تشهد عدة مدن مغربية موجة احتجاجات تقودها فئة الشباب المنتمين إلى ما يُعرف ب"جيل Z"، وهي فئة عمرية وُلدت ونشأت في عصر الرقمنة والاتصال الفوري، وتتميز بقدرتها على التعبئة عبر شبكات التواصل الاجتماعي بسرعة لافتة. هذه الموجة تأتي كرد فعل على تصاعد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، من غلاء المعيشة وتفاقم البطالة، إلى شعور جزء من الشباب بتهميش صوتهم في النقاش العمومي والسياسي. ورغم الطابع السلمي الذي اتسمت به أغلب الوقفات والمسيرات، فإن السلطات واجهتها باستعمال القبضة الأمنية، حيث سجلت حالات تدخل عنيف وتوقيفات طالت عدداً من النشطاء والمتظاهرين. هذا الخيار الأمني أعاد إلى الواجهة نقاشاً قديماً جديداً في المغرب: هل القمع يمكن أن يكون وسيلة فعالة لاحتواء الاحتقان، أم أنه مجرد تأجيل لانفجار أوسع؟ الواقع ان "جيل Z" لا يشبه الأجيال السابقة في أدواته ولا في مطالبه. فالشباب اليوم يمتلكون لغة رقمية عالمية، ويستندون إلى مقارنات مباشرة مع أوضاع أقرانهم في دول أخرى، ما يجعل سقف انتظاراتهم مرتفعاً للغاية. كما أن حركاتهم غير مؤطرة حزبياً أو نقابياً، وهو ما يزيد من صعوبة السيطرة عليها بالآليات التقليدية التي اعتمدتها الدولة لعقود. الدولة من جهتها تراهن على "الحل الأمني" لضبط إيقاع الشارع وتجنب انتقال عدوى الاحتجاجات إلى شرائح أوسع. غير أن التجارب السابقة، سواء في المنطقة العربية أو حتى في المغرب نفسه، أظهرت أن القمع قد يهدئ الوضع مرحلياً لكنه لا يعالج الجذور العميقة للأزمة. بل على العكس، قد يفاقم من شعور الإحباط وفقدان الثقة في المؤسسات، وهو ما يعزز احتمالات تجدد موجات الغضب بشكل أشد. الحلول تمر عبر فتح قنوات حقيقية للحوار مع الشباب، وتبني سياسات عمومية جريئة تستهدف تحسين أوضاعهم المعيشية، إلى جانب إشراكهم في القرار بدل الإبقاء على مسافة فاصلة بينهم وبين مراكز السلطة. فالجيل الجديد لا يكتفي بالوعود، بل يبحث عن نتائج ملموسة تعكس احترام كرامته وحقه في مستقبل أفضل. يبقى الدرس واضحاً، القمع وحده لا يصنع الاستقرار. الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بالاستماع إلى أصوات الشباب، وبناء جسور الثقة معهم، وتحويل طاقاتهم الغاضبة إلى قوة اقتراح ومبادرة. فإما أن تستثمر الدولة في هذا الجيل باعتباره رصيداً وطنياً، وإما أن تستمر في التعامل معه كتهديد، وهو ما قد يدفع البلاد إلى دورات متكررة من التوتر وعدم اليقين.