ترامب يطلق إجراءات لتصنيف جماعة الإخوان "منظمة إرهابية"    إقليم سطات .. العثور على جثة داخل أحد الآبار    مرشح لرئاسة "الإنتربول" يشيد بالنجاحات المتتالية في التجربة المغربية    برادة: أتولى ممارسة المسؤولية الحكومية في احترام تام للمساطر القانونية    الشرطة القضائية توقف إلياس المالكي بالجديدة    السودان.. قوات الدعم السريع تعلن هدنة إنسانية من طرف واحد لثلاثة أشهر    المنتخب البرتغالي يتخطى البرازيل ويتأهل لنهائي مونديال الناشئين    إدارة السجن المحلي العرجات 1 تنفي دخول السجين محمد زيان في إضراب عن الطعام    بنسعيد : الحكومة لا يحق لها التدخل في شؤون مجلس الصحافة    انطلاق التحضيرات لمشروع طريق سيار يربط طنجة بتطوان    الPPS يرفع مذكرته إلى الملك لتحيين مبادرة الحكم الذاتي بالصحراء المغربية    إخفاق 7 أكتوبر يعصف بكبار قادة الجيش الإسرائيلي    إضراب وطني يشل بلجيكا ويتسبب في إلغاء رحلات جوية    الرئيس النيجيري يعلن تحرير 38 مختطفا من إحدى الكنائس    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    "اتحاد حماية المستهلكين" يوضح بشأن سلامة زيت الزيتون المغربي    انتخاب سفير المغرب في المملكة المتحدة نائبا لرئيس الدورة ال34 لجمعية المنظمة البحرية الدولية    "تشويه لسمعة البلاد".. بووانو ينتقد تسريبات "لجنة الصحافة" ويتهم الحكومة ب"الشطط"    المنصوري: إعادة بناء أزيد من 53 ألف منزل في المناطق المتضررة من زلزال الحوز    طلبة "العلوم التطبيقية" بأكادير يعتصمون وملفات التحرش والابتزاز تُعاد إلى الواجهة    "لبؤات القاعة" يحصدن أول إنتصار في المونديال أمام الفلبين    سلا .. بنعليلو يدعو إلى ترسيخ ثقافة تقييم أثر سياسات مكافحة الفساد    أول رد رسمي على "تسريبات المهداوي".. بنسعيد يرفض الإساءة للأخلاق التدبيرية    تداولات إيجابية لبورصة الدار البيضاء    الرباط : افتتاح الدورة التاسعة لمنتدى شمال إفريقيا لحكامة الأنترنت    تعزيز الدبلوماسية البرلمانية في صلب مباحثات الطالبي العلمي ونظيره الكازاخستاني    عقد أولى جلسات محاكمة المتهم في قضية مقتل الفنان "سوليت" بالحسيمة    معركة الاستراتيجيات والطموحات – هل يستطيع برشلونة اختراق دفاع تشيلسي؟    حكيمي يطمئن المغاربة: عدت أقوى... والكان هدف أمامي        الرّمادُ والفَارسُ    محمد صلى الله عليه وسلم في زمن الإنترنت    ليلى بنعلي: المغرب يكرس موقعه كقطب إفريقي لقيادة التحول الاستراتيجي في المعادن    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    ميناء الحسيمة : انخفاض نسبة كمية مفرغات الصيد البحري    دراسة علمية تشير لإمكانية إعادة البصر لمصابي كسل العين        ألونسو: هذه هي الكرة حققنا بداية جيدة والآن النتائج لا تسير كما نتمنى    سيناتور يمينية متطرفة ترتدي "البرقع" بمجلس الشيوخ الأسترالي وتثير ضجة بالبرلمان    إسرائيل ترفع تأهب الدفاع الجوي غداة اغتيالها قياديا ب"حزب الله".. وتستعد لردود فعل    تسوية قضائية تُعيد لحمزة الفيلالي حريته    وفاة الممثل الألماني وأيقونة هوليوود أودو كير عن 81 عاماً    احتجاجات صامتة في الملاعب الألمانية ضد خطط حكومية مقيدة للجماهير    تتويج أبطال وبطلات المغرب للدراجات الجبلية في أجواء ساحرة بلالة تكركوست    مملكة القصب " بمهرجان الدوحة السينمائي في أول عرض له بشمال إفريقيا والشرق الأوسط    المخرج ياسر عاشور في مهرجان الدوحة السينمائي يتحدث عن فيلم "قصتي" حول الفنان جمال سليمان:    لجنة الأفلام في مدينة الإعلام – قطر تُبرم شراكة مع Parrot Analytics لتعزيز استراتيجية الاستثمار في المحتوى    من الديون التقنية إلى سيادة البيانات.. أين تتجه مخاطر الذكاء الاصطناعي؟    