتظاظ لكثرة الضغط عليها، جراء توافد الموتى حيث تتم عملية الدفن حاليا عبر المسالك التي كانت مخصصة في وقت سابق لمرور زوار المقابر أو في أماكن لقبور استعملت فيما مضى. أمام هذا المشكل بات من الضروري تحرك المجلس البلدي لاقتناء عقار من أجل إحداث مقبرة بمواصفات تحترم حرمة القبور.
وقد سبق لشركة العمران، في شراكة مع المجلس البلدي للمدينة أن تعهد ضمن محاضر في اجتماعات عقدت بالولاية سنة 2000 باقتناء أراض من الجماعة السلالية ” الرحاونة ” بسيدي يحيى الغرب غير أن هذا المشروع لم ير النور. أكثر من ذلك تم إلغاء الاتفاقية المشتركة مع الجماعة القروية لعامر السفلية التي سبق للمجلس السابق أن صادق عليها، والمتعلقة بقيام المجلس القروي بإحداث مقبرة مكان مقبرة الأجانب التابعة لنفوذ ترابها آنذاك قبل أن تصبح ضمن المدار الحضري للمدينة، بعد ما أصبحت أرضا خالية إثر نقل رفات الموتى النصارى إلى فرنسا.
تستبد بنادية وعائلتها نفس الحيرة في كل مرة تنتقل لزيارة قبر الوالد بمقبرة الغفران في ضاحية الدارالبيضاء الجنوبية. تحتاج نادية والعائلة إلى تمضية وقت طويل قبل الاهتداء إلى قبر المرحوم المدفون قبل 13 سنة. بين متاهات الطريقات العديدة بين قبور الموتى تسبح أرجل نادية في بحر شاسع من الشواهد واللحود المتشابهةن وفي كل مرة تتغير معالم المقبرة. العشرات من الصفوف الجديدة تفاجئها في كل زيارة بإغراق قبر الوالد في الابتعاد أو الاختفاء. حتى العلامات التي تستدل بها نادية على مكان قبر والدها، والتي تصر على تذكرها في كل مرة تغادر فيها أرض المقبرة لتشكل علامتها في رحلة البحث القادمة، ما تلبث أن تصبح بلا معنى في الاستهداء إلى مكانه، بعد أن تتدارى داخل الخريطة المتجددة يوميا داخل مقبرة الغفران. نادية تعرف أكثر من غيرها أن معدلات الدفن في الغفران ترتفع يوما بعد آخر بحكم المعايشة الميدانية، في مدينة مليونية تضيق مقابرها بموتاها … وقد لا تجد لهم مكانا في القادم القريب من السنوات.
بالأمس فقط، كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن المُوزَّعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن، أغلقت أغلبُها أبوابها بعد أن فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس، غيرَ بعيد عن «لهجاجمة»، في حي بوركون، ومقبرة أولاد زيان، المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي، على مقربة من «ملعب فيليب»، قبل أن «تموت»، بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن، القريبة من كاريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية في شارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء في شارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان، قرب الضريح، ومقبرة حي سباتة في شارع الجولان، ومقبرتا عين حرودة وسيدي أحمد بلحسن في مديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، بينما ظلت مقبرتا «الرحمة» و«الغفران» الوحيدتان في مواجهة القادمين من عالم الأحياء إلى استراحة عالم الأموات.
‘‘الغفران‘‘ : بوادر اختناق قادم
تقوم مقبرة الغفران على امتداد مساحة تقدر ب138 هكتارا من الأراضي المُسترجَعة في ضواحي الدار البيضاء. استقبلت مقبرة ”الغفران”الواقعة على تراب جهة الدار البيضاء الكبرى منذ افتتاحها سنة 1989 إلى عام 2010 وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات ما مجموعه 136 ألف و839 جثة، منها 68 ألف و377
جثة للرجال، 47 ألف و 397 جثة للنساء، و 21 ألف و 65 جثة للأطفال، وذلك من مختلف المقاطعات المستفيدة من دفن الأموات بهذه المقبرة : عين السبع، الحي المحمدي، سيدي البرنوصي، الصخور السوداء، سيدي مومن، الفداء، مرس السلطان، ابن امسيك، سيدي عثمان، سباتة، مولاي رشيد، عين الشق، جماعة الهراويين، جماعة المشور. وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات الذين يدفنون بمقربة الغفران وحدها فعددها يصل إلى ما لا يقل عن 25 جثة يوميا وقد يصل العدد إلى 40 جثة خلال فصل الصيف وكذا أثناء شهر رمضان والمعدل الشهري للدفن هو 750 جثة وقد يصل أحيانا إلى 1000 جثة مما يجعلها سنويا قد تصل إلى عشرة آلاف جثة مدفونة. ويصل عدد المقابر الخاصة ب ”الغفران”حوالي 110 تباع بثمن 40 ألف درهم بمساحة 25 مترا مربعا، وهي بقعة تتسع ل 12 قبرا .
