اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أمس الجمعة، قرارا يكرس مغربية الصحراء، من خلال جعل مبادرة الحكم الذاتي أساسا لتسوية النزاع، وذلك بموافقة 11 دولة وامتناع 3 دول عن التصويت، مع عدم مشاركة دولة واحدة في التصويت.
تفاعلا مع القرار الأممي قال عبدالغني السرار أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالجديدة إن اعتماد مجلس الأمن الدولي، قراره رقم 2797 (2025) بشأن الصحراء المغربية يشكل لحظة تاريخية تؤسس لتحول جذري في مسار تسوية هذا النزاع المفتعل حول قضية الوحدة الترابية للمملكة، ذلك لأن هذا القرار التاريخي يفتح مرحلة جديدة في التعاطي الأممي مع هذا الملف. معتبرا أن التحول يمكن تلمسه من خلال الانخراط الأمريكي المباشر للدفع بالعملية السياسية نحو إيجاد حل واقعي، وذلك بهدف الطي النهائي لهذا النزاع المفتعل. وهذا القرار يحمل عدة دلالات وأبعاد سياسية ورمزية واقتصادية.
وأضاف في حديث ل"الأيام 24″ أن هذا القرار ينسجم مع المبادئ والمقاصد المنصوص عليها في الفصل الأول من ميثاق الأممالمتحدة، والمتمثلة أساسا في حفظ السلم والأمن الدوليين، وهو أمر أنيط بمجلس الأمن بموجب المادة 24 التي خولت الأخير مهمة حفظ السلم والأمن في اتساق تام مع مقاصد الهيئة، عبر إنماء العلاقات الودية بين الأمم، بالشكل الذي يضمن الحفاظ على السيادة الداخلية للدولووحدة أراضيها ويضمن حسن الجوار بينها.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن هذا القرار، بمثابة تأكيد دولي على جدية ومصداقية الاختيارات السياسية الواقعية التي تمت بلورتها بفضل التوجيهات السديدة لجلالة الملك محمد السادس، خاصة مقترح الحكم الذاتي لجهة الصحراء في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية،واعتبارها مبادرة طموحة تمكن الساكنة الصحراوية من التدبير الديمقراطي لشؤونها عبر هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، فالحكم الذاتي هو أرقى ما يمكن أن تصل إليه الدولة البسيطة دون أن تتحول لدولة فيدرالية.
المحلل السياسي أكد أن القرار تتويج للدبلوماسية الملكية في الترويج لجدية وواقعية الطرح المغربي باعتباره الحل الأفضل والأمثل لهذا النزاع، ولعل ما يزيد من مصداقية الطرح المغربي هو أنه توج بمجموعة من الديناميات والمبادرات التي أطلقها جلالة الملك بالأقاليم الجنوبية للمملكة، في السنوات الأخيرة، خاصة النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية الذي تم الإعلان عنه بمناسبة الذكرى الأربعين للمسيرة الخضراء المظفرة يوم 06 نونبر 2015، والذي أسس لمقاربة سوسيو اقتصادية جديدة للتنمية تهدف إلى تحسين الجاذبية الترابية، بالشكل الذي يخدم الوحدة الوطنية والاندماج الكامل للأقاليم الجنوبية في الوطن الأم، وتطبيق الجهوية المتقدمة باعتبارها من مرتكزات التنظيم الترابي للمملكة المنصوص عليه في الوثيقة الدستورية لعام 2011.
في حديثه اعتبر السرار أن هذه الدينامية الاقتصادية التي أطلقها المغرب بدأت مؤشرات ثمارها تظهر بوضوح مع الدعم الدولي المتنامي الذي حصل عليه ملف الوحدة الترابية من قبل دول فاعلة ومؤثرة ولها وزنها في المنتظم الدولي، فمنذ تلك الفترة بدا بما لا يدع مجالا للشك أن الطموح المغربي لإدماج الأقاليم الجنوبية في الوطن الموحد، وتعزيز إشعاع الصحراء كمركز اقتصادي باعتبارها صلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي، أصبح مسألة وقت، وهذا الأمر تمت الإشارة إليهضمنيا في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحادية عشرة بالبرلمان يوم 11 أكتوبر 2024، حينما أكد أن المغرب سيمر في قضية وحدته الترابية، من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير، داخليا وخارجيا وفي كل أبعاد الملف. وهو الأمر الذي زكاه قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2797.
وأشار إلى أن المشروع التنموي الذي أطلقه جلالة الملك من أجل تطوير المؤهلات الاقتصادية للأقاليم الجنوبية أعطى بدوره ثماره، وقد بدا الأمر واضحا من خلال الاهتمام الكبير الذي أبدته القوى الاقتصادية الكبرى، للاستثمارات والمعاملات التجارية بهذه الأقاليم، بيد أن توطين الاستثمارات بهذه الأقاليم الغنية بمؤهلاتها الطبيعية وثرواتها المتنوعة يحتاج لبيئة مستقرة وآمنة ومحفزة، وهذا يعد من العوامل الأساسية التي دفعت مجلس الأمن ليحدد عبر قراره 2797 (2025) المرتكزات الواقعية الكفيلة بإيجاد حل سياسي لهذا النزاع في إطار السيادة المغربية، وهذا الإجراء سيتطلب من المغرب تحيين مبادرة الحكم الذاتي، وهو الأمر الذي أكده جلالته في خطابه يوم أمس، وذلك حتى تشكل المبادرة المغربية للحكم الذاتي التي تم طرحها في 2007 الأساس الوحيد للتفاوض وباعتبارها الحل القابل للتنفيذ.