تحديد ساعات التدريس من منظور مقارن        دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    أجهزة قياس السكري المستمر بين الحياة والألم    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    جمعية "السرطان... كلنا معنيون" بتطوان تشارك في مؤتمر عالمي للتحالف الدولي للرعاية الشخصية للسرطان PCCA    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نورالدين مفتاح يكتب: الطريق إلى الحل الثالث
نشر في الأيام 24 يوم 13 - 11 - 2025


يوم بيوم
نورالدين مفتاح يكتب: الطريق إلى الحل الثالث
نور الدين مفتاح نشر في 13 نوفمبر 2025 الساعة 14 و 14 دقيقة
لا شك أن 31 أكتوبر من هذه السنة سيسجل كتاريخ مميز في مسار نزاع الصحراء المفتعل، وسيلتحق بتواريخ أخرى مثل السادس من نونبر 1975 الذي نظمت فيه المسيرة الخضراء كإبداع مبهر ضمن مسلسل استكمال الوحدة الترابية، وكذا 14 غشت 1979 عندما تم استرجاع وادي الذهب من موريتانيا التي اقتسمنا معها الأقاليم تكتيكيا بموجب […]
نور الدين مفتاح [email protected]


لا شك أن 31 أكتوبر من هذه السنة سيسجل كتاريخ مميز في مسار نزاع الصحراء المفتعل، وسيلتحق بتواريخ أخرى مثل السادس من نونبر 1975 الذي نظمت فيه المسيرة الخضراء كإبداع مبهر ضمن مسلسل استكمال الوحدة الترابية، وكذا 14 غشت 1979 عندما تم استرجاع وادي الذهب من موريتانيا التي اقتسمنا معها الأقاليم تكتيكيا بموجب اتفاقية مدريد سنة 1975.
ما كتبناه قبل أن يعلن الديوان الملكي اعتماد 31 أكتوبر كعيد للوحدة وهو يستحق ذلك.
ونفس التاريخ لابد أن يذكرنا بتواريخ أخرى مؤلمة، منها قبول الحسن الثاني رحمه الله باستفتاء في قمة نيروبي لمنظمة الوحدة الإفريقية حينها في يونيو 1981، واضطرار الرباط للخروج من هذه المنظمة سنة 1984.
لقد كنا في حرب دامت 16 سنة سالت فيها الكثير من دماء الشهداء من أجل الصحراء، وحتى بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، ظل المغرب يدير الإقليم ولكنه كان شبه معزول ديبلوماسيا، سواء على المستوى الإفريقي أو على المستوى الدولي. لم تكن الشرعية الدولية حينها تقاس إلا بالاستفتاء على الاستقلال أو الاندماج، وكانت الأطراف الأخرى تحارب على المستوى الديبلوماسي بشراسة وبإمكانيات مالية تقدر بملايير الدولارات.
وإذا كان الاستفتاء كخيار قد تبين في الميدان أنه على درجة من الصعوبة تجعله أقرب من المستحيل، ما دام من يحدد الهوية هم شيوخ قبائل من الطرفين، وللجميع حق الطعن في أهلية الجميع، فقد تم الدخول إلى دوامة لا مخرج منها، وتم قبول الأب مثلا ليشارك في الاستفتاء كصحراوي وتم رفض الابن أو العم أو الخال، وهذا تطلب مجهودات جبّارة استمرت لعقدين ونيف قبل أن يصبح المطلوب هو حل سياسي متوافق عليه من الطرفين بدل حل الغالب والمغلوب الذي يخرج من أي استفتاء.
