عقب المباراة التي جمعت بين نادي الجيش الملكي والأهلي المصري في دوري أبطال إفريقيا، أثارت موجة التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي جدلا واسعا بعدما عبرت بعض الجماهير المغربية عن خيبة أملها لعدم فوز الفريق المصري في الرباط. ورغم أن المنافسات القارية كانت دائما فضاء يلتف فيه الجمهور الوطني حول ممثليه، فإن هذا التحول الاستثنائي يعكس ظاهرة تتجاوز حدود الملاعب المغربية. لا يمكن فصل هذه السلوكات عن صراع الهوية الكروية داخل المغرب. فالتنافس الحاد بين جماهير الأندية الكبرى الوداد والرجاء والجيش الملكي وغيرهم لم يعد يقتصر على المواجهات المباشرة، بل أصبح يمتد إلى كل حضور خارجي، حيث تُقرأ كل نتيجة من منظور الربح والخسارة الرمزية داخل المشهد المحلي. وبحسب متابعين، فإن استمرار الجيش الملكي في المشاركة القارية لخمس نسخ متتالية بفضل استقرار إداري وفني ملحوظ، خلق حساسية لدى بعض الجماهير التي ترى في نجاحاته امتدادا لتفوق خصم مباشر في منافسات الدوري، فيجنح البعض إلى تمني سقوطه حتى أمام منافسين أجانب. هذه الظاهرة ليست حكرا على المغرب. في عدة دول عربية تتكرر الصورة ذاتها لذلك فقد كانت بعض جماهير الزمالك تشجع الجيش الملكي نكاية في غريمها التقليدي. والأمر ينسحب على بلدان أخرى مثل تونس والجزائر والسودان وباقي دول المشرق العربي. ويفسر متخصصون هذه الظاهرة بكون كرة القدم أصبحت تعبيرا عن الانتماء والذات الجماعية أكثر من كونها مجرد لعبة. فالمشجع لم يعد مرتبطا فقط بالوطن، بل بهوية ضيقة مرتبطة بالحي والمدينة وباللون الكروي الذي يشجعه، حتى لو تعارض ذلك مع المصالح الرمزية للكرة الوطنية. تلعب المنصات الرقمية دورا محوريا في تضخيم الظاهرة. فالمواقف التي كانت قد تظل محصورة في مدرج أو مقهى تنتشر اليوم بسرعة، ويتفاعل معها آلاف المستخدمين، مما يجعل التكريس النفسي للانقسام أقوى. كما تتيح هذه المنصات لجماهير الفرق تسجيل نقاط رمزية على الخصوم حتى في مسابقات لا تجمعهم بهم. وفي حالات كثيرة، يصبح تشجيع الخصم الأجنبي وسيلة للتنفيس عن الغضب من إدارة النادي المحلي، أو احتجاجا على غياب الفريق عن المشاركات الخارجية، أو حتى نتيجة ثقافة السخرية و"الترول" المنتشرة في الفضاء الرقمي. ويبرز التناقض الصارخ بين الحضور الجماهيري الهائل لأنصار الجيش الملكي في الملعب، الذين صنعوا أجواء استثنائية حظيت بإجماع الإشادة وإن شوهتها مناظر القنينات البلاستيكية، وبين الانتقادات اللاذعة التي ظهرت على الإنترنت، مما يعكس انقساما متسعا داخل السوسيولوجيا الرياضية المغربية والعربية. فالملعب يظل فضاء للانتماء الوطني والاحتفال الجماعي، بينما يتحول الفضاء الرقمي إلى ساحة تستعيد فيها الجماهير صراعاتها الأفقية وتعبر فيها عن انتماءات ضيقة على حساب الهوية المشتركة. في النهاية، يبدو أن تشجيع جماهير محلية لفرق أجنبية ضد أندية وطنية لا يعكس فقط صراعا رياضيا، بل يؤشر على تحولات اجتماعية ونفسية أعمق يمكن إجمالها عموما في صراع الهويات داخل الدولة الواحدة، وتوسع تأثير الفضاء الرقمي في تشكيل الولاءات، وشخصنة الانتماء الرياضي خارج مفهوم الوحدة الوطنية، وكذا رغبة الجماهير في التعبير عن الغضب والاحتجاج من خلال انحيازات رمزية. إنها ظاهرة عربية وعالمية بامتياز، تكشف كيف أصبحت كرة القدم أداة لقراءة المجتمع أكثر من كونها مجرد لعبة.