أمام عدم وجود سياسة واضحة بخصوص المقابر في الدارالبيضاء، إن على المستوى الوطني أو المحلي، قررت بعض العائلات، في إطار تضامني بين أفرادها، حجز مَدافنَ عائلية تحسبا لأي طارئ داخل فضاء مقبرة الغفران، التي تشير تقديرات المهتمين بأنها قد تغلق أبوابها بعد عقد من الزمن. وهو ما سيخلق في حالة تأكيدة أزمة حقيقية في العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن تقادم المقابرالذي يتم بمرور 40 سنة عن آخر عملية دفن،سيحول دون إعادة استعمال المقابر الكاملة التي أغلقت في وجه الدفن منذ أزيد من ثلاثة عقود، كمقبرتي أولاد زيان وأهل فاس في بوركون. وقد انتبه المشرع إلى بوادر هذه الأزمة منذ زمن، حيث نص الظهير الشريف رقم 986.68، بتاريخ 19 شعبان 1389 (31 أكتوبر 1969) المتعلق بنظام دفن جثت المسلمين إلى أزمة المقابر، فقرر «السماح لكل شخص بالدفن في ملكه، شرط أن يبتعد القبر ب50 مترا عن السكنى أو عن البئر القريبة، وشرط حصوله على إذن بخصوص ذلك من سلطة العمالة أو الإقليم الذي يوجد الملك المذكور في دائرة نفوذه».
الرباطسلا : مقابر تتقلص يوميا
النقص الحاد في العقار… تشابك الخيوط والمصالح بين عدة مؤسسات وجهات رسمية واقتصادية … المضاربة المحمومة على الأراضي… كلها أسباب تفاقم من مشكل اختناق المقابر في الرباط وسلا وماجاورهما. تنضاف إليها كثرة المتدخلين في قطاع المقابر، فتدبير قطاع المقابر لا يقتصر على سلطات الولاية والجماعات الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف، وتتدخل الوكالة الحضرية أيضا باقتراحاتها في الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون مع السلطات الولائية، ودخلت على الخط في الآونة وكالة تهيئة حوض أبي رقراق التي حصلت على أزيد من 6000 هكتار أغلبها تابع لوزارة الأوقاف.
يلقي الكثير من المسؤولين في الرباط اللوم في الزيادة في أزمة الوعاء العقاري على كل هذه الأسباب محاولين إثارة الانتباه إلى الخصاص الوشيك في هذا المرفق الاجتماعي الحيوي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، بعيدتان عن مرحلة الأزمة، تقارب المقابر الأربعة الأخرى الرئيسية في العاصمة : مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت، ثم مقبرة مرجان من الامتلاء نهائيا.
في مدينة سلا، تحولت مقبرة سيدي عبد المظلوم بباب الخميس، ومقبرة سيدي مسعود أمسار بباب سبتة الى طرق للمرور، وأدخلت مقبرة باب معلقة ومقبرة سيدي بنعاشر الى مشاريع ضخمة، فيما أتلفت مقابر بالكامل أو جزئيا كمقبرة سيدي موسى، ووظفت مقابر للاستغلال الشركات الكبرى كمقبرة باب شعفة التي حولتها ريضال الى مآرب لسياراتها فيما حولت وظائف مقابر أخرى في إطار الاستغلال للمنفعة العامة الى طرق أو مشاريع أخرى. الأرقام تشير إلى أن مدينة سلا لوحدها تحتاج سنويا إلى 17000 متر مربع في السنة من المقابر إذا ما اعتبرنا أنها تشهد حوالي 70 حالة وفاة يوميا.