في الطريق استعملت الكثير من الجبهات في الحرب، منها الدفع من طرف الجزائر بديبلوماسية «التقدمية» ضد معسكر «الرجعية» أو «حق الشعوب» في تقرير المصير ضد «النزعة التوسعية» وما كان كل هذا إلا المسوغ الإيديولوجي لحرب استعملت فيها ملايير البترودولار، التي لو قدّرت اليوم لكانت أكبر من ثروة إيلون ماسك التي تصل إلى 400 مليار دولار! وبالتالي، وفي نموذج فريد في العالم، كانت قضية الصحراء هي القضية الأولى الحيوية بالنسبة للديبلوماسية الجزائرية مع أنها تنعت نفسها بأنها ليست طرفا فيها.
والأمر لم يقف هنا، بل استعملت جبهةَ الاتحاد الإفريقي الذي عوض منظمة الوحدة الإفريقية، وخصوصا مجلس الأمن والسلم الذي كان منحازا لأطروحة الانفصال، وكيف لا وهذا الاتحاد يضم جمهورية صحراوية هي الأولى في التاريخ أيضا التي ستصبح دولة عضو في منظمة إقليمية وفي نفس الوقت تقول إن قضيتها موجودة في لجنة تصفية الاستعمار! كان الهدف هو أن يحل الاتحاد الإفريقي طرفا أساسيا بدل الأمم المتحدة في تدبير النزاع، وهذه وحدها معركة خاضها المغرب بضراوة لتبقى اليد الطولى للأمم المتحدة.
استعملت كذلك قضية حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية كسلاح سياسي ضد المغرب، والولايات المتحدة الأمريكيّة التي ناصرتنا اليوم كانت هي من اقترحت على عهد الرئيس باراك أوباما أن يتم توسيع اختصاصات المينورسو لتشمل هذه الحقوق، وهو ما تم التصدي له من طرف المغرب بشراسة واجه فيها واشنطن بلا وجل. كما استعملت قضية استغلال موارد الصحراء كجبهة قوية، ورفعت دعاوى على المغرب كان آخرها قرار للمحكمة الأوربية بإلغاء الاتفاق مع الاتحاد الأوربي لأنه يشمل منتجات قادمة من جنوب المملكة. ونتذكر أنه احتجزت سفن مغربية تحمل الفوسفاط بدعوى أنه مستخرج من أراض متنازع عليها، وهذا الجنون وجد من يتجاوب معه في جنوب إفريقيا مثلا حيث ظلت إحدى سفننا محتجزة هناك لمدة.
وعلى الرغم من أن قناعة الأمم المتحدة بدأت تتبلور في أن تفسير تقرير المصير بأنه الاستفتاء حصرا لن يفضى إلى شيء، فإن التخريجة التي بإمكانها مساعدة المنتظم الدولي على طي صفحة ما قبلناه في نيروبي سنة 1981 لم تكن موجودة. كانت الولايات المتحدة آنذاك تقول للمغرب إن الحل في الصحراء لابد له من ثمن، فما هو هذا الثمن الذي لا يمكن أن يصل إلى حدود المس بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية؟
هذه الخلفية كانت ضرورية لفهم حجم ما جرى في 31 أكتوبر، وللأسف أننا في هذا الملف وفي كل المحطات نتعامل بالكثير من الاندفاع والاحتفالية بدل الواقعية والتمحيص، ولهذا نرى أننا في محطات كثيرة سابقة تم الدفع باحتفاء بانتصارات كانت في الواقع تراجعات.
ألم نحتف بما كنا نسميه «الاستفتاء التأكيدي»!؟ وكل قرارات مجلس الأمن كنا نقول إنها انتصرت للمغرب، ولذا كان يصعب اليوم أن يفهم المواطن العادي حجم الكسب الذي تمت حياكته منذ 26 سنة بالروية والصبر الاستراتيجي. وعليه، فلا يجب مرّة أخرى أن تصل درجة احتفالياتنا إلى المستوى الأقصى حتى إذا حان وقت النهاية الفعلية نكون بلا دفوف ولا ألسنة لتزغرد أو دموع فرح لتذرف.