في الآونة الأخيرة طفت الى السطح دعوة رئيس مقاطعة أكدال الرياض، بإتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، بدل الشكل الأفقي المعتمد الآن في المدافن المغربية. وفيما ينتظر مقترحو ومصممو الفكرة في انتظار ما ستلقاه الفكرة من قبل لجنة الإفتاء في المجلس العلمي الأعلى، لازال الكل يعيش على أمل إيجاد شبر ارض يأوي سوأته يوما من الأيام. الفكرة الثانية الموضوعة على طاولة الإفتاء للمجلس العلمي الأعلى هي الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المتعارف عليها حاليا ما يعني الدفن في أماكن لقبور استعملت فيما مضى.
طنجةأصيلة : خريطة متغيرة للمقابر
أموات يدفنون فوق بعضهم … مقابر تحولت إلى أماكن لرمي النفايات… قبور تجتث لخلق مدافن أخرى…خريطة قبور تتغير باستمرار … هذه حالة المقابر في محور طنجةأصيلةتطوان. حسب تقرير أعدته اللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية بالمجلس السابق لعمالة طنجة أصيلة ، فإن سكان المدينة سيجدون صعوبة كبيرة من أجل دفن موتاهم في السنوات القليلة المقبلة ، وهو ما أثارت انتباهه أيضا المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بطنجة ، حول تدهور وضعية المقابر بالمدينة ، باعتبار أن مساحتها المتبقية بالمدار الحضري تشارف على الانتهاء أمام استمرار ضعف الوعاء العقاري ، فيما لا تتعدى نسبة استغلالها بالمدار القروي حوالي 60 بالمائة.
رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجةتطوان، تؤكد في تقريرها أن مجلسي الجماعة الحضرية لطنجة والجماعة الحضرية لأصيلة، يحاولون إعادة النظر بشأن حال مقابر هاتين المنطقتين من أجل حل مشكل دفن الأموات. ويتعلق الأمر بحال مقبرة «المجاهدين» في طنجة، التي امتلأت عن آخرها خصوصا جناحها القديم، الذي بدأ الدفن به منذ بداية السبعينات، ثم مقبرة «الريحان» بأصيلة. الأخطر يضيف التقرير، أنه «يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى، ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل محيط المقبرة». وغالبا ما يفاجأ زوار المقبرة بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر. وتتكون أراضي مقبرة «الريحان»، من عقارات تابعة لأملاك الخواص، وأراضي وقفية قدمت في شكل هبة لم تكتمل بشأنها مسطرة الاقتناء عن طريق الحيازة من قبل المجلس.
وضعت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة مخططا لإقامة مقبرة جماعية نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه، من أجل تدبير جيد لعمليات الدفن في مقابر تراعي حرمة الأموات. ويأتي مخطط الجماعة الحضرية لمدينة طنجة تنفيذا لتوصيات سابقة للمجلس على إثر إغلاق مقبرة حي “مرشان” وصعوبة مواصلة عمليات الدفن بمقبرة “المجاهدين” نظرا لوجود إكراهات عقارية على هذه القطعة الأرضية.
وقد سبق وأن قررت سلطات طنجة، خلال نهاية سنة 2008 ، تعويض أماكن الدفن المتوفرة حاليا. لكن بالرغم من الإعلان عن هذا القرار الذي انتظره سكان طنجة طويلا لازال سكان طنجة يجدون صعوبة في دفن موتاهم. وكان الاتفاق على إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية , حسب ما أعلن عنه الكاتب العام للولاية ، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة و السواني و مغوغة وبني مكادة ، حيث خصص لهذا المشروع ، مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة, كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية ، كل هذا لم يتحقق ، نتيجة تأخر تخصيص اعتماداته.
سيدي يحي – الجديدة : جثث جديدة فوق جثت قديمة
تشهد المقبرة الوحيدة لسيدي يحيى الغرب حالة غير مسبوقة من الإكتظاظ لكثرة الضغط عليها، جراء توافد الموتى حيث تتم عملية الدفن حاليا عبر المسالك التي كانت مخصصة في وقت سابق لمرور زوار المقابر أو في أماكن لقبور استعملت فيما مضى. أمام هذا المشكل بات من الضروري تحرك المجلس البلدي لاقتناء عقار من أجل إحداث مقبرة بمواصفات تحترم حرمة القبور.