على عهد الحسن الثاني، كان من الصعب جدّا أن يتحدث غيره عن سيناريو للصحراء لا يكون مغربيا مائة بالمائة، وكان شبه محظور الحديث عن خيار الحكم الذاتي، ولكن في سنة 1999 حين اعتلى الملك محمد السادس العرش، كانت وضعية القضية الوطنية صعبة، والجزائر تصول وتجول في إفريقيا على الخصوص، والقرارات الأممية لا تعرف إلا تقرير المصير، وكدنا تحت ضغط جيمس بيكر سنة 2003 أن نمول نحن تأسيس جمهورية صحراوية عاصمتها العيون! عندما اقترح خطة عودة للصحراويين وبعدها ينظم استفتاء للاستقلال أو الاندماج.
ولعل سنة 2007 كانت فاصلة، حيث قدم المغرب مخطط الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية! إنها جرأة سياسية لما سمي بالحل الثالث، واللبيب سيفهم أن الحل الثالث ليس هو الحل الأول، أي أن تكون الصحراء بنفس وضعية باقي أقاليم المملكة، لا نعطي فيها امتيازات لأحد. إلا أننا عندما نتكلم في المغرب عن النزاع المفتعل فإننا نكون إزاء توصيف مر، فهذا الافتعال كان مؤامرة إقليمية جهنمية حشرت المغرب في الزاوية، صحيح أن المغرب ربح المعركة في الميدان وظل في الصحراء ولكن، لم نستطع أن نحصل على «رسم المِلكية» ما دامت صحراؤنا قد حولت إلى نزاع في محكمة مجلس الأمن. وهذا الغبن لم نعشه في الجنوب فقط، ولكن في شرق المملكة أيضا وهذه قصة أخرى.
تقديم مقترح الحكم الذاتي كان بداية تحولٍ تطلبَ عشرين سنة تقريبا ليصل إلى ما نحتفي به اليوم. قاد جلالة الملك شخصيّا استراتيجية طويلة الأمد في إفريقيا، زار أكثر من 40 دولة، وأصبح حضورنا الاقتصادي فيها وازنا، وتوج هذا برجوع المملكة إلى الاتحاد الإفريقي في 17 يناير 2017. وهذا كان إغلاقا لباب مجلس السلم الذي ظل منصة لإطلاق الهجمات الديبلوماسية الشرسة على الوحدة الترابية.
وبعدها دخلنا معركة الاعترافات. كانت المسألة تبدو غير ذات جدوى في البداية، ولكن مع النتيجة التي وصلنا إليها، تبيَّن أنها معركة كانت تستحق أن تخاض، حيث إن أغلبية أعضاء الاتحاد الإفريقي لا يعترفون اليوم بالجمهورية الصحراوية المزعومة، وثلثي أعضاء الأمم المتحدة مع الطرح المغربي. ورغم كل هذا ظل المغرب صامداً في وجه الضغط الأممي متشبثا بالحل السياسي المتوافق عليه بين الطرفين وهي صيغة القرارات الأممية اللاحقة على تلك التي لم تكن تعترف إلا بالاستفتاء، وظل متعاونا مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثيه والمينورسو إلا في مرة واحدة عندما زل بان كي مون سنة 2016 واعتبر في تصريحات بتيفاريتي أن المغرب يحتل الصحراء؟!! وهذا كان مخالفا حتى للوضعية القانونية للمغرب في الأمم المتحدة وهي وضعية الإدارة، وحينها سفّر المغرب أعضاء البعثة قبل أن تعود المياه لمجاريها.
لم يسبق خلال 20 سنة أن تحدث أي قرار لمجلس الأمن عن مقترح الحكم الذاتي كأساس للمفاوضات، فما الذي جرى؟
كل هذا التراكم الذي بدأت حياكته على منسج رفيع وبخيوط رقيقة منذ 1999 سيتوج باعتراف دونالد ترامب بمغربية الصحراء سنة 2020. بالطبع اعتراف دولة حتى بحجم الولايات المتحدة لم يكن لينهي النزاع، ولكنه كان تحولا كبيرا في قضية عادلة بالنسبة للمملكة، وكان مفتاحا لأبواب أخرى يمكن أن نقول إن اعترافاتها انتزعت انتزاعا.
القصة مع فرنسا إيمانويل ماكرون وصلت إلى حد القطيعة، وشد الحبل كان قويّا إلى أن جاء الرئيس الفرنسي وسط البرلمان المغربي ليعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء هو تحت السيادة المغربية.