وقد سبق لشركة العمران، في شراكة مع المجلس البلدي للمدينة أن تعهد ضمن محاضر في اجتماعات عقدت بالولاية سنة 2000 باقتناء أراض من الجماعة السلالية ” الرحاونة ” بسيدي يحيى الغرب غير أن هذا المشروع لم ير النور. أكثر من ذلك تم إلغاء الاتفاقية المشتركة مع الجماعة القروية لعامر السفلية التي سبق للمجلس السابق أن صادق عليها، والمتعلقة بقيام المجلس القروي بإحداث مقبرة مكان مقبرة الأجانب التابعة لنفوذ ترابها آنذاك قبل أن تصبح ضمن المدار الحضري للمدينة، بعد ما أصبحت أرضا خالية إثر نقل رفات الموتى النصارى إلى فرنسا.
في نفس السياق، قرر المجلس البلدي بالجديدة مؤخرا اقتناء مساحة بعدة هكتارات على تراب جماعة مولاي عبد الله أمغار من أجل إحداث مقبرة لدفن موتى مدينة الجديدة بعدما أضحت مقبرة “الرحمة” عاجزة عن استيعاب جثث الهالكين، و هو ما دفع مسؤولي المدينة إلى فتح أبواب مقبرة “سيدي موسى” التي تم إغلاقها لعدة سنوات جراء امتلائها في وجه الهالكين من جديد، إذ باتت قبورها تحتضن موتى توضع جثثهم فوق هياكل عظمية لجثث سابقة أمام ذهول و استياء شريحة واسعة من ساكنة المدينة التي تعتبر أن الجماعة الحضرية و الحالة هاته لم تف بالتزاماتها الاجتماعية تجاه المواطنين.
تستبد بنادية وعائلتها نفس الحيرة في كل مرة تنتقل لزيارة قبر الوالد بمقبرة الغفران في ضاحية الدارالبيضاء الجنوبية. تحتاج نادية والعائلة إلى تمضية وقت طويل قبل الاهتداء إلى قبر المرحوم المدفون قبل 13 سنة. بين متاهات الطريقات العديدة بين قبور الموتى تسبح أرجل نادية في بحر شاسع من الشواهد واللحود المتشابهةن وفي كل مرة تتغير معالم المقبرة. العشرات من الصفوف الجديدة تفاجئها في كل زيارة بإغراق قبر الوالد في الابتعاد أو الاختفاء. حتى العلامات التي تستدل بها نادية على مكان قبر والدها، والتي تصر على تذكرها في كل مرة تغادر فيها أرض المقبرة لتشكل علامتها في رحلة البحث القادمة، ما تلبث أن تصبح بلا معنى في الاستهداء إلى مكانه، بعد أن تتدارى داخل الخريطة المتجددة يوميا داخل مقبرة الغفران. نادية تعرف أكثر من غيرها أن معدلات الدفن في الغفران ترتفع يوما بعد آخر بحكم المعايشة الميدانية، في مدينة مليونية تضيق مقابرها بموتاها … وقد لا تجد لهم مكانا في القادم القريب من السنوات.
بالأمس فقط، كانت مقاربة القرب حاضرة في تدبير شأن الأموات، حيث كانت مدينة الدار البيضاء تتوفر على عدد كبير من فضاءات الدفن المُوزَّعة على أحياء العاصمة الاقتصادية، فاق عددها عشرة مدافن، أغلقت أغلبُها أبوابها بعد أن فاق الطاقة الاستيعابية للدفن وضاقت المساحات بالأموات، من بينها مقبرة أهل فاس، غيرَ بعيد عن «لهجاجمة»، في حي بوركون، ومقبرة أولاد زيان، المجاورة لمقبرة اليهود والمسيحيين، في ما يشبه «حي المقابر»، ومقبرة مسعود الرويضي، على مقربة من «ملعب فيليب»، قبل أن «تموت»، بدورها بالتقادم، ومقبرة سيدي مومن، القريبة من كاريان الرحامنة، ومقبرة القاعدة العسكرية في شارع عمر بن الخطاب، ومقبرة الشهداء في شارع الحزام الكبير، ومقبرة سيدي عثمان، قرب الضريح، ومقبرة حي سباتة في شارع الجولان، ومقبرتا عين حرودة وسيدي أحمد بلحسن في مديونة، ثم مقبرة سيدي مسعود، بينما ظلت مقبرتا «الرحمة» و«الغفران» الوحيدتان في مواجهة القادمين من عالم الأحياء إلى استراحة عالم الأموات.
‘‘الغفران‘‘ : بوادر اختناق قادم
تقوم مقبرة الغفران على امتداد مساحة تقدر ب138 هكتارا من الأراضي المُسترجَعة في ضواحي الدار البيضاء. استقبلت مقبرة ”الغفران”الواقعة على تراب جهة الدار البيضاء الكبرى منذ افتتاحها سنة 1989 إلى عام 2010 وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات ما مجموعه 136 ألف و839 جثة، منها 68 ألف و377
جثة للرجال، 47 ألف و 397 جثة للنساء، و 21 ألف و 65 جثة للأطفال، وذلك من مختلف المقاطعات المستفيدة من دفن الأموات بهذه المقبرة : عين السبع، الحي المحمدي، سيدي البرنوصي، الصخور السوداء، سيدي مومن، الفداء، مرس السلطان، ابن امسيك، سيدي عثمان، سباتة، مولاي رشيد، عين الشق، جماعة الهراويين، جماعة المشور. وفقا للإحصائيات المسجلة لأعداد الأموات الذين يدفنون بمقربة الغفران وحدها فعددها يصل إلى ما لا يقل عن 25 جثة يوميا وقد يصل العدد إلى 40 جثة خلال فصل الصيف وكذا أثناء شهر رمضان والمعدل الشهري للدفن هو 750 جثة وقد يصل أحيانا إلى 1000 جثة مما يجعلها سنويا قد تصل إلى عشرة آلاف جثة مدفونة. ويصل عدد المقابر الخاصة ب ”الغفران”حوالي 110 تباع بثمن 40 ألف درهم بمساحة 25 مترا مربعا، وهي بقعة تتسع ل 12 قبرا .
أمام عدم وجود سياسة واضحة بخصوص المقابر في الدارالبيضاء، إن على المستوى الوطني أو المحلي، قررت بعض العائلات، في إطار تضامني بين أفرادها، حجز مَدافنَ عائلية تحسبا لأي طارئ داخل فضاء مقبرة الغفران، التي تشير تقديرات المهتمين بأنها قد تغلق أبوابها بعد عقد من الزمن. وهو ما سيخلق في حالة تأكيدة أزمة حقيقية في العاصمة الاقتصادية، خصوصا وأن تقادم المقابرالذي يتم بمرور 40 سنة عن آخر عملية دفن،سيحول دون إعادة استعمال المقابر الكاملة التي أغلقت في وجه الدفن منذ أزيد من ثلاثة عقود، كمقبرتي أولاد زيان وأهل فاس في بوركون. وقد انتبه المشرع إلى بوادر هذه الأزمة منذ زمن، حيث نص الظهير الشريف رقم 986.68، بتاريخ 19 شعبان 1389 (31 أكتوبر 1969) المتعلق بنظام دفن جثت المسلمين إلى أزمة المقابر، فقرر «السماح لكل شخص بالدفن في ملكه، شرط أن يبتعد القبر ب50 مترا عن السكنى أو عن البئر القريبة، وشرط حصوله على إذن بخصوص ذلك من سلطة العمالة أو الإقليم الذي يوجد الملك المذكور في دائرة نفوذه».
الرباطسلا : مقابر تتقلص يوميا
النقص الحاد في العقار… تشابك الخيوط والمصالح بين عدة مؤسسات وجهات رسمية واقتصادية … المضاربة المحمومة على الأراضي… كلها أسباب تفاقم من مشكل اختناق المقابر في الرباط وسلا وماجاورهما. تنضاف إليها كثرة المتدخلين في قطاع المقابر، فتدبير قطاع المقابر لا يقتصر على سلطات الولاية والجماعات الحضرية، بل تتدخل فيه أيضا وزارة الأوقاف، وتتدخل الوكالة الحضرية أيضا باقتراحاتها في الأماكن الصالحة لإنشاء المقابر حسب تصميم التهيئة الذي تهيئه بتعاون مع السلطات الولائية، ودخلت على الخط في الآونة وكالة تهيئة حوض أبي رقراق التي حصلت على أزيد من 6000 هكتار أغلبها تابع لوزارة الأوقاف.