وقبلها كانت المواجهة مع إسبانيا شرسة، بدأت بما أصبح يعرف بقضية «بن بطوش» كاسم مستعار لرئيس البوليساريو دخل به إلى إسبانيا ليعالج، وبعدها جرى تدفق للمهاجرين باتجاه الحدود. وعموما انتهى الأمر باعتراف إسباني ثمين من طرف جهة هي الأدرى بملف الصحراء ما دامت هي المستعمرة السابقة. وعقب هذا جاءت بريطانيا، وفي المحصلة أصبح ثلاثة من خمسة أعضاء بمجلس الأمن يعتبرون الحكم الذاتي أساسا للحل. وأثناء هذا بنى الملك محمد السادس مع روسيا والصين جدار صداقة ضمنت على الأقل حيادهما بعدم استعمال الفيتو.
لنمحص الآن قرار مجلس الأمن: لقد كانت هناك خمس مسودات، أحسنها تمدد للمينورسو لثلاثة أشهر فقط و«تدعو الأطراف إلى الانخراط في مناقشات دون تأخير على أساس الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض»، وآخرها القرار الذي تم تبنيه وهو الذي يمدد للمينورسو لسنة كاملة و«يؤكد أن الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية يمكن أن يشكل الحل الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق» و«يدعو الطرفين إلى المشاركة في المناقشات دون شروط مسبقة على أساس مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين، يكفل تقرير مصير شعب الصحراء الغربية، ويقر بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر جدوى ويشجع الطرفين على تقديم أفكار لدعم حل نهائي مقبول للطرفين».
النابه سيلاحظ الفرق بين المسودة الصفر لحامل القلم أي أمريكا وبين الصيغة النهائية، بحيث لم يبق الحكم الذاتي «حلا وحيداً» ودخلت «يمكن» في فقرة من فقرات القرار على الحكم الذاتي كحل. ولكن رغم كل هذه التعديلات التي تطلبتها المفاوضات الشاقة حتى يمر القرار، فإن قراءة الديباجة والنص ستجعلنا نخرج بخلاصة مفادها أنه لأول مرّة سيتوجه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة وهو يتأبط مشروع الحكم الذاتي بدل تأبطه للاستفتاء! أي أن الأمم المتحدة تبنت أو تملكت الحكم الذاتي المغربي ومن سيرفضه هو الذي سيصبح خارج الشرعية الدولية.
نقطة أخرى مهمة: لابد من الانتباه إلى دخول الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في هذا القرار كوسيط محتمل، وقد كانت الصيغة في أول المسودات مثيرة حيث تقول: «ويرحب بقيادة الرئيس ترامب في حل النزاع» لتتحول في الصيغة النهائية إلى: «ويعرب عن تقديره للولايات المتحدة لاستعدادها لاستضافة مفاوضات دعما لمهمة المبعوث الشخصي لإيجاد حل لقضية الصحراء الغربية والمنطقة بأسرها».
هذا لا يدل إلا على شيء واحد، وهو أن دور واشنطن لم ينته عندما جعلت مجلس الأمن يتبنى الحل الثالث كأساس للتفاوض، ولكن ربما يكون قد بدأ الآن خصوصا مع استحضار ما سبق للمبعوث الشخصي لترامب السيد ويتكوف أن صرح به لإحدى القنوات الأمريكية، من أن سلاما بين الجزائر والمغرب سيتحقق في غضون 60 يوماً!