يلقي الكثير من المسؤولين في الرباط اللوم في الزيادة في أزمة الوعاء العقاري على كل هذه الأسباب محاولين إثارة الانتباه إلى الخصاص الوشيك في هذا المرفق الاجتماعي الحيوي. ففي الوقت الذي لا تزال فيه مقبرتي حي الرياض ذو الكثافة السكانية القليلة نسبيا، ومقبرة شالة الخاصة بدفن سكان تواركة، بعيدتان عن مرحلة الأزمة، تقارب المقابر الأربعة الأخرى الرئيسية في العاصمة : مقبرة الصديق في الحي الصناعي والمجاورة لأحياء التقدم والنهضة الآهلة بالسكان، ومقبرة الشهداء المعروفة بكونها كانت المدفن الرئيسي لسكان الرباط منذ عقود مضت، ثم مقبرة مرجان من الامتلاء نهائيا.
في مدينة سلا، تحولت مقبرة سيدي عبد المظلوم بباب الخميس، ومقبرة سيدي مسعود أمسار بباب سبتة الى طرق للمرور، وأدخلت مقبرة باب معلقة ومقبرة سيدي بنعاشر الى مشاريع ضخمة، فيما أتلفت مقابر بالكامل أو جزئيا كمقبرة سيدي موسى، ووظفت مقابر للاستغلال الشركات الكبرى كمقبرة باب شعفة التي حولتها ريضال الى مآرب لسياراتها فيما حولت وظائف مقابر أخرى في إطار الاستغلال للمنفعة العامة الى طرق أو مشاريع أخرى. الأرقام تشير إلى أن مدينة سلا لوحدها تحتاج سنويا إلى 17000 متر مربع في السنة من المقابر إذا ما اعتبرنا أنها تشهد حوالي 70 حالة وفاة يوميا.
في الآونة الأخيرة طفت الى السطح دعوة رئيس مقاطعة أكدال الرياض، بإتباع طريقة دفن الموتى بشكل عمودي، بدل الشكل الأفقي المعتمد الآن في المدافن المغربية. وفيما ينتظر مقترحو ومصممو الفكرة في انتظار ما ستلقاه الفكرة من قبل لجنة الإفتاء في المجلس العلمي الأعلى، لازال الكل يعيش على أمل إيجاد شبر ارض يأوي سوأته يوما من الأيام. الفكرة الثانية الموضوعة على طاولة الإفتاء للمجلس العلمي الأعلى هي الترخيص لإعادة استعمال المقابر بعد مضي ثلاثين عاما عوض الأربعين عاما المتعارف عليها حاليا ما يعني الدفن في أماكن لقبور استعملت فيما مضى.
طنجةأصيلة : خريطة متغيرة للمقابر
أموات يدفنون فوق بعضهم … مقابر تحولت إلى أماكن لرمي النفايات… قبور تجتث لخلق مدافن أخرى…خريطة قبور تتغير باستمرار … هذه حالة المقابر في محور طنجةأصيلةتطوان. حسب تقرير أعدته اللجنة المكلفة بالشؤون الاجتماعية والثقافية بالمجلس السابق لعمالة طنجة أصيلة ، فإن سكان المدينة سيجدون صعوبة كبيرة من أجل دفن موتاهم في السنوات القليلة المقبلة ، وهو ما أثارت انتباهه أيضا المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بطنجة ، حول تدهور وضعية المقابر بالمدينة ، باعتبار أن مساحتها المتبقية بالمدار الحضري تشارف على الانتهاء أمام استمرار ضعف الوعاء العقاري ، فيما لا تتعدى نسبة استغلالها بالمدار القروي حوالي 60 بالمائة.
رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين بجهة طنجةتطوان، تؤكد في تقريرها أن مجلسي الجماعة الحضرية لطنجة والجماعة الحضرية لأصيلة، يحاولون إعادة النظر بشأن حال مقابر هاتين المنطقتين من أجل حل مشكل دفن الأموات. ويتعلق الأمر بحال مقبرة «المجاهدين» في طنجة، التي امتلأت عن آخرها خصوصا جناحها القديم، الذي بدأ الدفن به منذ بداية السبعينات، ثم مقبرة «الريحان» بأصيلة. الأخطر يضيف التقرير، أنه «يتم دفن الموتى في حفر سطحية وغير عميقة من أجل تلافي الوصول إلى رفات الموتى، ما يتسبب في انبعاث الروائح الكريهة داخل محيط المقبرة». وغالبا ما يفاجأ زوار المقبرة بتغير خريطة توزيع القبور بشكل ملفت للنظر. وتتكون أراضي مقبرة «الريحان»، من عقارات تابعة لأملاك الخواص، وأراضي وقفية قدمت في شكل هبة لم تكتمل بشأنها مسطرة الاقتناء عن طريق الحيازة من قبل المجلس.
وضعت الجماعة الحضرية لمدينة طنجة مخططا لإقامة مقبرة جماعية نموذجية تمتد على مساحة 15 هكتارا بمنطقة الرهراه، من أجل تدبير جيد لعمليات الدفن في مقابر تراعي حرمة الأموات. ويأتي مخطط الجماعة الحضرية لمدينة طنجة تنفيذا لتوصيات سابقة للمجلس على إثر إغلاق مقبرة حي “مرشان” وصعوبة مواصلة عمليات الدفن بمقبرة “المجاهدين” نظرا لوجود إكراهات عقارية على هذه القطعة الأرضية.
وقد سبق وأن قررت سلطات طنجة، خلال نهاية سنة 2008 ، تعويض أماكن الدفن المتوفرة حاليا. لكن بالرغم من الإعلان عن هذا القرار الذي انتظره سكان طنجة طويلا لازال سكان طنجة يجدون صعوبة في دفن موتاهم. وكان الاتفاق على إحداث أربعة مقابر جديدة عوض مقبرة واحدة رئيسية , حسب ما أعلن عنه الكاتب العام للولاية ، موزعة على المقاطعات الحضرية الأربعة طنجة المدينة و السواني و مغوغة وبني مكادة ، حيث خصص لهذا المشروع ، مساحة إجمالية تصل إلى 200 هكتار من أراضي الجموع المنتشرة بمناطق مختلفة عند مداخل المدينة, كما تقرر إعداد مقبرة جديدة أخرى على مساحة 20 هكتارا بتراب جماعة اكزناية ، كل هذا لم يتحقق ، نتيجة تأخر تخصيص اعتماداته.
سيدي يحي – الجديدة : جثث جديدة فوق جثت قديمة
تشهد المقبرة الوحيدة لسيدي يحيى الغرب حالة غير مسبوقة من الإكتظاظ لكثرة الضغط عليها، جراء توافد الموتى حيث تتم عملية الدفن حاليا عبر المسالك التي كانت مخصصة في وقت سابق لمرور زوار المقابر أو في أماكن لقبور استعملت فيما مضى. أمام هذا المشكل بات من الضروري تحرك المجلس البلدي لاقتناء عقار من أجل إحداث مقبرة بمواصفات تحترم حرمة القبور.
وقد سبق لشركة العمران، في شراكة مع المجلس البلدي للمدينة أن تعهد ضمن محاضر في اجتماعات عقدت بالولاية سنة 2000 باقتناء أراض من الجماعة السلالية ” الرحاونة ” بسيدي يحيى الغرب غير أن هذا المشروع لم ير النور. أكثر من ذلك تم إلغاء الاتفاقية المشتركة مع الجماعة القروية لعامر السفلية التي سبق للمجلس السابق أن صادق عليها، والمتعلقة بقيام المجلس القروي بإحداث مقبرة مكان مقبرة الأجانب التابعة لنفوذ ترابها آنذاك قبل أن تصبح ضمن المدار الحضري للمدينة، بعد ما أصبحت أرضا خالية إثر نقل رفات الموتى النصارى إلى فرنسا.
في نفس السياق، قرر المجلس البلدي بالجديدة مؤخرا اقتناء مساحة بعدة هكتارات على تراب جماعة مولاي عبد الله أمغار من أجل إحداث مقبرة لدفن موتى مدينة الجديدة بعدما أضحت مقبرة “الرحمة” عاجزة عن استيعاب جثث الهالكين، و هو ما دفع مسؤولي المدينة إلى فتح أبواب مقبرة “سيدي موسى” التي تم إغلاقها لعدة سنوات جراء امتلائها في وجه الهالكين من جديد، إذ باتت قبورها تحتضن موتى توضع جثثهم فوق هياكل عظمية لجثث سابقة أمام ذهول و استياء شريحة واسعة من ساكنة المدينة التي تعتبر أن الجماعة الحضرية و الحالة هاته لم تف بالتزاماتها الاجتماعية تجاه المواطنين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.