والأمر أيضا بالنسبة للمغرب لم ينته بالقرار 2797، ولكنه بدأ. فاعتقادنا أن نص مقترح حكم ذاتي كتنازل مغربي قد كفى ووفى في الصيغة المودعة لدى الأمم المتحدة سنة 2007 وفيها أن الإقليم سيكون له برلمان وحكومة ورئيس لهذه الحكومة يعين الموظفين ويدبر الثروات، بينما تبقى للمغرب السيادة من أمن وخارجية ودفاع مع إمارة المؤمنين والعلم والعملة. فما الذي سيقدمه المغرب من تنازلات أخرى؟ وما معنى الحديث عن حكم ذاتي «حقيقي» شهورا قبل صدور القرار ثم في نصِّه؟ وكيف أصبح المغرب مجبرا على تقديم مقترح جديد مفصل قبل أن تبدأ المفاوضات، أي أنه ملزم بالمزيد من التنازلات عن صيغة 2007، ثم تنازلات أخرى حين تبدأ المفاوضات مع الأطراف؟ ثم إن أولئك الذين سيعودون من إخواننا في المخيمات، هل كلهم صحراويون؟ كم عددهم ما داموا يرفضون لحد الآن إحصاءهم؟ وإذا كان مقترح الحكم الذاتي يتحدث عن انتخاب جزء من البرلمان بالاقتراع المباشر وجزء من طرف القبائل، أفلن نعود لمتاهة تحديد هوية الناس؟ ماذا لو اتفقنا ووجدنا أن 300 أو 400 ألف يدعون أنهم صحراويون من المخيمات وقد يكونون كذلك، إلا أن الصحراء شاسعة وليس فيها الصحراء المغربية فقط؟ وماذا عن المنطقة العازلة التي توجد وراء الجدار وهي لوحدها تعادل خمس مرّات مساحة دولة كلبنان؟ هل ستتغير خريطة المملكة ويصبح بئر لحلو وتيفاريتي ومحيرس والميجك وأغويتيت والزرك ضمن التراب الوطني؟ وكيف سيتم ترسيم الحدود بين موريطانيا والجزائر بعد التسوية؟
إنها قضايا غاية في التعقيد على جميع الأصعدة حتى على المستوى الإنساني الذي حدثت فيه واحدة من أكبر التمزقات العائلية والقبلية. مثل هذه التمزقات لا تلتئم في أوراق الاتفاقيات والمعاهدات ولكنها تتطلب السنين لإزالة الأحقاد ومداواة الجروح، إلا أن الحل مهما كان معقدا فهو أحسن بكثير من هذه الأوضاع التي يوجد فيها آلاف من إخواننا في معاناة يومية داخل مخيمات مأساوية، ومن واقع تؤدي فيه الشعوب المغاربية كاملة ثمن هذه الشوكة الدامية في خصر الجميع.
لابد أن ننتبه للخطاب الملكي الذي تلا تصويت مجلس الأمن على قرار الحل الثالث، لقد كان من أكثر الخطب توفيقا وحصافة سياسية ودقة وسموا بلا مبالغة. فالملك تحدث عن الإخوة في المخيمات وعن فخامة الرئيس الجزائري وعن لا غالب ولا مغلوب وهذا منطقي، فلا يمكن أن تقدم مشروعا لمغاربة تريدهم أن يعودوا للمشترك الوطني وتستمر في مجافاتهم لا هم ولا حاضنيهم في الجزائر. والغريب أن جزءا من المتحمسين في المغرب، لسبب أو لآخر، يظنون أن حل قضية شائكة كقضية الصحراء سيقترب كلما زاد منسوب إشفاء الغليل وسب البوليساريو بالارتزاق والخيانة والسرقة، وسب الجزائر بالكراغلة، وهذه ليست إلا تجارة فاسدة لا مكاسب من ورائها إلا إدامة النزاع. والحمد لله أنه يوجد في القمرة حكيم.
لابد أن نقول الحقيقة للمغاربة البسطاء الذين لا يدخلون في التفاصيل، القضية الوطنية لم تحسم بعد، ومازالت في ردهات الأمم المتحدة كنزاع لابد له من حل، ومازالت أمامنا مفاوضات شاقة وربما علينا تقديم تنازلات مُرة حتى وإن لم تمسس فيها السيادة. ولهذا يجب أن تكون التعبئة على أساس واقعي لا على أساس إلهاب الحماسة الوطنية في كل مرة وكأننا إزاء النهاية، وبعد حين، نعاود الكرة بحماسة لنهاية أخرى وهكذا دواليك.
هذه ليست النهاية ولكنها منعطف تاريخي وازن لا يتناطح عليه عنزان وأكاد أشبهه بما قاله يوما رائد الفضاء الأمريكي أرمسترونغ عندما لامس القمر وأحور كلماته لأقول: قرار مجلس الأمن بتبني الحل الثالث لنزاع الصحراء خطوة صغيرة بالنسبة للأمم المتحدة، وخطوة عملاقة بالنسبة لأمة .. لمغرب الوحدة والديمقراطية والتلاحم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.